شباب مصرومأساة الانقسام

 

62912_447563138677295_1451104596_n

هانى مدحت

أقف حائرا أمام أجيال الشباب أرى قلبي معها إلى آخر مدى.. وأشفق عليها من واقع بغيض استباح أحلامها وعبث كثيرا في عقولها واستخدمها لتحقيق أغراض وطموحات أجيال أخرى لم تكن على مستوى الوفاء والمصداقية أشفق كثيرا على هذه الحشود التي تترصد بعضها في الشوارع وهي تحمل أفكارا مغلوطة وأحلاما في التغيير هي أبسط حقوقها وأبعد ما تكون عن واقعها.. كل أطراف اللعبة السياسية في مصر استخدمت الشباب وقودا وكانت تفعل ذلك عن وعي وإدراك بل إنها تدرك خطورة ما فعلت.. حين قامت ثورة يناير كان وقودها الشباب وكنت أراهم على شاشات التليفزيون وصهيلهم يهز أرجاء العالم وليس مصر وحدها..

كان مشهدا رائعا لا يمكن أن تنساه العين وكان ميلادًا جديدًا لشباب هذا الوطن بعيدا عن ميراث طويل حملته أجيال أخرى من التحايل والابتزاز وعدم المصداقية.. كنا نرى في شبابنا الواعد الذي خرج رافضا ما أصاب حياتنا من كل مظاهر التخلف عالما جديدا فسيحا اثبت قدرته على التحدي والإصرار على التغيير مهما يكن الثمن أعترف أنني كنت ومازلت احتفظ لنفسي على الأقل بصورة هذا المشهد أيام ثورة يناير وقد ترسخ في ضميري أنها لحظة صدق خالدة رغم كل ما تعرضت له من محاولات العبث والتشوية.. أن الغريب في الأمر أن لحظة يناير التي أخرجت منا أجمل ما فينا وهم مجموعة من الشباب الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وماتوا في سبيل هذا الوطن هؤلاء رحلوا وحملوا معهم سرا من أسرارنا العظيمة اسمه الصدق والحقيقة.. كانوا أكثر صدقـًا وإداركا بحقيقة هذا الوطن وروحه الساحرة التي لا تموت أبدا. بعد أن ظهر الكنز على وجه الأرض ورأينا الخبيئة بكل ما فيها من مظاهر الخلود والقيمة واندهش العالم كل العالم وهو يرى هذا المشهد المسكون بروح التحدي والاصرار والوفاء ظهرت حولنا أشباح غريبة حين خرجت الثعابين من جحورها وأحاطت بنا كائنات تتحدث لغة غير ما عرفنا وتطرح أفكارا غير ما اعتدنا عليه ورأينا حشودا غاضبة لم تدرك بعد قدسية الحياة وقيمة الدم ومسئولية الأوطان.. تغيرت صورة شبابنا الواعد ورأينا وجوها أخرى تحمل نفس ملامح الأجيال القديمة التي ضللت وتحايلت وركعت ولم تترك طريقـًا للسقوط إلا وسلكته..  لا أدري كيف انتقلت الامراض بهذه السرعة إلى أجيال جديدة كنا نراها أكثر تجردا ونقاء ومصداقية.. كانت جينات الترهل والفساد التي حملتها الأجيال القديمة أكثر قدرة من مقاومة الأجيال الجديدة التي أطلقت ثورة يناير.. سرعان ما انطلقت الأشباح في الشوارع وبدأت الصورة حشودا وانتهت دمارا وخرابا ودماء.. إن السؤال الغريب كيف نجحت النخبة المصرية وبسرعة شديدة أن تنقل لأجيال شابة كل ما فيها من مظاهر القصور والتردي.. كان الانقسام أخطر هذه المظاهر وتحولت حشود الشباب إلى الغام متنقلة في شوارع مصر.. إن الشباب الذي توحد في ثورة يناير هو نفس الشباب الذي حطم الجامعات وتقاتل في الشوارع وفجر نفسه في مؤسسات الدولة.. ترى من قسم هذا الشباب تحت راية الدين حينا والوطنية أحيانا أليس هؤلاء القادة المخربون الذين استباحوا عقول هذا الجيل وغرسوا فيه هذا الكم من الكراهية.. أليس هذا الإعلام الذي قسم أبناء الوطن الواحد وخرب عقولهم بالتناقضات والصراعات والخزعبلات والقيم الساقطة.. أليس هذا الفكر المضلل الذي جعل من الدين أقدس مقدسات البشر وسيلة للتخريب والتدمير والإرهاب من قسم شباب مصر الرائع والذي توحد ضد نظام فاسد وواقع محبط ليعود به إلى صور الماضي البغيض بكل ما حملت من مظاهر التحايل والتضليل.. انقسم شباب ثورة يناير بعد أيام قليلة من سقوط النظام وبعد ان كان هناك علم واحد يرفعه الجميع لاحت إعلام أخرى كثيرة وكلها تعتقد أنها صاحبة الثورة وكانت رحلة الانقضاض التي جاءت بالإخوان المسلمين لكي تبدأ رحلة التهميش والاقصاء والمتاجرة بكل القوى السياسية..

وبعد عام كامل من الافساد باسم الدين سقط جيل كامل من شباب مصر في انقسامات وصلت إلى الدم والتدمير.. من يتحمل أمام الله والوطن مسئولية تقسيم هذا الجيل ومن الذي دفعه إلى لعبة الصراعات والتصفيات والغنائم.. خرج شباب مصر من مائدة الإخوان مهلهلا أمام معارك وهمية تسترت في الدين والوطنية..

استعاد الشباب قوته وتوحدت إرادته يوم 30 يونيو واستطاع أن يخلع تجربة الفساد من جذورها وبدلا من أن يسترد هذا الجيل وعيه وإحساسه بالمسئولية وجدناه يقع فريسة أخرى أمام صراعات وتقسيمات بين القوى السياسية التي أفسدت على مصر ثورتها.. وبدلا من أن نجد أنفسنا أمام نخبة ضائعة فقدت طريقها وجدنا أجيالا جديدة حملت أمراض الماضي فصارت أكثر ضياعا..

إن الجميع الآن يلعب على منظومة الشباب ابتداء بمؤسسات الدولة وانتهاء بأصحاب الفكر أو من يسمون أنفسهم النخبة.. حاول أن تراجع معي خريطة التقسيمات بين شباب مصر والجهات التي تعبث فيها والقوى التي تحركها.. هناك شباب الإخوان المسلمين الذين ضيعتهم قيادات عابثة ومغامرة وحشدتهم في الشوارع والميادين وبدأت رحلتهم بالحجارة وانتهت بالرصاص كيف تحول هذا الشباب من ساحة الدين بترفعه إلى حشود الإرهاب وتوابعه..

ماذا بقى لشباب الإخوان وقد خسروا كل شىء.. لقد ضربوا جامعاتهم وهي الأحق بحمايتهم وتنكروا لأساتذتهم ومشايخهم.. وسقطت من بين أيديهم الفكرة والمنهج والأسلوب، إن ما فعلوه ليس هو الإسلام الفكرة.. وما دمروه ليس الدين المنهج.. ولم يكن الإرهاب في يوم من الأيام أسلوبًا للتغيير إلا أمام جماعات جامحة ومضلله.. انقسم شباب الإخوان على نفسه فلا شىء يجمعهم الآن.. القادة في السجون والأفكار ترفضها الأرض ويدينها المجتمع.. والحاضر مغلق تماما والمستقبل هو الضياع هذا فصيل مهم سقط في مسيرة المجتمع نحو الغد وسوف نحتاج وقتا وجهدًا كي نعيده إلى الطريق الصحيح.. انقسمت النخبة بشبابها ما بين الإنقاذ والإخوان والتيار الشعبي والأحزاب وكل فصيل يتصور أنه يحتكر الحقيقة وحده.. حتى حركة تمرد لم تصمد طويلا وأصابتها أمراض النخبة المصرية وانقسمت أخيرا على نفسها وكانت تمثل حلم التوحد بين الشباب.. إننا لا نريد الشباب حشودا تهتف هنا أو هناك ولكننا نريد شبابا يوحده الحلم والتغيير والوعي بمخاطر ومتطلبات المستقبل..

إن شباب الإخوان الآن يعانون من عزلة قاتلة ولا أحد يعلم كيف نعيدهم مرة أخرى إلى صفوف المجتمع لأنهم جزء لا يتجزأ من تكوينه وثوابته.. أن شباب الوطنية المصرية أحزابا ونخبة وفصائل سياسية يعانون الآن انقسامات حادة بينهم بل إنها وصلت إلى درجة الصدام.. ومازال هؤلاء يبحثون عن صيغة للحوار والاختلاف ولم يجدوا من الأجيال القديمة من يعلمهم كيف تتصارع الأفكار والآراء والثوابت.. إن الأغرب من ذلك كله أن نجد بين مؤسسات الدولة من يشجع هذه الانقسامات.. في مصر وزارة للشباب تتولى أمور الأجيال الجديدة الواعدة.. وفي مصر وزارة للرياضة تهتم بشئون الرياضة والأندية والمسابقات وهي أيضًا مسئولة عن شباب مصر.. وفي مصر مؤسسات تهتم بشباب هذا الوطن على المستوى الفكري والثقافي ويكفي أن لدينا العشرات بل المئات من قصور الثقافة في الأقاليم وعلى مستوى الجامعات هناك إدارات الشباب والأنشطة الثقافية والرياضية والتجمعات الشبابية.. على جانب آخر فإن الأحزاب السياسية لديها أيضًا اهتمامات دائمة بالشباب.. وسط هذا كله تخرج علينا مؤسسة الرئاسة ببرامج للحوار مع القوى الشبابية سياسيا وفكريا وأنا لا أتصور أن يتم ذلك بعيدا عن المؤسسات السابقة لا أتصور غياب وزارة الشباب أو الرياضة وهي الجهات المسئولة التي تخصص لها الدولة ميزانيات وأموالا وأن تبقى بعيدة عن هذه الاجتماعات وهذه الحوارات.. كيف يغيب وزير الشباب عن ذلك كله وكيف يستبعد وزير الرياضة من اجتماعات يعقدها مسئولون في مؤسسة الرئاسة لمناقشة أحوال شباب هذا الوطن.. إن هذا التضارب في الاختصاصات وغياب أصحاب الشأن يؤدي إلى زيادة القطيعة بين الشباب أنفسهم.. هناك أكثر من لقاء تم في مؤسسة الرئاسة تحت رعاية أكثر من مسئول. وكانت مؤسسة الرئاسة نفسها منقسمة حول اختيارات هؤلاء الشباب بحيث رفض الكثيرون منهم المشاركة وانتقد البعض منهم عمليات الإقصاء والتهميش التي تعرضت لها جموع كثيرة من الشباب بل إن هناك خلافات في المواقف والرؤى بين المسئولين عن هذه اللقاءات.. كان الأولى أن تنبع هذه اللقاءات من الأجهزة المسئولة عن الشباب لأن هذا واجبها ومسئوليتها وأن ترعى مؤسسة الرئاسة هذه اللقاءات من بعيد بحيث تستفيد من كل جوانب الحوار اتفاقا واختلافا وتخطيطا لأفاق المستقبل.. الخلاصة عندي أن الجميع مارس العبث في ساحات الشباب.. لقد كانت النخبة الدينية والمدنية حريصة على استقطاب جموع الشباب وهم مستقبل هذا الوطن.. وللأسف الشديد ان البعض عبث كثيرا في هذه المنطقة بالتهميش حينا أو التحريض أحيانا أو الاقصاء في معظم الأحيان.. لقد فشلت النخبة المدنية في أن تؤكد قيمة الحوار وخلاف الرأي.. وفشلت النخبة الدينية في أن تؤكد قيم التسامح والوعي ومحاربة جمود الفكر وضلال الرؤى وفشلت مؤسسات الدولة المسئولة عن الشباب في أن توفر مناخا حرا قادرا على استيعاب الجميع رغم كل مظاهر الاختلاف في المواقف.. إن انقاذ هذا الجيل من شبابنا مسئولية الوطن كله وما حدث في الجامعات وما يجري الآن من صراعات النخبة التي استخدمت هذه الأجيال استخداما سيئا ومحاولات الطامعين في الصعود على أشلاء هذا الجيل كل هذه المخاطر تحتاج شيئا من الضمير وشيئا من الأخلاق ونحن نسلم الراية لأجيال من حقها أن تعيش وتحلم في هذا الوطن..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان