رواية روح الفؤاد الفصل الأخير

الفصل التاسع والعشرون والأخيرة

بقلم:نهال عبد الواحد

بدأت روح تسترد وعيها لكن بدأ يسمع صوت أنين وبدأ يتحول لصراخ فنهضت فجأة فوجدت مراد أمامها ينظر إليها ويتأملها ثم نظرت حولها تتلفت تحاول تذكر أي شيء آخر، ربما كان كل هذا مجرد حلم، إذن فما الذي جاء بي إلى هنا؟
ولم ينظر مراد إلىّ هكذا؟!
لماذا يجلس بلا حراك هكذا؟!
هكذا تحدث روح نفسها بداخلها.

ابتلعت ريقها بصعوبة وقالت بصوت مختنق يكاد يخرج بالكاد: ماذا حدث؟

تسآل مراد بجدية لم تعهدها: لماذا أخفيتِ عليّ؟

فترددت وتلعثمت وتابعت بلجلجة: هه! أخفيت عليك ماذا؟ عن أي شيء تتحدث؟!

فتابع بحدة: أمر نادر، لماذا لم تخبريني بكل شيء ؟! ألم يكن ذلك إتفاقنا؟ الصراحة مهما كانت!

فبكت وأهدرت: لقد قتلته وأرحت الناس من شروره… أليس كذلك؟!

فهز برأسه أن لا وقال: لازال على قيد الحياة، لقد فقد الوعي فقط من أثر جرح رأسه، وبعد استرداده لوعيه اعترف بكل شيء، أنه ابتزك وطلب أموال مقابل مقاطع فيديو خاصة، هددك بهم وقد صدقتيه بمنتهى السذاجة.

– كيف كنت أخبرك بأمر هكذا؟! كيف كنت تستطيع رؤية مثل تلك المقاطع؟! لكن أقسم لك ما ارتكبت أي خطأ.

– بل أخطأتي! عندما تخفين عني كل هذا فقد أخطأتي! عندما تخرجين بدون إذني ولا حتى إخباري كما عودتيني وأعلم ذلك عبر الصدفة الباحتة بدل المرة ثلاثة وأنتظرك تجيئيني وتخبريني لكن كأن لم يكن كنت أراك لستِ على ما يرام ومتغيرة كثيرًا وهذا خطأ آخر! عندما تذهبين وتسحبين من حسابك الخاص حتى ولو جنيه واحد بدون إخباري، صحيح هو حسابك الشخصي لكن هو ليس من أجل أن تسحبي منه وتصرفي منه حتى على نفسك وهذا خطأ آخر، لقد سمحتي لنفسك أن تدخلي بيت رجل غريب بمفردك وضيفي عليه أنه بلا خلق إذن فمتوقع منه أي وقاحة وقذارة وهذا خطأ آخر، أنتِ حتى لم تصحبي أحد إخوتك ربما لو أشركتي أحدهما أو كلاهما معك كنت التمست العذر لك لكن ذهبتِ بمفردك، عدي كَمّ أخطاءك يا روح!

فازداد بكاؤها وأهدرت بصوت متحشرج: أقسم لك لم أقصد! أرجوك اقبل أسفي واغفر خطائي هذا، كنت أخشى أن تتركني، كنت أخشى أن تحرمني منك.

فتابع بتبلد: كأني هكذا لن أتركك!

فارتعدت فرائسها وتعالت شهقاتها وتابعت بصوتٍ يخالط تلك الشهقات: لا أرجوك، أقسم عليك ألا تفعلها، اختار عقاب آخر غير هذا، لا تتركني، لا طاقة لي أن أعيش بدونك.

فسكت وأدار بوجهه عنها وبدأت تتحرك وتنهض وتحاول الإعتذار إليه بشتى الطرق، لكن قد أصابها الدوار بمجرد وقوفها لتتوسل إليه فأمسكت بسرعة بحافة السرير لألا تسقط أرضًا، فذلّت يدها أيضًا لكن قد لحقها مراد و أمسك بخصرها وأعادها ثانيًا للفراش، وصاح فيها معنّفًا: ما الذي تفعلينه هذا؟!

وهمّ بالتحرك بعيدًا عنها لكنها علّقت ذراعيها حول رقبته لألا يتركها وقربته منها قائلة: لا تتركني أرجوك!

فلم يرد عليها بل حاول فك ذراعيها لكنها تتشبث به أكثر فقال بجمود: ماذا تريدين الآن؟

– لا تتركني! إني أحسب عمري منذ اليوم الأول لحبك، أرجوك اغفرلي خطائي و لنبدأ من جديد.

فرفع حاجبيه باستخفاف وتابع: هكذا بتلك البساطة!

– إذن ما الذي يرضيك؟!

– اتركيني للوقت، عليكِ أن تقدّري مقدار خوفي وغيرتي، هل تعلمي كيف صُدمت؟! هل تعلمي كم وقفت في ذهول لا أصدق لا أستوعب ولا أعلم كيف أتصرف؟! هل تعلمي كم المشاهد التي تخيلتها؟! لقد تخيلت جميع مشاهد الخيانة! ألم تنتبهي كيف وصّلتي تفكيري بك؟! هل تعتقدين أن كل ذلك يُمسح بكلمة اعتذار؟! آسف فكلما كبر الحب كلما ازداد الوجع.

– إذن لن تتركني!

– للأسف لا أقوى على هذا القرار.

فابتسمت براحة ثم جذبته نحوها وقبّلته فأبعد نفسه عنها مع دخول الطبيب فاضطرت روح لتركه، فاعتدل واقفًا يهندم هيئته ويشير إلى الطبيب بلياقة تنافي حالته منذ قليل: تفضل! لقد جئت في وقتك، فقد أصابها الدوار عندما نهضت واقفة.

فأجابه الطبيب: هذا وضع طبيعي لمن ينام طويلًا بمجرد أن ينهض ينتابه شعور بالدوار، خاصةً أمثالها.

فقال مراد بخوف وقلق: خيرًا! لقد أُخذ منها عينة دم بالأمس، ما نتيجة التحاليل؟ هل تعاني من أنيميا؟

فأومأ يجيبه: من جهة الأنيميا فلديها نسبة وستحتاج لمقوّيات كثيرة لكن ليس الآن، المهم الآن هو الإهتمام بالطعام الصحي وسوف أكتب لكم على أنواع بعينها يفضل أن تركز عليها ثم تدخل المقويات تدريجيًا أو كما يخبرك طبيبك الخاص.

فتدخلت روح: إن صحتي بخير ولا أعاني من أي مرض يتطلب طبيبًا خاصًّا.

فابتسم الطبيب قائلًا: لكن من الآن ستحتاجين لطبيبٍ خاص، وإن رغبتما يمكنني أن أرشح إليكما البعض ممن يتمتعون بالمهارة والثقة، يبدو أنكما لا تعلمان….. مبارك!

مطت روح شفتيها بعدم فهم وأهدرت: مبارك! لماذا؟!

وكان مراد قد فهم الطبيب فكم أخبرته مربيته بذلك لكن لم يقتنع فقال بسعادة واضحة : فعلًا يا دكتور! هل هو خبر مؤكد؟!

فأومأ الطبيب ببشاشة وأجاب: أجل! كنت أشك في البداية لكني قد تأكدت من التحاليل وقد أجريت لها اختبارًا رقميًا، زوجتك حاملًا في ستة أسابيع.

فاتسعت عيناها وأهدرت بفجأة: حامل!

فقال الطبيب: مبارك! سأكتب الروشتة وإذن الخروج ثم تتابعين مع طبيبٍ خاص، أستأذنكما.

وانصرف الطبيب و روح واجمة وتضع يدها على بطنها فنظر إليها مراد ثم قترب منها و وضع يده فوق يدها على بطنها وقال بابتسامة: مبارك!

فدمعت عيناها مجددًا وهمست بابتسامة: فعلًا!

فهز برأسه أن نعم بنفس العينين الدامعتين وهمس هو الآخر: فعلًا!

فقالت وهي تشرد وتتطلع للأمام: سأعد غرفتها بنفسي، سأكثر فيها ملصقات الفتيات مثل الأميرات، سأحضر لها ملابس كثيرة وفساتين كثيرة، سأرتدي أنا وابنتي متشابهتين نفس اللون والشكل، سأشتري لها شرائط الشعر الكثيرة و….

نظر مراد إليها مبتسمًا وهي تتحدث ولازالت عيناه تدمعان فالتفتت إليه وقالت: لكن سامحني أولًا!

فجلس جوارها وضمها إليه ثم انحنى وقبّل بطنها وقال: للأسف سأضطر لمسامحتك، ليس أمامي إلا ذلك! ماذا أفعل بقلبي؟! كما أخشى عليكِ من الحزن الآن.

ثم ضمها إليه أكثر فقالت: أحبك مراد، ولن أغضبك بعد اليوم أبدًا.

– أحبك روح، أحبك يا أحلى أم!

– بل أنا أحبك أكثر يا أحلى أب!

ومر شهر بعد شهر وفي حفل سبوع ابن أخيها أيمن والذي قد تأخر في قيامه لحين الإنتهاء من فترة الإمتحانات، وكانت روح جالسة منتفخة البطن والوجه خاصةً أنفها وشفتيها، والجميع حولها يحتفلون وأيمن يحمل وليده ويلف به وخلفه الجميع يسيرون في المكان بأكمله يحملون الشموع ويغنون أغاني السبوع المعروفة….

وروح ممسكة بيدها طبق ناثرة فوقهم وهي جالسة من مكانها بالملح والسبع حبوب، وضع أيمن ابنه في ذلك الغربال الأزرق السماوي المزيّن على الأرض وتجلس أرضًا زينب و المربية عزيزة وجوارهما مبخرة صغيرة وإيمان تخطي من فوق وليدها وأحدهما تدق بالهون والأخرى تقول تلك الكلمات الشعبية المعروفة…

لكن فجأة صرخت روح وألقت بالطبق وأمسكت بإحدى يديها أسفل بطنها وبالأخرى خلف ظهرها وتصرخ بشدة :آه! مراد مراد!

وأسرع نحوها مراد وأخويها ليسندوها ويذهبون بها للمشفى بسرعة، و وصلوا هناك ودخلت غرفة الولادة مباشرة وكان الطبيب في انتظارها.

وبعد مرور بعض الوقت خرج الطبيب يبشرهم بابنته وبعد مرور بعض الوقت ذهب مراد وأخويها ليروها في المكان المخصص للأطفال حديثي الولادة، كانت جميلة تشبه أمها كثيرًا هكذا رآها مراد.

أعطتها له الممرضة فحملها وهو يشعر باضطرابٍ، خوفٍ وأشياءٍ كثيرة فلم يحمل مثل هذا الحجم من قبل، فلأول مرة يشعر بالأبوة، ابتسم وعيناه تدمعان من شدة الفرحة فأذّن في إحدى أذنيها وأقام في الأخرى ثم أعطاها للممرضة وذهب لزوجته وقد ذهبت لغرفتها وكانت تبدو منهكة و وجهها شديد الشحوب وتفتح عينيها بالكاد وتلهث أنفاسها فسبحان مخلص روح من روح!

اتجه لها مراد وقبّلها ومسح على رأسها وقال: حمدًا لله على سلامتك يا روحي، إن ابنتنا تشبه البدر تمامًا كأمها، إذا كنتِ أنت روحي فمن تكون هي؟

– من؟!

– مليكتي.

فزمت حاجبيها بعدم فهم وتسآلت مجددًا: ماذا؟!

– مليكة مراد عزمي.

وهنا دخل حامد للحجرة وقال: عظيم! ليكون لدينا روح مراد و مليكة مراد… والبقية تأتي.
فضحك الجميع.

إن الأمل لا ينتهي من الحياة، وكلما كاد ينتهي أمل وُلد غيره، أحيانًا يلزمنا المرور بتجربة بعينها لأن وقعها علينا له دور في حياتنا لنكمل في المرحلة التالية.

لم نشعر بالسعادة يومًا مادمنا لم نتذوق الحزن ولم نشعر بالحزن مادمنا لم نُطعن أو نتألم أوًلا.

هكذا هي الحياة تدور وتمضي في أيام لك وأيام ضدك ولكلٍ وقته ومراده.

وتلك الأيام نداولها بين الناس.

تمت♥️

سعدت بمتابعتكم لكلماتي المتواضعة تلك،
أشكركم جميعًا،
تحياتي،

  1. نهال عبد الواحد 💞💞💞
مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان