مصر العظيمة.. وحضارتها الإستثنائية ..” أخناتون والآتونية “من زاوية خاصة

 بقلم جلال معوض/
منذ نهاية العصر الحجرى الوسيط وبداية العصر الحجرى الحديث فى نهاية الألف الخامس وبداية الرابع قبل الميلاد ، كانت قد إستقرت الشمس كأعظم القوى الكونية فى وجدان المصرى القديم ،
ومنذ العصر العتيق ظهر إسم ( رع ) فى إسم الملك رع نب ( رع هو السيد ) ، ولم يكن هذا بغريب فى وطن كانت أقدم عواصمه الدينية والسياسية هى مدينة ( أون ) وعاصمة وحدته السياسية الأولى فى الربع الأخير من الألف الخامس قبل الميلاد ، ومدينة ( أون .. هليوبوليس .. المدينة المقدسة .. مدينة الشمس ، هى صاحبة أقدم نظريات البشر تصورا فكريا لخلق الكون ،، وسرعان ما ظهرت بنوة الملك لرع ( النتر المقدس الشمسى ) فى لقب سا رع ( إبن النتر رع ) فى بداية الأسرة الرابعة فى منتصف القرن السابع والعشرين قبل الميلاد ، وقتها توجهت كل الأنظار إلى أون ( عين شمس والمطرية الحالية ) ، وسيطرت المدينة الشمسية تماما وخاصة ملوكها ذوى المذهب الشمسى والمرجعية لمعبد وسدنة معبد رع فى أون منذ بداية الأسرة الخامسة
 ظهر ( أتون ) على جدران مقر الملك ( ونيس ) وليس ( أوناس ) فى نصوص هرمه بسقارة فى نهاية الأسرة الخامسة فى القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد ، كان ( أتون ) نترا وتجليا كونيا شمسيا يختلف عن النتر رع ، كان تابعيه شمسين أيضا ولكنهم أكثر تصوفا وتجردا حنفيا كما أطلق عليهم عبد العزيز صالح رحمه الله ( أبو علم المصريات فى العصر الحديث ) ، وظهرت ملامح الآتونية جلية فى عصر تحتمس الرابع بأذرع الشمس الممتدة تمنح الحياة والنعم لتابعى وللمؤمنين بأتون كمعبود خفى خالق آيته الكبرى الشمس أكبر طاقات الكون التى بدونها لا حياة ،
كان هذا هو الحال فى عهد تحتمس الرابع جد أخناتون وكذلك فى عهد والده سلطان مصر القديمة أمنحتب الثالث وزوجته أم أخناتون الملكة ( تى ) ، حتى وصلت للعام الخامس من تولى أخناتون عرش مصر حينما كثر أتباع الآتونية كعقيدة فأخذ قراره التاريخى كأول من نادى بتوحيد الإخلاص والإيمان بالخالق دون شريك له ،، 
.. إذا لم تكن الآتونية حركة دينية وافدة ولم تتأثر أبدا بالفكر الإبراهيمى ، وإنما كانت ومعبودها النتر ( أتون ) مذهبا دينيا مصريا خالصا يتبع الفطرة الدينية ذات المرجعية السماوية للمصرى القديم قبل الزمن المتعارف عليه لظهور الرسالات السماوية و منذ أقدم توثيق لأتون فى نصوص أهرامات الأسرة الخامسة والسادسة فى الألف الثالث والعشرين ق. م. حتى أعلنها أخناتون ديانة وحدوية شبه توحيدية فى القرن الرابع عشر قبل الميلاد ، حيث قام بترقية ( أتون ) من قوة كونية تعبر عن الشمس آية الخالق الكبرى وتجليه كمانح للكائن الحى أهم سبل البقاء بما تمثله الشمس لكل دابة ونبته فى الكون من مسببات الحياة ، إلى معبود كامن خلف هذه الآية حيث يطلع على خلقه ويدبر الأمر لمخلوقاته ولا تدركه الأبصار ولكن تراه القلوب والعقول من خلال قدرته اللامحدودة ..
لهذا فإن التزامن التاريخى بين مملكة داود وسليمان وعصر النصف الثانى من الإسرة الثامنة عشرة مستحيل ، ولم يكن أخناتون هو موسى عليه السلام ، ولم يكن ( دودو – توتو ) الأسيوى المشرف على قصره وإقتصاده وخزائنه وحريمه هو نبى الله يوسف عليه السلام ، ولا عبريا الأسيوى هو أيضا يوسف النبى ، فمنذ بداية عصر الإمبراطورية وجلب تحتمس الثالث لأبناء الملوك والحكام الأسيويين معه بعد فتوحاته فى آسيا ليتم تربيتهم وتعليمهم فى مصر مع أمراء القصر الملكى المصرى سنجد أن مصر وبلاط ملوكها صار متقبلا وجود الأجانب فيها كموظفين فى مناصب مهمة وحساسة، بل أن بعضهم تمصروا ورفضوا العودة لأوطانهم وأخلص معظمهم لوظائفهم العسكرية والمدنية ، وطالما نفتقر للدليل الآثارى فلا مجال للإدعاء والتخيل ، فإن آفة كتابة التاريخ هى عبارة ( نقلا عن .. أو الإفتاء بغير علم ) ولا تقارب زمنى وحضارى ومكانى بين نفرتيتى وبلقيس ملكة سبأ 
هذا إذا إبتلعنا على مضض فكرة هروب نفرتيتى والآتونيين من مصر إلى اليمن وهذا درب من دروب الخيال ، الأدلة الآثارية الحديثة أثبتت وجود نفرتيتى ملكة محبوبة بجوار ژوجها أخناتون حتى العام الخامس عشر من حكمه على أقل تقدير ، هناك نقش يصور أخناتون ونفرتيتى وإحدى بناتهم يزورون ملكة معها وليدها فى مخدعها ( غالبا ) هى الزوجة الملكية الثانية ( كيا ) والطفل ( ربما ) توت عنخ أتون ( أمون فيما بعد ) وليدها ( ؟؟؟ )الذى سيصبح ملكا فيما بعد .. لم يكن أخناتون وهو يكتب تراتيله وصلواته لإلهه الواحد الأحد فى العام ١٣٣٤ ق. م. بقريب زمنيا من مملكة نبى الله داود وإبنه النبى الملك سليمان عليهما السلام بل يسبقهم أخناتون وزوجته الملكة نفرتيتى بأربعمائة عام على أقل تقدير ، فلم تكن نفرتيتى ملكة سبأ ، ولم تتزوج نبى الله سليمان ، ولم تهرب إبنتاها ( مريت أتون ) أو ( عنخ إس با أتون ) زوجة الملك توت عنخ أتون ( أمون فيما بعد) إلى أوربا بإسم الأميرة سكوتا لتؤسس مملكة إسكتلندا القديمة ، إن مقابر وادى الملوك إحتضنت أخناتون وعائلته كلها حتى من مات فيهم فى عاصمته آخت أتون قد نقلوا إلى وادى الملوك بعد عودة توت عنخ أمون إلى طيبة ، وأجسادهم وبقايا مومياواتهم محفوظة فى المتحف المصرى بالقاهرة ، لقد حددنا بعضهم ولازال الباقى تحت البحث ، وإن كانت معظم أچسادهم قد طالها تدمير كبير فسببه الرئيسى لصوص المقابر فى مصر القديمة و الفترة ما بين ١٨٠٠ حتى ١٩٥٠ فى العصر الحديث وهى فترة نهب المقابر على يد الأجانب دون وعى من الأسرة العلوية بقيمة الآثار وتاريخ مصر العظيمة وحضارتها الإستثنائية ، فأتمنى أن الإنبهار بالحضارة المصرية لا يسمح لبعض المنبهرين أن يحملوها تخيلات وإفتراءات هى منها براء
** الصراع بين أمون وأتون ..
لقد كان صراع أتباع النتر أمون مع أتون وتابعى أخناتون مبنى على الريادة وليس على الإقصاء والتطهير العرقى وقتل اتباع الآتونية ، ليس على ذلك إرتكزت العقيدة الدينية للمصريين قديما وكذلك إستمرت حتى اليوم ، لقد كان أخناتون فى مأمن من أى خطر بوجود أمه الملكة تى وخاله الوزير آى والقائد العسكرى حور محب زوج موت نجمت أخت نفرتيتى زوجته بل إنه بعث سمنخ كارع للإجتماع وزيارة كبار أتباع أمون فى طيبة فى العام الحادى عشر من حكمه لتهدئة النفوس وبداية صفحة جديدة معهم ، إن رمزية الصراع السياسى والحربى بين حور وست فى توحيد مصر فى عصرها العتيق والأساطير المصرية لم يتعارض أبدا فى تبجيل كلا النترين فى مجمع القوى والتجليات الكونية فى ذهن وعقيدة المصرى القديم ، والتدمير الهائل لعاصمة أخناتون لم يكن فى معظمه لغرض إنتقامى بل جزء كبير بفعل الزمن وإعادة إستخدام لأحجار مدينة ناشئة صغيرة شيدت وهجرت على عجالة فى عمر لم يتعدى كله العشر سنوات أو أكثر بقليل ، بل أن الإضرار المتعمد لم يتعدى فى رأيى حالات فردية ، حتى تماثيل أخناتون وصوره لم تدمر بصورة إنتقامية ، فالباحثون فى علم المصريات يعلمون جيدا الإنتقام العقائدى المصرى القديم حيث ينصب على تدمير الحواس فى التمثال والصورة ومحو الإسم من الوجود وتجريد المغضوب عليه من مسببات الأبدية فى الآخرة وهذا لم يحدث للآتونيين ولأخناتون نفسه سوى فى شواذ لا تخدم القاعدة ، والإهمال المتعمد لأخناتون فى بعض سجلات الملوك ووصفه ( بالعدو ) كان سببه ملكيا سياسيا ودينيا لإرضاء أتباع أمون وكهنته وكذلك لخروجه على السياق الدينى والثوابت الملكية والشعبية التى تحكم العقيدة المصرية التى إحتوت الآخر بل تضمنت وتآلفت مع مقدسات ومعبودات من خارج مجمع النترو والتجليات الكونية المصرى القديم ، إذا أردنا الدليل فلنرى معبد أتون فى الكرنك ولنبحث أيضا فى إعادة إستخدام حجارة آخت أتن ( تل العمارنة ) فى أبنية عصور تالية ولعل أشهرها حجارة التلاتات الآتونية فى حشو أصرحة الكرنك ، كان الإقصاء لأخناتون كفكر ومنهج ، وليس لأتون ولا الآتونيين ، لقد إرتد منهم من أراد وبقى على عقيدته من أراد ، ومعظم البشر على دين ملوكهم يا سادة ، فى عام ٢٠٠٧ إكتشفت البعثة الهولندية المصرية فى سقارة بجبانة الدولة الحديثة مقبرة ( بتاح إم ويا ) حامل أختام الوجه البحرى والمشرف على معبد أتون فى منف ، كان هذا إسمه عند تدشين أتون معبودا أعلى للدولة المصرية فى هذا الوقت لقد كان إسمه ( أمون إم ويا ) قبل أخناتون وإرتد إليه بعد موت أخناتون وسبقه (مرى رع ) الذى كان إسمه ( مرى نيت ) وفعل نفس تغير الإسم والإرتداد ، وقد ظلت مقابرهم ونقوشها وأسماء أصحابها ومعبودهم وتماثيلهم دون تدمير متعمد إلا بإعادة إستخدام أحجارها فى عصور تالية وهى عادة دأب عليها المصرى القديم . 
إن الإختفاء لا يعنى الفناء بل يعنى إحتمالية الوجود وأقصد بذلك دليل أثارى لم يكتشف بعد تكتمل به رؤى محتملة ، إن سلاسة وسلامة إنتقال الدنيا والدين لأخناتون وأتباعه وعاصمته وتهنئة ملوك الممالك الإخرى فى الشرق الأدنى القديم حتما لن تؤدى بعد خمسة عشرة عاما هى عمر الآتونية بفكر أخناتون لحرب إبادة للبشر والأثر فى آخت أتون ، إنه صراع سياسى دينى فكرى ودبلوماسى قادته الملكة تى وحورمحب للعودة لطيبة والموروث القديم للعقيدة المصرية ..
تلك الخطوة الإرتدادية نحو طيبة وأمون حمل ترهاتها وغموضها وتخبطها ملكان غضان مريضان هما سمنخ كا رع وتوت عنخ آتون ( توت عنخ أمون ) بعد ذلك وختمها الملك العجوز الآتونى الآمونى ( آى ) ، وهو قائد سلاح العربات الحربية وذو مرجعية دينية ( مينية) ( النتر مين) آتونية آمونية ، وبه فى رأيى إنتهت الأسرة الثامنة عشرة ذات النهاية الدينية والصراع العقائدى ، وبدأت الأسرة العسكرية وإعادة الإحترام العسكرى والسياسى للأمبراطورية المصرية على يد أبطالها بداية بحور محب ثم الرعامسة الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين حتى رمسيس الثالث ..
وعودة لتخبط عصر أخناتون ، فنجد أن الآتونية لم تقتصر على أخت أتون عاصمة أخناتون ، بل تعدتها إلى ربوع مصر القديمة كلها سواء طيبة نفسها معقل أمون أو العاصمة القديمة منف ، بل أن التبشير تخطى الحدود الوطنية إلى أنحاء الإمبراطورية المصرية المترنحة بسبب سلمية أخناتون ،
وعلى كل حال ، بموت إخناتون فجأة وفاة طبيعية أو حتى عن مؤامرة ، فقد ماتت الآتونية كرسالة فطرتها سماوية كان هو وحيها ونبيها لأتباعه الآتونيين فإنقطعت الصلة بين التابع والمتبوع بموته ولم يكن هناك من بعده من وريث للنبوة الآتونية ، وربما حاولت نفرتيتى ذلك ولم تفلح ؟؟؟ وربما لعبت أيضا دور وريث العرش الملكى ولم تقنع هى وسمنخ كا رع شريكها فى الحكم ؟؟؟ ، فكان القرار للملكة الجدة ( تى ) بإسناد وثيقة العرش والملكية للطفل الصغير ذى التسع سنوات توت عنخ أتون إبن أخناتون من الملكة ( كيا ) وإصطحبت معها الأميرة ( عنخ إس إن با أتون ) إبنة نفرتيتى ، وإستقلت المركب الملك الملكى عائدة إلى طيبة ، لتعلن فور وصولها لمعبد أمون تغير لقب الملك الصبى إلى توت عنخ أمون وكذلك الملكة الصغيرة عنخ إس إن أمون وإعلان زواجهما على يد كهنة أمون لتنتهى رواية لم تكتمل فصولها ..
ومازال يعيش غموض الرواية الآتونية حتى اليوم إنتظارا لكشف أثارى قريب يزيل هذا الغموض . . وللحديث بقية ؟؟!!؟؟ 
تحياتى. ………… ( جلال معوض )
مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان