رواية “راضية ” الفصل الثالث والعشرون للأديبة نهال عبد الواحد

الفصل الثالث والعشرون

 

أخد علي بيد أمه يسندها وخرج من باب الغرفة وقبل أن يغلقه ألقى بنظرة باسمة لراضيته فابتسمت له هي الأخرى.

وما أن أغلق علي الباب حتى اتجهت واختارت ثوبًا مناسبًا يليق بهذه الليلة، نزل علي بأمه بهدوء واحتراس بقدر مايستطيع حتى وصل بها لحجرتها .

وبعد نزول علي قد ظهر خيال شخص ما كان يتصنت على حديثهم،  بالطبع لم تكن سوى منال التي توعدت قائلة: بجي عايزين تجيبولها شجة لحالها! ماشي!

تزينت راضية على أحسن صورة وجلست أمام مرآتها تصفف شعرها تاركة له العنان وإذا بدقة خفيفة على الباب ودق معها قلبها لدرجة أنه كاد يخرج من مكانه من فرط سعادتها.

إنه علي دخل وأغلق الباب دون أن تبتعد عيناه من عليها و وقفت هي تنظر إليه في المرآة بابتسامتها الساحرة التي تذيب قلبه، سار إليها حتى وصل واقترب فمسح على شعرها فالتفتت إليه بنفس ابتسامتها هذه ولازال يمسح هو على شعرها ناظرًا إليها مشتاقًا ومبهورًا فجعل يقول منشدًا:
سبحانه معظم شانه جل جلاله، محلى الجمر لما يهل هلاله، واشحال جمر بدر البدور بايناله، يعني ما شا الله نجوم السما بيلاله.

فنظرت وابتسمت فأكمل غزله منشدا :
والجلب فط م الضلوع من شوجه، تجلوش ده آخر زاد فرح بندوجه.

فقالت: بعد الشر عنيك يا غالي، العمر الطويل ليك.

– هونت عليكِ يا راضيتي؟

– وجعتني بزيادة يا علي،  الوجع م الحبيب صعيب جوي.

– حجك علي يا غالية، بس إنتِ عارفة، إنتِ مش من نواحينا ولا ايه؟

– امممم! الراجل عندينا ابيعشج بجيامة ولما البت تتجل عليه بالسلامة.

فضحك وقال: لا والله! واللي تخلي صعيدي يحبها يا ويلها يا غلبها.

فضحكت و لفت بذراعيها حول عنقه عابثة في شعره ثم قالت: بس إنت مش إكده يا علي،  علي اللي دلعني وعيشني أحلى رومانسيات ف مصر،  مش علي اللي اهني.

– طب وعلي اللي جدامك؟

راضية:حبيبي وتاج راسي الله يحفظه ويباركلي فيه!

فضمها إليه برقة أذابتها ثم همس إليها: بحبك،  وبعشجك، وبدوب  بهواكي.

فضمته هي الأخري ثم همس إليها ثانية: وغلاوتك عندي لنسيكي كل العمايل المجندلة اللي عدت دي.
ثم قبلها وحملها و…

وبعد منتصف الليل، لا بل قبيل الفجر وقت استيقاظ راضية كل يوم،  خرجت منال من غرفتها تتلفت حولها متسللة مثل الأفعى وتحمل شيئًا ما في يدها واقتربت عند السلم،  وفجأة سمعت من يناديها: بتعملي إيه عنديكي دلجيتي؟

فتح علي عينيه فجأة فوجد نفسه يحتضن راضية التي تنام على كتفه و شعرها بجانبها يغطي صدره العاري، فابتسم ومسح على رأسها برفق وقبلها ثم نظر إلى الساعة، إنه قبيل الفجر! موعد استيقاظ راضية التي لا تزال نائمة، لكنه لم ييقظها بل أوقد مصباحًا صغيرًا وظل ينظر لوجهها عابثًا بشعرها.

لكن فجأة شعر بحركةٍ مريبة خارجًا وأصواتٍ خافتة حاول التصنت من مكانه جاهدًا فلم يتبين فاضطر لأن يقوم من مكانه فتحرك وزحزح راضية بهدوء حتى تحرك من مكانه كلية وارتدى ملابسه و تحرك ناحية الباب وفتحه قليلًا ليرى و يسمع ما يجري في الخارج….

انتفضت منال من مكانها عندما سمعت صوت من يحادثها والتفتت مسرعة.

منال بتنهيدة راحة: هو إنتِ! ياجيكي مصيبة جطعتي خلفي!

فقالت أسماء: بتعملي إيه عنديكي ف الساعة دي؟

– مالكيشي صالح خشي إرجدي إنتِ يا أسما.

– كنك إنتِ اللي عملتيها ف حماتك يا منال!

– ليه؟! كنتِ صدجتي إن الخايبة المرجودة دي تجدر تعملها ولا تجدر اتكيدلي؟

– ما سبج وضربتك بالمركوب، ولا نسيتي؟

– حديتك ولهجتك مالددش علي يا أسما،  خلي بالك من حالك بدل الدور ما ياجي عليكِ، إنتِ لا شوفتي ولا سمعتي، مفهوم!

– حرام عليكِ عايزة تسجطيها ليه؟ هي حصَلَت! ماربنا عطيكي بدل العيل أربعة والخامس جاي أهو.

فرفعت منال كفها في وجهها قائلة: الله أكبر.

– الله! إتجي الله إنتِ وادخلي كملي رجاد.

– وأنا جولتلك مالكيشي صالح.

– طب عتستفادي إيه من أذيتها؟

– كنك حنتيلها!

– على كد نشيّلها شغل البيت كلاته ماشي،  وبرضيك ماكانش ضميري مرتاح، لكن الأذية إكده لا وألف لا.

– وأنا ما عستناش لما تخلف وتجيب عيال هي التانية ويبجو كبار العيلة كيف أبوهم، أبوهم اللي أصغر خواته وعاملينه كبيرهم ورافعينه وحطينه على روسهم وكل كلامه مطاع، ولا هي اللي بجيت من يوم وليلة ست البيت ومرت عمي ما عتنلهاش كلمة واصل.

– علي واد عمي طول عمره عاجل وحكيم كيف عمي الله يرحمه، و راضية هي كماني ما شا الله عليها، كن حكم الرجالة كان ف محله، لا راضية تنفع غير مع علي ولا علي ينفع غير مع راضية.
– آه! وياجو عيالهم ويطلعوا زييهم و أنا وعيالي إكده نفضل كمالة عدد، وأنا اللي كنت فاكرة نفسي ست البيت دي!

وهنا خرج علي يصيح فيها بصوته القوي الذي أفزعها: لا! كِيف إنتِ وعيالك تبجو كمالة عدد؟! هو بالكيد إياك! عايزة تجتلي ولدي كماني جبل ما يشوف النور! هي حصلت لكده! تعالو يا خواتي شوفو واسمعوا! جوم يا جاسم شوف مرتك والسواد اللي عيفط ويطفح من جواتها علينا!

كان صوت علي الجهوري هذا كفيل بإيقاظ أهل البيت بأكمله وخرج بالفعل قاسم وكامل وبعد ذلك راضية التي فتحت الباب و وقفت أمامه مباشرة، وحُسنى استيقظت لكن جلست مكانها، لكن الصوت كان واضحًا وتستطيع سماع كل شيء بوضوح.

صاح كامل مسرعًا: إيه في إيه!

صاح قاسم: واجفة إكده ليه يا منال في إيه؟

فصاح علي بغضب: ماتردي! الناس تجوم وجت السحر تستغفر ربها، تصلي ركعتين لله، أجليه تجعد بكانها تستني صلاة الفجر وبعدها ترجد تاني،  لكن إنتِ جايمة تكيدي و تنتجمي،  ما خايفاش من ربنا اللي شايفك! لكن ربنا ماعيسترش على الذنب مرتين،  عملتلك إيه دي؟ بجي عايزة تسجطيها! المرة اللي عدت جت ف أمي وإنتِ لزجتيها ف راضية ظلم و زور، وبرضو ماحرمتيش،  إنتِ إيه؟!

نبس قاسم بغضب: صُح اللي عيجوله علي دي! إنتِ جال عايزة تسجطي مرته! طب ليه؟ ماانتِ عنديكي بدل العيل أربعة والخامس اهو جاي،  ليه؟! ليه؟!

سكتت وظلت واجمة.

فأكمل علي بغضبه: كِيف علي أصغر خواته يكون كبير العيلة؟! يُبجى ولاده عيبجوا زييه،  لا ما ينفعش وعيالها يبجو كمالة عدد! حكمتي وجريتي الغيب بأمارة إيه! مش بالكيد والله يا بت عمي، بت عمي جال!   كل دي سواد جواتك! من ميتى وبناتنا إكده؟! من ميتى؟ طول عمرنا يد واحدة و عمر ما حد داسلك على طرف، رغم طبعك وعمايلك المجندلة والمر اللي سجياهلنا من سنين.

صاح قاسم: هي حصلت يا منال! كنك كنت فاكرة سكوتي ضعف وجلة حيلة مني! ولا فاهمة إنك مستغفلاني! لا، إنتِ عارفة جلبتي شكلها كيف،  ليه يا بت الناس؟! هي حصلت!
كيد حريم و حديت ماسخ رايح جاي وجلت ياض أهو طبع الحريم فكك ياض وابجى اديها على راسها من وجت للتاني، لكن يوصل الحجد لحد الإجرام والأذية، كله إلا أمي وخواتي وأي حد من ريحتهم، ومادام الكره والسواد عميكي إكده ما عتجعديش فيها، روحي وإنتِ…

فصرخت راضية تقاطعه: لا يا عمي جاسم! سايج عليك النبي ما تنطجها!  إلا الخراب دي عشرة عمر وأم عيالك.

فصرخ فيها علي: خشي جوة إنتِ مالكيشي صالح!

رمقتها منال بحقد: شمتانة في يا بومة؟ عايزة تطلعي إنتِ الملاك! لا والله ماعنولهالك!  عايز يطلجني… يطلجني… تكونوشي فاهمين إن العيشة حداكم الأملة! إرمي اليمين ياواد عمي.

صاح علي: ارتاحتي إكده يا راضية؟ خشي جوة واجصري الشر.

أجابت راضية: طب ما يطلجهاش،  ما تطلجهاش يا عمي،  دي مش ف وعيها،  سايج عليك النبي!  طب وحج لا إله إلا الله أدّبها عاجبها لكن طلاج لا!

صاحت منال: مالكيشي صالح إنتِ.

تابعت راضية: عجّلها ما ترميهاش.

صاحت منال بصراخ: يرمي مين يا مرة إنتِ؟! طب وديني لارميكي انا ودلجيتي وجدامهم كلاتهم واياكش تموتي!

صاح علي: جللتلك خشي واجصري الشر يا راضية!

كان قاسم قد بلغ مبلغه في غضبه وذهب ينقض عليها كالصقر الذي ينقض على فريسته،
ومنال تحاول الصعود لتجذب راضية وتدفعها على السلم كما توعدت، ومافي يدها ينسكب منها بلا وعي منها، هي نفسها صارت في غير وعيها،  وراضية تجذب قاسم حتى لا يلحق الأذي بزوجته فقد شعرت أنه سيقتلها، وعلي يجذب راضية بعيدًا ليدخلها غرفتها عنوة،  واشتد التشابك و ارتفعت الأصوات الصاخبة المتداخلة…

لكن فجأة……

انتظرونا ….

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان