رواية ” روح الفؤاد ” الفصل الرابع

بقلم: نهال عبد الواحد

مرت الأيام ويزداد تقارب أيمن وإيمان و يبدو أن كيوبيد قد رمى بسهمه.

وذات يوم جاءت إحدى الموجهات إلى المدرسة للتفتيش كالمعتاد وبالفعل قد مرت على الفصول وقيمت مستوى التدريس، المعلمين و مستوى الطلاب، وبينما كانت تقف تتحدث إلى أيمن إذ جاءتها إيمان مسرعة تسلم عليها لكن تبدو الطريقة غير رسمية وقد بدا الإندهاش على وجه أيمن.

فتابعت إيمان: لا تندهش هكذا! إنها خالتي زينب التي أعيش معها منذ وفاة والديّ، وهي من ربتني وتولت شئوني منذ يومها.

فابتسم أيمن وقال بترحاب: لا والله! مرحبًا! وما أحسن تربيتك! سلمت يداكِ فالأستاذة إيمان حقًا مهذبة وعلى خلق.

فابتسمت زينب وأجابت: بارك الله فيك! وأنت أيضًا يا أيمن ما شاء الله في الخلق والعلم وأكاديميًا و تربويًا.

فأومأ أيمن وتابع بامتنان: أشكرك بشدة، الفرد دائمًا عليه الإجتهاد و الجزاء من عند الله.

فقالت زينب: لقد إطمأننت على ابنتي بوجودك هنا في نفس المكان، مع الرغم من وجود أحدهم الذي يقلقني، فهو يُفصل من مدرسة إلى أخرى وتلك المدرسة هي فرصته الأخيرة.

فضيق أيمن عينيه بعدم فهم ثم تسآل: عن من تتحدثين؟

فتابعت زينب متأففة: إنه الأستاذ نادر عطية.

فقالت إيمان: حقيقة لا يوجد قبول تلقائيًا بدون أي تعامل، سبحان الله!

فأردفت زينب ناصحة: ابتعدي عنه ابنتي أفضل لك! وجيد أنك لا تحتكين به.

فأسرع أيمن متسآلًا: ولماذا تكرر فصله هكذا؟!

فأجابت زينب بتقزز: لأنه يتحرش بالطالبات وزميلاته من المدرسات، ورغم أن هذه مدرسة للبنين لكن ربي يحمي الجميع من شره!

وجم أيمن وسكت تمامًا واحمر وجهه غضبًا و وجمت إيمان هي أيضًا فنظرت إليهم زينب نظرة تعجب واستفهام مع عدم فهم.

فتسآلت زينب بعدم فهم: ماذا بك أيمن؟

فقال بصوت مختنق: إنه زوج أختي.

فتابعت زينب بحزن: لا حول ولا قوة إلا بالله.

فطأطأ أيمن وهو يقول: وللأسف كنت أنا السبب والوسيط في تلك الزيجة السوداء، لكن أقسم بالله لم أكن أعلم بكل ذلك! فلم يبدو عليه أي سوء وقتها.

فتابعت زينب: كان الله في عونكم، لا تقلق إن شاء الله سيهتدي.

فهز أيمن رأسه في خيبة أمل ثم استأذن وانصرف وقد تأثرت زينب من هيئة أيمن وتمنت لو لم تكن قالت أي شيء.

مرت أيام وعلاقة أيمن وإيمان تزداد ارتباطًا بينما روح ونادر كما هي الأمور بينهما فلا تغيير للأحسن.

وذات يوم طرق الباب وفتحت روح وكان أخيها أيمن فسعدت به للغاية ورحبت به أشد ترحاب: شرفت أختي، لقد اشتقت لك كثيرًا.

فتسآل أيمن بدهشة: كيف؟! لقد كنتِ في بيتنا من بضع أيام فقط!

فقالت روح بلهفة: اشتقت لزيارتك لي.

وكادت أن تتلاشى ابتسامته لكنه جاهدها حتى تظل ثم قال: حقيقة كنت أود التحدث إليكِ في أمر هام.

فأردفت روح بجدية مصطنعة: لا حديث لا موضوعات هامة إلا بعد الغداء، هيا معي إلى المطبخ واجلس معي مثلما كنت تفعل.

فتسآل أيمن بقلق: روح! هل أنت بخير؟!

فجاهدت نفسها هي الأخرى لأ لا تختفي ابتسامتها تلك ثم قالت: الحمد لله.

فتابع بنفس قلقه: كأنك ذابلة! ما هذا الشحوب على وجهك؟ أم أن نادر يغضبك أو يهينك؟!

فصاحت روح بقوة: يهين من؟! يبدو أنك قد نسيت أختك! ليته يحاول إهانتي حتى أعرفه قدره وأهدم الدنيا فوق رأسه.

– مهلًا يا روح! لا تشعريني بتأنيب الضمير لأني كنت سبب زواجك هذا.

فربتت عليه وتتصنع التبسم قائلة: هون عليك يا أخي! ولا تحمل نفسك فوق طاقتها، هو قدر ومكتوب، أما الآن فلنعد أحلى غداء من أجل أخي الغالي ثم نتحدث في موضوعك الهام، وربما يصدق حدسي وتخميني، ما رأيك في ملوخية بالأرانب؟

فتابع بابتسامة مجاريًا الموقف: وهل فيها رأي؟

وبالفعل دخل أيمن مع روح إلى المطبخ كانا يحكيان في أمور شتى، يتسامران ويضحكان حتى انتهت من إعداد الغداء، جهزت السفرة وجلس الاثنان يتناولان الغداء معًا، وكانت روح طباخة ماهرة من الطراز الأول ومن يأكل من صنع يديها مرة لا ينسى مذاق طعامها.

وبعد الغداء.
قال أيمن بتوتر: صراحةً، هناك أمر ضروري أريد الحديث فيه.

– تفضل عزيزي.

– حقيقة لدي زميلة معي في المدرسة على خلق جم وصفاتها جيدة، وهناك تواصل بيننا بطريقة غير مباشرة.

فابتسمت بسعادة وقالت: وماذا أيضًا؟ أطربني يا عندليب!

فتابع وقد اشتد توتره وأخرج منديلًا يجفف به وجهه الذي شعر بتعرقه: فقط، هذا كل شيء.

فتسآلت روح: هل تحدثت معها بشأن مشاعرك نحوها أم لازلت تقف مثل الحجر لا ترد ولا تصد؟!

فأمال أيمن بفمه في عدم رضا ثم قال: حجر! إنتقي ألفاظك أنسيتِ فأنا أخوكي الأكبر، إنتهى عن قذف الزلط والحجارة، كأنك تتحدثين هكذا مع الرجل؟!

فأجابت بلا مبالاة: رجل! أي رجل؟! كن مطمئنًا! هه أكمل!

فسكت قليلًا ونظر إليها ثم قال: لا بالطبع لم أبوح بأي شيء، كل حديثنا معًا في إطار العمل.

فأومأت برأسها وتابعت: إمممم! إذن هو حديث داخل المقرر!

فأومأ أيمن برأسه هو الآخر وأجاب: أجل، وكنت أود الإقتراب أكثر وخطو خطوة مناسبة.

– عظيم! فهذا ما أتمناه لكما.

– إذن، هل يمكنك مقابلتها والتحدث معها؟ أقصد تتعرفين عليها.

فأهدرت بسعادة: بالطبع، ولم لا! ربي يسعدك أخي الغالي ويتمم أمورك على خير حال.

جلس معها بعض الوقت ثم انصرف لكنه بمجرد نزوله من السلم وضع يده في جيبه فأدرك أنه قد نسى هاتفه المحمول فصعد مرة أخرى ليحضر الهاتف من بيت أخته.

لكن بمجرد أن اقترب من الطابق حتى سمع أصوات همس وضحكات خافتة فتسلل في هدوء فرأى نادر يخرج من شقة جارته المقابلة ويتسامر معها ويضع يده عليها وهي بتلك الهيئة المبتذلة الفاضحة، فاختبأ فورًا وهو مصدوم من هول ما رأى، ألا يكفي ما عرفه عنه؟ أيخونها أيضًا؟
إنه ينطبق عليه تلك المقولة المصرية القائلة: «ذيل الكلب لا يمكن يتعدل ولو علقوا فيه قالب.»

فعاود النزول مرة أخرى فلو صعد وقابله الآن فلن يتركه إلا جثة هامدة لا محالة.

وفي الصباح التالي أبدلت روح ملابسها وتهيأت للذهاب إلى المدرسة فقد وجدت هاتف أخيها الذي نساه بالأمس وهذه أفضل حجة للذهاب إليه ولقاء العروس المنتظرة والتعرف عليها.

وصلت روح إلى المدرسة وهي تتلفت ولا تدري لأين تذهب فهاتف أخيها معها فكيف ستتواصل معه لتتعرف لأين تتوجه!

وبينما هي في حيرتها تلك إذ لمحتها إيمان وقد شبهت عليها من تلك الصورة التي رأتها ذات يوم فاقتربت منها لتتأكد.

وجدتها روح مقبلة إليها مبتسمة فابتسمت إليها وقالت: صباح الخير، هل بإمكاني مقابلة الأستاذ أيمن؟

فأطالت إيمان النظر إليها قائلة: إذن فأنت أخته روح.

فابتسمت روح وأومأت برأسها أن نعم.

فقالت إيمان بابتسامة: إسمي إيمان معلمة زميلة هنا.

فتهللت أسارير روح وسلمت عليها واحتضتها بحرارة قائلة: مرحبًا بك، كيف حالك عزيزتي؟

– بخير الحمد لله، وكيف حالك أنت؟

– أنا سعيدة برؤيتك، كان أيمن عندي بالأمس وقد نسى هاتفه المحمول فجئت اليوم لأعطيه له.

– معذرةً، لكنه الآن في حصة.

– لا تقولي أنك أيضًا ستذهبين لحصة.

– لا لا، ليس لدي حصص الآن.

– الحمد لله، ما أجمل حظي! فلنجلس معًا إذن!

– بكل سرور سيدتي، هل تعلمي أنك أجمل بكثير من الصور؟

– أشكرك على ذوقك وكلامك الرائع، لكن دعينا نتعامل بأريحية وبلا تكليف.

إيمان: إذن هيا بنا لنجلس معًا إلى أن تنتهي الحصة.

– هيا!

وبالفعل صحبتها إيمان لحجرة المدرسين للجلوس فيها ولحسن الحظ كانت فارغة …..

انتظرونا فى الفصل الخامس


 

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان