ما بين عبقرية الله ، وغباء الشيطان

بقلم وائل يوسف

منذ مليارات السنين لا ندرى حسابها على وجه التحديد ، ومنذ ان كنا كبشر مجرد فكرة فى عقل الإله لم يضعها بعد بين حرفى الكينونة الكاف والنون حدثت تلك الواقعة والصراع بين التحديث وبين التقليد، وبين الإبداع وبين الإنحطاط، بين الحركة والديناميكية وبين الجمود والسكون والإستاتيكية ، بين عقل الإله المبدع والمتجدد ، وبين تحجر الشيطان وتمسكه بالوضع القائم ومحاربته للتغيير .
يقرر الإله الذى يستدعيه إبداعه الدائم وخياله الذاتى الذى يخلقه دوما دونما الإحتياج إلى واقع ينسج منه خياله ليتخطى به ذلك الواقع بضع خطوات وإنما خياله المبدع يأتى دائما كعالم جديد يختلف فى مادته ، وفرضياته ، والقوانين التى تحكمه عن كل كيان اوجده خياله من قبل ، لذا سئمت روح الإله المتجددة الطبع والتى كل يوم هى فى شأن أن ترى الكون سائرا على نمط واحد ملائكة تسبح وتمجد ، وتركع وتسجد ، ملائكة خلقوا جميعا متشابهى الشكل والجوهر ، منزوعى الشهوة ، مكتملى المعرفة لذا فإنهم لا يفكرون ولا يتأملون ولا يستشعرون لذة التدرج فى المعرفة عن طريق العقل ، ولا يتجرعون حلاوة التجربة بعد عناء الفشل . كان إبليس أو الشيطان هو رئيسهم وطاووسهم لم يترك شبرا فى فلوات الوجود إلا عبد الله عليه ، كان رائدا لتلك المدرسة المحافظة وراعيا لإستمرارها ، ومدافعا عن تقاليدها العريقة إلى آخر ما يملكه من جهد ، هذا لأنه لم يكن يملك ملكة الخلق ، والإبتكار ، والتجديد التى أودعها الإله نفسه وإختصها كإحدى صفاته المميزة ، وماذا عساه أن يفعل حينما قرر الإله أن يثور وتتقمصه روح الفن ليبدع نظاما آخر فيه خلقا آخر مخلوقا من مادة أخرى تقع بين بهيمية الجسد المخلوق من التراب والطين والمستودع فيها المتعة والشبق ، وبين نورانية الروح المستودع فيها الأخلاق والقيم . ومن هنا يبدأ صراع الحياة وتتعمق جوانب الفن فى هذه الخلطة السحرية التى تجعل للحياة طعم آخر وتعطيها نكهة التوابل المحرقة فى إقتراف المعاصى والمخالفات ، كما تعطيها القوة الآتية من عالم الروح لقمع سلطان الجسد ورياضة النفس والعودة إلى التوبة. هذه الحياة الصاخبة والمتجددة كرهها إبليس الذى تقولب فى القديم فتحجر إبداعه ، وشل فكره، ونضبت قريحته فقرر ساعتها أن يعترض ،، ولكن إعتراضه كان غبيا فهو نفسه أصبح جزءا من المنظومة التى إعترض على قيامها ، ورغما عن أنفه كان هو الوقود الذى يشتعل به صراع الحياة ليزيده زخما وحيوية ، وحافظ على إحداث التوازن بين الخير والشر ، واصبح هو الخادم الأول لهذه السيمفونية الإلهيه الإبداعية .
لم يبدع إبليس ولكنه تسلم دوره خانعا ليمثل عنصر الشر ، وليكون فقط مجرد ممثل يؤدى ما وكل إليه من دور كتبه مؤلف عبقرى، ومخرج فذ تعامل مع كل عناصره الفنية بإمتياز ، وفنان عظيم متعدد المواهب لا تنقطع مفاجئاته وعجائبه وهو الوحيد القادر على أن يخرج عن النص دون أن يخل بالمضمون. فيا أيها الناس ويامن تبحثوا عن الإختلاف والتميز ، حجوا إلى محاريب الفن فهناك ستجدون الله ماثلا بكل عظمته ، ولمساته الإبداعية يحيى إختلافكم ، ونبوغكم ، وينفخ فيكم من نسمات روحه فتتجلى على حواسكم ، وجوارحكم فنا تستعذبون به طعم الحياه ، ويا أيها الجامدون ، والمتخلفون ، والمتشبثون بالقديم وبكل تقليد أخرق وبالى إقبعوا فى كهوفكم الخربة مع شياطين الجاهلية التى تريد أن تعيدكم إلى الوراء ، وتلغى عقولكم ، وتجعل منكم حواسا كسيحة ، وجثث ميته مصيرها للتحلل ، وتقص لكم اجنحة الخيال والإبداع لتلصقكم بقيودها على الأرض، وتحرمكم ملكات التحرر نحو السمو والإنطلاق إلى آفاق أبعد وأبعد ، وسموات أرحب. فيا أيها الإنسان كن مبدعا يفرح بك من أبدعك.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان