رواية” حسن وست الحسن والجمال ” الفصول من الأول إلى الرابع للأديبة نهال عبد الواحد

الفصل الأول

فيلا راقية في حي راقي تدخلها سيارة تاكسي، سارت قليلًا في ممرات حديقة الفيلا، ركنت ناحية باب خلفي، ترجّل شخص، لا تستطيع تحديد هيئته، ملامحه، ولا حتى نوعه، فلا تعرف إن كان شابًا أو فتاة حيث البنطال الجينز، قميص طويل واسع، نظارة شمسية كبيرة تخفي أغلب معالم الوجه، شال ملفوف حول الرأس يخفي بعضًا من الوجه أيضًا.

ترجل هذا الكائن من التاكسي، دخل من باب الفيلا و أثناء مروره نزع النظارة، شد ذلك الشال ليظهر تحته وجه فتاة رائعة الجمال ينسدل شعرها الحريري الطويل مع شدة الشال منه ذات بشرة بيضاء تظهر عيونا زرقاء واسعة يغرق فيها من يقترب منها …….. نعم إنها فتاة وليست أي فتاة.

قابلتها سيدة في الخمسين من عمرها، لكن تبدو أصغر من ذلك بهيئتها، طريقة لبسها، شعرها (العز حلو برضو)

صاحت المرأة: إده إيه التأخير ده! مش عارفة إن في ناس المفروض تقابليهم! الناس مستنياكِ من بدري.

أجابت الفتاة: معلش يا مامي كان عندي زحمة شغل.

– شغل… شغل… لازمته إيه مش فاهمة! إنتِ ناسية إنتِ بنت مين! طول عمرك ف مدارس لغات وخريجة الجامعة الألمانية، يعني برنسيس، سايبه كل ده وبتشتغلي سواقة تاكسي، ياااااااي! ومصرة تتعاملي مع ناس لوكال ولووستاندر.

تأففت الفتاة قائلة بفرغ صبر: خلصتي يا ديدي هانم!

– عارفة إني بكلم نفسي، أبوكِ مدلعك، المهم دلوقتي يا جميلة ياحبيبتي اطلعي خدي شاور وغيري الهباب ده، والبسي حاجة تليق بمقامك، وانزلي قابلي الضيوف.

عقدت جميلة ساعديها أمام صدرها قائلة: إممممممم!طبعًا واحدة صاحبتك وساحبة وراها المحروس ابنها عشان نقابل بعض وتوفقوا راسين ف الحلال والهري ده كله، ريحي نفسك، أنا-مش-هتجوز-بالطريقة-دي.

وضعت ديدي يديها على خصرها وأهدرت: يعني إيه؟

-اطمني هقابلهم…… وبس.

تركتها، صعدت لغرفتها تحدث نفسها: والله عارفة الأشكال اللي بتجبيهالي! مودي وكوكي وحاجة تموع النفس، أخرتها إيه يا درية هانم! سوري ياديدي هانم.

دخلت حمام غرفتها، تحممت جيدًا، ارتدت فستان ضيق (شانيل ) طوله في منتصف ساقيها، صففت شعرها بشكل مموج مع بعض مستحضرات التجميل وعطرها فتضاعف جمالها.
أهذه هي تلك منذ لحظات فقط؟!

هبطت للقاء الضيوف متقمصة شخصية أرستقراطية، سلمت على صديقة أمها فيفي وابنها تيمو.

أهدرت فيفي بإعجاب: لا يا ديدي ليكِ حق تخبيها عننا ونستناها كل ده.

قهقهت ديدي مردفة: جوجو، إنتِ عارفة البنات بأه يا فيفي و وقفتهم أدام المرايا…

وأكملت قهقهتها، فتابعت فيفي: ربنا يحميها يا ديدي!

قال تيمو: إزيك يا جوجو عاملة إيه؟

أجابت جميلة باشمئزاز: Fine.

– إنتِ مش باينة ليه من زمان؟

أجابت على مضد: عادي، وانت؟

أهدر بابتسامة عريضة: لاااااا إنتِ ماتعرفيش! أنا دلوقتي بدرب كلاس زومبا.

-امممممممم يا رااااااااااجل!

ثم أخفضت صوتها بخفوت: سامحني يارب قال راجل قال.

ثم أكملت: Wow!!!Good

-شوفتي بأه!

-اممممممم!

-ولسه كمان لما أقدم ف مسابقة مستر إيجبت، بحلم أكسبها، وابقي أجمل ولد ف مصر، وكمان عملت فورمة تجنن.

نبست بتهكم: ياختي جمال عين أمك.

صاح بتعجب: إيه! بتقولي إيه؟

أومأت جميلة: Good luck
كده كتييييييير.

ثم صرخت تمسك بطنها: آاااااااااه! مش قادرة يا مامي… بطني آاااااااااه!

تركتهم وصعدت مسرعة.

تبعتها ديدي بعينيها غاضبة، تصنعت الهدوء قائلة: باردون يافيفي هطلع أشوف مالها.

-اتفضلي حبيبتي، أكيد م التكييف، الولاد مهملين أوي.

تبعتها أمها مسرعة، دلفت إليها، وجدتها تخلع ملابسها.

عقدت ساعديها أمام صدرها تسآلت بتعجب: يعني إيه بأه! بتمثلي سيادتك! بتهربي م العريس!

صاحت جميلة: ع إيه! عريس! ده حاجة تموع النفس حاجة صايصة لا ليها طعم ولا لون، حاجة كده تقلب المصارين تخلي الواحد عايز يستنطق.

-إف، إيه القرف ده؟! إيه الكلام الفالجر والأسلوب البلدي المؤرف ده؟! ده طبعًا من الناس الفالجر اللي بتقعدي معاهم!

– فالجر ما فالجرش مش نازلة تاني وانزلي طرقيهم يا ديدي بدل ما أنزل أرزعه بالكوريك ف نافوخه أفتح دماغ أمه! لا هينفع مستر إيجبت ولا مستر جنيه حتى!

-لااااااا ده انت اتجننتي خالص لما سراج يجي لازم يشوف صرفة معاكِ، أنزل أقولهم إيه دلوقتي؟

– قوليلهم تعبانة، ماتت، اتحرقت غارت ف داهية، اللي يعجبك يا ديدي، بونوي بأه يا عسلية….

ألقت لها بقبلة في الهواء: إموووووواه، اطفي النور وخدي الباب ف إيدك.

-لأ مش قادرة منك، أوووووه!

خرجت غاضبة، أغلقت الباب، همست جميلة لنفسها: أنا عارفة والله مجايبك شكلها إيه! بأه ده شكل عريس ولا شكل راجل! ده توتو بيه، دول بيزوروا ف أوراق رسمية وقايلين عليه ذكر قال، ده أنا أرجل منك ياخربيتك.

ثم تمددت في سريرها ونامت.

في الصباح التالي استيقظت، هبطت من غرفتها بهيئة السائقة فوجدت والديها يتناولان الإفطار.

استطردت بإبتسامة: بونجور مماه… بونجور بباه.

وطبعت قبلة على خد كلًا منهما، اردفت ديدي بغضب: إنتِ تسكتي خالص.

تسآلت وهي تجلس في مكانها: ليه يا مامي؟

تابعت بعتاب: شوفي عملتي إيه إمبارح؟

تدخل سراج ببشاشة، فقد اعتاد على مشاكستهما: مزعلة مامي ليه؟

-ولا حاجة يابابي، جابتلي عريس ابن صاحبتها وما عجبنيش، غلطت أنا!

أجاب سراج: لا ياقلب بابي ما غلطتيش إنتِ براحتك تختاري اللي يعجبك يا نور عين بابي.

أهدرت جميلة براحة: شوفتي بأه!

أومأت ديدي بعدم رضا قائلة: طول ماانت مدلعها كده عمرها ما هتتعدل، عجبك شكل السواقين المؤرف اللي عملاه ف نفسها ده!

قال سراج: سبيها براحتها يا ديدي.

تغنجت جميلة بسعادة مردفة: ميرسيه يا بابي…

ثم نهضت واقفة، أشارت بيدها وقالت: باي بأه.
وانصرفت.

قالت ديدي بتأفف: أنا مش فاهمة انت إزاي موافقها عل بهدلة دي!

أجاب سراج بتعقل: هي حرة سيبيها تجرب، شبطانة ف حاجة وبعد كده هتزهق وتسيبها، كبري دماغك.

قالت ديدي: عايزة أفرح بيها.

تابع سراج: بذمتك اللي بتجبيهم دول عرسان! بنت عندها ذوق صحيح، أنا ماشي بأه، سلام.

وخرج هو الآخر خلف ابنته.
خرجت جميلة بالتاكسي كما تخرج يوميًا بتلك الهيئة التي لا يعرف بها إن كانت شاب أم فتاة مع بعض الغلظة في صوتها.

بدأت تغدو وتروح وتوصل راكبين من هنا إلى هناك، تجلس أحيانًا في المقاهي تتناول كوبًا من الشاي أو القهوة، ثم تعاود عملها حتى قارب النهار على الإنتهاء.

أشار لها شابًا فوقفت، ركب معها في الخلف كانت هيئته عادية لكن لا تعرف ما الذي جذبها إليه، فقد كانت من عادتها أحيانًا الحكي و الحديث مع الراكبين، كانت تدخل حياتهم وتكتشف تفاصيل حياة ناس أخرى عن قرب، هم في الحقيقة بعيدين تمامًا عنها، تتفاعل معهم وأحيانًا تساعدهم في حل مشكلاتهم فتشعر بالإنجاز وإضافة لحياتها وإعطاءها قيمة.

كانت تقود التاكسي تنظر من حين لآخر من خلال المرآة لذلك الذي يجلس متأففًا، يستغفر تارةو يحسبن تارة أخرى بحزن وغضب شديد………………

(الفصل الثاني)

ركب معها شاب في الخلف كانت هيئته عادية لكن لا تعرف ما الذي جذبها إليه، كانت تقود التاكسي تنظر إليه من حين لآخر، كان يجلس متأففًا، يستغفر تارة،  يحسبن تارة أخرى بحزن وغضب شديد وبعد مرور بعض الوقت تدخلت جميلة:لا مؤاخذة هي سواقتي مش عاجباك ف حاجة؟! أصل شايفك عمال تحسبن و كده.

– لا ياسطى مش ليك والله.

-إممممممم !طب خير أدينا بنتسلى ف الطريق.

فسكت قليلًا ثم قال بإنفعال شديد: لما الواحد يفضل يتعب سنين من عمره ويجتهد و أهله يصرفوا عليه دم قلبهم وف الآخر يفضل كل يوم يلف ويدور علي شغل وما يلاقيش ياإما يلاقي حاجة مش مناسبة.

– لا حول ولا قوة الا بالله! وحضرتك خريج إيه؟

-بكالوريرس هندسة وبتقدير كمان.

– لا حول ولا قوة الا بالله! عمومًا يا…اسم الكريم ايه؟

-حسن.

-بص يا بشمهندس حسن  إن شاء الله ربنا  هيكرمك بس انت قول يا رب.

– يارب!

ثم أكمل: وتلاقيك انت نفسك مؤهل عالي ومالاقيتش شغل عشان كده بتشتغل على تاكس،  ولا إيه يا…..

– قول يا جمال،  آه فعلًا، بس الحمد لله مبسوط بشغلتي، يا عم افردها وارمي حمولك ع اللي خلقك وربنا يفتحها ف وشك ويرزقك من أوسع الأبواب.

-كلامك مريح يا سطى والله، إده انت مش سامع الصوت ده!

– آاااااه قصدك التكتكة دي! والله لسه جايبها من عند الميكانيكي وقالي عمرة موتور و ربنا ييسر ان شاء الله.

– عمرة إيييييه؟! عمرة موتور! إنت متأكد إن ده ميكانيكي!

– أمال حلاق صحة!

فابتسم حسن بشكل قد أخذها: دمك خفيف يا مضروب، بس ده بيشتغلك.

– يا سلام إش فهم سيادتك يعني!

-أنا أصلًا مهندس ميكانيكا يعني تخصصي، والصوت ده مش م الموتور، تسمح تركن على جنب يا سطى وأنا هوريك.

فركنت جميلة، ترجل حسن وفتح السيارة ثم ترجلت هي لترى، وما أن وقفت بجواره حتى اشتم رائحة عَطِرَة هادئة ليست رائحة عطر فواحة لم يشمها إلا عندما وقفت عن قرب هكذا، فتعجب للغاية فهي ليست برائحة لعطر رجالي و ود لوسأل لكنه نظر بداخل السيارة يفحص و يفتش حتى عرف السبب وكان مجرد مسمار تحرّك من مكانه وسير متهالك يلزم تغييره.

أخذ يشرح إذا كان هناك مشكلة في الموتور ما الذي كان سيحدث وهي تركز معه وتسأله، كان يتحدث دون أن يرفع عينه من داخل السيارة وفي وسط الحديث مدت يدها وهي تسأل عن شيء ما فتلامست يدها مع يده بدون قصد لكنه تفاجئ بنعومة غريبة ليدها حتي هيئة يدها ولونها وشكل الأظافر المهندمة فاجئه بشدة بدرجة واضحة لدرجة أنه قد قطع حديثه وقال: إده انتِ بنت؟!

فارتبكت كثيرًا وقالت: لأ، آه في حاجة؟!  تفرق معاك؟!

– لا مش القصد بس إتفاجئت، وأهو بنت متعلمة وبتشتغل سواقة على تاكسي، مهنة بعيدة تمامًا عن البنات.

– حضرتك مفيش فرق بين ولد وبنت، بالعكس في بنات أرجل من ميت راجل.

– عندك حق، المهم دلوقتي في ورشة هننزل عندها لما نوصل إن شاء الله أبقى أعملك العربية وبلاش تروحي للنصاب ده تاني.

– تشكر، مش يلا.

ركبا السيارة و تحركت ولاذ الصمت تمامًا و توترت أجواء السيارة بشحنات غريبة.

كانت جميلة ولا تزال من حين لآخر تنظر نحوه عبر المرآة فتجده ينظر نحوها فترتبك وتدير بعينها للأمام فلم يدري كلا منهما ما الذي يجذبه للآخر خاصة وأن جميلة بهيئتها كسائقة لا تنم على أي ملامح.

وصلت جميلة للمكان المراد، كانت أمام ورشة ميكانيكا،ترجل حسن ثم ترجلت هي، دخل الورشة وكان هناك شابًا آخر يعمل في سيارة وسلم على حسن من بعيد مشيرًا له، كان يتفحص هذا الداخل خلفه الذي لا يفهم هويته.

دخلت جميلة خلفه فرأت صورًا معلقة صورة له يبتسم إبتسامة صافية رائعة و جذابها قد أذابتها..  وصورة أخرى لرجل مسن يشبه حسن و بشكل كبير يبدو عليه أنه والده و أخرى تجمعهما.

كانت تنظر وتتفحص تلك الصور و حسن يتابعها وذلك الشاب يتابعهما معًا، ثم تسآلت: مش دي صورتك برضو؟

أومأ برأسه، فقالت: يا سبحان الله ماانت بتعرف تضحك أهو.

فضحك من كلامها فودت لو تنهدت من هذه الضحكة ثم قالت: والراجل اللي شبهك ده والدك؟

أومأ حسن:الله يرحمه.

-يعني دي ورشتك؟

فأومأ برأسه أن نعم فصاحت: لا إله إلا الله! يعني انت مهندس ميكانيكا وعندك ورشة زي دي و رايح تلف وتدور على شغل، طب ليييييييه؟!

أهدر حسن بقهر: عشان الناس بتاخد بالمظاهر ويوم ما هتقدم لواحدة مش هتشوفني البشمهندس هتشوفني مجرد… مجرد ميكانيكي مزيت ومشحم.

-تبقى انت معقد وهي ما بتشوفش.

فرد الشاب الآخر: منك لله يااللي ف بالي.

ففهمت جميلة أن سر حالته تلك قصة حب فاشلة، ثم قالت: بص يابن الحلال الموظفين على أفا من يشيل لكن الناس اللي بتشتغل بإيدها وعقلها وتفنن وتفكر دول قليلين، لما من صوت كركبة ف العربية عرفت فيها إيه، وإزاي وقفت فهمت اللي أدامك تفاصيل زي اللي كنت بتقولها، تبقى إنت مش مجرد ميكانيكي مزيت ومشحم،  إنت أكبر بكتير إنت مبدع ومبتكر وتقدر من ورشة زي دي وبشوية تعب ومجهود منك تقدر تكبرها أكتر و أكتر.

فجاء الشاب الآخر مصفقًا وقال: الله ينور والله يا سطى بتقول حكم، بس ياريت يفهم وينسى كلام اللي لعبت ف مخه زمان وكرهته ف عيشته.

– ممكن تسكت شوية…

ثم التفت إليها وقال: إنتِ مصدقة الكلام اللي بتقوليه؟!

فوجم الشاب الآخر قليلاً ثم قال: إنتِ! و مصدقة!  هي الاسطى بنت؟!

– ماتسكت شوية يا فتحي وتروح تشوف كنت بتعمل إيه.

– أيوة مصدقة ولازم إنت كمان تصدق و تبقى واثق ف نفسك و من قدراتك و أي حد يقولك غير كده يبقى ف ستين سلامة و بركة إنه غار.

فسكت حسن وأجاب  فتحي: بس زي ماانت شايفة الشغل مش أد كده يعني…. يا….

أجابت جميلة: قول يا جمال.

مط فتحي شفتيه على مضد وتابع بغير تصديق: جمال! جمال جمال.

أهدرت جميلة: طب واللي يجبلكم زباين لحد عندكم؟!

تسآل حسن: إزاي؟!

– أنا أعرف ناس كتير م الطبقة العليوي أوي دي و دول اكتر ناس يصرفوا على تصليح عربياتهم بس همتكم معايا، أنا على أجيبلكم العربيات لحد هنا وشايفة شغل البشمهندس حاجة بسم الله ما شاء الله، وانت أكيد ما تتخيرش عنه،  بس خلينا نشرط شرط عشان رجلهم تاخد على هنا.

قال فتحي: إيه هو؟

تابعت جميلة: بأه الناس دي عندها أي حاجة غالية تبقى حلوة و أي حاجة رخيصة تبقى أي كلام،  يعني البنطلون ده لو اتباع ب80 جنيه ولا هيبصوله لكن لو هو هو اتباع ب 800 جنيه وتقولهم ده ماركة وبراند ومش عارف إيه ، هياهدوه وياخدوا ألوانه كمان.

صاح حسن: إنتِ عايزاني أنصب ع الناس؟!

-لا طبعًا، بس مش هتحاسبهم زي ما بتحاسب أهل حتتك يعني، زود شويتين و بالمعقول برضو هتبقى أقل من الناس التانيين، غير إنك متمكن و شغلك هايل فهيجولك، دي فرصتك.

أهدر فتحي: إيييييه؟ بتفكر ف إيه؟! ما تجرب مش هتخسر حاجة أديك بآلك أد إيه بتدور على وظيفة وهامل الورشة اهتم و أقف هنا بأه.

تنهد حسن وقال: ربنا يسهل.

تابعت جميلة: طب يلا يا بشمهندس ظبطلي التاكسي عايزة امشي.

أجاب حسن: حاضر…

ثم التفت وقال: فتحي،  شاي مخصوص للأستاذة.

أجابت جميلة على إستحياء: لا ألف شكر ولا أي حاجة.

صاح فتحي: جرى إيه؟ إنتِ بخيلة ولا إيه؟! وسندوتشات كمان عشان يبقى عيش وملح.

وذهب فتحي ليأتي بالسندوتشات والشاي………………

الفصل الثالث

ذهب حسن ليأتي بالسندوتشات و الشاي، كان حسن يضبط السيارة، كانت جميلة تتابعه من بعد ولا تدري ما يحدث لها عندما تراه  وما سر ذلك الإنجذاب الغريب هل يعقل أن… ؟

أما هو فحاله لم يختلف عنها كثيرًا، هو أيضًا لا يعلم سر إنجذابه لها، سر إطاعته لها والأخذ برأيها رغم أن كثيرًا ما ترجته أمه وفتحي أن يهتم بورشته أولى و يدعه من البحث عن وظيفة، لكنه لم يستمع لهما.

مع ذلك لا يعلم أحد سر ذلك الإحساس الذي يقتحم قلبيهما بقوة دون أن يعرف أي منهما الآخر،  أنهى حسن السيارة وأكل الثلاثة ثم غادرت جميلة بالتاكسي و بداخل كلًا منهما شوق كبير للآخر وهو يتركه.

أما فتحي فقد قرأ ذلك المغناطيس من اللحظات الأولى لكنه فضّل الصمت.

ذهبت جميلة وهي في حالة غير الحالة، لا تصدق نفسها أيدق قلبها لشخص رأته منذ سويعات قليلة لكنه من طراز لم تقابله من قبل… إنه رجل.

كانت تحدث نفسها قائلة: تعالي يا مامي شوفي الرجالة اللي بجد مش السيكي ميكي اللي بتعرفيني عليهم دول، ياخدك ويخطفك كده تحسي إنك مش عارفة راسك من رجلك،  معقول ياجوجو حصل بالسرعة دي؟!  بس هو شكله مجتهد و هيبني نفسه ويقف علي رجله، هستناك يا حبيبي، إيه حبيبي كده علي طول؟! أمال هيكون إيه؟! المهم دلوقتي ابعت لصحابي كلهم إن عندي ميكانيكي لقطة أي حد فيهم عربيته عطلانة أو مخبوطة أو أي حاجة  عايزبن نستفتح بأه، وكمان أنزل إعلان عن الورشة دي خلي الزباين تهل.

أما حسن فمنذ أن غادرت ظل صامتًا واجمًا ينظر ناحية الباب حيث ذهبت، ولا يدري ماذا حدث له! ولماذا اقتنع بكلامها سريعًا هكذا؟!
ولماذا يدق قلبه بهذه الطريقة  كلما وقفت جانبه و اشتم تلك الرائحة، تلك الرائحة؟!
كيف لسائقة تنبعث منها تلك الرائحة العطرة كهذه؟! أو تمتلك يديين ناعمتين كهذه؟!
ترى ماهو شكلك وماهي ملامحك؟

آااه لو كان بإمكاني جذب تلك النظارة ورؤية ما تخفيه خلفها، لكن لايهم شكلها إنها تمتلك شهامة وخفة ظل لا مثيل لها كما أن لها قدرة رهيبة على الإقناع وماذا بعد ذلك ياحسن؟!
إهدأ  وتريث، ترى هل ستعودين من جديد؟
هل أراك ثانية؟!

وكان فتحي يتابعه بفضول شديد.

حسن هو صديق الطفولة لحسن وجاره بل أخوان، كانا في نفس المدرسة ونفس الفصل بل و نفس المقعد، التحقا بكلية واحدة، دخلا نفس القسم وتخرجا معًا وعملا معًا في ورشة أبو حسن كما أنه زوج أخته الصغرى منى.

اقترب فتحي من حسن وقال: إيه النظام يا ترى؟

انتفض حسن في فجأة: نعم!

ابتسم فتحي وأهدر بمكر: نعم الله عليك يا غالي، ناوي علي إيه؟

تنهد حسن قائلًا: هشتغل هنا وابدأ من هنا، وإن شاء الله، أكبر.

صفق فتحي صائحًا: بركاتك يا جمال، تفتكر هترجع تاني وتجيب زباين زي ما قالت؟!

أجاب حسن بشرود: يا ريت ترجع تاني…

بتر جملته وأكمل بجدية: قصدي تصدق ف وعدها يعني.

أومأ فتحي يجاريه بعدم تصديق: آه آه،  طبعًا طبعًا.

أكملا بعض العمل في الورشة ثم أغلقاها، عادا معًا للمنزل، كانت منى عند أمها تحية فدخلا معًا.

فقابلتهما الأم ببشاشة وتسآلت بلهفة: إيه يا حسن إتأخرت كده ليه ياحبيبي؟

أجاب حسن: لا أبدًا يا أمي،  كنت مع فتحي ف الورشة،  ما بدهاش بأه.

اتسعت إبتسامة تحية وأهدرت بسعادة: يا ألف نهار أبيض يا حبيبي، والله ما بطلت أدعيلك إن ربنا يهديك و يلهمك الصواب و ترجع تشغل ورشة أبوك و يوسع عليك و يسعدك و يرزقك ببنت الحلال!

تابع فتحي: و أهو استجاب يا توحة.

تنهدت تحية براحة قائلة: الحمد لله يا حبيبي.

همست منى لزوجها: هو حسن ماله؟!  متغير شويتين ولا بيتهيألي!

همس فتحي لها بجانبية: استني.

قال حسن: يا ريت تجهزوا أي حاجة بتتاكل أحسن أنا واقع، هاخد دش عبال ما تجهزوا العشا.

قالت تحية: حاضر يا حبيبي.

دخل حسن حجرته، قالت سارة الأخت الكبرى: مادام حسن نفسه مفتوحة كده يبقى مبسوط ومزقطط.

لكزت منى زوجها وقالت: ما تقول بأه يا فتحي.

خرج حسن من حجرته، معه ملابسه و منشفته،  نظر نحوهم ثم نظر لفتحي وقال: مفيش فايدة.

ثم دخل الحمام، جلس فتحي يقص عليهم كل ماحدث حتى تحليله الشخصي للموقف.

أهدرت منى: طب شكلها إيه جمال دي؟

أجاب فتحي: باقولك خافية نفسها ما تعرفيهاش ولد ولا بنت،  تكونش واخدة كام غرزة ف وشها ، ضبة ومفتاح مثلًا فمدارياهم؟!

صاحت سارة معترضة: وليه؟ انت بتقول سواقة على تاكسي، يعني بتقابل أشكال وألوان ولازم تخبي نفسها كويس.

ابتسمت تحية قائلة: والله أنا قلبي اتفتح للبت دي من قبل ما اشوفها حتى.

خرج حسن من الحمام متوقعًا ما يتحدثون فيه،  وإن كان سمع بعض أطراف الحديث.

نظر بينهم بتأفف وقال: هو مفيش عشا إنهاردة؟

صاحت تحية: قومي انتِ وهي جهزوا العشا بسرعة.

ابتسم حسن بغيظ ونبس من بين أسنانه: مش نقفل بأهCNN دي؟!

فضحك فتحي وتحية.

وضع العشاء وأكل الجميع، انصرف فتحي ومنى، حان موعد النوم لكن هل لحسن أن ينام؟!

لقد سرقت من عينيه النوم ، كما هو سرق من عينها النوم فما أن يناما حتى يستيقظا.

جاء الصباح واستيقظ حسن، تناول فطوره، ذهب لورشته مع فتحي،  عملا بعض الوقت لكن حسن شارد،  إنه ينتظرها،  لماذا تأخرت؟ ترى هل ستأتي؟

استيقظت جميلة متأخرًا بعض الشئ عن موعدها، ظلت تنتظر الرد من أيٍ من أصدقائها، لم تخرج حتى الآن، حتى أنها لم تخرج من غرفتها فأرسلت  إليها أمها صينية فطورها في الغرفة.

لقد قارب اليوم على الإنتهاء ولم تأتي حتى الآن، بدأ ينتابه بعض الغضب و فتحي يتابعه عن بعد دون تدخل.

فجأة جاءت سيارة أمام الورشة، ترجلت منها جميلة في هيئة السائقة، ما أن رآها حسن حتى هب من مكانه على الفور استقبلها ورحب بها:يا أهلًا يا أهلًا.

أردفت جميلة: آسفة إتأخرت.

-ولا يهمك اتفضلي.

-شكرًا يا بشمهندس، عايزينك تشوفلنا العربية دي مالها!

بالفعل بدأ حسن يفحص السيارة، يصلح مافيها، و من يومها صارت جميلة تجيء من حينٍ لآخر  بسيارات و تذهب بسيارات و توصل إليه الأثمان.

كانت جميلة هي حلقة الوصل بين حسن و أصدقاءها و صديقاتها، ذلك غير الزبائن التي تأتي أصلًا لحسن، قامت جميلة بزيادة نشر إعلانات عن ورشته كميكانيكي رائع عملًا و معاملةً و ضميرًا،  كتبت عنوانه فصار يأتيه الناس من مختلف الطبقات، تركت جميلة التاكسي منذ وقتها، صارت تعمل معه إما توصل السيارات أو كصبي تناوله بعض من الأدوات…………….

(الفصل الرابع)

مرت الأيام وصارت جميلة توصل السيارت بينه وبين الزبائن و أحيانًا تقف معه كصبي يناوله بعض من الأدوات أو يقوم ببعض المهام البسيطة بل وإنها كانت أحيانًا تصدم سيارتها عن عمد ثم تأتيه بها على أنها سيارة لزبون.

استمر هذا الحال لعدة شهور، طوال هذه الفترة لم يكن بينهما أي أحاديث بعيدة عن العمل و الزبائن، توطدت العلاقة بينهما كما توطدت أيضًا مع فتحي.

لكن ظل ما بداخل القلوب بداخلها لكن لم يسلم الأمر من بعض النظرات الخاطفة بين جميلة و حسن وتلك الدقات المتلاحقة التي يشعران أنها كالطبول يسمعها الآتي و الذاهب.

كان فتحي يتابع كالعادة من بعيد، ثم يذهب ويحكي لزوجته وهي بدورها تحكي للجميع، و الجميع ينتظر الخطوة التالية خاصةً وأن ظروف حسن المادية بدأت تنتعش بعض الشيء.

لكنه الآن يركز في الورشة وينوي تطويرها شيئًا فشيئًا وإن كان ذلك الإنتعاش الذي حدث له قد حفذه أكثر علي الإستمرار في العمل والجد والتعب لكن مازال الطريق طويلًا.

لكن ماذا عن لهيب ذلك الحب إلى متى ينتظر؟
إلى متى يكتم إحساس؟ و إن باح لها بما يحاك في قلبه فإلى متى ستنتظر وتصبر؟ فالطريق حقًا طويل.

و ذات يوم كان فتحي يعمل بسيارة بالخارج، حسن يعمل في سيارتها التي صارت تحضرها من حينٍ لآخر بعد أن تصدمها، كانت جميلة بجانبه تناوله بعض الأدوات و هو ينظر لما يعمل حينًا، ينظر نحوها حينًا أخرى، فتحي يتابعهما من بعيد كالعادة ربما يتجرأ حسن و يأخذ خطوة إليها.

قال حسن: مش ملاحظة إن العربية دي بتجيلي كتير؟!

تصنعت عدم الفهم: إممممممممم!

ضيق عينيه وتسآل: هو أنا ليه حاسس إنها مخبوطة بالقصد؟!

أبدت عدم الفهم مجددًا، تصنعت البراءة متسآلة: يعني إيه؟ صحبتها هتخبطها قاصدة يعني؟!

رفع أحد حاجبيه وتابع: الله أعلم! بس خبطاتها غبية ومفقوسة.

(و ود لو قال لها أنت الفاعلة لكن كيف لها أن تفعلها؟)
تابعت بطريقة مختلفة عن تلك الحدة التي اعتادتها في شخصية السائقة فقالت: ما تخلص وتنجز يا ابو علي.

كان حسن أصلًا عندما تحدثه أو تنطق إسمه يذوب لكن هذه المرة نطقت إسمه بذلك الدلال و النعومة، إنه يفوق كل تحمله، إلتفت نحوها تاركًا ما في يده، اقترب منها كأنه كان مغيب، تجرأ جاذبًا النظارة من وجهها و تفاجأ بما رآه!

ما هذا الجمال؟!

لقد أحببتك و عشقتك دون أن أراكِ، مهما توقعت لم أتوقع هذا…
عشقتك بهيئتك العجيبة…
عشقت تلك الرائحة العطرة التي أشتمها عندما أقترب بجوارك…
ومهما حلمت بك لم أتخيل حتى في خيالي مثل هذا الجمال…
هل انت حقيقة أم خيال؟
أود لو أتلمس وجهك وملامحك بيدي…
أود لو تصفعيني حتى أتأكد أني مستيقظ وحيّ…
أود لو ظللت أقف هكذا طوال عمري…
هل ندمت أني رأيتك فلن أستطيع تحمل غيابك بعد الآن؟
أم ندمت أني لم أحاول رؤيتك طوال تلك الفترة؟
هل أتركك تخفي عيونك ثانيًا و تحرميني من النظر إليك؟
أم أتركك تخفيها فلا يراكِ غيري؟

لقد سافر حسن وغاب في ملامحها و غاص في زرقة بحور عيونها، لكن لا يريد الخروج حتى لو غرق فيها،
ترى هل يمكن أن تكوني لي يومًا؟
هل يمكن لي يومًا أن ألمس جمالك هذا بيدي؟ و ارتوي من شهد هاتين الشفتين؟!

مر بعض الوقت لم يشعرا به، لم يقدرا كم ظلا هكذا ثم عاد حسن من شروده، أخذت منه نظارتها و ارتدتها مرة أخرى.

حاول أن يكمل عمله لكن هيهات ثم قطع ذلك الصمت الطويل الذي لم يسمع فيه إلا أصوات أنفاس و دقات القلوب.

تسآل حسن: هو انت إسمك إيه؟

أجابت بتيه: هه!

-إسمك!

-جميلة.

-لازم طبعًا، ده إيه الغباء ده؟! أنا بسأل عن إيه أصلًا؟!

فابتسمت وقالت: مالك يا حسن؟

أهدر حسن بوله: يقطع حسن، هو في كده ف الدنيا؟!

-في إيه؟

-في إييييييه؟! عادي كده! يعني ما عندكمش مراية ف بيتكم؟!

فابتسمت وقالت على إستحياء: طب خلص العربية يا حسن.

-أول مرة أعرف إن إسمي حلو أوي كده.

أردفت محذرة: وبعدين!

تنهد حسن واستطرد: وبعدين دي عندك،  آه صحيح،  العربية دي ما تجيش هنا تاني، كفاية إستهبال.

وهنا ضحكت بتلقائية فالتفت إليها كما التفت فتحي للصوت أيضًا بسعادة بالغة ثم وضعت يدها على فمها ثم قالت: آسفة والله! طلعت غصب عني.

قال حسن بحنق: ده مكان أكل عيش هه! وكل الناس عارفين إنك جمال ولحد ما يعرفوا غير كده مش عايز حد يتكلم و لا حتى يكح عنك بينه وبين نفسه، خلصت العربية.

– حاضر، تسلم إيدك يا ابو علي.

– تسلمي يا ست الحسن والجمال.

كادت أن تضحك ثانيًا لكن كتمتها، ذهبت ركبت السيارة بعد أن أخرجها حسن لخارج الورشة أشارت له، انصرفت و هو يتابعها بعينه حتى اختفت من الشارع، بالطبع فتحي المتابع لكل شيء جاء ليطمئن على صاحبه، وتسآل بمكر: هه إيه النظام؟

-نعم!

-لا قصدي يا ترى أبو الهول نطق و لا إيه؟!

-إيه!

-كل ده وإيه!  ده أنا كنت شايفك مقبل بالأوي، حسيت إنك هتبوس خلاص.

فرمقه له حسن لم يعقب، فأكمل فتحي: إحم، بعك ف الكلام، صح؟

-كالعادة.

-طب ما تريحني كده،  الدنيا إيه؟!  طب حلوة يعني؟ تستاهل دهولتك دي يعني؟

-ما تروح تعمل أي حاجة يا أخي.

-هو أنا مش صاحبك و أخوك! ده أنا ياما حكيتلك.

-عشان كانت أختي يا جزمة يا ابن ال…  ماتنساش بأه، عايز أطلع ألاقيCNN شايفة شغلها كويس…هه!

– طب هجيب كوبايتين شاي بالنعناع كده، و تحكيلي.

-ييييييييييه ، اهج منك يا فتحي!

……………………………..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان