رواية ” روح الفؤاد ” الفصل الثالث والرابع عشر

بقلم :نهال عبد الواحد

اتصل حامد بمراد، أخبره بموافقة روح وحدد معه موعد لذلك اللقاء.

جاء اليوم المتفق عليه وكانت روح أنيقة لكن بدون تكلّف فارتدت مجرد كنزة وبنطال وتركت لشعرها العنان مع بعض الكحل حول عينيها وطلاء شفاه بلونٍ هادئ لكنها بدت فاتنة رغم هذه البساطة.

وصلت روح مع حامد لمكان المكتب وبمجرد نزولهما من السيارة بدأت تتأوه وتتسند إلى ذراع أخيها وما أن اقتربا من المصعد حتى قال حامد: ما الخطب يا روح؟! ماذا بك؟!

فأجابت بتألم: هذه الحذاء اللعنة عليها تكاد تقتلني!

تأفف حامد وتابع بغيظ: كأنك لأول مرة ترتدين حذاءً جديدة! لماذا لم ترتديها في البيت كما تعتادين دائمًا؟!

– أخبرني متى بالله عليك؟ كنت أرتديها وأنا أقف طيلة اليوم بالمطبخ!

– حسنًا حسنًا، تحملي قليلًا إذن….

ثم تأفف وتابع مزمجرًا: إن المصعد معطّل هيا فلنركب في المصعد الزوجي ونهبط طابق.

وبالفعل ركبا المصعد الزوجي حتى وصلا لكن يبدو أن حامد قد أخطأ في تسجيل رقم الطابق فبدلا من هبوط طابق سيصعدا طابق .

كانت روح لازالت تتأوه من وجع قدميها من أثر هذه الحذاء ولم يعد مجرد تأوه بل صار كولولة أو كما يقول لها حامد ساخرًا مقطوعة الآهات، لكن يبدو أنها قد أثارت غضبه بولولتها هذه وهمّا ليصعدا الطابق الذي فيه المكتب.

ثم صاحت فجأة: لا لا! لا أستطيع!

فتأفف وجز على أسنانه بغضب وقال: لقد نفذ صبري يا روح!

– إذن إصعد أنت واتركني هنا أريح قدميّ قليلًا وبعدها سأتبعك.
قالتها وهي تهم بالجلوس على درجات السلم، فصاح فيها حامد: هل ستجلسين على السلم هكذا؟!

فأومأت برأسها بتعب: أجل، لا أستطيع من شدة الوجع…
ثم رفعت سبابتها وقالت مهددة: كلمة أخرى وسأعود للمنزل فورًا، واذهب أنت وقابله وحدك!

فتأفف حامد وصعد وتركها فجلست روح على إحدى درجات الدرج و وضعت حقيبتها بجانبها ولازالت تتوجع، خلعت حذاءها فوجدت قدميها قد جُرحت بفعل ضغطة الحذاء.

ففتحت حقيبتها تبحث فيها ثم أخرجت كيس من المناديل، قطعت منه و وضعت على جروحها تلك وهي تقول بتضجر: اللعنة عليكِ! آه! واقدماه!

وبعد قليل بدأت ترتدي حذاءها من جديد لتذهب لأخيها دون تأخير، ووقفت ولازالت تتأوه ثم انحنت لتأخذ حقيبتها ولا تزال تعدّل من وضعية قدميها في الحذاء وفجأة اختل توازنها وسقطت للخلف.

لكن فجأة أيضًا هناك من لحقها و حملها على فجأة فالتفتت لتتقابل رماديتها ببنيته في لقاءٍ طويل للعيون وكلاهما لايفهم ولا يستوعب شيء مما يحدث بل كلاهما قد فقدا الزمان والمكان وغُيّبا عن الوعي وسكت العقل تمامًا عن أي إدراك أو تفكير.

لكن فجأة انتبهت روح لما حدث وأنزلت بنفسها من فوق يديه ويبدو عليها الصدمة فلا تتذكر كيف حدث هذا! لكن يبدو أنها قد صدمت أحد جروحها فتألمت فجأة وكادت أن تسقط ثانيًا لكنه أسندها ومسك بخصرها فابتعدت قليلًا وعدّلت من هيئتها لتبدو طبيعية.

فقال بهدوء: هل أنتِ بخير سيدتي؟!

فأومأت بتحفذ وهجوم ثم انصرفت واختفت مسرعة من أمامه.

وقف واجمًا يحاول استيعاب ما حدث، فلم يرى مثل تلك العيون من قبل ولا مثل ذلك الجمال الذي اقتحم  قلبه وهدم كل حصونه على غفلة وانتصر عليها انتصارًا ساحقا في أقل من لحظات وقد تم الإحتلال التام لكن بلا رغبة في استقلال ولا تحرير.

كيف ذابت في يديه وأذابته هكذا؟!
ربما هو حلم! مؤكد هو حلم أو حالة من الهلاوس البصرية فلا يمكن أن تكون آدمية.

لكن ماذا عن إحساسه الآن فلازال فاقد للسيطرة على نفسه وكأن قد حدث ارتفاع مفاجئ في درجة الحرارة فجأة، فكان يزفر الهواء بنفخ، فتح أعلى زر من قميصه وبدأ يحرّك بيديه ربما يجئ القليل من نسمات الهواء وكأنه بدأ يتعرق فمسح وجهه بيده، مهلًا إنها رائحة عطرها في يده فاستنشق نفسًا عميقًا.

إذن لم تكن حلمًا هي حقيقية، آدمية وكانت بين يديه منذ قليل! وكأن ملابسه أيضًا تحمل عطرها فوقف يتشمم نفسه في حركاتٍ بلهاء، لا فهذا كثير على قلبي أن يتحمل كل ذلك فوضع يده على قلبه الذي يشبه في قوة شرباته ضرب الطبول.

إهدأ إهدأ إهدأ! لكن كيف لي الهدوء وماذا عن هذا الجمال الذي لا يُنسى؟! وهاتان العينان التي حُفرت أمام ناظريّ؟! وعن كتلة الدلال والأنوثة…. لقد اختفت كل الكلمات، فكل الكلمات فقيرة لتعبر عما أشعر به الآن.

دخلت روح لأخيها في المكتب والذي نظر لها بإيماءة تعني لم كل هذا التأخير، لكن روح كانت في حالة غريبة من داخلها لا تعرفها ولم تعهدها أبدًا كأنه نوع من الاجتياح أو كأنها اختُطفت وفقدت شيئًا في آن واحد، اضطراب وتضارب كثير لا تفهمه ولا تستطيع استيعابه لكن عليها نفض كل هذا فورًا.

وسرعان ما جاءت السكرتيرة لتخبرهم بأن الأستاذ قد وصل توًا وفي انتظارهما فتحركا ودخلا، وكان ذلك التحرك بالنسبة لروح هو إشارة مباشرة للعودة إلى أرض الواقع ومحاولة أن تكون على طبيعتها.

دخل الاثنان وجلسا متقابلين أمام المكتب وما كانت لحظات حتى رأى حامد مراد قادم نحوه فوقف ليسلم عليه وبينما مراد قادم نحوه إذ لمح بطرف عينه روح، إنها هي! صاحبة أجمل عيون! كتلة الدلال والرقة المتحركة! ياإلهي! هل أنا محظوظ لتلك الدرجة؟! إذن فذلك الجمال النادر هي صاحبة الأنامل السحرية التي تسحرني دائمًا بروائع طبخها.

وضع يده على فمه ليخفي إبتسامته التي حاول كتمها لكنها أبت وخرجت ثم سلم على حامد وقال بترحاب: مرحبًا بكما.

فانتبهت روح فجأة لذلك الصوت، هل حفظته؟ فوقفت من فورها والتفتت نحوه! إنه هو! يا إلهي! ما هذه الورطة؟!

مدّ مراد يده ليصافحها فترددت قليلًا ثم مدت يدها هي الأخرى وكأنها كانت تنتظر منه أي حركة أو خطأ لتختلق أي مشكلة وتغادر المكان فورًا.

لكن طريقة مصافحته لها لم تضايقها إطلاقًا كما أن عينيه لم تكن سوى معلقة بعينيها بنظرة لها طابع خاص لم تعهدها بل لم تصادفها أبدًا وكانت خالية من أي خبث كانت تتوقعه.

فأومأ حامد بيده يعرفهما ببعض قائلًا: أستاذ مراد عزمي المخرج، أختي روح الفؤاد.

مراد بنفس نظرته مع ابتسامة نقية من قلبه وقال: مرحبًا بك! لقد ازدتُ شرفًا، وتسلم يداكِ على روائع طبخك التي قد ذهبت بعقلي حتى إني قد كتبت بعض الخواطر النثرية أمتدحها.

فضحك حامد وقال: سمعت عن كتّاب يكتبون في وصف حبيباتهم أو أوطانهم لكن وصف أطعمة… حقيقي جديدة! ثم قهقه…

فتابع مراد مازحًا: اسخر اسخر! بل إني قد انتويت نشرهم خاصةً عقب ذلك الغداء الرائع يوم الفتة ومشتملاتها الفتاكة، أما عن آخر مرة أرسلتِ إليّ بورق العنب ما تلك الروعة! ولأول مرة أتذوق محشي للبصل وملفوف بين ورق العنب ماهذا الإبداع! لقد تمنيت ألا ينتهي، يلزم أن تقرئي خواطري تلك في وصف روائعك يا آنسة.

كانت تود لو تصيح في وجهه بسبب هذه التلميحات وتلك الطريقة التي يتحدث بها، أو ربما هي تختلق أسبابًا لكن حتى مع اختلاق الأسباب قد تحجر الكلام فجأة بداخل حنجرتها، لكنها لم ترد إلا: مدام من فضلك.

ورغم كونها كلمة واحدة لكنها كانت رسالة صريحة منها إليه، كفيلة أن تشعره بطعنة فجائية، وبدأ جاهدًا محاولًا السيطرة على نفسه وتعبيرات وجهه متجهًا جالسًا.

بدا عليه بعض الاضطراب في طريقة فركه لوجهه ثم رفع سماعة هاتفه الداخلي وهو يسألهما بجدية: هل ترغبان في شرب قهوة أم مشروب آخر؟

– ممكن كوب من القهوة المضبوطة، وأنتِ يا روح!

أهدر بها حامد بينما تابعت روح باقتضاب: أرغبها سادة.

فنظر نحوها مراد وقال: ثلاثة أكواب من القهوة من فضلك، واحدة مضبوطة واثنان سادة.

فالتفتت روح نحوه فجأة  ثم عادت لوضعها ولازالت ليست على طبيعتها، فلو كانت على طبيعتها لكانت الآن في طريقها للمنزل بعد صدام كبير أحدثه مع هذا المخرج.

كان مراد يحاول طيلة الوقت ألا ينظر نحوها وغمس نفسه في حوار العمل والحديث الرسمي دون أي مزحات وذاك قد أثار تعجب حامد، فهذه ليست من طبيعة مراد أن يظل يتحدث بجدية هكذا، لكنه أقنع نفسه أنه لقاء عمل و وقت العمل للعمل.

وروح أيضًا تعمدت ألا تنظر نحوهما إطلاقًا وظلت تنظر إلى قهوتها لكن أذنيها معهما ولم تتحدث سوى بضع كلمات قليلات عندما يُوجه إليها سؤال فقط.

كان حامد متوقعًا سر هيئتها وهدوءها وظن أنه بسبب حذاءها، لكن لم ينتبه أنها منذ أن جلست وقد خلعته وسندت بقدميها فوقه.

وبعد حديث طويل والإتفاق على كل التفاصيل هم حامد بالوقوف وهو يشير لأخته ليذهبا، فارتدت حذاءها و وقفت لكن الألم شديد فجلست مرة أخرى فأمسك حامد بيدها لتقف وهو ينظر لها بتحذير لأ لا تحدث أي ضجة ومراد يلاحظ أن هناك أمر ما لم يفهمه لكنه قد استحيا أن يسأل وبدأ يتحرك نحو الباب ليودعهما.

لكن ما أن سارت روح بضع خطوات وهي تأنّ قليلًا حتى سقطت فجأة على الأرض وهي تتألم.

فهمس إليها حامد بغضب مكتوم: هلا احترستي؟! هيا انهضي!

فتدخل مراد بنبرة مدافعة عنها: أنت من عليك الاحتراس لألا تسقط منك! أمسك بها جيدًا.

فساعدها حامد على النهوض حتى وقفت ثم جلست على كرسي أحضره مراد ووضعه خلفها لكنها فجأة خلعت حذاءها وصاحت بغضب: لن أرتديها.

فزمجرحامد بتوعد: روح!

فأجابت بنفس الحدة: قدماي تؤلماني ولا أستطيع التحمل.

فتسآل حامد باستخفاف: هل ستمشين حافية القدمين؟!

أومأت روح برأسها أن نعم وأجابت باستفزاز: أجل.

صاح حامد بغضب: روح!

تدخل مراد مجددًا قائلًا بهدوء: إهدأ يا حامد، واضح أنها متعبة حقًا حتى أن قدميها قد جُرحت.
ثم وجه حديثه نحوها وتابع: سيدتي! كم هو مقاس قدميكي؟

فأجابت بحدة وهجوم: ماذا؟!

تفاجأ مراد بهجومها ولا يدري لماذا انتابه فجأة شعور بالضحك لكنه لا زال يجاهد نفسه ألا يفعل ثم قال: لم أقصد شيئًا سيدتي، كل ما هنالك أن صديقًا لي صاحب محل للأحذية بالقرب من هنا سأتصل به ويحضر لك واحدة أكثر راحة، ويمكنك الشراء منه فهو لديه مجموعة كبيرة وكلها مريحة، هه! مقاسك؟

فأجابت مضطرة: 38.

فاتصل من هاتفه وتحدث قليلًا وطلب حذاء موديل……  مقاس……
وبعد قليل جاء شخص ما يحمل الحذاء فقدمه لروح وارتدته، حقًا قد أراحها كثيرًا و حقًا أنيق.

فشكراه وانصرفا وهي تقول لنفسها هل يحفظ كل أرقام الموديلات أم إنها مجرد صدفة؟

…………………………………

الفصل الرابع عشر

خرج روح وحامد من مكتب مراد على موعدٍ قريب للبدء في تحضيرات البرنامج، وطوال الطريق كان حامد يؤنب روح ويعنفها على تصرفاتها غير اللائقة و ردودها الحادة وبعد وصولهما للبيت ومعرفة أيمن بما حدث ظل هو الآخر يؤنبها ويحثها على تغيير طريقتها وأسلوب تعاملها مع الآخرين.

لكن يمكن وصف حال روح بتلك المقولة المصرية:
«اللي اتلسع (حرق) من الشوربة ينفخ في الزبادي.»

ربما لم تكن روح تسمع لأيٍ منهما فهي في عالم آخر عند ذلك اللقاء على الدرج، ماذا جرى لك ياروح؟! وكيف ستتعاملي معه في الأيام المقبلة؟!
كم يبدو الأمر صعبًا!
وقررت معرفة الكثير عنه و تتبع أخباره عبر مواقع التواصل الإجتماعي، ربما لم تقرأ شيئًا عنه بقدر ما شاهدت عدد كبير من صوره، وتعجبت من فعلتها التي لم تفعلها من قبل ولا حتى في مراهقتها، ولا إراديًا وجدت نفسها تحفظ بعض من تلك الصور على هاتفها.

أما مراد فمنذ أن غادرا ولأيامٍ متتالية وهو يفكر كيف سيتعامل معها؟! فمشهد عينيها الرماديتين وهي بين يديه لا يفارقه أبدًا وكلما نظر إليها تذكر ذلك الموقف، يجب أن يمسحه من ذاكرته فكيف ينظر لامرأة متزوجة؟! ترى لِمَ ذلك الاختبار الصعب؟! لمَ أنجذب هكذا لها وتحركت كل مشاعري نحوها؟! كيف تسربتي بداخلي؟ وبعد ذلك أجدك لرجلٍ غيري! هو أمر صعب حقًا بل غاية في الصعوبة، ولماذا أتعجب من كونها متزوجة؟! إن كانت أمثالها لم تتزوج فمن تتزوج إذن؟!
أشعر بحقدٍ وغلٍ وكرهٍ كبير لذلك الزوج، وأتمنى لو أرى هذا المحظوظ الذي أسرها وخطفها وصارت مليكته أما أنا فعليّ أن أعض في الأرض، لا بل ربما إن رأيته أشبعه ضربًا.
مهلًا يا مراد! هل أصابك الجنون؟!
لا بل أصابني عشق كبير!

مرت الأيام وجاء اليوم المتفق عليه موعد تصوير إعلان البرنامج وقد جاء مع روح أخويها وإيمان وزينب فتلك هي كل عائلتها الآن.

وكان المفترض أن يكون على هيئة فقرة تقولها وتظهر بعد ذلك في مقاطع مختلفة كل منها بهيئة وملابس مختلفة، كم تبدو رائعة الجمال!
خاصةً عندما سار معها مراد داخل الأستوديو ليخبرها أين تقف بالضبط ويطلب منها بعض التفصيلات الفنية، وبالطبع يجاهد نفسه، نفسه التي تشعر بالانهيار أمامها، ولازال يتفقد بعينيه باحثًا عن ذلك الزوج المحظوظ فهو يشعر اليوم أنه سيرتكب جريمة عندما يلتقي به!
هل رأيت جنون كهذا من قبل؟

اقترب مراد من روح وقال بعملية: لو كنتِ تريدين انتظار زوجك، فيمكنك الإتصال به ليسرع فأنا لن انتظر أكثر من ربع ساعة.
قال الأخيرة بتأفف واضح لروح لكنها لم تفهمه.

فتابعت روح بتعجب: زوجي!

فأومأ مراد بتعجب وأجاب: أجل زوجك! من المفترض أن يشاركك يوم هام كهذا مثل باقي أفراد أهلك!

فصاحت فجأة: آه! لا يوجد زوج…
ثم غيرت لهجتها لتشتد حدتها أكثر بها بعض التحدي والهجوم: كنت متزوجة وقد ذهب! إلى الجحيم! خلعته! لأنه كان حقير وحيوان بل حشرة متطفلة تتنقل بين أكوام القمامة! هل من اعتراض؟!

فتنحنح مراد وأجاب بهدوء: بالطبع لا، ولِمَ الإعتراض؟ هذه أمور شخصية وعادية، فأنا مثلًا قد تزوجت وطلقت مرارًا.

فصاحت في وجهه مجددًا: بالطبع! فأنا لم أتفاجأ أن تصف ذلك بالعادي، فأنتم أيها الرجال كل شيء لديكم عادٍ ومباح! وماذا ستخسرون؟

جاء حامد وأيمن يلهثان ليقاطعاها فهما يعلمان أختهما، كيف تصيح وتُصعّد الأمور؟ وها قد بدأت معركتها معه ضد الرجال.

تمتم حامد في نفسه: ومصيبتاه!

وتمتم أيمن أيضًا: استر يا رب!

وعندما وصلا إليهما.
تسآل أيمن: ماذا جرى يا روح؟ هذا لايصح!

فضغط حامد على أسنانه وهمس إليها: هل نسيتِ بماذا أوصيتك؟!

فأهدرت بتأفف: يووه!

شعر مراد كأنه قد ضغط على جرح لها ثم أراد فض كل ذلك فقال بعملية: إذا سمحتم، كلٌ يلزم مكانه، تفضلا من هنا الآن..
يشير نحو حامد وأيمن ثم التفت لروح وقال: مكانك سيدتي، وكما قولت لك ستتحدثين بتلقائية وبدون قول سيداتي سادتي.

وتحرك مراد ليجلس مكانه في غرفة التحكم وأخيرًا استطاعت أن تتنفس فوجوده يكفي لعدم وصول الأكسجين لرئتيها.

أما هو فيشعر بسعادة غامرة جعلته تقبّل منها حتى طريقتها هذه وبدون أي تعليق على صوتها العالي أو حدتها وهجومها، فكونها ليست على ذمة رجل آخر أمر في حد ذاته يستحق الصبر الطويل بعده.

وقال بصوت عالي: سكوت! 3 ,2 ,1 action!

ابتسمت روح بإشراق و روعة وقالت بثقة: لكل من تذوق أكلي وجربه…من مطبخ روح الفؤاد ستعلمون السر…. لكل سيدة أو حتى فتاة صغيرة تريد أن تطور نفسها ليس فقط ليقال عنكِ ماهرة، بل أيضًا لتزداد ثقتِك في نفسك بمهاراتك الزائدة والمتعددة… من مطبخ روح الفؤاد ستحققين كل ذلك وأكثر… لو كان لديكِ وليمة وتريدين تقديمها على أكمل وجه…. من مطبخ روح الفؤاد كل شيء سيكون على مايرام… تابعينا قريبًا.

صاح مراد :cut.

ذهب نحوها حامد مندفعًا وقال باعتراض: ما هذا ياروح؟ أين الكلام الذي أخبرتك به لتحفظيه وتقوليه؟!

تأففت روح واستدارت بوجهها عنه وقالت: لا أدري لم أتذكر سوى هذا فقط.

صاح حامد بغضب: من البداية تضيعين وقتنا ونضطر لإعادته من جديد!

فتدخل مراد مدافعًا عنها وقال بهدوء: ما الذي سيعاد مرة أخرى؟! هذا ما أريده بالضبط، أريدك على طبيعتك أريد روحك، لا أريد مجرد كلام مرسل محفوظ ويُردد، المفترض أن توافقني الرأي، لأن ذلك هو بالضبط مايلائم شخصيتها، حقيقي رائع!

نظرت روح بينهما ثم انصرفت بلا تعليق.

وبعد أيام ظهر الإعلان وبدأت في تصوير الحلقات وقد حقق البرنامج نجاحًا كبيرًا في وقت قياسي كما توقع مراد.

كان مراد يترك روح بطبيعتها غير المتكلفة وذلك جعلها مختلفة لحد كبير، كانت تتصرف بتلقائية كأنها بالفعل في مطبخ بيتها حتى إنه لتصدر منها أحيانًا بعد التصرفات التلقائية التي تجعل مراد يضحك منها.

فكثيرًا ما تتمرد إحدى خصلات شعرها على وجهها فأحيانًا تهز في رأسها لترفعها أو ترفع رأسها لأعلى وتنفخها فيضحك مراد من هيئتها ويجعل لقطة الكاميرا على ما تصنعه.

أو أحيانًا تتذوق ما تصنعه بأن تلعق طرف إصبعها ثم تنتبه وتسرع وتغسل يدها، أو فجأة تجمع الأواني المتسخة وتذهب بها ناحية الحوض لتقوم بغسلها فيذكّرها مراد في سماعتها أن تتركها .

كان مراد يتقبل تصرفاتها على الرحب والسعة ثم يعدّلها في المونتاج، فهو لا ينكر تسليته بهذه التصرفات ولا ينكر انجذابه لها، لا بل كان واضحًا مع نفسه أكثر فهو يحبها بشكل لم يتخيله حتى في رواياته التي يكتبها ومثل تلك الفعلات التلقائية تثير في نفسه الكثير من المشاعر والأحاسيس، إنه ليتقبل حتى حدتها وردودها الجافة المتحفذة دائمًا، فقد عشق كل تفاصيلها ودائمًا يعارض حامد إن انتقدها أمامه وكأنه قد عُيّن محامٍ عنها.

كان ذلك واضحًا لروح لأن حامد هو أقرب شخص إليها، لكن يبدو لشخصٍ آخر يود عبوره ليكون هو الأقرب، والأغرب لها أنها كثيرًا ما تعجز عن الرد عليه أو مواجهته بكل قوتها كما اعتادا وكأن هناك قوة خفية تتحكم في لسانها وحلقها! لكن أحيانًا كانت تتغلب على تلك القوة.

كانت تشعر وكأن مراد هذا يفهمها بدقة ويقرأها جيدًا، فلا يمكن أن تتجاهله ولا تتجاهل الكثير من تلك التفاصيل في أقواله أو أفعاله.

فتعامله كان بجدية مملوءة بحب و أحيانًا تمتزج قليلًا بخفة الظل فكان ينتقي كلماته ومزحاته معها ويعرف متى يمزح ليستطيع أن يلمح شبح تلك الابتسامة الخفية التي تحاول جاهدة أن تخفيها، لكن لم تنجح نهائيًا في إخفاء رماديتيها الساحرتين التي أسرته فيهما، حتى إنه كلما نظر في اتجاه رأى عينيها تنظر إليه وإن أمسك بقلمه ليكتب يجده يرسم عينيها فإن نظرت في أوراقه التي يكتب فيها رواياته تجد في كل صفحة رسمة لعينيها، ولا ينقصه إلا أن يرسم عينيها على جدران البيت حتى يكتمل ذلك العشق المجنون.

مر عام كامل لم تتغير فيه طبيعة العلاقة بين روح ومراد وإن كان كلًا منهما يكن للآخر الكثير لكن الفارق أن روح لازالت لم تفسر معنى كل ما يحدث رغم أن مراد كان دائمًا عكس كل توقعاتها ومفهومها عن الرجال لكنها لازالت لا تثق بمعشر الرجال، أما مراد فكان لازال يخشى من ردة فعلها إن حاول أن يبوح لها بمكنون قلبه ولازال صابرًا لكن لا يدري لمتى؟!

………………………………..
انتظروناااااااا

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان