مبادرة الرئيس السيسي وأثرياء مصر

بقلم -هاني المصري

يعيش المصريون الآن مرحلة من أصعب مراحل تاريخهم القديم والحديث.. وإذا كنا قبل ذلك قد واجهنا أزمات متعددة الأسباب والظواهر ابتداء بما حدث في نكسة 67 وانتهاء بإغتيال رأس الدولة في بداية الثمانينات فقد عبرت مصر من هذه الأزمات لأن إرادة الشعب وتلاحمه مع قواته المسلحة كانت حائط الصد الذي تحمل كل هذه الظروف.. كان هناك ظهير شعبي متلاحم وقف خلف الجيش في كل معاركه حتى وإن جرت على بحار من الدم والرمال في سيناء.. وهذه المنظومة تمثل حالة شديدة الخصوصية في تاريخ المصريين ان يقدم الشعب النموذج والقدوة في الوطنية ويقدم الجيش الدم والحياة فداء لوطن يستحق.. لقد قدم الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرته لشعب مصر داعيا لأن يتحمل كل مواطن مسئولياته تجاه ظروف صعبة تمر بها البلاد.. وقد بادر السيسي بتقديم نصف ميراثه عن والده ونصف راتبه كرئيس للدولة.. إن المعنى الحقيقي لهذه المبادرة، اننا اعتدنا من المسئولين ان يأخذوا كل شئ ولا يقدموا أي شىء بل ان البعض منهم كان يمن علينا انه تنازل حين قرر ان يكون رئيسا، وكانت أبسط الكلمات التي تقال للمصريين في أوقات المحن والأزمات ماذا نفعل لكم وأنتم تزيدون كل يوم أعدادا في السكان؟! رغم ان حكومة الصين تطعم وترعى وتحمي مليارا ونصف المليار إنسان.. كان المسئول الكبير في مصر يعتبر انه أكبر من الحساب وانه قبل السلطة مرغما وانه كان جديرا بأن يحكم شعبا أفضل. لقد القى السيسي الكرة في ملعب المصريين وهو لم يغير موقفه حين أعلن صراحة – وقبل ان يصبح رئيسا – انه لا يملك الحل وحده ولكن الشعب شريك في كل شىء، ان مبدأ الشراكة أعلنه السيسي من البداية وحتى لا يقال له يوما لقد نصبناك رئيسا وعليك ان تنقذ السفينة وحدك.. هذا المفهوم الخاطئ لمعنى المسئولية والسلطة يؤكد ان المصريين في حاجة إلى ان يفيقوا من عصور الظلام ويدركوا المعنى الحقيقي للمشاركة الشعبية.. بداية لا أعتقد ان الرئيس السيسي أطلق مبادرته لحزب الفقراء، لأن الرجل يعرف ان هذا الحزب هو أكبر أحزاب مصر عددا وأقلهم حظا وانصافا في الحياة، وان هذا الحزب لا يستطيع ان يتحمل ضغوطا أخرى ويكفيه ما حدث في عصور مضت استباحت حقوقه واهدرت كرامته. إن هذا يعني ان مبادرة السيسي كان هدفها أغنياء مصر، وهنا لا بد ان نوضح ان المقصود ليس طائفة رجال الأعمال فقط، كما يتصور البعض.. لاشك انهم يمثلون الجزء الأكبر من السلالة المالية التي احتكرت ثروات مصر.. لكن هناك طوائف أخرى من الأثرياء الذين جمعوا ثروات ضخمة وأصبحوا الآن مطالبين بالوقوف مع وطنهم في هذه اللحظة التاريخية. إذا كان الرئيس السيسي قد قدم مبادرته بطريقة رفيعة فإن الإعلام المصري وهو يطالب الأثرياء بالمشاركة ويدعو رجال الأعمال لتقديم تبرعاتهم هذا الإعلام بالغ في تناول القضية والحديث عنها حتى انه وصل إلى درجة التهديد لمن لا يتبرع ويشارك بأنه سوف يلقى مصيرا مجهولا مؤلما والأوراق جاهزة لدى الأجهزة على طريقة تشويه صورة شباب الثورة في الإعلام المصري هذا الأسلوب في التعامل مع هذه القضية الحساسة وضع الإعلام المصري في صورة سيئة أقل ما توصف به انها كانت جليطة إعلامية.. ان القضية لا تحتمل التهديد لأن الوطنية ليست سوقا للمزايدات بل هي دافع إنساني غاية في النبل والترفع وحين يتحول إلى صفقة فهو يخسر أعظم وأجمل ما فيه.. إذا كان بيننا شباب قد استشهد في ثورة يناير.. وجموع حاشدة خرجت في ثورة يونيو ورجال ضحوا بأرواحهم فداء لهذا الوطن من رجال الجيش والشرطة.. وإذا كانت المرأة المصرية قد خرجت وفرضت ارادتها على الجميع.. وإذا كان الرئيس السيسي مع مجموعة من رفاق السلاح قد وضعوا رؤوسهم على اكفهم لإنقاذ هذا الوطن فإن الواجب والمسئولية يحتمان الآن على رجال الأعمال في مصر ان يساندوا بقوة مبادرة السيسي.. كان السيسي يتحدث عن دور الشعب ومسئولياته مع سلطة الحكم قبل ان يصبح رئيسا ولكنه الآن حين يتحدث بهذه الصورة وهذا الحسم ويطالب الشعب بأن يقف مع وطنه فإن لهذا الكلام دوافع كثيرة لعل أخطرها انه رأى الصورة كاملة وادرك حجم مخاطرها.. نحن أمام أكثر من 2 تريليون جنيه ديونا عليها مستحقات سنوية في خدمة الدين تزيد على 250 مليار جنيه يضاف إلى ذلك عجز في الميزانية اقترب من 200 مليار جنيه، وقبل هذا كله أزمة الطاقة ورواتب العاملين في الدولة والتزامات الدعم على الحكومة تجاه محدودي الدخل وأزمة البطالة وتشغيل الشباب والرعاية الصحية ومحنة التعليم والعشوائيات والخدمات والمرافق وإذا كانت الأجور تمثل 27% من الميزانية والدعم 30% وخدمة الدين 26% فماذا يبقى بعد ذلك.. حين شاهد السيسي الصورة من الداخل ومدى خطورتها على مستقبل مصر خرج الرجل بمبادرة للمشاركة وجمع الشمل وإنقاذ الدولة المصرية وطنا وشعبا وامانا. أنا لا أتصور ان يخذل رجال الأعمال الشعب المصري وهو ينتظر منهم الكثير.. ان هذا وقت التضحيات وإذا كان بيننا من جمع أموالا ضخمة فإن الواجب يحتم عليه الآن ان يؤكد ولاءه لهذا الوطن. > نحن أمام صفقات عقارية تمت على أراضي الدولة لحساب مجموعة من الأشخاص اقاموا القرى والمنتجعات وحصلوا على هذه الأراضي بأسعار رمزية وحققوا مكاسب ضخمة والواجب يحتم عليهم الآن ان يقفوا مع وطنهم في محنته.. لنا ان نتصور آلاف المنتجعات التي اقيمت عليها القصور والفيلات والعمارات والمؤسسات التجارية.. اننا بحسبة بسيطة سوف نكتشف حجم الأرباح والمكاسب.. إذا كنا أمام ألف فيلا وسعر الفيلا الواحدة خمسة ملايين جنيه فنحن أمام 5 مليارات جنيه.. وإذا كنا أمام برج ضخم على النيل وفيه 300 شقة وسعر الشقة 3 ملايين جنيه فنحن أمام مليار جنيه.. > لنا ان نتصور مساحات الأراضي التي حصل عليها رجال الأعمال وعدد من رموز المجتمع في 6 أكتوبر والتجمع الخامس ومرتفعات القطامية والطرق الصحراوية والمناطق السياحية في سيناء ومئات الآلاف من الأفدنة التي حصل عليها هؤلاء وهي من حق الشعب الذي فرطت فيه الحكومات المختلفة.. > لنا ان نتصور ان مصر خسرت في ثلاثين عاما أكثر من ثلاثة ملايين فدان تحولت إلى عقارات ومساكن ومنتجعات لو ان هذه المساحة تحولت إلى أمتار وحتى لو كان سعر المتر في المتوسط مائة جنيه فنحن أمام عدد كبير من المليارات التي تكونت منها طبقة أثرياء مصر في ثلاثين عاما. > لنا ان نتصور مشروعات القطاع العام التي بيعت ضمن برنامج الخصخصة وتحولت أراضيها إلى قصور وفيلات وبيعت معداتها بأسعار خيالية في سوق الخردة ومعها الفنادق ومساحات شاسعة من الأراضي تحيط بها.. ولنا ان نتصور الخسائر التي لحقت بالمال العام أمام هذا البيع الإرتجالي المشبوه .. > لنا ان نتصور حجم المكاسب والأرباح في أسواق السلع التموينية والثروات التي تحققت أمام استيرادها وتخصيصها لمجموعة من الأشخاص كانوا يهيمنون على أسواق استيراد السلع الغذائية ابتداء بالقمح والسكر والزيوت وانتهاء بالسلع الكمالية، لم يكن من العدل ان يحتكر خمسة أشخاص أو أقل عمليات استيراد القمح لحساب دولة هي أكبر مستورد للقمح في العالم. > لنا ان نتصور المدن السياحية التي احتكرها مجموعة من الأشخاص في شرم الشيخ والغردقة والسواحل المصرية في اكثر من مكان.. ويكفي ان أهالي سيناء كانوا بعيدين تماما عن خيراتها ومصادر الرزق فيها بينما تقام المنتجعات لحساب عدد محدود من الأشخاص في العصر الذهبي للسياحة المصرية. > لنا ان نتصور أرباح البورصة المصرية والمضاربات التي كانت تتم بدون شفافية واللعب في الأسهم انخفاضا وارتفاعا وكيف كانت المضاربات تحقق أرباحا خيالية خاصة في المراحل الأولى لطرح الأسهم وتوزيعها في سرية كاملة وبيعها لعدد من الأشخاص. إن العبث الذي حدث في البورصة المصرية وحقق مكاسب مذهلة لأعداد قليلة من رجال الأعمال والمضاربين يستحق وقفة صادقة لكشف الأسرار في هذا القطاع الحيوي. > لنا ان نتصور المكاسب والأرباح التي تحققت في تجارة التعليم ابتداء بالمدارس الخاصة وانتهاء بالجامعات بما في ذلك الأراضي التي حصل عليها أصحاب هذه المشروعات التعليمية التي قسمت المصريين إلى فئات وطبقات بين من يملكون ومن لا يملكون ولنا ان نتصور الأرقام الخيالية التي يدفعها أولياء الأمور لأبنائهم في المدارس والجامعات والتي تدفع بالدولار والعملات الصعبة. > لنا ان نتصور طبقات المهنيين وما حققوه من مكاسب في المستشفيات والمكاتب الفنية ومكاتب المحاماة وطبقات المستشارين في كل المجالات ومواكب الدروس الخصوصية في كل مراحل التعليم. > لنا ان نتصور صفقات البيع والشراء في أسواق الجملة ابتداء بالخضراوات وانتهاء بالمحلات والتجمعات التجارية الكبرى والأرباح الوهمية التي يحققها هؤلاء في رحلات يومية بين فلاح يبيع بأقل الأسعار وتجار يربحون الملايين كل ساعة. لا أعتقد ان مبادرة السيسي كانت موجهة فقط إلى رجال الأعمال ولكنها موجهة إلى كل أثرياء مصر ليؤدوا دورهم. هذه نماذج قليلة لبعض المجالات التي حقق أصحابها مكاسب رهيبة وأرباحا خيالية في ظل غياب كامل لمفاهيم العدالة وحقوق المواطن والملكية العامة والفرص المتكافئة والزواج الباطل بين رأس المال وسلطة جائرة وزعت موارد الوطن على مجموعة من الأشخاص.. إن هؤلاء جميعا مطالبون الآن بأن يقفوا مع مبادرة الرئيس السيسي في انقاذ الاقتصاد المصري الذي يعاني ظروفا صعبة ولا يعقل أبدا ان تكون هناك دعوات في العالم العربي لحشد دعم اقتصادي لمصر من الأشقاء العرب بينما أثرياء مصر غارقون في أغانيهم الوطنية التي لن تقدم ولا تؤخر شيئا. تبقى كلمة لأبناء مصر في الخارج وأنا لا اتصور انهم في حاجة إلى من يدعوهم للمشاركة لأن مواقفهم واضحة وتاريخهم يؤكد دائما قيمة الولاء للوطن. بقيت ملاحظة أخيرة وهي ضرورة تأكيد الشفافية في التعامل مع صناديق جمع التبرعات في إطار مبادرة الرئيس السيسي حتى لا تتسرب هذه الأموال إلى صندوق من الصناديق الحكومية المشبوهة.. لا بد من إشراف حقيقي على هذه الأموال حتى لا تلحق بأموال أخرى سافرت في سنوات مضت ولم ترجع ومازلنا نبحث عنها. هذه مخاوف مشروعة أمام تاريخ أسود لأنظمة وحكومات ثار الشعب عليها لأنها لم تكن أمينة على مال هذا الشعب في يوم من الأيام وجاء الوقت لتصحيح المسار.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان