مقالة ” الوزير سامح شكري “بمناسبة الأحتفال بيوم أفريقيا بعنوان “نحو مستقبل “أفريقي مشترك”

بقلم الوزير سامح شكري /

متابعة أميرة إبراهيم /

يأتي يوم أفريقيا من كل عام  ليعطي  لنا الفرصة لتعزيز وحدتنا، والاحتفاء بتنوعنا، والتفكير مليا في التحديات التي تواجهنا كأفارقة. لقد رأينا أفريقيا تتقدم أمام أعيننا خلال السنوات الماضية، من قارة تواجه صعوبات لا تعد ولا تحصي حتي أصبحت أرضا للآفاق الواعدة. يؤكد الدستور المصري علي هوية مصر الأفريقية، ونحن كمصريين نفتخر بجذورنا الأفريقية ونتقاسم الأحلام والطموحات مع أشقائنا الأفارقة وشقيقاتنا الأفريقيات. واليوم تحيي أفريقيا ذكري الجهود التي بُذلت لتحقيق الوحدة والتقدم، وتتطلع إلي مستقبل يقوم علي الدعم والنمو المشترك وتبادل المنافع

أصبحت مصر إحدي الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية يوم 25 مايو  1963 (وقد حل الاتحاد الأفريقي محلها اليوم) وذلك بعد التوقيع علي الميثاق التأسيسي لمنظمة الوحدة الأفريقية. وبعد 53 عاما، تبقي مصر ملتزمة بالمباديء الأساسية للمنظمة، وتستمر في إيلاء أهمية كبيرة  لجهود التعاون بين الدول الأفريقية. إن مصر واحدة من خمس دول تساهم بما يوازي 75% (15% لكل دولة من الدول الخمس) من الميزانية السنوية للاتحاد الأفريقي، كما أنها من بين الدول القائدة لجهود ومبادرات التنمية الأفريقية، وكذلك جهود إحلال السلم والأمن

وعلي الرغم مما ُأٌحرز من تقدم، فإن السنوات القليلة الماضية قد حملت في طياتها بعض الصعوبات، فقد انتشرت بعض الفيروسات القاتلة في القارة، ولازالت بعض الصراعات مشتعلة. وتؤمن مصر أن الاستقرار أمر حيوي لانتعاش القارة، ولذلك فقد أعطينا أولوية كبيرة لمسألة عضوية مصر في مجلس السلم والأمن الأفريقي، لنبذل كل ما في وسعنا من جهد يساهم في مساعدة القارة علي تجاوز ما تواجهه من تحديات. وفي هذا الصدد، فإن مصر تأخذ عضويتها في مجلس السلم والأمن الأفريقي بكل الجدية، حيث تعمل بكل دأب لتكون عند ثقة المجتمع الأفريقي في قدرة مصر علي المساهمة الفعالة في جهود إحلال السلم والأمن الإقليمي. لقد انخرطت مصر بقوة في مفاوضات السلام في القارة الأفريقية، حيث ينعكس وجودنا علي الأرض في هذه النزاعات من خلال المئات من المصريين المشاركين في صفوف بعثات حفظ السلام عبر القارة، والذين يساهمون في حماية المدنيين الأفارقة، وفي دعم الجهود الوطنية لتحقيق الانتعاش الاقتصادي. وفي تحملها لتلك المسئوليات تحرص مصر علي احترام حق كل دولة في اتخاذ قرارات مستقلة فيما يتعلق بشئونها الداخلية، وهو مبدأ يحظي بأهمية كبيرة فيما يتعلق بقارتنا     

كذلك تحرص مصر بشدة علي أن يصل الصوت الأفريقي للمجتمع الدولي، وأن تحظي قضايا القارة بأولوية في المحافل الدولية. وبعد نجاح مصر في الفوز بالمقعد غير الدائم في مجلس الأمن الدولي، أصبحت مصر إحدي الدول الأفريقية الثلاث داخل المجلس، ولم ندخر وسعا في التحدث باسم القارة جنبا إلي جنب مع شركائنا الأفارقة داخل المجلس، لتسليط الضوء علي احتياجات القارة الأفريقية وشواغلها.  وفي هذا الإطار، قادت مصر حملة لتولي رئاسة لجنة رؤساء الدول والحكومات حول التغير المناخي، في وقت حرج فيما يتعلق بالمفاوضات الدولية حول التغير المناخي وأجندة التنمية ما بعد 2015، لضمان عدم تجاهل احتياجات القارة الأفريقية. إن تأثيرات التغير المناخي تمثل تهديدا آنيا لا يمكن إصلاحه بالنسبة للمجتمعات الإنسانية، وهو ما ينطبق بشكل خاص علي قارة أفريقيا، بما لهذه الظاهرة من تأثير علي منطقة الساحل والصحراء، وتعرض بحيرة تشاد للجفاف، بالإضافة إلي موجات الجفاف الحادة والمتكررة التي تضرب الشرق والجنوب الأفريقي. هذا التهديد لا يمكن أن يترك ليتفاقم دون مواجهة، ولذلك فقد عملت مصر ومازالت تعمل في إطار الجهود الدولية للتخفيف من الآثار السلبية للتغير المناخي

ونحن نعمل معا لإحلال الأمن والسلام والرخاء لشعوبنا، تأتي الرياح أحيانا بما لا تشتهي السفن، مما يتطلب جهودا وإجراءات خاصة، وكان أحد التحديات مؤخرا هو فيروس الإيبولا، والذي تم مناقشته علي جدول أعمال مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي، وقد شعرت مصر بالقلق نتيجة انتشار الفيروس في غرب أفريقيا، وما تسبب فيه من مآسي لسكان المناطق المتأثرة به، لذلك سارعت بتقديم تبرعات عاجلة للتعامل مع هذه الظاهرة. كذلك فقد ساهمت مصر في إنشاء مركز الأمراض المتوطنة والمنقولة والإيدز في أفريقيا، لضمان قدرة القارة علي التعامل مع مثل هذه الأزمات غير المتوقعة. واليوم انحسر فيروس الإيبولا، وأصبحت أفريقيا أكثر قدرة علي مواجهة مثل هذه الأمراض

وبالتوازي مع جهودنا للتغلب على التحديات التي تواجه أفريقيا، أعطينا الأولوية الكبرى للجهود التنموية الرامية إلي تحقيق الرخاء للقارة وتحسين مستوى معيشة شعوبها. وترأس مصر حاليا اللجنة الفرعية متعددة الأطراف بالاتحاد الأفريقي التي تعمل جنبا إلى جنب مع الدول الأفريقية الأعضاء لتطوير الشراكة مع الدول غير الأفريقية، حيث تسمح جهود اللجنة الفرعية للشركاء بالاستفادة من الخبرات والمزايا النسبية لبعضهم البعض للتغلب على المعوقات التي تواجههم. وتحرص مصر أيضا علي تبادل الخبرة مع الدول الأفريقية الأخرى بما يحقق المنفعة المتبادلة والسعي للوصول إلي رؤية مشتركة 

وتتولي مصر حاليا مسئولية الملف الزراعي في الشراكة الجديدة من أجل التنمية في أفريقيا ( النيباد)، وهو أحد أهم الملفات في القارة، والذي تمتلك مصر فيه خبرة كبيرة تأمل في توظيفها لخدمة القارة وشعوبها، حيث تشغل الأراضي الخصبة جزءا كبيرا من مساحة القارة، وهو ما يجعل تطوير القطاع الزراعي أمرا أساسيا، سيكون له مردودا إيجابيا ضخما على الاقتصادات الأفريقية كما سيسهم في خلق فرص عمل وتحقيق النمو 

تسعى مصر أيضا لوضع خبرائها تحت تصرف أفريقيا من خلال الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، إحدي الكيانات التابعة لوزارة الخارجية المصرية. وتهدف الوكالة بشكل أساسي إلي تقديم المساعدة عن طريق الخبراء والاستشاريين المصريين للدول الأفريقية الأخري، بالإضافة إلي منح المساعدات الإنسانية للدول التي تعاني من الجفاف والمجاعات 

ونحن ننظر إلى المستقبل، يجب أن ندرك أن رخاء أفريقيا يقع في يد الأجيال القادمة، حيث يهدف ما نقوم به إلي وضع أرض صلبة للشباب يمكن البناء عليها للاستفادة من الإمكانات الهائلة للقارة، وبالتالي فإن أكبر استثمار يمكننا أن نقوم به هو الاستثمار في شبابنا وتعليمهم، حيث تحرص مصر على تقديم منح دراسية إلى الآلاف من الطلبة الأفارقة للالتحاق بالجامعات المصرية، والتي يحظي بعضها بمراكز متقدمة في تصنيف الجامعات الأفريقية. إن هدفنا هو تزويد الطلاب الأفارقة بأفضل تعليم ممكن حتي يعودوا إلي بلادهم بما اكتسبوه من معرفة. إن حجر الأساس الحقيقي لتنمية القارة هو تعليم الأجيال القادمة

إن التاريخ الأفريقي حافل بالصراعات، ولكن هذه الصراعات وقدرتنا على التغلب عليها في مواجهة كافة الصعاب هو ما يميزنا حقيقة كأفارقة 

ولعل التحديات غير المسبوقة التي واجهتنا وتغلبنا عليها قد أمدتنا بالكثير من العزم وقوة الشخصية، ولقد ثابرنا وتقدمنا  بالارتواء من المورد الذي لا ينضب وهو الأمل الأفريقي الفريد الذي لا يموت 

واليوم نتذكر انتصاراتنا العظيمة ونتعلم من أخطائنا، ونتأمل التحديات والفرص الحالية، ولكننا أكثر من أي شئ ننظر إلي مستقبل أفريقيا بأمل

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان