رواية” روح الفؤاد “الفصل الخامس

بقلم :نهال عبد الواحد

جلست إيمان وروح تتسامران، تحكيان وقد تآلفتا كثيرًا، وبينما كانت روح جالسة وتعطي ظهرها لباب الحجرة دخل نادر ومما لاشك أن هيئة روح وشعرها المنسدل خلفها جذابة للغاية وتذيب الحديد.

فوجم من كتلة الجمال الذي يخطف الأنفاس لكن يبدو أنه أعمى القلب والنظر فلم يدرك من تكون! فلم يخطر ببال هذا الأحمق أنها روح زوجته بل ظل متفحصًا فيها وقال متغزلًا:ما هذا الجمال! هل البدر قد هلّ علينا بطلعته البهية وسط النهار وغطى بنوره على نور الشمس؟! لقد صار يزورنا ضيوف مهمون ومهمون للغاية.

فسمعت روح وعلمت أنه نادر و يغازل دون معرفتها فوقفت تبتسم بسخرية ثم التفتت بطريقة جذابة كادت تفقد عقله فيها لكنه صدم عندما رآها روح.

فصاح: روح!

فأومأت تتصنع الإبتسام قائلة: أجل، هي بعينها.

فتسآل بتوتر: لماذا جئتِ هنا؟

– ما هذا السؤال عزيزي؟! كأنك لم تسعد برؤية زوجتك! ما هذه المقابلة الباردة؟! كل ما هنالك أن أيمن كان يزورني بالأمس وقد نسى هاتفه المحمول وجئت إلى هنا لأعطيه له، ثم إني قد أخبرتك بهذا لكن يبدو أنك لم تكن منتبه ومشغول، كان الله في عونك!

وقالت الجملة الأخيرة بسخرية و تهكم واضح.

– ثم ماذا؟

فأكملت روح مشيرة إلى إيمان: ثم وجدت هذه المعلمة الرقيقة وقد جلست معي كم كانت جلستنا ممتعة ولطيفة! وقد أكرمت ضيافتي على أحسن ما يكون.

وهنا جاء أيمن ونظر بينهم لكن نظرته نحو نادر كانت تحمل الكثير من التوعد، وقد لاحظته روح وشكت في الأمر لكنها لم تسأل وسلمت على أخيها.

ثم قالت: لقد نسيت هاتفك بالأمس، تفضل هاهو قد شحنته أيضًا.

– أشكرك غاليتي، بارك الله فيكِ يا أختي العزيزة، هه! ترى كيف حالك اليوم؟!

– في أحسن حال بالطبع عزيزي، لن أعطلكم كثيرًا، فرصة سعيدة إيمان، في المرة القادمة نود المقابلة بعيدًا عن نطاق العمل حتى نكون بحريتنا، لقد تبادلنا أرقام الهواتف، أراكِ قريبًا عزيزتي دمتِ بخير.

وسلمت عليها ثم سلمت على أخيها وهمست إليه: ربنا يتمم بخير! تقدم بخطوة وأخبرني بالنتيجة.

فنظر لها فأومأت بعينها أن نعم ثم التفتت ناحية نادر ورمته بنظرة تأفف وانصرفت دون أن توجه إليه أي كلمة كما فعل معها.

وبعد انصراف روح قام أيمن بمكالمة تليفونية وبعد انتهاء اليوم الدراسي وخروج الطلاب والمدرسون عائدون لبيوتهم وقف أيمن منتظرًا حتى خرجت إيمان فوجدته لا يزال واقفًا فحاولت تجاهله لكنه قدم نحوها يحدثها.

فقالت بارتباك وهي تتلفت: ماذا هناك أستاذ أيمن؟!

فتابع بتوتر واضح: هل تسمحي لي بالجلوس معًا في مكان عام نتحدث بشأن أمر ضروري.

فجحطت عيناها وكادت أن تنصرف غضبًا فناداها مسرعًا: من فضلك، رجاءً! واضح أنك قد فهمتيني بشكلٍ خاطيء.

فأجابت بحدة: بل أنا من كنت أفهمك بشكلٍ خاطيء وها أنت ظهرت على حقيقتك الآن.

فأسرع يقول متوسلًا: إنتظري رجاءً! لقد اتصلت بالأستاذة زينب واستأذنت منها أن نتقابل في مكان ما وقد رحبت، ويمكنك التأكد بنفسك، صدقيني فغرضي شريف، لست من رواد التسلية ولا اللوع، لكن الموضوع الذي أود الحديث بشأنه لا يمكن قوله هنا في وسط الطريق ولا في المدرسة.

فسكتت وأكمل أيمن: يوجد مكان بالقرب من هنا على بعد شارعين فقط، هو مكان محترم وللعائلات ولن أؤخرك، يمكنك محادثة خالتك أولًا لتطمئني.

فأمسكت بهاتفها واتصلت وقالت: مرحبًا خالتي! أنا بخير اطمأني….كنت أود أن أسألك بشأن….. نعم نعم …هل أنت فعلًا موافقة؟ حسنًا…إلى اللقاء.

فتسآل: هه!

فقالت بإحراج: أعتذر منك ولكن…..

فتابع بتفهم: لا عليكِ، هيا بنا حتى لا نتأخر.

وبالفعل سارا معًا متجاورين يتجهان لذلك المكان لكن قد رآهما نادر فقال بغيظ شديد: الله الله! كأنك كنتِ تمثلين دور البراءة والشرف! ها أنتِ لا تمانعين الذهاب والإياب كأنك تمانعين معي فقط؟! حسنًا حسنًا!

وفي تلك الكافيتريا جلس أيمن و إيمان في صمت وارتباك وحرج شديد، بدأت إيمان تنظر إلى ساعتها وتود لو تسأله…. وأخيرًا حُلت عقدة لسانه.

– رأيتك قد اندمجتِ مع أختي روح!

– إن أختك جميلة ولطيفة جدًا وتبدو أجمل كثيرًا من الصورة.

– حقيقة كنت أود التحدث معك بشأن أمر ما وكان لوجود روح دور في ذلك.

فقالت بارتباك: لماذا؟!

– إيمان، ما رأيك في؟ أو كيف تريني كشخص بعيدًا عن إطار الزمالة؟

إيمان بنفس الإرتباك والتوتر: هه! أنت إنسان محترم وعلى خلق وأيضًا مجتهد في عملك وشخص محبوب من الجميع سواء من الزملاء أو من الطلاب، الجميع يكنّ لك الود والإحترام.

فتابع: فقط، أنا لا أقصد رأي الجميع أقصد رأيك أنتِ.

فسكتت وأكمل هو: إذن سأبدأ بالحديث أولًا، حقيقة أنا معجب بك وأود التقدم لخطبتك، أملك شقة متواضعة لكن لازالت تحتاج الكثير حتى أكمل تجهيزها وكنت أود معرفة مدى قبولك لي قبل المجئ بشكل رسمي أنا و روح فأخي الأصغر في الجيش، هه! ما قولك؟

إيمان بحرج شديد: قولي!

فقال وقد أطال النظر إليها: أود دخول البيت من الباب، فهل هناك قبول؟

فأومأت برأسها وقد تخضّبت وجنتيها بخجلٍ قائلة بخفوت: أجل، أقصد ألم تتحدث إلى خالتي؟

– ليس بعد، أنا استأذنت بشأن المقابلة فقط، ولم أفتح ذلك الموضوع حتى أتأكد من مدى قبولك، هل ترغبين بسؤالي عن أي شيء؟ تفضلي.

فنظرت أرضًا وقد تورد خديها خجلا ثم قالت: تستطيع التحدث لخالتي إذن.

فقال بسعادة: قولي والله!

– والله!

فتابع بسعادة وقد تهللت ملامحه: هذا أسعد يوم في حياتي، وإن شاء الله لن تندمي.

فابتسمت دون رد، وفي نهاية اليوم قد اتصل أيمن بخالتها وحدد معها موعدًا مناسبا ثم تحدّث إلى أخته وأخبرها وقد سعدت كثيرًا و رحبت بذلك وأعدت نفسها للذهاب رغم توعكاتها الصحية في الآونة الأخيرة لكنها نسيت كل أوجاعها من أجل تلك الفرحة.

وجاء الموعد المنتظر وأعدت روح نفسها بهيئتها الأنيقة وذهبت مع أخيها الأنيق أيضًا لبيت العروس ومعه من الزهور والحلوى كما هو المعتاد في تلك المناسبات.

رحبت زينب وإيمان التي بدت جميلة مع بعض الخجل بروح أشد الترحاب وكان اللقاء لطيفًا وتلقائيًا وخالي من التكلف وقد تآلفوا جميعًا بذلك اللقاء ورغم سعادة زينب بلقاءها مع روح والتعرف عليها إلا أنها كلما تذكرت أنها زوجة لذلك النادر حزنت وتألمت من أجلها خاصة وكانت تقرأ في عينها شجن دفين رغم خفة ظلها وضحكاتها المستمرة.

اتفق الجميع على تفاصيل الزواج المعتادة واتفقوا على موعد لشراء الدبل والشبكة وآخر من أجل الفستان.

سيكون حفل الخطبة حفلًا عائليًا متواضعًا في شقة والديّ إيمان فهي شقة فارغة لكنهم في انتظار تأكيد موعد مجئ حامد أخيهما الثالث لحضور حفل خطبة أخيه.

وذات يوم في المدرسة بينما كانت إيمان جالسة في حجرة المدرسين تقوم ببعض التحضيرات وكانت بمفردها فإذا بنادر دخل وجلس جوارها فجأة دون استئذان وبطريقة وقحة أفزعتها فهبت واقفة، جمعت أشياءها مسرعة وما أن همت بالسير حتى جذبها من ذراعها فصرخت في وجهه وهي تجذب ذراعها: هل جننت أم حدث خلل في عقلك؟ كيف تجرؤ؟!

فصاح فيها: لا، إسمعيني جيدًا! ذلك الشرف الذي تمثليه يمكنك أن تخدعي به غيري، دور رابعة العدوية هذا لم يعد يليق بك.

فقالت بحزم: من تكون لتتحدث إليّ هكذا؟! عجبًا لك! فأنت متزوج من زوجة كاملة جمال وخلق وخفة ظل ومهارة، ماشاء الله، ماذا تريد إذن من غيرها؟!

فتابع بتأفف: وقد تزوجتها وصارت أمامي طوال عمري!

فتنهدت بضيق: كان الله في عونها ويصبرها على ما بلاها!

وهمت لتخرج فجذبها من ذراعها مجددًا فجذبت نفسها بقوة وقالت: ماذا تريد؟

فباغتها بوقاحة: هل تنكرين خروجك بصحبة أيمن؟

فأجابت باقتضاب: هذا أمر لا يخصك.

– بل يخصني، لقد خدعتماني.

–  من أنت لتدخل نفسك في شؤوني الخاصة؟! ليس لك أي حق!

وهنا دخل أيمن وصاح: ما الخطب؟

إيمان وهي تهم بالخروج: لا شيء، لقد كثرت الكائنات المتطفلة.

فأهدر نادر بسخرية: أراك أنت صاحب دور الفلانتينو!

فأجابه أيمن بضيق: وما شأنك؟ انتقي ألفاظك!

فأشار نادر لهما وصاح بوقاحة: أتخدعانني وتخرجان معًا؟!

فأجابه أيمن بلا مبالاة: وما شأنك أيها المتطفل؟!

فصاح نادر: بل شأني! فواجبي أن أحرص على زميلتي وتصرفاتها حتى لا تكون سيرتها على ألسن الكثيرين.

فصاحت إيمان بحدة: إخرس! من يجرؤ أن يتحدث عني بسوء؟! ثم ليس لك أي حق حتى تحرص عليّ، فلست بطفلة.

فصاح أيمن: إيمان! انتظري أنتِ الآن! إسمع يا هذا! إيمان خط أحمر سواء أنت أو غيرك! ليس من شأن أي مخلوق آخر أن يتحدث بحرف في حقها.

نادر باستهزاء: ترى لماذا؟!

فأمسك أيمن بيدها وقال: يبدو أنك أعمي القلب والنظر، ألم تبارك لنا؟! اليوم سنذهب لشراء الشبكة وبعد أسبوعين سنتمم خطبتنا بمشيئة الله، إن ناسبك الموعد يمكنك الحضور.

نادر بفجأة :هل هي تكون….

فأومأ أيمن بسعادة قائلًا: أجل تكون.

فزم نادر حاجبيه باندهاش وقال: غريبة! فروح لم تخبرني أنها هي العروس!

فتابع أيمن بعدم اكتراث: لا يهم، لكنك قد علمت بأمر خطبتي إذن بديهي أن تكون هي العروس مادمت قد رأيتنا معًا، أم أنت لا تظن إلا ظن السوء؟!

فوجم نارد وأهدر بتفاجؤ: هه!

فمد أيمن يده نحو إيمان وقال بود: هيا بنا عزيزتي فلدينا المزيد من الحصص.

وانصرفا متشابكين الأيدي ونادر لا يزال واجمًا في مكانه………………..

انتظرونا مع باقى الأحداث والفصل السادس

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان