رواية ” روح الفؤاد ” الفصل الثالث

بقلم:نهال عبد الواحد

ظلت روح تحدث نفسها وتزاحمها الأفكار ذهابًا وإيابًا ثم قامت من مكانها تقوم بأعمال المنزل اليومية وهي تنتوي اختلافًا تامًّا في كل شيء.

فيكفي فيض الحنان والاهتمام الذي دام لأشهر دون فائدة، فتلك مقتنيات غالية لا تخرج إلا لمن يقدرها.
وهل هناك أغلى من الزوج لينال هذا الفيض؟!
وماذالو لم يستحق كل ذلك؟! أو يقابل ذلك بأسوأ مقابلة إذن فكفى ولم الاستمرار؟!
لقد تعامل مع كل ذلك كحق مكتسب وكأنه المعتاد، إذن فليرى المعتاد ليعلم و ماذا كان بيده وقد تبتر عليه.

أنهت كل أعمالها المنزلية وجاء المساء ولم يعود بعد منذ الصباح ولم تتصل به عن عمد طوال اليوم، وانتظرت ربما يقلق ويتصل ويسأل لكن لم يحدث ذلك فانتظرت حتى جاء أخيرًا.

لم تجري إليه هذه المرة أو تسرع في استقباله بحفاوة كعادتها وتلقي بنفسها بين يديه كما تفعل دائمًا بل ظلت جالسة تشاهد التلفاز وفي يدها طبق من اللب تأكله واكتفت بأن ردت عليه التحية بلسانها فقط وبمنتهى اللامبالاة.

لكن لم تجد أي رد فعل منه فلم يسألها مثلًا عن سر تغييرها أو كيف لم تتصل به طوال اليوم ولماذا؟

ولم يسأل حتى عن عدم استقبالها له كما اعتاد منها فكأنما كان كل ذلك عبئًا عليه وقد تخلص منه أخيرًا دون أي تعليق حتى ولو بالكذب أو حتى على سبيل المجاملة وهذا قد أحزنها من داخلها، فقد أدركت قيمتها لديه فهي بالنسبة إليه لم تكن سوى امرأة له وليست زوجة والفرق شاسع بين الكلمتين.

قد حزنت على نفسها كثيرًا وليس عليه، لكنها بمجرد ما قررت تغيير طريقتها وجدت نفسها تفعل ذلك بكل اقتناع وأريحية تامة، وهنا تأكدت أنها لا تكن له أي مشاعر من قلبها.

لكن هل ستستمر هذه الحياة بذلك النمط؟!
ولم لا؟! فهل كل الأزواج بينهما تلك القصة المتأججة من الحب والمشاعر؟!
بالطبع لا، لكن يكفي الود والاحترام لاستمرار الحب، وعليها أن تعطيه فرصة أخرى فهما لم يكملا معًا منتصف العام الأول من الزواج، وهذه قطعًا ليست بمدة كافية، لكن على أية حال لن تعود كما كانت إلا إذا رأت منه ثمرة تغيير.

قامت روح وأعدت له طعامه وحده وعادت مجددًا تشاهد التلفاز حتى أنهى طعامه وجاء إليها.

فتسآل: لماذا لم تشاركيني الطعام؟

فأجابت بلامبالاة: هلا تذكرت الآن؟! على أية حال لقد تأخرت فشعرت بالجوع وأكلت.

فصاح فيها : أحسني الكلام معي! واتركي ذلك الهراء الذي تشاهديه!

فتأففت قائلة: من فضلك أنا أتابع المسلسل وأحب المتابعة في هدوء.

– وأنا أريد النوم.

– إذن تصبح على خير.
ثم التفتت ناحية التلفاز وقالت وكأنها تعلق على ما تشاهده: يا لك من غبي! ستضيع منك بغبائك وحماقتك، عليك اللعنة أيها البائس!

فعكر حاجبيه بعدم فهم: ماذا تقولي؟!

– لا عليك إني أحدث هذا التعيس بطل المسلسل الذي سيضيع حبيبته بتصرفاته الحمقاء، دعك واذهب لتخلد في نومك.

فتركها ودخل حجرته وظلت هي جالسة أمام التلفاز وتأكل في اللب، بل كانت تأكل في نفسها غيظًا فهو حقًا كائن بلا شعور كما كانت تحاكي نفسها من قبل.

حتى فجأة شعرت بألم في معدتها فأسرعت للحمام لتتقيأ، ولم لا فهي لم تأكل أي شيء طوال اليوم وغضبها هذا كاد يهلكها.

دخلت روح لفراشها حتى تنام، كم حلمت أن يأخذها زوجها في حضنه ويضمها إليه ويربت عليها برفق وحنان، لكن لا فائدة، فلن تنسى ذلك اليوم الذي فعلت معه ذلك فدفعها بشدة بعيداً على طول يده حتى إنها كادت تسقط أرضًا، فهو لم يقترب منها أبدًا إلا من أجل رغبته ليس إلا.

نامت روح نومًا عميقًا وجاء الصباح ولأول مرة يستيقظ نادر وحده ويجدها لا تزال نائمة ولم تفعل أي شيء بعد فصاح بملء صوته: أنتِ يا امرأة! أيتها النائمة! ما كل هذا النوم؟! بالطبع فأنتِ تشاهدي مسلسلاتك وتتركيني أنا لأذهب لعملي متأخرًا.

فانتفضت مفزوعة وشهقت ثم تلاقطت أنفاسها وقالت: صباح الخير.

نادر بصياح: صباحك يشبه السواد على رأسك!

فقالت معترضة: مهلًا مهلًا، ما هذه الطريقة؟!

فتأفف قائلًا: أجل! وستبدأ فقرة الثرثرة ولا داعي لذهابي للعمل!

فأجابت بإعياء: لقد تعبت ليلًا لذلك سقطت في نومٍ عميق.

فتابع بتهكم: ما أعرفه أن المريض يذهب للطبيب، هيا!

فقامت وأعدت له فطوره وكل أشياءه قبل عمله وبعد أن ارتدى ملابسه قالت له: هل تأذن لي بالذهاب لبيت أخويّ لأنظف البيت لهما وأعد بعض الوجبات؟

– إذهبي! وليتك تمكثين عدة أشهر أو تذهبي للأبد و دعيني أرتاح قليلًا.

فتصنعت المزاح ثم قالت: كأنك تستطيع العيش بدوني…
وضحكت بملء صوتها ثم تابعت: ما رأيك لو جئت وتناولت معنا الغداء؟

– لا شكرًا!
قالها باقتضاب.

– لماذا؟ أليس أيمن صديقك وكنت تكثر زياراتك إليه؟!

– كنت، كما قلتِ، أي زمن ماضٍ وها قد مضى وانتهى…. سلام.

فخرج ولم يزداد بداخلها سوى الغضب والألم.

وفي المدرسة بينما كان نادر يجلس في غرفة المدرسين ويحمل هاتفه ويحدث شخص ما أو أنثى عبر الشات، إذ دخلت إحدى المدرسات الزميلات وتدعى إيمان وكانت ضئيلة الحجم، محجبة، ذات ملامح هادئة ويبدو عليها حسن الخلق.

وما أن رأت إيمان نادر جالسًا حتى بحثت بعينيها بداخل الحجرة فلم تجد أحدًا من الزملاء غيره، فتأففت من داخلها وجلست عند حافة المنضدة قريبة من الباب فرغم عدم اختلاطها بنادر هذا ولا تعرفه إلا أنها تشعر بنفور ناحيته.

فرحب بها بابتسامة عريضة ثم انتقل من مكانه إلى الكرسي المجاور لها فأفزعها ذلك التصرف فانتقلت لكرسي آخر بجانبها بحركة تلقائية.

نادر بسماجة: ماذا بك أستاذة إيمان؟! كأني سأعضك!

إيمان بتوتر: رجاءً، لديّ عدد من الكراسات أود تصحيحها وأشياء أخرى وأنت بذلك تعطلني.

– لا، لن أعطلكِ بل سأسليكِ، حتى إنه يقال عني خفيف الظل.

وانتقل للكرسي المجاور مرة أخرى فانتفضت هذه المرة لكنها ظلت واقفة تجمع أشياءها لتغادر المكان فورًا.

فتسآل: ما الخطب؟!

وفي هذه اللحظة دخل أيمن وألقى السلام وهو ينظر بينهما ويلاحظ ارتباك وانزعاج زميلته: السلام عليكم ورحمة الله.

فأجاب نادر: وعليكم السلام.

فتسآل أيمن: ما الأمر أستاذة إيمان؟

فأجابت إيمان بتوتر: لا شيء، ليس لديّ حصص الآن وكنت أود القيام ببعض المهام، لكن للأسف لم أجد زملاء آخرين بالحجرة.

فتدخل نادر قائلًا: وأين ذهبت أنا؟

وضحك نادر بملء فمه فظهر الانزعاج التام على وجهها فالتفت إليه أيمن قائلًا: كيف حال أختي روح؟

فاختفيت ضحكته فجأة وقال بتأفف: بخير!

فالتفت ناحية إيمان وقال بنبرة نادمة: إنه صهري وزوج أختي.

فتابع نادر بسخط: ولماذا تذكّرني؟! أقصد لماذا تقولها بهذه النبرة؟ كأنها قد اشتكت إليك مني!

فجلس أيمن دون رد وفتح أحد دفاتر تحضيره يسجل شيئًا ما، فجلست إيمان هي الأخرى لتكمل ما تفعل فنظر إليهما نادر وتتأفف وجمع أشياءه وانصرف.

فترك أيمن ما في يده ومسح على وجهه وهو يستغفر بصوت خافت لكنه مسموع قليلًا.

فتسآلت إيمان: ما الخطب يا أستاذ أيمن؟

فمسح وجهه بضيق وقال: حسبي الله ونعم الوكيل! إني والله لأستحق ليس الضرب بالنعال بل ضرب النار.

فزمت حاجبيها بدهشة ثم تسآلت: لماذا كل هذا؟ صحيح فعلًا هو زوج أختك؟!

فأومأ برأسه أن نعم و أجاب بتنهيدة: أجل، مع كل الأسف، وأنا السبب في هذه الزيجة السوداء، لا أعلم أين كان عقلي؟ لكن أقسم لك ما كان يظهر هذه الأخلاق على الإطلاق! لقد خدعنا جميعًا، مؤكد هي الآن تعيسة وتلقي من الهم ألوانًا، ليتك تسامحيني يا أختي ولا تدعي عليّ يومًا.

فقالت بنبرة مواسية: هون عليك أخي، ربما يصلح حاله ويهتدي.

ففتح هاتفه وبحث فيه قليلًا ثم أعطاها يريها قائلًا: انظري! هذه روح أختي الغالية، انظري إليها.

فنظرت إليها إيمان وابتسمت بانبهار: ماشاء الله! إنها جميلة حقًا! بل ملكة جمال.

كانت تتحدث بابتسامة هادئة و تلقائية تظهر طيبتها وصفاء قلبها فجذبت أيمن حتى انتبهت له وأعطته الهاتف و أكملت عملها ببعض الإرتباك و وجهها متورد خجلًا.

بينما هو أكمل عمله بابتسامة فجائية هلت على وجهه لا يعلم إن موعدها أو غير

انتظرونا فى الفصل الرابع


 

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان