روسيا : التزام الصمت لا يعنى أن المخابرات لا تعرف شيئًا

اللواء الأخبارية

وزير الخارجية البريطانى يؤكد أن مصر وروسيا هما المختصتان فى كشف ألغاز «الطائرة المنكوبة»!

هاموند استبق التحقيقات وحمَّل مصر وروسيا مسؤولية السقوط وربط ما حدث بسوريا

البيت الأبيض: «سلَّمنا مصر كل ما لدينا عن الطائرة ولا نستثنى الإرهاب من التورط فى سقوطها»

أشعلت تصريحات المسؤولين الغربيين الملتبسة، والمراوغة، الأوضاع حول كارثة طائرة الركاب المملوكة لشركة روسية خاصة، قبل إنهاء تحقيقات اللجنة الدولية.

كان آخر هذه التصريحات الملتبسة، والخطيرة، هو محاولة فيليب هاموند، وزير الخارجية البريطانى، الإمعان فى خلط مزيد من الأوراق، وإلقاء الكرة فى ملعب مصر، وروسيا، بعد أن ملأ الدنيا كلها صراخًا بتصريحات لم تثر غير التساؤولات والشكوك.

لقد قال هاموند إن المختصين الروس والمصريين هم القادرون فقط وأفضل من غيرهم على تحديد سبب سقوط طائرة ” “A321داعيًا إلى انتظار نتائج التحقيق النهائية، هكذا يدعو هاموند إلى انتظار نتائج التحقيقات، فى الوقت الذى استبق هو شخصيًا فيه التحقيقات ونتائجها.

هاموند قال أيضًا “لم تتح لنا الفرصة بعد لمناقشة عواقب إمكانية أن تكون طائرة الركاب الروسية قد أسقطت فوق سيناء، بسبب عبوة متفجرة وضعت على متن الطائرة، ويجب علينا التفكير بالتفصيل فى كل العواقب، ليس فقط بالنسبة لنا، ولكن أيضًا لكيفية التعامل مع مشاركة روسيا فى العمليات فى سوريا، وخارج حدودها”.

السيد هاموند بنفسه يحدد هدف بريطانيا  من استباق التحقيقات، وخلط الأوراق، وإثارة الرأى العام، حيث يرى أن مصر وروسيا هما المسؤولتان عن الكارثة، وهما اللتان يجب أن تتصرفا فى هذا الأمر، إضافة إلى ربط ما حدث بما يجرى فى سوريا.

الأمر لا يتعلق فقط بروسيا، وإنما أيضًا بموقف مصر إزاء الأزمة السورية، والذى يتسم بالمسؤولية والعقلانية، والدبلوماسية الرفعية، بعد كل التصريحات التى تتسم بالرعونة من جانبه، ومن جانب رئيس وزرائه ديفيد كاميرون، يعود إلى نقطة الصفر ليعلن بأن “الإجابة المحددة عما إذا كانت هناك قنبلة، سيتم معرفتها بعد نتيجة فحص حطام الطائرة، وهذا الأمر من المعلوم أننا لا نتحكم به.. المصريون والروس أفضل بكثير سيكونون قادرين على الإجابة عن هذا السؤال.. استنتاجاتنا وقراراتنا التى اتخذناها كانت استنادًا إلى جميع المعلومات المتوفرة، ولدينا جزء من هذه المعلومات كُشف عنه، والجزء الآخر يبقى معلومات استخباراتية”.

لقد بدأت المساومات الإعلامية، والابتزاز السياسى من جانب بريطانيا والولايات المتحدة منذ اللحظات الأولى التى تلت وقوع تلك الكارثة الإنسانية بكل المعايير، وبعد 9 أيام بالضبط، أعلنت بريطانيا، والولايات المتحدة أنهما سلمتا موسكو، والقاهرة معلومات استخباراتية حول سقوط طائرة الركاب المملوكة لإحدى الشركات الروسية الخاصة فى الأجواء المصرية.

جوش إرنست، المتحدث باسم البيت الأبيض أكد يوم الإثنين الماضى أن السلطات الأمريكية أطلعت روسيا، ومصر على ما لديها من معلومات استخباراتية حول كارثة الطائرة المنكوبة، غير أن تصريح إرنست جاء ملتويًا لدرجة كبيرة، فهو يقول إنه “يتوفر لدينا ما يمكن أن نقدمه للمحققين، ونحن نقوم بذلك”، ثم يشير فى الوقت نفسه إلى انعدام تقييمات جديدة لدى استخبارات بلاده حتى اللحظة، قائلًا: “لكن واشنطن تعمل كل ما بوسعها لمعرفة ملابسات هذا الحادث المأساوى”.

ويصل فى النهاية إلى أنه “اعتمادًا على المعلومات التى جمعناها، لا يمكن أن نستثنى ضلوع إرهابيين فى الكارثة، وكما تعرفون، يتولى المصريون والروس التحقيق فى هذه القضية وعندما يكون عندنا ما يمكن أن نشاطره، نقوم بذلك”.

وفى نفس يوم 6 نوفمبر الماضى، أعلنت بريطانيا أنها سلمت موسكو، والقاهرة معلومات حول الكارثة، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية البريطانية: “إننا قدمنا لهم المعلومات كافة التى كان بإمكاننا مشاطرتها، كما أننا بحثنا جميع استنتاجاتنا مع الشركاء”.. بعد ذلك أعلن وزير الخارجية البريطانى فى مقر الأمم المتحدة، أن بريطانيا لا يمكن لها أن تقدم جميع المعلومات الاستخباراتية فى هذا الموضوع لشركائها الدوليين، مشيرًا إلى أن “بريطانيا هى الدولة الأولى التى قررت تعليق رحلاتها الجوية إلى شرم الشيخ، وهذه الخطوة جاءت الأربعاء الماضى اعتمادًا على تحليل كل المعلومات المتوفرة لدينا”.

وكرر هاموند نفس المسلك الأمريكى، مشيرًا إلى أن تلك المعلومات “ورد بعضها من مصادر مفتوحة، والبعض من المخابرات.. وقد شاطرنا شركاءنا المعلومات التى يمكن نشرها، إلا أن هناك أسبابًا واضحة تمنعنا من مشاطرة بعض مصادر تلقينا منها المعلومات”.

إذا تتبعنا مسار التصرفات البريطانية والأمريكية منذ وقوع الكارثة، سنجد أن لندن، على لسان رئيس الوزراء كاميرون ووزير الخارجية هاموند، هى أول عاصمة فى العالم تعلن انحيازها إلى فرضية الإرهاب.. وبعد ساعات قليلة، أعلنت واشنطن، على لسان الرئيس أوباما، أنها تميل إلى رواية الإرهاب أيضا.

جاءت هذه التصريحات فى ظل الحرص، والحذر الشديدين من جانب روسيا ومصر، ودعواتهما بضرورة الالتزام ببعض المعايير الأمنية والاستخباراتية، والإنسانية، ودعت موسكو والقاهرة إلى ضرورة انتظار نتائج تقارير لجنة التحقيق، وأهمية التعاون بين الدول فى تبادل المعلومات، ولكن لندن وواشنطن فضلتا الإعلان عن نفسهما، ومعلوماتهما عبر وسائل الإعلام أولا.

هناك فرق كبير بين إمداد لجنة التحقيق بالمعلومات، وبين تبادل أو تقاسم المعلومات مع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، لأن طبيعة المعلومات، وحجمها، ومصادرها هنا ستكون حتمًا مختلفة، وستكون صياغتها أيضًا مختلفة، لأنه لا توجد دولة أو أجهزة استخبارات فى أى دولة بنقل معلومات كاملة أو مباشرة إلا وفق معايير، واتفاقيات، وقنوات محددة، وبالتالى، فمسألة إمداد لجنة التحقيقات بمعلومات هو من قبيل الفرقعة الإعلامية التى تستهدف تسجيل نقاط على الروس، والمصريين من جهة، وغسل اليد من أى شبهات من جهة أخرى، علمًا بأن لجنة التحقيق لا تقتصر فقط على الروس والمصريين، ولكنها تضم أيضًا فرنسيين، وألمان وإبرانديين، وهذا الأمر فى غاية الأهمية، تفاديًا للمغالطات، حيث ظهرت تقارير غربية تفيد بأن الروس، والمصريين من مصلحتهم إخفاء الحقيقة، وتزوير الأسباب.

لقد أبدت موسكو امتعاضها من تصريحات المسؤولين البريطانيين والأمريكيين، لأنها ببساطة تفسد إجراءاتها الأمنية، والاستخباراتية من جهة، وتوجه التحقيقات بشكل مسبق إلى مسارات محددة قد تساهم فى إخفاء بعض الجوانب المهمة، والتى قد يكون لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة فى طمس آثار ما لجهات، وأطراف ما، والتركيز فقط فى الجوانب التي يريد البريطانيون، والأمريكيون التعامل معها، وبالتالى أشار الرئيس الروسى فلاديمير بوتين على ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطانى، خلال مكالمة هاتفية، بأنه “كان من المفترض عدم الإدلاء بمثل هذه التصريحات قبل ظهور نتائج التحقيقات”.

بعد يوم واحد من هذه المكالمة، أعلنت روسيا وقف رحلاتها الجوية إلى مصر، وتنظيم رحلات جوية لإعادة مواطنيها المتواجدين هناك.. كل ذلك جرى خلال الأيام الخمسة التى تلت وقوع الكارثة، وبعد 4 أيام من ذلك أعلنت بريطانيا، والولايات المتحدة أنهما قدمتا معلوماتهما إلى روسيا ومصر، ثم خرج الكرملين ليؤكد أن الجانب البريطانى سلم موسكو بالفعل “بيانات معينة” حول كارثة الطائرة الروسية، وأعرب عن أمله فى “التعاون مع جميع الدول القادرة على المساعدة فى التحقيق بهذه المأساة”.

من الطبيعى، والبديهى ألا يعلن أى من الأطراف عن تفاصيل هذه المعلومات، أو توجهاتها، أو حتى طبيعتها، لأن الأمر ببساطة يتعلق بتحديات واسعة النطاق، بصرف النظر عن النتائج النهائية للتحقيق الدولى الذى تشارك فيه 5 دول، ولكن وسائل الإعلام تسعى إلى معرفة تفاصيل جانبية لتوسيع مساحة “تسييس” الكارثة، والربط بين المكالمة الهاتفية التى جرت بين كاميرون، وبوتين، وبين قرار روسيا بتعليق رحلاتها الجوية إلى مصر.

إن تصريحات لندن، وواشنطن التى جاءت عبر وسائل الإعلام، أثارت كثيرًا من اللغط، والتساؤلات حول موقف بريطانيا، والولايات المتحدة وتصرفهما، وذهب البعض إلى أن هناك قنوات بين موسكو، ولندن وواشنطن فى مجال تبادل المعلومات الأمنية، والاستخباراتية، فلماذا لم تستخدم لندن، وواشنطن هذه القنوات وفضلت استخدام وسائل الإعلام!.

وعلى خلفية هذا الهوس الإعلامى، والسياسى، ومحاولات إبعاد أنظار الرأى العام عن القضية الأساسية المتعلقة بمكافحة الإرهاب “أيا كانت نتائج التحقيقات فى حادث الطائرة الروسية”، والتركيز على افتعال مواجهات مع مصر وروسيا، لتحقيق أهداف سياسية وأمنية، وربما تصفية حسابات، ظهرت تصريحات فى غاية الأهمية والخطورة على لسان سيرجى إيفانوف، مدير ديوان الكرملين “وزير الدفاع الروسى السابق، وابن المدرسة الاستخباراتية العسكرية الروسية”، والذى أعرب عن استحسانه لالتزام المخابرات الروسية الصمت حيال تحطم طائرة الركاب “إيرباص”، بل وأشاد إيفانوف بموقف الأجهزة الأمنية الروسية تجاه التحقيق.

وقال إنه من المستحسن التزام المخابرات الصمت، وذلك لأنه على المخابرات ألا تعلن ما لديها من معلومات، مشيرًا إلى أن التزام الصمت لا يعنى أن المخابرات لا تعرف شيئا، وفى الوقت نفسه أعاد إيفانوف إلى الأذهان أنه “لم يتم كشف أسباب الحادث بعد، منوهًا إلى أن فرضية العمل الإرهابى تبقى واحدة من الفرضيات”، ثم أعرب عن شكوكه فى إمكانية اختتام التحقيق خلال عام 2015، مشيرًا إلى أن تحديد مكان وقوع الانفجار لا يمكن إلا عندما ينتهى المحققون من فحص حطام الطائرة.

هذا الكلام يعنى ببساطة أن موسكو تضع كارثة الطائرة الروسية فى مكانها الصحيح، بينما تدرك الاستخبارات الروسية “الصامتة” أبعاد اللعبة، وأبعاد المأساة التى وقعت، ولكنها تفضل العمل فى صمت، وفى نفس هذا السياق، تعوِّل موسكو على ضبط الأمور الأمنية فى مصر من أجل إعادة السياح الروس، ومواصلة التعاون مع القاهرة فى مكافحة الإرهاب، وبقية المجالات الأخرى، وفى الحقيقة، فروسيا لا تحمل مصر مسؤولية الحادث، لأن كل الشواهد تشير إلى وجود عوامل أخرى متداخلة لا يمكن أن تخفى على روسيا، وأجهزتها الأمنية، ودبلوماسيتها.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان