رواية ” راضية” الفصل الحادي والثاني عشر للأديبة ” نهال عبد الواحد “

الفصل الحادي عشر

بعد أن صعد علي و راضية جاء قاسم وكامل.

فتحدث قاسم: في إيه يا مي؟

صاحت منال: واه يا راجل! ما جيتش تشوفني مالي! بجى معجول صويتنا ماجابش المندرة؟!

– كان جايب ، بس عنعملكم ايه عاد؟ حريم وبيدجوا ف بعض!

قال كامل: جال عايزنا نخش وسط الحريم كماني!

صاحت منال: كنكم فرحانين في!

تابع قاسم: جلتلك كام مرة ما لكيش صالح براضية؟!

– عتدافع عنيها كماني!  ليه إن شاء الله؟ دي حتى ف ذمة راجل و الراجل دي يبجي خوك.

– يجيكي مصيبة! العيار ما يخلعش عينك! إيه اللي عتجوليه دي يا بجرة؟ كنك إتخوتي ف نافوخك؟! إسكتي ساكتة خالص أحسن جسمًا عظمًا لا كمل عليكي ودلجيتي،  وإنتِ يا سامية بزياداكي روحي، ولو كلمة خرجت من إهني يبجي إنتِ اللي جولتيها و ما عتعتبيش إهني تاني واصل…يلا همي.

فانصرفت سامية غاضبة.

صاح كامل: يلا يا ولية منك ليها كل واحدة تغور على أوضتها.

وما أن أنهى كلماته تلك حتى وجد علي يهبط من الدرج ممسكًا بحقائب و خلفه راضية تتبعه بعباءة وحجاب أسود.

تسآل قاسم: رايح بمرتك فين إكده يا علي؟

أجاب علي: عروحها على بيت أبوها ماعادتش تلزمني.

صاح كامل: يا خربيت أبوك إيه اللي عتعمله دي! عتغفلجها علينا!

أجاب علي بغضب أعمى: خلص الحديت لحد إكده يا ولد بوي.

وانصرف هو و راضية دون أن يرد أو يلتفت لأيهم فانطلقا قاسم وكامل يبدلان ملابسهما ليلحقان به.

صاح قاسم: ابنك اندب يامي،  عنروح نلحج المصيبة دي.

تابعت منال بشماتة: يلا المركب اللي تودي! غوري يا بعيدة جاكي مصيبة!

خرج علي من البيت حاملًا الحقائب و خلفه تتبعه راضية دموعها جارية في صمت، لكنه لم ينظر خلفه ولو لبرهة و ركبا السيارة في صمتٍ قاتل.

وصل علي و راضية إلى بيت الحاج صالح، طرقا الباب و دخلا فتفاجأ الجميع بهذه الزيارة من هيئتها التي لا تدل على خير.

نظر صالح بينهما وتحدث في ريبة: يا مُرحب يا مُرحب، كِيفك يا علي يا ولدي؟

أجاب علي بجمود: بنتكم عنديكم أهي صاخ سليم،  كِيف ما خدناها رجعناها.

فصاح عبد الرحمن بثورة: لساكي راكبة راسك يا جزمة يا بت الجزمة! جوللي يا علي وأنا أكسرهالها.

تابع علي: خلاص يا أستاذ عبده ماعادتش تلزمني.

فجذبها أخيها من ذراعها بعنف وصاح: إنتِ إيه؟ماعايزاش تجبيها البر ليه؟ أبندجك وأدفنك مُطرحك ولا أعمل إيه! عتجبيلنا العار يجيكي مصيبة! عجبك الفضايح دي!

تابعت كريمة محاولة تهدئته: بزياداك يا عبده، تعالي يا راضية سيبيهم يجعدوا ويتفاهموا بالعجل.

صاح عبد الرحمن: عجل إيه اللي عايزة تخربها و تجيدها نار دي! وإنتِ صالحك إيه يا بجرة إنتِ؟ غوري جوة ما لكيشي صالح بحديت الرجالة.

وهنا وصل قاسم وكامل فطرقا الباب ودخلا، وبعد السلام تحدث قاسم مسرعًا: طمني يا ولد ابوي الله يرضى عنيك إوعى تكون رميت اليمين.

تابع كامل بثورة: ماترد يا ولد أبوي، رميت اليمين؟

فهز علي برأسه أن لا، فهو لم يستطع النطق بها حتى الآن، لكن ما الفائدة إن كانت لا تريده!

تنفس قاسم بعمق ملقيًا بجسده على الأريكة الخشبية: الحمد لله نجعد ونتحدت حديت العجل بجى.

أومأ صالح: عين العجل يا ولدي إتفضلوا، الشاي يا كريمة!

قال علي بعناد: أنا جولت ما تلزمنيش وخلصنا.

صاح كامل: ماتجعد إجده وبطل رط ماسخ.

وجذبه وأجلسه عنوة.

فتحدث عبد الرحمن: لا يا دكتور علي بنتنا غلطت نربيهالك وتعاود تاني بيت جوزها.

صاحت راضية: بزياداك يا عبده جلة جيمة! ما جالك ما تلزمنيش! هو غصب ف الأول و الآخر!

فلطمها أخيها لطمة قوية نزفت دمًا من أنفها،  ففزع علي لهذه اللطمة و انتفض واقفًا! وجاءت كريمة من الداخل جاذبة راضية وتخلصها من يد أخيها الذي انهال عليها بالضرب.

صاح كامل بضيق: ليه إكده يا عبده؟! ما يصُحش اتمد يدك عليها إكده عل أجل جدامنا!  إنت كده طينتها يا شيخ.

صاح عبد الرحمن: أسيبها تجيبلنا مصيبة البهيمة دي يعني!

قال صالح: اجعد يا عبده بزياداك واستهدي بالله…

ثم التفت نحو علي وسأله: إنت صوح يا علي ما عايزهاش؟

فسكت ولم يرد.

فتحدث قاسم: كل الحكاية يا حاج صالح شَكَل بناتهم كِيف أي زوجين و هيروح لحاله بس البعيد لساته غشيم من أول زعلة عيوديها بيت أبوها، على إكده كنت طلجت منال من سنين!

وتابع كامل: هي تاجي معانا و تروح مع جوزها يتعاتبوا بناتهم، و دي لا أول و لا آخر خناجة، ماالبيوت يا ما فيها ولا ايه يا حاج صالح!

أومأ عبد الرحمن: عين العجل.

فتحدث صالح: برضو ما رديتش علي يا علي يا ولدي، إنت صُح ما عايزهاش! عشان لو صُح ما عايزهاش يُبجى خلص الحديت على إكده.

صاح عبدالرحمن: إيه اللي عتجوله دي يا بوي! عايز تطلجها وتجيد نار! ماجلعك فيها دي هو اللي مفرعنها علينا.

قال صالح: شوف يا علي يا ولدي، راضية محتاجة اللي يصبر و يطول باله عليها، غير إكده ما عينفعش،  ومش عجبرك على حاجة، وأنا اللي هتحمل أي عواجب للحديت دي،  جول لو ما عايزهاش يُبجى كل واحد يروح لحاله.

أومأ علي: لا يا عمي عايزها.

تنهد قاسم براحة: الله يرضى عنيك! يبجي إكده مفيش حاجة و راضية تاجي معانا وتعاود مع جوزها معززة مكرمة.

تابع كامل: أيوة…ومشاكلهم يحلوها بناتهم.

أومأ عبد الرحمن موافقًا: يُبجى عداكم العيب، يلا يا راضية تعالي روحي مع جوزك.

خرجت راضية وجوارها كريمة دون أي حديث أو التفات لأي شخص و لا حتى أفشت السلام فناداها أخيها فتوقفت دون أن تنظر نحوه: إسمعي يا راضية روحي مع جوزك وكيف ما يريدك تكوني، وإنتِ فاهمة حديتي زين، ما عايزش أشوفك إهني تاني.

فأكملت خطاها دون أي تعليق وعاد الجميع للبيت من جديد وصعد علي و راضية لغرفتهما دون أي حديث، و دخل كلا من قاسم و كامل على حُسنى وكانت منال و أسماء بانتظارهما.

فسألتهما حُسنى: عملتوا ايه؟

أجاب كامل: خلاص يا مي رجعناها وحلينا الموجف.

– يعني هتاجي معاي ف الصبح تكشف!

– تكشف إيه بس يا مي!

تدخلت منال كعادتها: تكشف عشان نعرفوا ليه ما حبلتش لحد دلجيتي! مش يمكن تطلع أرض بور.

فصاح قاسم:إسكتي ساكتة إنتِ وما لكيشي صالح بالحديت دي.

– كِيف ماليش صالح؟ مش واد عمي و خوك! والمخفوسة دي لسه دجة في و ضرباني بالمركوب.

– شكلي عجوم وأكمل عليكِ بالمركوب يابت المركوب!

– جرى إيه يا جاسم هي كلمة الحج بتجف ف الزور!

– أشج خلجاتي يا بوي! غوري من إهني خالص!

– ماشي يا جاسم، رايح بس تعاودهالنا تاني جاها الطين! دي عاملة زي الجنيه البراني كل ماترميه يعاود.

فخلع نعله وقذفها به فأسرعت منصرفة.

فقال كامل: مش وجته يا مي الحديت دي دلجيتي،  بعدين إبجي اتحدتي فيه وسبيهم يتصافوا الأول.

وصل علي وراضية لغرفتهما في صمت ولم يقل سوى أن طلب منها إفراغ الحقائب الآن ففعلت، فأخذ علي الحقائب و وضع بداخلها ملابسه و أشياءه ثم خرج صافقًا الباب بقوة خلفه دون أن ينطق بكلمة بعد ذلك فازداد بكاءها.

بينما كامل وقاسم يتحدثان مع أمهما و يقنعاها بترك الحديث عن موضوع الإنجاب إذا بعلي يهبط مجددًا حاملًا نفس الحقائب.

صاحت حُسنى: في إيه يا علي!

فأجاب علي: مسافر يا مي إتنجلت.

أومأ قاسم: تروح وتاجي بالسلامة يا خوي.

فتابع كامل: وعبال ما تعاود تكون الدنيا هديت وبجيت زين.

أومأ علي: اللي فيه الخير يجدمه ربنا.

فصاحت حُسنى نادبة: طفشتك البومة محراج الشر! يجيها مصيبة! طفشتك يا ولدي!

قال قاسم: إهدي يا مي ولدك امسافر في مُصلحة.

تابع علي: أشوف وشكم بخير.

وسلم عليهم وانصرف تاركًا أمه تصرخ و تولول على فراق ابنها وتشتم راضية وتدعو عليها بكل سوء،
فهي السبب من وجهة نظرها………….

الفصل الثاني عشر

سافر علي تاركًا كل شيء خلفه، لا يدري إن كان محقًا أم مخطئًا، لكن أكثر ما سيطر عليه أنها لا تريده ولولا ضغط الجميع عليها وتعنيفهم لها لما عادت، ولولا مجلس الرجال هذا والخوف من ردة الفعل ما عادت، فإلى متى سيتحمل كل هذا؟
إكراه من البداية و إكراه لتكمل معه الحياة!
لقد سأله أبيها إن كان يريدها أم لا ولم يسألها هي، لماذا؟

ترى لأنه سيقدر عليها ويجبرها أم لأنه لا يعرف رأيها؟
لكن ماهو رأيها؟
هذا ليس بسؤال، إن كانت تريد الطلاق و الفراق فماذا يكون رأيها؟!

لم يكف علي عن التفكير في كل ذلك منذ أن ترك البلد وسافر ومكث في القاهرة.
أما عن راضية فقوله أنها لا تلزمه قد آلمتها و بشدة ومما زادها ألما رد فعل أخيها وإهانته لها بتلك الصورة، فإلى أين تذهب إذن؟ ولمن تلجأ؟
ورغم كل ذلك لم تستطيع أن تكرهه فتزداد وجعًا، فلقد أهدرت كرامتها بما يكفي…
كيف لها أن تحب من لا يطيقها؟
ليتها تستطيع خلع قلبها هذا الذي لم يتسبب إلا في وجعها و إهدار كرامتها.

مضي شهر بعد شهر و لم يعود علي ولم يتصل يومًا بها أو يسأل عنها.
مهلًا يا راضية! ماذا دهاكي؟ كيف يتصل بك إن كان وهو معك لم يحادثك أبدًا بأي كلمة!
فهل سيتصل بك الآن؟!

ولازالت راضية تعمل و تعمل في ذلك المنزل و دون راحة وصارت لا تحتك بأيهم ولا تتحدث إليهم من الأساس، تعيش بينهم مكانًا لكن وحدها فعليًا.

ولقد أعلنت حُسنى الحرب عليها فهي تراها سبب سفر ولدها، ولدها الذي لم تراه سعيدًا منذ أن تزوجها لأنها قطعًا تنكد عليه فأقسمت هي الأخرى أن تنكد عليها.

لكن راضية لم تعد تأبه لأي شيء فلتفعل ما تريد فكما قالت من قبل «هي موتة ولا أكتر.»

لكن قاسم وكامل كانا لهما رأيًا آخر، فذات يوم خرج علي من عمله فوجد أخويه ينتظرانه فسلم عليهما سلامًا حارًّا وأهدر: يا مرحب يا مرحب، ليكم وحشة والله!

فأجابه كامل: عشان إكده عاودت البلد و زورتنا.

قال قاسم: ده إنت كنك ما صدجت يا راجل!

تابع كامل: شوفلنا مُطرح نجعد فيه.

فأجاب علي: نروحوا مطعم زين ولا نشتروا الوكل ونروح بيه؟

أومأ قاسم بجدية: لا ف البيت عشان نبجوا براحتنا.

وبالفعل مر علي على أحد محلات المشويات و اشترى غداءًا ثم اشترى فاكهة وذهب بعد ذلك ثلاثتهم للبيت.

وبعد الغداء صنع علي برادًا من الشاي و أحضره ثم جلس مع إخوته.

فتحدث كامل: أمك عتموت عليك و على سفرك دي، و مصممة إن مرتك السبب هي السبب، هي اللي نكدت عليك وطفشتك.

وتابع قاسم: آه والله يا علي وسجياها المر كاسات، والبنية ما عتشتكيش وعدمت خالص و ده ما يرضيش ربنا كِيف نبهدل بنات الناس اكده؟!

تنهد علي وأجاب بضيق: والمفروض أعمل إيه!

صاح كامل: واه يا واد بوي! إنت إهني من كام شهر؟! إيه ماتوحشتش مرتك! ده إنت حتى ولا تليفون يا راجل!

وأكمل قاسم: جلنا عتاخد وجتك تهدا وتعاود، بس ما حصُلش، كَن جلبك جِسي وبجي أسود ما عيصفاشي واصل.

فقال علي: إنتو عتعوموا على عوم أمكم! أنا إهني ف شغل مش طفشان يعني كِيف ما بتجولوا!

فأردف قاسم: يبجي تاجي وتاخد مرتك؛ المرة تكون مكان ما يروح جوزها.

تلفت كامل حوله قائلًا: الشجة أهي زينة ولو ناجصها أي حاجة اشتري وابعت وخد فلوس كيف ما تريد يا ولد بوي خير ربنا كتير والحمد لله، جهز الشجة من كافة شيء وتعالي خد مرتك واجعدوا اهني، ما يرضيش ربنا واصل كل واحد فيكم ف بكان.

تنهد علي بضيق قائلًا: إنتو صدجتم صُح! ماانتو راسيين عل موال من اوله، وكيف كل واحد فينا متغصب ع التاني!

قاسم بصرامة: بس بجيت مرتك،  عتسيبها وترميها يعني! والله مرتك زينة وبت أصول! كِيف ما شيفهاش يا بو خوي؟

فأكمل كامل: عيشوفها فين وهو جاعد إهني؟!  ولا جبل سابج! ولا تكون فاهم إننا ما فاهمينش حاجة و ما شايفنكمش عمركم ما اتحددتم مع بعض حديت دنيا حتى! هي المرة فرشة وخلاص ولا إيه!

فنظر إليه علي و سكت، فأكمل قاسم: يا علي إنتوا محتاجين تجعدوا مع بعض و تتحدتوا و تولفوا على بعض وتجربوا المسافات، وإن كان ع الشَكَل ف كل البيوت بتتشاكل والناس أهي عايشة.

وأردف كامل: سايج عليك النبي لتعاود وتاخدها و انجدها م المرار الأليم اللي بيطفحوهولها دي! حاسس إن البت عتجوم ف يوم وتولع ف نفسها.

أومأ علي: اللي فيه الخير يجدمه ربنا.

فنهض كامل واقفًا وقال: ماشي نستأذن إحنا بجا.

صاح علي: واه! إنتو جيتم ف إيه!

فأجابه قاسم: إحنا جينا ف مُصلحة بعينها،  يا دوب نلحج ميعاد الجطر، رتب حالك واعمل اللي جولنالك عليه الله يرضى عنيك يا بو خوي!

فأكمل كامل: كِيف ما جولنالك جهز الشجة واشتري الناجص و اطلب كِيف ما بدك ونشيعلك ف البنك، نشوف وشك بخير!

قال قاسم ضامًّا لأخيه: ما تتأخرش علينا.

و سلما على أخيهما وغادرا، جلس علي مع نفسه يفكر فيما عرضه أخواه عليه، كيف يترك زوجته طوال تلك الفترة دون زيارة ولا سؤال؟
أحزينٌ أنت يا علي ومصدومًا في حبك؟
فماذا فعلت إذن من أجل ذلك الحب؟

فمنذ اليوم الأول وأنت تعاقبها على رفضها لك رغم أنك نفسك كنت ترفضها دون أن تراها،  و بدلًا من أن تشعرها بحبك أشعرتها برفضك، فماذا كانت تفعل؟
ماذا فعلت يا علي ليزدهر ذلك الحب؟!

إنك لم ترويه يومًا و تركته ضعيفًا في مهب الريح تتقاذفه كيف شاءت حتى أنهكته و كاد يحتضر، فكيف لهذا أن يكون حب؟!

ربما لو حاولت وبدأت من جديد تستطيع إنعاشه من جديد، فليس كل الأزواج بينهما من الحب لكنهما يعيشان فما بال وأنك تحبها.
بعد طول ذلك الوقت لازالت في بالك ولم تستطع نسيانها ولازال حبها في قلبك فلم لا ؟

لا يهم الآن من المخطئ فأيًا كان يجب أن تمسك زمام الأمور .
ألا تذكر كم تألمت عندما تخيلت أنها لغيرك؟! بينما هي الآن ملكك وكنت تريد نسيانها من أجل كرامتك.
اعترف يا علي لن تستطيع نسيانها لا في يقظتك ولا في أحلامك، فحالك كما قال الشاعر:

عـذبينـي بكـل شـيءٍ ســوى
الصد فما ذقت كالصدود عذابًا
وقد قادتْ فؤادي في هواها
وطاع لها الفؤاد وما عصاهـا
خضعتُ لها في الحب من بعد عزي
وكـلُّ محـبٍ للأحبـةِ خاضــع
و لقد عهدتْ النار شيمتها الهدي
و بنار خَدَيـكِ كل قلب حائـر
عذّبي ما شئـت قلبـي عذّبـي
فعذاب الحب هو أسمى مطلبي
بعض بنار الهجر مات حريقًـا
والبعض أضحى بالدموع غريقا
(نزار قباني)

و ذات يوم زارت سامية أختها منال وكانت لم تزورها منذ ذلك اليوم.

كانت منال منذ أن ضربتها راضية وهي تتحاشاها وتكتفي بما تفعله بها حُسنى من إهانات متعددة فهي تنفس فيها طاقتها في بُعد ابنها فهي ترى أنها سبب ذلك وقد آثر البعاد من أجل أن يتخلص منها و إن كانت منال لم تكف أن توغر صدر حُسنى ناحية راضية فتزيد وتضع عليها أكثر و أكثر.

وكانت راضية كعادتها يوميًا منغمسة في أعمال المنزل بينما جلست منال وأسماء مع سامية تتسامرن و تتضاحكن فإذا براضية تمر من أمامهن فنادت عليها سامية: كِيفك يا راضية؟

فالتفتت إليها راضية قائلة: واه…إنتِ إهني!

فتغنجت سامية: كَنك ما تعرفيشي!

فأجابت راضية بتهكم: و لو عرفت ععمل إيه يعني! عتحزم و ارجص!

صاحت منال: جرى إيه يا مرة إنت ِ بدل ما ترحبي بيها دي بجالها زمن ماجاتش.

فضحكت راضية وقالت: أيوة من يوم ما دجيت فيكم بالبلغة و شبعتكم جتل.

ثم نظرت لنعالها وهي تحركه بقدمها فاغتاظت منها منال وقالت بغيظ: جصدك من يوم ما طفشتي الراجل يا بومة.

أكملت راضية: الراجل سافر ف شغل صالحي ايه!
وصالحك إنتِ منك ليها ايه؟

صاحت سامية: واااه مش واد عمنا وتهمنا مُصلحته!

فهمّت راضية بالسير من أمامهن فنادتها منال: إستني عنديكِ.

فزفرت راضية قائلة دون أن تلتفت: اللهم طولك ياروح، خير!

تحدثت منال بكيد: سامية خيتي كيف ما وعيالها حبلى وريجها ناشف، روحي إعملي عصير اتبل بيه ريجها وإحنا كماني الجو حر إنهاردة.

عقدت راضية حاجبيها معترضة وصاحت: هي اللي ف وشكم دي ايه! فناجين! ما عتشوفيش يا ولية منك ليها! جايمة من فجر الله من خبيز لتنضيف لغسيل لوكل لطير، وكل واحدة فيكم جعدة ومجعوصة،  جومي يا ختي اتشمللي و إعملي لخيتك، ماععملش حاجة.

صاحت منال: وما تعمليش إنتِ ليه؟

تنهدت راضية باستفزاز قائلة: شكل البلغة اللي عتعملها عليكِ! رايحة أخلص الغسيل عشان ألحج أخلص الوكل.

قالت أسماء وهي تنهض واقفة: خلاص يا منال بزياداكي، هجوم أنا.

فقالت منال بخبث وكأنها فكرت في شيء ما: لاععمله أنا………………

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان