رواية ” حسن وست الحسن ” الفصول من السابع عشر وحتى العشرون الأخير للأديبة نهال عبد الواحد

الفصل السابع عشر

ذهبت جميلة لمنزلها، تشعر بريبة اتجاه والديها، لم تتحدث لأيهما، اكتفت بالجلوس وحدها من يومها حتى إنها قد أهملت عملها، لا تُرى إلا وقت الطعام، تأكل في صمت تام بضع لقيمات ثم تنصرف لا تريد المناقشة، ليس لديها أي طاقة.

أما حسن فمنذ يوم الفرح وهو يفكر في تلك الخطوة التي لابد منها رغم صعوبتها و إرتفاع نسبة فشلها، فكر أن ينتظر عودة ممدوح من رحلة شهر العسل ليكون سندًا له، لكنه عندما أمعن التفكير رأى أن عليه الإعتماد على نفسه دون انتظار من يسنده فليقدم على هذه الخطوة و ليكن مايكون.

بالفعل ذهب حسن ذات يوم إلى بيت جميلة متهيئًا لمفاتحة والدها في أمر خطبتها  ذهب وجلس كثيرًا وحده حتى كاد أن يمل لكنه رأى أن يصبر و يطيل باله،  إنها جميلة،  إنها ست الحسن والجمال،  إنها النجم العالي الذي يريد الوصول إليه، إذن فليصبر و أخيرًا جاء سراج و ديدي فسلما عليه و جلسا فترة أخرى في صمت.

اضطر حسن أن يقطع هذا الصمت قائلًا: أنا بعتذر إني جيت من غير ميعاد بس بصراحة في موضوع مهم لو تسمحلي اتكلم فيه.

قال سراج: اتفضل.

تحدث حسن: بصراحة أنا يسعدني ويشرفني أطلب إيد بنت حضرتك.

أسند سراج طرف إصبعه أسفل ذقنه وأهدر: امممممم، عايز تخطب بنتي يا سطا حسن،  مش حسن برضو!

أومأ حسن وأردف: أيوة يا فندم، عارف إنكم مش قادرين تشوفوني غير الاسطي الميكانيكي اللي كله شحم، ومش هنكر ده، بس أنا أصلًا مهندس وهو ده مجالي،  يمكن أكون بدأت بسيط جدًا، لكن الحمد لله، الدنيا اتحسنت معايا كتير دلوقتي وإن شاء الله هتتحسن أحسن وأحسن،  أنا سقف أحلامي بيعلى و بيعلى وإن شاء الله أقدر أحقق.

كان يتحدث حسن و يوجه حديثه بالكامل لسراج ولم ينظر نحو ديدي إطلاقًا لكنها تدخلت: مش شايف إن الفرق كبير أوي!

نظر حسن إليها بتعجب وأجاب: بس ده ماكانش رأي حضرتك أول ما شوفتيني واتكلمتي معايا.

أجابت بتوتر: ماكنتش أعرف حقيقتك.

أومأ حسن قائلًا: لا يافندم، اللي وقفتي معاه وكلمتيه و عجبك هو أنا سواء لابس بدلة أو عفريته مشحمة.

تابع سراج: المشروع اللي انت فرحان بيه ده ممكن عادي يفشل،  بالنسبة لممدوح هو بيتسلى ومعاه اللي يغنيه ومش هيفرق معاه، لكن انت بأه هتعمل إيه ساعتها؟!

قال حسن بثقة: هقوم أقف على حيلي وابدأ من أول و جديد،  اللي عمل مرة يقدر يعمل مرات ومرات و الراجل هو اللي بيعمل الفلوس مش العكس، وأي مشروع ممكن يقع ف أي لحظة.

قال سراج: ما تخليك دغري وهات م الآخر.

عقد حسن حاجبيه بعدم فهم وتابع: مش فاهم.

استطرد سراج: انت عارف كويس إني ما خلفتش غير جميلة، يعني بنت، يعني بعد عمر طول ولا قصر هتورث هي و ممدوح فحطيت أختك ف سكة ممدوح وانت جيت ف سكة بنتي واستغليت سذاجتها بشوية إسطوانات مشروخة حب وهيام…

كاد حسن ينفجر غضبًا لكنه تمالك نفسه، قاطعه بهدوء: طبعًا العمر الطويل لحضرتك، بس كلام حضرتك مالوش أي أساس من الصحة أنا أختي ما بتروحش ف أي حتة و ممدوح شافها بالصدفة عندنا ف البيت من غير ما نعرف إنه عم جميلة،  أما جميلة فيوم ما حبيتها حبيت جميلة البسيطة سواقة التاكس الشقيانة الجدعة، وعمر ما خطر على بالي تكون غير كده، ويوم ماعرفت هي تبقى مين طردتها من حياتي وطردتها بمعنى طردتها قولتلها مش عايز أشوفك تاني واخرجي من حياتي لأن ساعتها شوفت نفسي صغير أد إيه، أدامها رغم كل الوجع والألم اللي جوايا بس عملت كده،  وعدت سنين وسنين مانعرفش حاجة عن بعض ولا بنشوف بعض إلا ف الأحلام لحد ما قابلتها من جديد الحفلة إياها و إتفاجئت إنها لسه مستنياني وقدرت موقفي ساعتها،  بنتك مش ساذجة وحضرتك عارف ده كويس،  إحنا حبينا بعض وأنا تعبت وشقيت وكبرت عشان أبقى جدير بيها و جاي لحضرتك م الباب و أوعدك إنها تكون ف عيني هحفطها و أصونها وأراعي ربنا فيها و أكيد ده اللي يهمك، أما المستوى و الإمكانيات فعمري ماهبخل عليها بحاجة طول ماهي ف حدود إمكانياتي و إن شاء الله ربنا هيفتح علي و يرزقني إن شاء الله، بس حضرتك وافق وقول آه.

كان سراج يستمع إليه وبدأ الإعجاب به يتملكه و قد شعر حسن بذلك فزاد من حماسه في الحديث حتى قاطعتهم ديدي: انت بتسمع ف إيه؟! ده إسمه تضييع وقت،  حضرتك ما عندناش بنات للجواز،  جوجو اتخطبت خلاص لدكتور رامي ابن خالها والفرح قريب.
ووقفت وقالت: شرفت.

وما أن قالت حتى وقف حسن وسراج في دهشة وصدمة،  في تلك اللحظة كانت جميلة تهبط من أعلى و لم تكن تعلم بوجود حسن حتى إنها بلبس المنزل.

ما أن رأت حسن فرحت بشدة، تهللت أساريرها فقد فهمت سبب مجيئه، وما سيكون سوى خطبتها!
أسرعت الخطي نحوه، جريت وتعلقت في رقبته تعانقه بشدة من سعادتها، لكن حسن كان واجمًا لا يتحرك حتى أن يديه بجانبه فابتعدت قليلًا ولازالت تتعلق في رقبته.

نظر نحوها حسن نظرة طويلة حزينة ثم نزع يديها برفق وانصرف فأدركت جميلة وقتها أنه قد رُفض فجريت خلفه تنادي عليه بكل صوتها: ارجع يا حسن، مش هكون لغيرك يا حسن،  يا حسسسسن!

عادت تنهج بشدة تتلاقط أنفاسها بصعوبة و تنظر بينهما، ثم صاحت: رفضتوه ليه؟!  عشان كان ميكانيكي!  بس هو أصلًا مهندس و دلوقتي مهندس،  إنتِ نفسك شوفتيه وعجبك يا مامي، ليه عايزة واحد حسب و نسب وخلاص؟ و لا العرسان عندك تيمو وميدو و كوكي ولاد صحابك اللي بتعرفيني عليهم؟! لا حسن راجل، إزاي ما تعرفيش يعني إيه راجل وانتِ متجوزه بابي؟! الرجولة عندي يعني حسن، وقلبي ما دقش و لا هيدق إلا لحسن.

صاحت ديدي: مفيش داعي لكل ده، رامي ابن خالك خطبك وأنا وافقت وخلاص.

صاحت جميلة بثورة: راااااامي! ده أنا ما بقبلهوش أصلًا أتجوزه! أقولك ده انا حتى ما بقبلش أخوكِ ده كمان، طالع فيها على طول وبيتعوج على خلق الله، أنا مش هتجوزه، مش هتجوزه، مش هتجوزه.

ظلت تكرر تلك الكلمة كثيرًا بصراخ ثم صعدت جريا نحو غرفتها تبكي بشدة…………………………

(الفصل الثامن عشر)
جرت جميلة باكية إلى غرفتها،نظر سراج لزوجته بحدة، فتسآلت بتعجب: مالك بتبصلي كده ليه؟ إوعي تصدق إني مش بحبك واتجوزتك عشان فلوسك زي ما قالوا.

تسآل سراج بحدة: هو فعلًا رامي ابن أخوكِ خطب جميلة؟!

– أيوة.

– أيوة كده مع نفسك من غير ما تاخدي رأيي ولا حتى رأي بنتك اللي هي صاحبة الشأن ونعرف بالصدفة!

– فيها إيه ده ابن خالها! يعني أولى بيها م الغريب،  هتلاقي حد أحسن منه لبنتك؟!

– هلاقي كتير، لا أنا ولا هي موافقين ولا بنبلعه لا هو ولا أبوه، مش معنى إني سايبك تشغليه ف المستشفى وتمسّكيه كل حاجة يبقى حبيبي،  ده يادوب بقبل اسلم عليه عشان خاطرك وبس،  وما تعمليش إنك متفاجأة لأن ده موضوع قديم ومفروغ منه.

– انت عايز إيه دلوقتي يا سراج؟

– مش بنتي اللي تتجوز غصب عنها وأنا عايش على وش الدنيا.

– احنا اتفقنا على كل حاجة خلاص.

– إنتِ ليه عايزة تكسري قلب بنتك؟ إيه شكلها ما وجعكيش؟! عايزاها تنقهر ولا تعمل ف نفسها حاجة!

– دي عيلة صغيرة ماتعرفش مصلحتها.

– إنتِ عارفة كويس إنها لا عيلة ولا صغيرة.

– وعشان مش صغيرة يبقي تتجوز الموجود دي عدت التلاتين!  ولا انت كنت عايزها تتجوز الميكانيكي!

– راجل وبيحبها وهيشيلها جوة عينيه،  صحيح كنت زنئه وبعصر فيه  بس ده عشان أجيب آخره ماهي بنتي الوحيدة برضو،  لكن الحقيقة هو هايل.

– وانا عمري ما هسمح بالمهزلة دي كفاية متحملة عملة أخوك كمان البنت!

– إلزمي أدبك يا درية واعرفي كويس إني عمري ما هغامر بحياة بنتي وسعادتها.

وتركها وانصرف فجلست مكانها مضطربة تفكر.

مرت أيام وأيام وجميلة لا تخرج من غرفتها، لا تتحدث إلى أحد، أما سراج فكاد يجن من تصرفات زوجته الغريبة ويخشى بشدة على إبنته، لكنه ينتظر عودة أخيه من شهر العسل.

ذات يوم مرت درية بجوار غرفة إبنتها، سمعتها تتحدث في الهاتف: الأحوال منيلة بنيلة بس مش عايزة انكد عليك وانت عريس جديد…

أكملت وبدأت في البكاء: تصور حسن يجي لحد هنا يخطبني وهم يرفضوه… أيوة كنا عارفين… بس وضعه دلوقتي اختلف كتير ولسه كمان….  لا وكمان قال إيه رامي هباب خطبني والست مامي وافقت واتفقت معاه على كل حاجة، يعني هتجوز غيره وغصب عني وكمان سي زفت ده،   اكتر اتنين ما بقبلهمش ياأخي…  خلاص اتكتمت…  هموت يا ممدوح تعبت مش عارفة اعمل إيه، قاطعتهم كلهم والله، ماأنا لا يمكن أتجوز غير حسن، مش انت عمي برضو ما ينفعش تبقي وكيلي،  أسيبهم واجيلك و تجوزهولي واحطهم كلهم أدام الأمر الواقع،  تبقى تبل اخوها وابن اخوها دول وتشرب ميتهم، وتوريني هتعمل إيه…

وهنا دخلت أمها وهجمت على إبنتها، جذبت منها الهاتف، صاحت: هوريكِ هعمل إيه؟!

فتحته، كسرت شريحته، أخذته، وضعته في جيبها، صاحت جميلة بهيستريا: ليييييييه؟ عملتلك إيه؟ بتعذبيني ليه؟ برضو مش هتجوزه.

– عايزة تهربي وتفضحينا!

-برضو مش هتجوزه، ومش هتجوزه يعني مش هتجوزه واللي عندك اعمليه.

لطمتها أمها على وجهها، خرجت وأغلقت الباب عليها بالمفتاح، انصرفت وظلت جميلة تضرب الباب بقوة و تصرخ، بعد فترة سكتت فلا فائدة، أصبحت تتمنى لو تموت لترتاح مما هي فيه.

كانت أمها تخرج يوميًا لشراء لوازم الزواج والعروس  حتى فستان زفافها و أخصائية التجميل، كل ذلك ولا تزال تحبسها داخل الغرفة وسراج لايعلم أي شيء، لا يعلم سوي أنها لا تريد لقاءهما ولا الحديث معهما، فقد وضعت أبيها مع أمها في قفص الإتهام و أنهما المسئولان.

لكن ذات يوم وكانت ديدي بالخارج، أراد سراج الدخول لإبنته للتحدث معها خاصةً ما ينتظره قد حدث، فقد عاد ممدوح وعروسه من شهر العسل،
لكنه عندما حاول فتح الباب وجده مغلقًا فظن أنه جميلة هي من تحبس نفسها.

وبعد أن طرق كثيرًا سأل أحد الخدم فأخبروه بما أقرته ديدي من عدم فتح الباب إلا في وجودها ومن أجل إدخال الطعام فقط رغم أن صينية الطعام تخرج كما تدخل دون أن تمسها جميلة.

جن جنون سراج، اتصل بزوجته مرارًا دون فائدة فهاتفها مغلق فنزل، ركب سيارته يقصد بيت أخيه.

وصل سراج إلى بيت أخيه، دخل وبعد قليل جاءته سارة مرحبة به أشد الترحيب: يا أهلًا  يا أهلًا، البيت نور.

أجابها سراج: أهلًا بيكِ، حمد الله على السلامة.

تابعت سارة بإبتسامة هادئة: الله يسلم حضرتك! ده ممدوح هيفرح أوي والله! ثواني أصحيهولك.

– آسف جدًا عل إزعاج، واني جيت من غير ميعاد.

– آسف ده إيه بس!  ده بيت أخوك يعني تآنس وتشرف ف أي وقت.

أشارت لأحد  الخدم ثم أتى بصينية بها كوب من العصير فأخذتها منه، سارت نحو سراج تقدمه إليه.

أومأ لها ممتنًا: متشكر أوي وبنفسك كمان!

أجابت سارة بسعادة: طبعًا، ده انت الغالي أخو الغالي.

– مش انتِ أخت حسن؟ لو ممكن تكلميه يجي دلوقتي.

-آه أنا أخته فعلًا، هو أصلًا زمانه على وصول.

تركته و اتجهت نحو المطبخ ثم صعدت لأعلى، دخلت غرفتها، كان ممدوح نائمًا، أوقدت النور وجلست جواره لتيقظه في دلال: قوم ياحبيبي، قوم أوام.

فتح ممدوح عينيه بتكاسل وقال بلطف: يا صباح الهنا.

– صباحك فل يا قلبي مع إننا بعد الضهر.
فضحكا.
وأكملت :اتفضل قوم أوام، حزر فزر مين مستنيك تحت؟

اعتدل متكئًا وأجاب: مش هحتاج أحزر ولا افزر أكيد حسن وفتحي، باقولك إيه خليهم مستنيين وتعالي جنبي أقولك كلمة سر.

فضحكت وأهدرت: لا مش حسن ولا فتحي، ده أخوك سراج.

فصاح في دهشة: سراج أخويا! انت متأكدة؟ يعني جميلة معاه؟

أجابت: لا جميلة مش معاه، ومتأكده إنه هو.

تنهد وأردف: قلقان عليها أوي، غطسانة من مدة وتليفونها مقفول.

– واضح إن في حاجة لأنه عايزك ضروري .

قالتها ونهضت واقفة، فتسآل: إده انتِ رايحة فين؟

– يادوب عبال ماتقعدوا مع بعض أكون جهزت الغدا، ده الغالي أخو الغالي.

– بنفسك!

– إيه هتعترض من أولها؟ أنا ست البيت ولازم أدخل المطبخ.

فغمز لها مشاكسًا: أحلى ست بيت، تسلم إيديكِ مقدمًا.
وقبل يديها.

انصرفت من الغرفة،واتجه ممدوح نحو الحمام ، إتجهت هي نحو المطبخ، دق الباب، ذهبت وفتحت وكان حسن وفتحي، سلمت عليهما فنظرت ناحية أخيها أومأت إلى الداخل فلم يفهم.

تسآل حسن بتعجب: إيه مش على بعضك ليه؟ جينا ف وقت مش مناسب؟ وبعدين إيه يا بت الحلاوة دي كلها؟!

رفع عينيه فوجد سراج أمامه، وجم قليلًا وبدأ يتراجع، هَمّ بالإنصراف فأوقفته سارة قائلة بتوسل: استني ده جه وطالبك بالإسم.

أجاب حسن باستخفاف: وده من إيه؟!

إتجه إليه سراج وقال: من فضلك يا حسن محتاج أتكلم و تكون حاضر كلامي.

نظر فتحي بينهما وقال: طب هبقى اعدي وقت تاني.

قال سراج: لا خليك.

هنا نزل ممدوح، نظر بين الجميع لمح التوتر السائد، اتجه مرحبًا بأخيه أفضل ترحاب ثم سلم على فتحي وحسن، وأهدر: اتفضلوا يا جماعة واقفين ليه؟

جلس الجميع خاصة حسن الذي جلس متكدرًا على مضد، ربتت عليه أخته وذهبت.

تسآل حسن: خير ياباشا عرفت إن حضرتك عايزني.

قال سراج: أنا عارف إنك واخد موثف مني،  بس والله ماليش ذنب! والله كنت زيي زيك بسمع لأول مرة بموضوع الخطوبة ده!

تابع حسن باستخفاف: ليبييه!  مش أبوها برضو!

تدخل ممدوح: بالراحة ياحسن،  في إيه يا سراج وفين جميلة؟ ما جاتش ليه؟!

قال سراج بحزن: أنا فوجئت بموضوع الخطوبة ده، وعمري ما كنت هوافق على ابن عزت ده.

نبس ممدوح بغيظ: سبحان الله ماحدش بيقبله أصلًا لا هو ولا ابوه.

تابع سراج: طول عمر ديدي بتجيب عرسان لجميلة وهي بترفضهم و يفضلوا يخبطوا ف بعض، اشمعنى المرة دي وافقت من برة برة، ما رامي طول عمره موجود إيه اللي جد؟!  البنت مقطعاني مع أمها وحطاني ف كفة واحدة معاها، واللي زاد وغطا إني اعرف إنها حبساها ف أوضتها يادوب تدخللها الأكل.

أهدر ممدوح بقلق: كده يبقى في حاجة غلط، ديدي طول عمرها بتحب تترسم لكن مش سودا كده.

تابع سراج: ما ده اللي بقوله.

تحدث فتحي: تسمحلي بكلمة ياباشا .

أومأ سراج: اتفضل.

قال فتحي: من زمان لما جميلة خدت منة بنتي المستشفى كانت واقعة واتعورت ف وشها ومحتاجة خياطة نضيفة، ويوم ما كانت بتفك الخياطة منى مراتي راحت معاها وساعتها خالها ده قابلهم وحش وفضل يرمي بالكلام عل أشكال دي و مش عارف إيه وجميلة ردت عليه تمام وغسلته، وقالتله ف وشه إن المستشفى باسم الست والدتها وهو يادوب بيديرها.

ضيق ممدوح عينيه وتسآل: عايز تقول إيه؟!

أردف فتحي: كأنه تار بايت! بس ياترى المستشفى لسه بإسمها؟

أجاب سراج: من زمان أول مااتخرج بسلامته طلبت مني أفتحله عيادة يعني أخته وعايزة تقف جنبه، فجبت المستشفى دي وكاتبتها باسمها وقلتلها خليه يشتغل فيها طبعًا ده عشان خاطرها وقلت برضو ده هيبقى خال ولادي يبقى حاجة تشرف، ومن يومها وهو ماسكها وبيديرها وبصراحة عمل شغل وتوسعات كتير فيها ويادوب بيدي لديدي نصيبها وبس.

تابع ممدوح: طب يعني كان عايزها تكتبهاله ولما رفضت فكر يناسبكم ويضمن كل حاجة!

تأفف سراج قائلًا: في حاجة غلط، حاجة ف سر قلبتها على بنتها الوحيدة، وبعدين رامي ده يجي إيه ف اللي كانت بتجيبهم لها قبل كده.

استطرد حسن: متهيألي في حاجة تخص المستشفى،  حاجة لازم تبقى قوية عشان تضغط عليها كده.

قال سراج: أنا جاي أفكر معاكم بصوت عالي حاسس إن فيه حلقة مفقودة، حاسس إن في مصيبة هتحصل.

هنا جاءت سارة وقالت: كفاية كلام بأه، اتفضلوا الأكل جاهز.

نهض ممدوح مبتسمًا وأهدر بترحاب: اتفضل يا سراج ، أحلى أكل هتدوقوا دلوقتي، ناكل الأول وبعد كده ربنا يفرجها، اتفضلوا يا جماعة.

جلس الجميع على السفرة، سارة جوار زوجها، نظر سراج نحوهما، أدرك سر إعجاب ممدوح بسارة، إنها هذه الطيبة، العفوية، الشخصية الحنونة وهو ما كان يحتاجه ممدوح منذ توفى والديه…………….

الفصل التاسع عشر
وصل سراج إلى المنزل وما أن اقترب من غرفة النوم حتى سمع صوت زوجته تتحدث هاتفيًا: باقولك إيه لحد كده وكفاية، حرام عليك البيت عندي حريقة أنا بخسر جوزي و بنتي، إنت إيه ياأخي مش بني آدم؟! ده جزاتي إني وقفت جنبك طول السنين دي وبسمع كل اللي بيتقال عليك واضطر أدافع عنك بالكذب، ما ينفعش، والله ما ينفع!  إزاي يعني ف كل المشاكل دي أروح أقوله اكتب لبنتك نص أملاكك إنت بتهرج!    مفقوسة أوووي،  والله تعبت! خليك بني آدم مرة ف حياتك، ده أنا أختك الوحيدة، منك لله منك لله!

أغلقت الخط وأجهشت بالبكاء، انتظر سراج قليلًا ثم طرق الباب فمسحت دموعها بسرعة واستعادت نفسها وهيئتها.

دخل سراج، نظر نحوها ثم جلس يخلع حذاءه فقالت في محاولة لإخفاء حالتها: شوفت الفستان بتاع جوجو لسه مستلماه كنت طلباه بأوردر مخصوص من باريس.

أجاب بإقتضاب: آه حلو.

– حلو بس! ده تحفة.

– وبالنسبة لصاحبة الفستان اللي حبساها زي الكلبة!

-إنت ما تعرفش كانت عايزة تعمل إيه! دي كانت عايزة تروح تتجوزه من ورانا وتحطنا أدام الأمر الواقع!

– طب هو أخوكِ ده مش ناوي يقعد معاي زي خلق الله؟ مش في اتفاقات ومقدم ومؤخر ولا بنتي هتتجوز ببلاش؟!

-أكيد مش هنختلف.

فقام سراج إليها وجذبها من شعرها
فصرخت: آاااااااااه… آاااااااااه… في إيه مالك؟ انت اتجننت؟!

-لا وانت الصادقة عقلت، أنا سمعت كل حاجة فاتفضلي قولي وقِري بكل حاجة بدل ماادفنك و اتاويكِ هنا تحت رجلي.

تركها، جلست تبكي ثم قالت: حاضر هقول كل حاجة،  إنت عارف إن بعد ما عملت المستشفى وشغلت فيها عزت انا ماكانش لي دعوة بأي حاجة يا دوب بيحاسبني ويديني نصيبي.

بس من فترة في واحد كان عايز يقابلني، كنت دايما بتجاهله لحد ما ف يوم  لاقيته مستنيني عند النادي وأنا داخلة وصمم يقعد معايا.

ده كان عامل بيشتغل ف المستشفى وبيشتغل كمان مع عزت لحسابه وشكلهم اختلفوا، المهم قاللي إن عزت بيشتغل ف الأدوية المخدرة اللي بيقولوا عليها جدول ولا إيه كده.

بيجيبها على إنها من إحتياجات المستشفى و طبعًا بكميات كبيرة ويبيعها لحسابه لأن المستشفى ما بتحتاجش كل الكم ده.

وجاب كل الورق اللي يثبت ده،  المشكلة إني لاقيت إسمي مكتوب على كل حاجة عشان المستشفى باسمي ومزور إمضتي ف كل صفقة بيعملها،
الراجل ده كان محلفني إني أراعي بيته وأهله لو جراله حاجة وانا كنت بحسبه بيبالغ.

روحت لعزت واجهته وأنكر كل حاجة وعرفت بعد كده إن الراجل ده مات ف حادثة غريبة فيها شبهة جنائية خفت واترعبت لأني إتأكدت إن عزت ده مجرم كبير وممكن يعمل في أو في بنتي أي حاجة،
خفت أطلع الورق اللي معايا أو أجيب سيرته أو حتى أفتح السيرة دي تاني،  وبعدها لاقيته جاي عايز يخطب جميلة لرامي كده بالعافية و لوي دراع ولما رفضت هددني إنه معاه ورق يحبسني بيه خفت واضطريت انفذ طلباته، بس طلباته مابتخلصش وأنا تعبت ومش عارفة أعمل إيه دلوقتي؟!

صاح سراج: كان لازم تيجي و تحكيلي بدل ما تداري عليه.

-أنا مش بداري عليه،  أنا هروح ف داهية.

– والورق ده فين؟

– شايلاه.

-هاتيه، وافتحي الباب دلوقتي حالًا على جميلة.

ذهبا يفتحا الباب عليها فوجداها مغشيًا عليها فذهبا بها للمشفى، كان هبوط في الدورة الدموية وانخفاض للضغط.

وذات يوم، كان بعدها بعدة أيام كان ممدوح يجلس في مكتبه في المصنع ثم دخل عليه حسن وفتحي.

اهدر ممدوح باعتراض: حلو أوي النظام ده!  من ساعة ما رجعت الشغل وانتو منفضين و سايبني لوحدي، نسيتوا إني لسه عريس ولا إيه؟!

قال فتحي: لا ياعم ما نسيناش ولا حاجة، حلمك علينا شوية.

وكان حسن يضحك ثم قال: ممكن بأه نتكلم ف المهم.

زم ممدوح شفتيه وتابع:أهم من كلامي!

أكد حسن: جدًا، هو فين أخوك ما كلمكش تاني؟

أومأ ممدوح نافيًا وقال: لا، غطسان لا حس ولا خبر.

هنا طرق الباب ثم دخل سراج فضحك ممدوح بشدة.

نظر سراج بينهم وتسآل بتعجب: هو في إيه؟! السلام عليكم الأول.

أجاب حسن: وعليكم السلام ورحمة الله، أصلنا كنا ف سيرة حضرتك.

تابع ممدوح ضاحكًا: كنا افتكرنا مليون جنيه!

فضحك سراج على مضد ثم قال: ماشي يا لمض نتكلم ف المهم بأه.

تحدث فتحي: إحنا كمان طول الفترة اللي فاتت كنا بنعِس ف الموضوع ده و وصلنا لحاجات رهيبة.

تابع حسن: إحنا دخلنا ف زخانيق المستشفى وسمعنا طرطشة كلام عن واحد كان بيشتغل ف المستشفى وكان فرخة بكشك عند عزت ده، وف يوم اتخانقوا خناقة كبيرة واللي سمعوهم قالوا إنه كان بيهدد عزت و إنه هيوقعه، وبعدها بفترة الراجل ده مات موتة غريبة، والكلام بأه إن عزت له يد ف الحكاية دي وإنه كمان ماشي ف شغل مش مظبوط.

أومأ سراج قائلًا: أيوة فعلًا بيشتغل ف أدوية ممنوعة عل الجدول على اعتبار إنها من احتياجات المستشفى و طبعًا بيبيعها لحسابه للمدمنين.

أهدر ممدوح: إنت عرفت!

أجاب سراج: لسه عارف من ديدي،  البيه طلع لاوي دراعها بموضوع الجوازة دي، لأنه استغل إن كل حاجة بإسمها و زور إمضتها وهي اللي هتلبسها ف الآخر.

نبس ممدوح بغيظ: ابن ال…..  يا أخي عمري ماارتاحتله، طب وجميلة عرفت؟

تنهد سراج وأكمل بحزن: جميلة من عدم الأكل وقعت من طولها وكانت ف المستشفى ولسه خارجه إنهاردة.

فتغير وجه حسن بشكل ملحوظ.

أكمل سراج: المشكلة إنها مقطعانا ومش راضية تسمع أي حاجة ولا قابلة مننا أي كلام، ربنا يسترها بأه.

قال فتحي: بس الغريب بأه إن الكلام ده فايح ف المستشفى بالأوي، ودي حاجة تقلق.

تسآل حسن بقلق: قصدك يعني إنه ناوي يكت؟

تابع فتحي: أكيد..

تسآل ممدوح: طب هياخد البت يعمل بيها إيه؟

نبس سراج بغيظ: لا والبجاحة عايزني أكتبلها نص ثروتي.

استطرد حسن: بص حضرتك أنا لي واحد صاحبي ظابط هجيبه لحضرتك تحكيله كل حاجة وهو هيتصرف،  والإمضاء المزورة دي سهل تتثبت إنها مزورة، بس ياريت ف أسرع وقت عشان نلحق.

سأل ممدوح: هو الفرح إمتى؟

أجاب سراج: الخميس الجاي.

فتغير وجه حسن ثانيًا و ظهر عليه الألم أكثر وأكثر، فأكمل سراج: إنت راجل أوي يا حسن وفعلًا تستاهل بنتي، بس عايزك تعرف أنا ماكنتش معترض عليك ولا بترسم عليك،  بس كان لازم أعصرك و أزنؤك عشان أتأكد إنك الشخص المناسب لبنتي، يوم ما ربنا يفتح عليك بالأوي ف الإمكانيات ويجي لبنتك عريس لازم هتفضل تعصره و تستجوبه لازم هتقراه كويس وتتأكد إنه فعلًا هيحافظ عليها ويصونها مش جاي لفلوس وسيط أبوها وبس، فاهمني؟

أومأ حسن رأسه بأن نعم.

وفي اليوم التالي جاء حسن وصديقه الضابط سيف بهيئة متخفية إلى سراج، قصا عليه كل شيء، أعطاه سراج كل الأوراق و بعض العقود التي فيها إمضاء زوجته الحقيقية ليستطيع إثبات التزوير، ووضع عزت وإبنه تحت المراقبة المشددة.

وجاء يوم العرس ولم يكون هناك أي مظاهر عرس إلا بعض الأضواء والزينات الظاهرية لكن لا العروس ولا والديها يشعران بفرح.

جاءت خبيرة التجميل لتزيين العروس وأعمال العروس لم تكن تتحدث جميلة لأحدٍ أبدًا تشعر وكأنها مغيبة كأنها في حلم لا بل كابوس لكن متى تستيقظ وكيف؟!

كان ذلك اليوم يرتب عزت وإبنه فيه تسلّم صفقة أدوية مخدرة، بالطبع الموعد الغير متوقع، لم يجئ على بال أي شخص إلا أن الشرطة تنتظرهم بالمرصاد.

إنتهت العروس من كل شئ، صارت جاهزة و جميلة لكن جمال حزين كله شجن و وجع يفتقد كل حيويته.

بعد أن انتهوا من حولها طلبت منهم أن يتركوها وحدها وخرجوا بالفعل وهي تجلس على سريرها أمام المرآة، فستانها يفترش السرير بأكمله تمامًا مثل الأميرات.

ظلت تنظر لنفسها، أهذا يوم عرسي؟!
هل كتبت النهاية هكذا؟!
نهاية حبي المتيم لك ياحسن! كيف أكون لغيرك؟
كيف أمضي بين أحضان غيرك؟
كيف أُكتب زوجة لرجلٍ غيرك ولا رجل عندي غيرك؟
قويني يا الله!

وفي الحديقة بالخارج كان حسن متخفيًا ينتظر عن جنب من بعيد يتابع الموقف بنفسه محبوس الأنفاس لا يدري كيف سيمضي ذلك اليوم له أم عليه؟

وبعد قليل جاءه فتحي متخفيًا هو الآخر، همس: هه، عندك أخبار؟

أومأ حسن نافيًا: لا ماحدش اتصل، وانت!

– ممدوح وسارة لسه واصلين،  وممدوح هيحاول يخش لجميلة قبل ما تنزل ويلطف الجو بينها وبين أهلها…

بتر جملته وهو يلاحظ نظر حسن الشارد، فتسآل في تعجب: بتبص علي إيه؟!

همس حسن:شششششششش……حد بيـ….

(الفصل العشرون والأخير)

بينما كان فتحي يتحدث إلى حسن وجده شرد بنظره لشيء آخر، فتسآل بتعجب: بتبص على إيه؟!

همس حسن: شششششششش…… حد نزل تحت العربية شكله بيقطع سلك الفرامل.

التفت فتحي ناظرًا في إتجاه السيارة وهمس بريبة:وده يعني إيه؟!

ظلا واقفين متابعين الذي نزل تحت السيارة، وهو يظن أن لن يراه أحد ثم قام مسرعًا للخارج فاتصل فتحي بممدوح، همس: إيه الأخبار عندك؟ لسه ما دخلتلهاش!… طيب طيب… باقولك السيراطو الدهبي دي بتاعة مين؟… لا والله!…  بيستعبط بروح أمه عايزهم هم اللي يجيبوله العروسة لحد عنده هتخلينا نغلط عل مسا… طب بص…  في حد دلوقتي حالًا قطع سلك الفرامل…  وصلهم بعربيتك… ماحدش…

بتر جملته بسبب وجوم حسن فتسآل مجددًا: مالك يا حسن مبلم كده ليه؟!

ثم استدار لحيث ينظر حسن إنها جميلة قد هبطت من غرفتها من الشرفة عن طريق شجرة في الحديقة بعد أن بدلت فستانها ببنطال جينز وكنزة عادية وركبت السيارة…

أجل نفس السيارة الذهبية!

صاح ممدوح في الهاتف: في إيه؟ سكت كده ليه؟! حسن ماله؟!

إنتبه فتحي للهاتف وأهدر بصدمة: هه! جميلة ركبت العربية…

صاح ممدوح: جميلة! إزاي؟ نزلت منين؟!

أجاب فتحي وهو يركض مع حسن نحو سيارته ليلحق بها: ماعرفش نطت من شباك ولا بلاكونة بس دي ركبت العربية إياها اللي فراملها إتهببت! إحنا وراها أنا وحسن أهو،  المشكلة إنها سايقة بسرعة ومش هتعرف لاتهدي ولا تقف، اقفل إنت دلوقتي!

كانت جميلة قد انطلقت بالسيارة بسرعة مجهولة الإتجاه ليس لديها هدف تريده سوى الهروب فقط حتى ولو إلى الموت.

حسن وفتحي خلفها لا يعرفان إلى أين تتجه!  لكنها مسرعة فاضطر حسن أيضًا للإسراع، انطلق خلفها من شارع إلى شارع ومن طريق إلى طريق، انطلق خلفهم ممدوح بسيارته ومعه سارة وسراج وديدي، يتابعهم ممدوح من حينٍ لآخر ليعرف إلى أين ذهبوا..

كان هناك كمين في الطريق حاولت جميلة وقتها التهدئة لكن لافائدة، تأكدت أن مكابح التحكم لا تعمل! لكن لا يهم فهذا ما تريده.

هذا موت وزواجها بغير حسن موت كما تقول لنفسها، بالطبع عندما كسرت جميلة الكمين أسرع خلفها الضابط بدراجته البخارية للحاق بها وخاصةً مع سرعتها تلك ظن أنها مخمورة.

لكن حسن وفتحي عندما وصلا إلى الكمين تحدثا إلى الضابط، أخبراه بأن سيارة الفتاة تلك بدون تحكم بفعل فاعل وأنها في مشكلة وخطر حقيقي فاتصل الضابط بزميله الذي لحق خلفها ليخبره وانطلق ضابط آخر مع حسن وفتحي.

كانت السيارة تُرى عن بعد، لقد قطعت طريق البحر وصارت تفقد السيطرة على السيارة، تترنح بها يمينًا ويسارًا، مع هذه السرعة فالأمر لا يبشر بالخير مطلقًا.

كان هناك منحنى حاولت أن تنحني معه، لكن مع السرعة وعشوائية السيارة ارتطمت بقوة في حافة الرصيف وعمود الإنارة الموجود فكُسر، تابعت تنقلب السيارة عدة قلبات حتى سقطت في البحر.

وجم حسن وفتحي، ترجلوا جميعًا من السيارة مسرعين إلا حسن وقف مكانه متجمدًا لا يتحرك،  لا ينطق لايبدي أي تعبير أو إنفعال وربما لا يتنفس أيضًا.

أسرع فتحي مع الضابطان يرون السيارة محطمة تمامًا بهيئة لا تدل على أن من بداخلها سليم أو على قيد الحياة.

جلس حسن فجأة على ركبتيه؛ فقد صارت قدماه هلاميتان لا تحملاه، دموعه لازالت متجمدة في عينيه، نظر واجمًا أمامه.

وصل ممدوح ومن معه، ترجلوا مسرعين إلى فتحي  والضابطان اللذان يتصلان بالاجهزة المسئولة.

صاحت ديدي تصرخ وتولول؛ فقد فقدت إبنتها الوحيدة والأشد وجعًا أنها فقدتها دون أن تعلم الحقيقة فقدتها وهما متخاصمتين.

جلست سارة جوارها تحتضنها وتهدئها، أما سراج وممدوح فظلا واجمين والدمع متجمد في عيونهما لا يصدقون.

فتحي ينظر لكل منهم ولا يعلم لمن يذهب أولًا ولمن يواسي وفجأة رن هاتفه وكانت منى فابتعد عن المكان وأجابها: آلو… الموقف منيل بنيلة… جميلة جرت بالعربية اللي من غير فرامل واتقلبت بيها ف البحر… العربية عجين إستحالة اللي جوة تكون سليمة أبدًا… مستنيين النجدة والإسعاف… إزاي يعني؟… لا مش وقته… كلهم يا ولداه…

سكت فجأة وأهدر بسرعة: منى اقفلي دلوقتي… اقفلي بسرعة…

أثناء محادثة فتحي هاتفيًا لمنى وقع نظره على شيء ما عن بعد، فاقترب منه تدريجيًا وهو يتمنى أن يصدق حدسه، كلما اقترب زاد في خطواته حتى أصبح ذلك الشئ واضحًا.

إنها هي… إنها جميلة!

من الواضح أنها عندما وجدت نفسها هالكة لا محالة وقد فقدت السيطرة على السيارة، بطبيعة النفس البشرية التي تميل لوقاية نفسها من الموت وبقاءها على قيد الحياة، فتحت باب السيارة وقفزت،  تزامنت تلك القفزة مع مرور سيارة مسرعة من الإتجاه الآخر  لم تنتبه إليها فصدمتها وأطاحت بها بعيدًا هكذا.

عندما اقترب منها فتحي وجدها فاقدة للوعي والدماء تنزف من كل اتجاه ولا يعلم مصدرها لكنه متأكد أنها هي.

فنادي فتحي على الجميع: جميلة هنااااااااااا…..  تعالوووووووووا……جميلة أهييييييييييي……..  يا حسسسسسسسسسن…… يا ممدووووووووح…..  يا جمااااااااااااااعة.

انتبه الجميع، جاءوه مسرعين ركضوا وتعثروا في خطواتهم، ورغم هيئتها التي تدل على أن حالتها حرجة لكن قد تقبلها الجميع.

تقبلوا أن تكون على أية حال إلا أنها تكون بداخل السيارة، إذن فلازال هناك أمل.

جاءت الإسعاف نقلتها إلى المشفى، دخلت غرفة العمليات فورًا، لقد استغرقت وقتا طويلًا لإيقاف هذا النزيف الداخلي وإجراء عمليات تركيب الشرائح والمسامير في رجليها فالواضح أنهما مكان للإصطدام.

خرجت جميلة من غرفة العمليات إلى غرفة العناية المركزة وبعد عدة أيام أجريت لها عمليات أخري في رجليها و ظهرها وستحتاج لفترة علاجية طويلة يعقبها فترة من العلاج الطبيعي.

متوقع أن يترك الحادث أثرًا في مشيتها، كان الجميع يزورونها يوميًا حتى منى وتحية لكن في باديء الأمر كانت دائمًا فاقدة للوعي بفعل المسكنات والعقاقير.

لكنها عندما بدأت تستعيد وعيها و فتحت عينها أشد ما أسعدها أنها وجدت حسن جوارها ينتظرها منذ أيام وأيام ولا يتركها إلا آخر الليل ويعود سريعًا إليها في الصباح الباكر.

نظرت إليه وابتسمت دون كلام، حاولت أن تمد يدها نحوه فجاءها واحتضنها بشدة، قبّل يديها وعيناه تزرفان دمعًا و أيضًا ممدوح قد أقبل إليها معانقًا بكّاءًا.

أما سراج وديدي فما أن وقعت عيناها عليهما حتى استدارت بوجهها بعيدًا فآلمهما ذلك بشدة.

ظل حسن وممدوح يقصان عليها كل الحقيقة وكل ما حدث وكيف تم الضغط على أمها أما أبيها فلا يد له في أي شيء؛ فقد كان حقًا لا يعلم شيئًا.

رقت إليهما، عادت بنظرها إليهما، رفعت يدها إليهما فأسرعا نحوها معانقين لها في مشهد مؤثر وبكّاء.

مر وقتًا طويلًا حتى استردت جميلة صحتها وتعافت، لم يفارقها أحد خاصةً حسن الذي كان يجيئها يوميًا ويجلس معها ثم يعود إلى عمله من جديد.

كان قد تم القبض على عزت وإبنه متلبسين، ظهرت براءة أمها وأقر تزوير توقيعها.

كان وجود حسن الدائم مع جميلة قد زاد من إعجاب كلا من سراج وديدي حتى بعد معرفته بحقيقة حالة جميلة وأنه يحتمل ترك أثرًا سيظهر في مشية جميلة ربما يأخذ سنين ليقل أو لا يقل حسب إستجابتها للعلاج الطبيعي، لكنه لم يأبه لكل ذلك ولا حتى أمه فقد أحبها حسن قبل أن يرى جمالها و دون أن يعرف من تكون ومن هي عائلتها.

نشأت علاقة طيبة بين ديدي وسارة وأيضًا ديدي وتحية، صارت سارة حاملًا وقد سعد الجميع بذلك كثيرًا خاصة ممدوح الذي لم يكن بباله أن يرزق يومًا بطفل لكنه فضل الله ورزقه الواسع.

وأخيرًا يوم زفاف حسن وجميلة، ارتدت جميلة نفس الفستان الرائع ربما اختلفت طريقة المشية لكن سعادة القلب ظاهرة على الوجه والملامح وانتهت العروس من كل شيء.

عروس رائعة كما عهدناها حولها أمها، تحية، منى وسارة التي تحمل طفلها وجميلة تكاد تطير من شدة فرحتها وبنفس حيويتها وخفتها دون أن تؤثر فيها إصابتها إطلاقًا.

حمدت ربها أنها لم تفقد ساقيها مجرد اختلاف في طريقة المشي ليس إلا.

وجاء والدها وعمها وكلًا منهما يمسك بيد من يديها وهبطت رويدًا كالأميرات وهيئة الأميرات، أمسكت منى بذيل الفستان من الخلف و بدأت الزفة وزفت حتى هبطت لآخر السلم.

كان حسن ينتظرها في الأسفل و السعادة تملأ وجهه وعيناه تلتمعان بشدة ومعلقهما على جميلته ست الحسن والجمال.

سلم على والدها واستلم منه عروسته ورفع الطرحة وانبهر وظل ناظرًا إليها متفاجئًا بذلك الجمال الرائع الذي يفاجئه دائمًا وتفاجأ أكثر بإحساسه.

نفس إحساسه أول مرة تجرأ و جذب النظارة من على وجهها، يوم سافر وغاب في ملامحها وغاص في بحور عينيها الزرقاء دون أن يريد الخروج منها.

لقد تسآل يومها لو يمكن أن تكون له يومًا ما،  وتمنى ذلك، تمنى أن تكون له، وقد كانت.

وبعد تلك النظرة الطويلة قبّلها قبلة طويلة بين عينيها قد سلبت إحساسها ثم أخذ بيدها في يده تأبطها يسيران رويدًا رويدًا، ينظر نحوها من حين لآخر بين لحظة و أخرى؛ ليتأكد أنه ليس حلم بل حقيقة فيجدها تنظر إليه أيضًا لتتأكد هي الأخرى ثم ذهبا ليرقصان معًا.

صار من حقها الآن أن تقترب منه كما تشاء، كانت تقترب أحيانًا ثم تتلفت وتنظر نحو ممدوح و تضحك له كأنها تقول:   «انظر إلي»  فيضحك هو الآخر.

وبعد الشاطر حسن ما اتجوز ست الحسن والجمال عاشوا في تبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات.

تمت✨
تحياتي ،

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان