رواية ” راضية ” الفصل الثالث والرابع للأديبة “نهال عبد الواحد “

الفصل الثالث

مرت أيام و راضية حزينة للغاية و معتزلة الجميع حتى وإن فعلت ما تفعله من أعمال البيت فتقوم به مجرد تحصيل حاصل دون التحدث لأي منهم حتى إنها لا تجلس معهم أصلًا مما زاد من حزن أبيها و أخيها عليها.

وذات يوم جاءتها كريمة في غرفتها فقالت: إيه يا زينة البنتة، ما تاجي تجعدي معانا يا عروسة.

صاحت فيها راضية بغضب: سايج عليكِ النبي يا شيخة ما تجولي عروسة دي!

– أمال انت ايه؟!

– فوتيني لحالي ما فايجالكيش.

– هي عمايلك دي عتغير حاجة و لا إيه؟

– ما عتغيرش، فوتيني لحالي دلجيتي!

– طب جهزي حالك عشان ننزلوا نشتروا فستان جديد تجابلي بيه حماتك و سلايفك.

– ما عجبش حاجة.

– خلاص أبجى أديكي فستان شُختي (بتاعي)،  بس لزمن عننزل نجيب جهازك.

– أباي على زنك يا كريمة!

– طب إنزلي إجعدي معانا اتفرجي عل مسلسل مع العيال؛ إتوحشوكي كتير، يلا الله يهديكِ!

وقامت معها راضية بالفعل و خرجت أخيرًا من غرفتها لكن ما أن جلست قليلًا حتى جاءت إحدى زوجات عمها، وما أن علمت راضية بمجيئها حتى تأففت وندمت على خروجها من حجرتها.

قالت كريمة مرحبة: أهلًا يا مرت عمي.

أجابت السيدة مخففة حجابها الأسود وهي داخلة:مُرحب يا بنيتي، كِيفك يا راضية يا عروسة؟
وسلمت عليها بطريقة أغضبتها.

نبست راضية بتثاقل: إتفضلي يا عمتي رتيبة.

قوست رتيبة شفتيها بمكر وقالت: واه! مالك!  عدمانة وخسانة إجده! إيه ما عيوكلوكيش ولا إيه؟ أمال لما تبجي عند حُسنى عتعملي ايه؟ بيجولوا عنيها شديدة على حريم ولادها.

– خير يا مرت عمي، إيه الشُجة الغريبة دي؟

– واه! جاية أبارك يا بت الأصول!

– ودي من ميتى؟!

غمزت كريمة لراضية كي تسكت، لكن راضية أكملت: من يوم ما رفضت إبنك وإنتِ ما عتبتيش إهني واصل حتى لما تشوفيني صدفة كَنك شوفتي عفريت.

– جلبك أسود جوي يا بت عزيزة.

– الله يرحمها!

– حديتك ما لادتش علي.

فتدخلت كريمة محاولة تلطيف الأجواء: جرى إيه يا مرت عمي! ماانتِ عارفة راضية تطلع تطلع وتنزل عل فاضي بس جلبها أبيض.

– لازمن تعرف إن طريجتها دي ما عتنفعشي بعد إجده، أمال عتعملي إيه مع نسوان بيت علي!

– اللهم طولك يا روح! نزلتيني من أوضتي ليه يا كريمة؟ الله يجازيكِ يا بعيدة!

صاحت كريمة: بزياداكي يا راضية! إهدي يامرت عمي! ععمل الشاي.

وقفت رتيبة بغضب: لا شاي ولا جهوة، أنا غلطانة إني جيت عشان أعمل الواجب.

أجابت راضية: تشكري يا عمة.

– شايفة يا كريمة بتكيدني.

فصاحت راضية: يا مرارك الأليم يا راضية!

فصاحت رتيبة قائلة: ماشي يا راضية! إبجي شوفي مين عيجيلك ف حنة ولا ف خبيز.

فأجابت راضية: تشكري يا أصيلة.

– بتتمجلتي علي يا بت عزيزة!

– الله يرحمها عمر العيبة ما طلعت منيها.

– جصدك ايه؟

وهنا جاء صالح.
فنظر بينهم متسآلًا: في إيه؟ صوتكم عالي!

تحدثت رتيبة تشكوه: شوف بتك يا حاج صالح ماتعرفش الأصول،  وانا اللي جاية أباركلها.

صاحت راضية: إنتِ بتباركي إنتِ! دي الشماتة عتنط وتفط من عينك.

صاح صالح: بس يا راضية ما يصوحش إكده.

صاحت رتيبة: ماععتبش دارك تاني يا حاج صالح، وابجي ربي بتك زين بدل ما ترجعلك ف الصباحية.

صاحت راضية: شرفتي يا مرت عمي!

فخرجت تلك السيدة شديدة الغضب تكاد تحرق كل ما يقابلها من شدة الغضب.

قالت كريمة: بزياداكي يا راضية، ما يصوحش إكده.

– لا يصوح دي مرة سو العيار ما يخلعش عينها،  ينكد عليكِ ربنا إنتِ وعيالك يا بعيدة! آدي اللي خدنا منيكم.

– مالك يا بنيتي إيه اللي جرالك! كنك إتعفرتي!

– ما جدراش يابوي، مش عارفة إيه اللي بيحصلي دي! دونًا عن الخلج كلاتهم تموت أمي جبل إمتحانات الثانوية العامة و أجعد ف البيت ما اكملش علامي، وكماني أتجوز غصب، ده كتير والله حرام إكده اللي بيحصل معاي.

صاح صالح: إستغفري ربك وبلاه الحديت الماسخ دي! يا بتي ربك ما عيكتبش ولا يجدر إلا الخير، حتى لو اللي ظاهر عكس إكده.

– إشمعني أنا يا بوي اللي جالوا علي فل جعدة الشوم دي! ما جولتش لا ليه؟! ولا ما صدجت؟!

– إنتِ عارفة إن ماحدش ينفع يجول لا، و بعدين لجل حظك انت البنتة الوحيدة العذبة اللي ف العيلة، نعمل إيه؟

– حظي أسود وعارفاه.

– يابتي حرام إكده، إستغفري ربك  وبزياداكي حديت الكفر دي.

– وأتجوز غصب عني! يرضيك يا بوي! ما عيحصلش واصل.

– ويرضيكي إنتِ يا بنيتي يجولوا علي رجعت ف كلمتي! عايزة الناس تاكل وشي!  يرضيكي أبوكي بعد العمر دي تُبجى سيرته لبانة ف بج الخلايج! عايزة تحطي راس أبوكي ف الطين يا راضية؟!

فبكت راضية قائلة: لا عشت ولا كنت يا بوي.

وانحنت مقبلة يده، فربت عليها صالح بحنان وقال: يُبجى ترضي بنصيبك يا بنيتي وإن شاء الله كل خير.

فقبلها من جبهتها و تركته وذهبت لغرفتها لوحدتها من جديد.

وذات يوم جاءت حماتها حُسنى وزوجتَيّ ابنيها منال وأسماء  ليروا العروسة و يتفقدوها، وكانت كريمة قد أعطتها فستان جميل من أشياءها وجلست تزينها لكن راضية كان لا طاقة لها لأي شئ فقامت من فورها.

فصاحت راضية بعصبية: بزياداكي يا كريمة!  كفاية إكده.

– عايزة حريم بيت علي يتجننوا لما يشوفوكي.

– ماعتفرجش ياكريمة ، هي موتة ولا أكتر.

– والله حديتك ماسخ صوح! بس حبيبتي ف كل أحوالك يا عروسة.

– ما تجوليش سخامة!

وهنا دخل عبد الرحمن ثم قال: إيه يا كريمة مزعلة زينة العرايس ليه؟

صاحت راضية بغضب: ييه!  سايج عليك النبي يا شيخ ما تجولها ولا تفكرني بالمرار الطافح دي.

فضحك أخوها وقبلها من رأسها وقال: يستاهل اللي عيجراله حفر جبره بيده، إنزلي ياكريمة إجعدي مع الحريم تحت لحد ما راضية تنزل.

وانصرفت كريمة وأكمل هو حديثه بهدوء: إهدي يا خيتي وما تديش لحد فرصة يغلطنا،  الله يهديكِ يا خيتي الله يهديكِ!

تركتهما كريمة ونزلت لاستقبال الضيفات وما أن نزلت حتى رأتهن يتغامزن ويتلمزن فلم تفهم في بادئ الأمر وسلمت عليهن وجلسن جميعًا.

تحدثت كريمة مبتسمة: يا مرحب يا مرحب نورتونا.

تابعت حُسنى بتفحص: ده نورك يا عروستنا.

تلاشت ابتسامة كريمة وقد فهمتهن توًا فأجابت: بس أنا مش راضية أنا بت عمها ومرت أخوها كريمة.

تنفست حُسنى براحة وصاحت: آه يا مرحبابك!

سألتها منال بمكر: وياترى العروسة حلوة زيكي ولا شكلها كِيف؟

أجابت كريمة بضيق: دلجيتي تنزل وتشوفيها وتحكمي بنفسك.

ثم قالت في نفسها: يا مرارك الطافح يا راضية،  دول طلعوا نسوان سو صوح.

وبعد قليل نزلت راضية وما أن نزلت حتى وجم الجميع ونهضن واقفات من أماكنهن فابتسمت كريمة بانتصار و وضعت رجلًا فوق الأخرى بفخر.

صاحت حُسنى بانبهار: يا حلوة يا حلوة يا ماشا الله يا ماشا الله!  الله أكبر على جمالك! سبحان من صور! الله أكبر! يا حظك الزين يا علي! تعالي ف حضني يا حبيبتي.

فاحتضنتها بشدة و أخذتك تقبل فيها بسعادة بالغة و تخبط عليها في أجزاء متفرقة من جسدها وتمسح على شعرها الحريري الطويل بطول ظهرها، ثم سلمت على أسماء  ومنال التي قرأتها من أول وهلة وتتوقع منها الكثير، وجلس الجميع.

أجلست حُسنى راضية بجوارها وكانت تحتضنها من حين لآخر  وظلن يتسامرن وكانت راضية صامتة أغلب الوقت ولم تتكلم إلا ردًا بمقدار إذا لزم الأمر حتى غادرن جميعهن من المنزل…..

الفصل الرابع

عادت أم علي وزوجات أبناءها فوجدت علي يجلس مع إخوته في حاله مهمومًا وما أن وصلن حتى صاح كامل متهللًا: هه! شوفتو العروسة؟

أهدرت أسماء بإعجاب: زينة زينة زينة جمر والله!

بينما نبست منال بضيق: لا جمر ولا حاجة، عادية يعني.

اتسعت عينا أسماء بصدمة وصاحت: عادية! لا جمر.

– عتعرفي أكتر مني ده أنا الكبيرة و مرت الكبير.

– خلاص! عادية يا منال إرتاحتي!

صاحت حُسنى: بس يا بت إسكتي ساكته إنتِ وهي، وإنتو خدوا حريمكم و فوتوا من إهني، عايزة أتحدت مع ولدي حديت خصوصي.

غمز قاسم لأخيه وقال مشاكسًا: ماشي! أيوة ياعم مبروك يا عريس!

نبست منال بنفس ضيقها: فرحان على ايه إنت التاني؟!

صاح قاسم: إكتمي وفوتي جدامي!

وبعد أن انصرف الجميع وانفردت الأم بولدها، تحدثت بحنان: مالك بس يا وليدي؟

أجابها علي بقهر: مالي يا مي؟! في إيه؟

– عروستك يا ولدي زي فلجة الجمر، بدر مصور الله أكبر! مفيش ف جمالها ف بيت علي، لا! ولا ف البلد كلاتها! عنيها واسعة اكده وزينة، وشعرها أسود حرير تجعد عليه، ولا رَسمها يا ولدي تتمتع بيها يا حبيبي، دي عليها…

فقاطعها علي بضيق: بزياداكي يا مي الحديت دي، بتحليها ف عيني يعني إكده؟

– لا بجه هي جمرة وبكرة تسحرك بجمالها دي، و بيحكوا ويتحاكوا على وكلها، هو الراجل عيعوز إيه غير واحدة بت أصول وزينة يتمتع بيها وست بيت مفيش زييها؟! في إيه تاني!

– في إنه غصب بنغصب يا مي كِيف البنتة،  طب البنتة لما تتغصب جوزها يراضيها ويِجلّعها لحد ما ترضى بيه وتعشجه صوح،  الراجل المتغصب بجه عيعمل إيه! فوتيني لحالي و همليني يا مي.

– لا بجه ما ههملكش و هناجي مع الرجالة و تجعدوا و تتفجوا الخميس الجاي،  والجمعة ننزل كلاتنا نشتروا الدهبات، و يادوب الشهر الباجي على معاد الدخلة كل واحد يجهز فيها حاله… واه! عتفوتني و أنا بتحدت!

فالتفت لأمه قبل أن يغادر قائلًا بقهر: جالوها جبل سابج هي موتة ولا أكتر.

وجاء بالفعل يوم الإتفاق وامتلأ بيت صالح بإخوته و علي و إخوته وأعمامه وأمه و زوجات إخوته، كانت راضية قد طبخت كل شيء وخبزت الخبز المقدم، و تذوق الجميع أروع طعام يمكن أن يأكلوه لكن لم تظهر راضية إلا لحظات لأمه وسلفاتها ولم تخرج للرجال أبدًا.

اتفق الرجال على تفاصيل الزواج وثمن الذهب الذي سيشتريه العريس لها و…
قرؤا الفاتحة على ذلك، ظلت كريمة وحُسنى تطلقان الزغاريد والجميع سعداء بتلك الخطوة إلا أصحاب الزيجة أنفسهم راضية وعلي؛  في قمة بؤسهما وقلبهما يعتصر حزنا من اتمام تلك الزيجة.

وكان في الغد موعد شراء الذهب و الجميع قد ذهب في فرحة، لم يحاول كلا من علي و راضية أن ينظر كلًا منهما للآخر ولا حتى على سبيل حب الإستطلاع فواضح أن الأمر مرفوض تمامًا للطرفين، وكلما اقترب موعد الزفاف زاد الهم والغم في قلبيهما.

وذات يوم دخلت كريمة في حجرة راضية وأهدرت بسعادة: كيفك يا ست العرايس؟

صاحت فيها راضية بعضب: فوتيني لحالي سايج عليكِ النبي.

– واه! ده إنتِ حتى ما فرحتيش بدهباتك اللي ما حدش جاله زييهم.

-عادي ما بصيتش فيهم.

– طب وعريسك؟ ده طلع بسم الله ما شاء الله جدع إحلوى وطول بعرض، عريس ملو هدومه صوح.

– ما بصيتش عليه هو التاني.

– وااه عليكِ يا بت عمي! ما بصتيش حتى من تحت لتحت!

– ما بصيتش ياكريمة يا بصيتش! ما عتفرجش كله محصل بعضيه؛ كده كده كله غصب.

– بجيتي بتعزي النكد كد عينيكِ.

– بجهز نفسي للعيشة الجديدة.

– واا!  إيه اللي عتجوليه دي؟

– واضحة زي عين الشمش، هو كماني متغصب، الحال من بعضيه يا خيتي؛ ما حاولش يشوفني ولا يكلمني، ولا حتى ياجي يسلم علي ويجولي أنا فلان تمثيل يعني الحال من بعضيه ماعايزاش أفكر ف أي حاجة حتى خايفة أفكر ف أيامي الجاية شكلها كِيف.

– خير وهنا يا حبيبتي  إن شاء الله، المهم دلجيتي عايزين ف الصبح ننزل نشتري جهازك وهدوماتك الجديدة يا عروسة.

– ييه يا ولية ما عتفهميش ما عايزاش أسمع الكلمة دي واصل! أجوم أبندجك وأخلص!

– يا بت عننزل نشتري هدومات جديدة وحاجات إكده لزوم الجلع….

قالتها كريمة ثم رنت ضحكتها فقوست راضية شفتيها باستخفاف قائلة: يا مراري منيكِ! جبيهم لنفسك يا خيتي  وإتجلعي لجوزك وفوتيني لحالي.

– وانا يعني مستنياكي تجوليلي جايبة يا خيتي كل حاجة…

فضحكت كريمة مجددًا، فصاحت فيها راضية: اختشي يا ولية عيب عليكِ!

– لا ما عيبش ولا حاجة مش لازم تعرفي عتعملي ايه…

وانفجرت ضحكتها ثالثًا فأغمضت راضية عينيها محاولة السيطرة على غضبها: يا مراري! جومي من إهني يلا جومي عايزة أرجد، يلا فوتي!

وخرجت كريمة ولازالت تضحك ضحكات مدوية وبعد أن خرجت كريمة ابتسمت راضية وقالت: هم يضحّك، الله يجازيكي يا بعيدة! جويني يارب!

قالت الأخيرة بحزن شديد، أما عند علي فكان يجلس على باب المندرة حيث الهواء المنعش ويدخن بشراهة سيجارة خلف الأخرى فجاءه قاسم فأعطى لأخيه يدخن معه.

فتحدث قاسم: إيه يا عريس؟

فنظر له علي ثم استدار دون رد، فأكمل قاسم: إيه؟ لحجت تشغلك للدرجة دي؟

– هي مين دي؟!

– واه!  عروستك ياض!

أومأ علي ببرود:ولا بصيتلها.

فصاح قاسم: واه!  يا جلبك! والله عروستك جمر ياض ما تخافش وعيشتك عتبجى زين الزين إن شاء الله.

– عجول إيه! ماانت مااتجوزتش غصب بحكم جعدة رجالة.

– يا خوي لا جعدة ولا وجفة، المهم جِسمتك زين الزين، مع إن البجرة اللي فوج مصممة إنها عادية.

فضحك علي: هي منال لحجت تحطها ف راسها، الله يرحمك يا راضية!

فضحك قاسم ثم قال: أيوة إكده اضحك، والله يا واد بوي كل الحريم واحد ف الآخر! بس أجليها عتصطبح و تتمسى بخلجة زين مش فجر مصور زي اللي حدانا، بجوا جوز غربان جمب مرتك ياعلي.

– عملتها مرتي خلاص؟

– أمال إيه؟! فات الكتير ومابجيش إلا الجليل وتبجى مرتك و ف فرشتك.

– ما تفكرنيش الله لا يسيجك.

– عيل فجري وبوز نكد، خليك جاعد إندب حظك كيف الحريم.

وتركه وذهب وظل عليًّا  جالسا

انتظرونا وباقى الأحداث

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان