رواية ” روح الفؤاد “الفصل السابع

بقلم : نهال عبد الواحد

اشترت روح اختبارًا للحمل وذهبت به للبيت وبمجرد دخولها للبيت وبعد أن بدلت ملابسها استخدمت الاختبار وتفاجئت بالنتيجة، إنها حامل! شعور غريب يتغلغلها! فلا تدري معناه ولا وصفه!

صار يتردد بداخلها شيء واحد وهو أنها رسالة من الله لبداية جديدة، فحتمًا إحساسه بالأبوة والمسئولية التي ستلقى على عاتقه ستغيره تمامًا وتلك المهلة السابقة كانت كافية لتؤدبه.

إذن فلنبدأ بداية جديدة وصفحة جديدة، إذن فلنبدأ باحتفال ولنحتفل اليوم ولتكون الليلة ليلة خاصة.

فدخلت المطبخ وأعدت عشاء مميزًا ثم ذهبت لحجرتهما وأبدلت ملابسها، تهيأت وتزينت على أفضل ما يكون ثم جلست وانتظرت، تمنت لو كانت اشترت من تلك الشموع الصغيرة فتوقدها وتملأ بها البيت، إنها رائعة المنظر والرائحة.

ظلت تنتظر وتنتظر ثم شعرت بلية في معدتها فاتجهت نحو الحمام لتتقيأ، أصابت ملابسها فاتسخت وقد دمعت عيناها كثيرًا من أثر التقيؤ والتعب فذابت وتلاشت كل الزينة، أصبحت مجرد سواد سريالي على وجهها فغسلت وجهها وذهبت لتبدّل ملابسها، ارتدت منامة قطنية عادية ومسحت ما تبقّى على وجهها فليس لديها أي طاقة الآن لتعيد كل ذلك فلتؤجله ليلة أخرى ويكفي اليوم العشاء والخبر وقرار عودتها إليه.

لكن كيف ستتناول العشاء بكل هذا التعب فذهبت للمطبخ لتصنع لنفسها مشروبًا دافئًا يهدئ من معدتها وما أن انتهت من صنع المشروب حتى سمعت صوت نادر فجأة! فانتبهت قليلًا، ما هذا؟! إنه لم يأتي بعد!

وجلست في المطبخ تشرب مشروبها وقد بدأت تشعر ببعض الدوار لكنها سمعت صوته مجددًا!

ماذا دهاكِ يا روح؟! هل جُننتِ؟! أم أصبحتِ تعاني من الهلاوس؟! أم هو شوق؟!
لا لا ليس شوقًا، وهنا تكمن المشكلة، فهي لا تشتاق إليه مهما ابتعد عنها، لا تشعر بافتقاده، لا يتوحشها لا يحرك إحساسها، حتى إنها كثيرًا لتشعر بنفور اتجاهه خاصةً عندما يقربها في لحظات خاصة فتشعر إنها لا تطيقه ولا تطيق أنفاسه ولا لمساته تلك، وتتمنى لو تنزع جلدها هذا الذي مسه بيده، فكيف ستكمل معه حياتها هكذا؟!

مؤكد أن هذا الطفل سيصنع المعجزات، ترى هل هي أنثى أم ذكرًا؟!
رغم أنه لايهم إلا أني أرغب في أنثى أولًا، لم أختار الإسم بعد لكن مؤكد أن يكون إسم جميل ومميز، وفي هذه الحجرة المقابلة ستكون حجرتها، وسوف أدهنها باللون الوردي وأضع فيها ملصقات لرسومات للفتيات، أميرات (والت ديزني)، سأشتري ذلك الفستان الذي رأيته ذات يوم، وذلك الطقم، وفي فرح أيمن سأعد لها فستان للسهرة من نفس لون فستاني ونفس قماشته، يالها من فكرة رائعة! سأفعل ذلك دائمًا أنا وابنتي نرتدي متشابهتين في الملابس وتسريحة الشعر، سأشتري… وسأشتري…. وسأصنع…. وسأحضر…..

هكذا كانت روح تحدث نفسها بابتسامة آملة بما تنوي فعله مع ابنتها المستقبلية، ترى هي فرحة أم هي مجرد قصور تُشيد من الرمال على شاطيء البحر وأقرب موجة ستسويها بالأرض؟

لكن مهلًا! إنه صوت نادر وذلك مؤكد ودون تهيؤات، وما ذلك الصوت؟ وما تلك الضحكة؟ كأني أشبّه عليها، كأني سمعتها من قبل…

فهمت واقفة وسارت نحو مصدر الصوت حتى توقفت عند باب الشقة، إنها تسمع الآن! هل هذا هو صوت نادر يتحدث لتلك الخليعة أم ماذا؟!

فشبت ونظرت من العين السحرية للباب فرأت نادر يقف مع فيفي في مدخل شقتها من الداخل ويطوق بيديه خصرها بل إن يديه……
وهي تسند عليه بطريقة مبتذلة وهيئتها شبه عارية، إنهما قريبين للغاية… ماذا؟!
هل قبّل شفتيها أمامي الآن أم ماذا؟! وماذا يعني؟!

وشعرت فجأة بأن كل الدماء قد ضُخّت في رأسها وكأن لديها قوة كبيرة قد دبّت فيها فجأة، تريد التحطيم، تريد التدمير.

ففتحت الباب فجأة ونظرت لهما شرزًا فانتبها إليها و ارتبكا لكنها قد لُجّمت وتجمّد الكلام في حلقها فصفقت الباب من جديد، ثم تلفتت حول نفسها لا تطيق، غاضبة لا بل في قمة الغضب الآن، تريد فعل شيء تريد أن تبرد غضبها هذا.

فأسرعت خطاها نحو حجرتها وأخذت ما طالته يدها من ملابسه واتجهت من جديد نحو باب الشقة وفتحته وكانا لا يزالا واقفين فأخذت تمزق في ملابسه بكل الغضب والثورة اللذان بداخلها الآن وتلقي بالملابس الممزقة على وجهه وهي تصرخ فيه: خذ أيها السافل! يا حقير! ماذا أقول فالقمامة لا تجتمع إلا مع قمامة مثلها!

فقال بتوتر وهو يتلفت حوله: يكفي يا روح، لا يصح ما تفعليه.

– ماذا؟! لا يصح؟! ءأنت من سيعلّمني ما يصح وما لايصح! يا بقايا الحيوانات! يا أوقح الرجال! ماذا؟! رجال! لا إن الرجولة هي أبعد ما يكون عنك، خذ قمامتك لعلها تنفعك يا ندل يا حقير!

ولا زالت تمزق في ملابسه وهي تقف أمام الباب وتلقي عليه بقصاصات الملابس الممزقة وتصيح وتسب فيهما بأعلى صوت ونادر ينظر لأعلى وأسفل يخشى من أن يشعر بهما الجيران وهو يشير لفيفي أن تدخل وتغلق عليها بابها.

ولما فشل في إقناعها بالدخول لتقل تلك الضجة فبدأ يدفعها لتدخل لكنه بمجرد أن يمسها تدفعه بقرفة واشمئزاز شديدين، ولازال يحاول إدخالها ولازالت هي تجاهد معه وبينما هو يدفعها لداخل الشقة وهي تصده وتقاومه ومع توتره وارتباكه حاد قليلًا عن مدخل الباب وهو يدفعها فذلّت قدمها فسقطت على الدرج بصراخٍ مدوي ففتحت على أثره أبواب الجيران، تجمّعوا ليسعفوها وهو لازال يقف بلا حراك وفي ذهولٍ عجيب، لا يتذكر كيف سقطت، ولا سر كل هذه الدماء النازفة.

كان الجيران يصيحون فيه ليتحرك بها نحو المستشفى بسرعة لإنقاذها خاصة وقد فقدت الوعي لكنه لا يزال واقفًا واجمًا لا يتحرك مثل الصنم.

فلم ينتظروا بل حملوها مسرعين إلى أقرب مستشفى وبعد قليل تبعهم نادر وما أن وصلوا بروح إلى المشفى، فحصها طبيب الاستقبال حتى استدعى فورًا طبيبًا لأمراض النساء والتوليد ثم إلى غرفة العمليات.

كانت إحدى الجارات قد اتصلت بأخويها وبعد قليل قد وصل حامد وأيمن، كانا يظنان أنها تعاني من هبوط أو انخفاض في ضغط الدم بسبب إرهاقها عندهما فقد كان وجهها شاحب للغاية ويبدو أنها كانت متعبة و قد تحاملت على نفسها من أجلهم ومن أجل دعوة الغداء.

لكن يبدو أن هناك أمرًا آخر فروح في غرفة العمليات والجيران يسبون ويلعنون في نادر وهو يقف جانبًا في خزيٍ ولا يرد على أحدهم فمؤكد أنه السبب.

وبسرعة استعاد أيمن مشهد ذلك اليوم الذي رآه خارجًا من شقة جارته فغالبا تكون قد رأته روح واكتشفت أمر خيانته، لكنهما لا يفهمان ما حدث من ضجة الجميع.

مر بعض الوقت وخرج إليهم الطبيب فالتفوا حوله إلا نادر الذي خشى أن يقترب فيشبعوه ضربًا.

الطبيب: لقد فعلت كل ما في وسعي من أجل السيطرة على هذا النزيف، لكن مع كل أسفي لقد ضحيت بالجنين.

فصاح الجميع: جنين!

فقال الطبيب بعملية: عوّضكم الله وأخلف عليكم بالخير! مؤكد أن صحة الأم أهم الآن، ستظل تحت الملاحظة في غرفة وستظل نائمة حتى الغد وستُغذى بالكثير من المحاليل فهي منهكة وضعيفة للغاية، حمدًا لله على سلامتها.

وانصرف الطبيب وبعدها بقليل خرجت روح مدثرة في فراش و وجهها شاحب للغاية وقد تعدت مرحلة الإصفرار فصار لونها يميل للبياض الباهت وتلك الشفتين الكرزتين في السابق تحولت للون أقرب ما يكوت للون الأبيض، فقد كان وجهها أشبه بالأموات يفتقد الدموية والحيوية تمامًا.

نُقلت إلى غرفة ودثّروها بمزيدٍ من الأغطية؛ فقد كان جسدها يرتعش وبعد قليل غادر الجميع ولم يتبقى سوى أخويها اللذان طردا نادر شر طردة من حجرة أختهما.

لم يجادل نادر معهما بل عاد للبيت فدخل و وجد ذلك العشاء المعد ولمح تلك الثياب التي كانت ترتديها وتريد استقباله بها كما لمح اختبار الحمل على رف الحمام، أما المرآة وقد رسمت على مرآة الحمام بقلم أحمر شفاه طفل وليد وحوله قلوب كثيرة.

نظر لكل شيء حوله وجلس ولا يزال واجمًا ولايدري ماذا يفعل أو ماذا سيفعل؟!

وفي صباح اليوم التالي استيقظ نادر وقد نام جالسًا على الكرسي، استيقظ على صوت طرق شديد للباب فقام وفتح وكان حامد فدفعه من أمامه ودون أي كلام أو تحية دخل لحجرة النوم وجمع ملابس أخته وجميع مقتنياتها في حقائب كبيرة حتى الملابس المتسخة وعلبة مصاغها كل شيء وتأكد أنه لم يترك أي شيء وحمل الحقائب ودفعه من أمامه مرة أخرى بالحقائب التي يحملها وغادر دون أن ينطق بحرف……………………

انتظرونا مع الفصل الثامن

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان