رواية” بعد الليل ” الفصل الثانى والثالث والعشرون للأديبة نهال عبد الواحد

الفصل الثاني والعشرون

استمر وضع قمر بين مذاكرتها وعملها كمعلمة منزلية لأطفال في المرحلة الإبتدائية بضعة أشهر، وكانت تجتهد بأشد ما تستطيع، شعرت أنها أفضل حالًا من ذي قبل رغم ما تبذله من جهدٍ شديد، لكنها تداوم على شكر الله وحمده.

أما عن شريف فلم تعد تراه منذ مدة طويلة؛ فبعد أن قام بتوصيلها لتلك البيوت تركها تعتمد على نفسها ذهابًا وإيابًا وإن كان يتابعها عن بعد؛ فلم يعد يقوى بعدها و يشتاق إليها بشكل يفوق كل تصور!

لكنه لا يمكن أن يُكثر من الإلتقاء بها ففي القرى أعين الناس مفتوحة أكثر من اللازم في تتبع الأخبار وملاحظة أي شيء، وبمجرد أن يلاحظ شخص واحد مثل هذه الأمور فستعرف القرية بأسرها بين عيشةٍ وضحاها بل ربما القرى المجاورة أيضًا، وكما نعلم أن بداية الكلام تختلف عن نهايته فكل شخص يحب إضافة البهارات الخاصة به لينتشر الخبر أسرع وبشكل أكثر إثارة مهما جُنِيَ من خلفه من هتك أعراض، بل ربما تزداد الأمور سوءًا و ينقلب الأمر إلى بحور دم بين القريتين؛ فدائمًا أصل قصص الثأر أمور تافهة قد فُخِّمت بفعل فاعل.

وبالطبع قمر تعلم كل هذا خاصةً وهي امرأة مطلقة والعيون عليها تتابعها؛ ففي قرى الصعيد المرأة المطلقة كالفيروس لا يمكن أن يخرج ويكون طليقًا لربما ينتشر عدواه بين الآخرين، وعليها فقط أن تظل في بيت أبيها إلى أن يأتي من يكيّل ويتزوجها.

فالمرأة المطلقة في عُرفهم وفي عرف الكثير هي الآثمة و المذنبة؛ فالرجال لا يخطئون!

وقد احترمت قمر فعلة شريف في البعد عنها منعًا للقيل والقال، وإن كانت تشتاق إليه بشدة، رغم أنها دائمًا تذكّر نفسها بأنها امرأة مطلقة ولن يقبلها مثل شريف شاب ذا خلقٍ ودين ومن أصل طيب بالإضافة لوسامته المقبولة وهندامه الأنيق، تُرى ما الذي يجبره أن يتزوج امرأة قد سبق لها الزواج وهو ليس بأول رجلٍ لها؟!
هكذا أيضًا أعرافهم، حتى وإن كانت شابة جميلة وعلى خلقٍ ودين لم تتجاوز الواحد والعشرين عامًا!

لكن قمر كانت تزور نرجس من حينٍ لآخر؛ فلم تفقد شعورها بكونها أمها، وكانت تتخير وقتًا لا يكون فيه شريف موجود بالبيت منعًا للإحراج.

بالطبع كانت نرجس مبهورة بطلّة قمر الأنيقة والتي تختلف عن هيئتها كبائعة في سوق الخضار، بالتالي لم تكن تسمح لها بأن تفعل لها أي عملٍ بالبيت، فقط تزورها زيارة ودية.

وعلى صعيدٍ آخر، في بيت محمد عبد الحفيظ الزوج الأول وكانت آمال زوجته الجديدة وابنة خالته اختيار أمه المصون، قد نوت بعد ما رأت من حيوانيته وبهيميته التي لا مفر منها فتصنّعت السعادة معه وأوهمته بأنها أسعد زوجة في الوجود وأنه ولا رجل غيره، فازداد غرورًا على غروره والأهم قد ملكته خاتمًا في إصبعها لا يقوى على كلمة لا أو أي رفض.

ولأنها تعلم خالتها جيدًا وتحفظ طباعها عن ظهر قلب، فلم تكن تظهر ذلك التحكم والسيطرة في بادئ الأمر، فقط تظهر طاعتها لزوجها وتدليلها له أمام الجميع وخاصةً وأنها لم تكن تتمتع بمقدار من الحياء مثل قمر، فبالطبع وجدت فوزية ابنها وحيدها سعيد دائمًا فزادت في تفخيمها لآمال دون أن تشك بنواياها.

ولم يمر الكثير على زواجهما حتى صارت آمال حاملًا، لتكتمل خطتها وبدأت تترك أعمال البيت شيئًا فشيئا بحجة متاعب الحمل، وكل ذلك كان لا يزال على هوى فوزية، ولازالت تكثر من قولتها: شوفت يا ولدي نجاوة عيني!

أما عن قمر فموعد الإمتحانات يقترب وهي تجتهد وتجتهد سواء لنفسها أم مع التلاميذ اللذين تدرّس لهم في منازلهم، بالطبع لن نحكي عن أخلاقها وأسلوبها الذي حبب الناس من حولها فيها سواء التلاميذ أو ذويهم لتثبت عن جدارة قدرتها أن تكون معلمة يومًا ما.

وبالطبع كانت تنتظر إنهاء تلاميذها من إمتحاناتهم لتركز في حالها ففي هذه الأيام العصيبة يكون الطالب في أشد الحاجة لكل دقيقة قبيل الإمتحانات.

لكن يحدث الغير متوقع للطرفين، فذات يوم بينما كان شريف عائدًا من صلاة المغرب مرتديًا جلبابه الصعيدي الواسع وهاهو يهمّ بالدخول لبيته إذ ناداه أحدهم: يا أستاذ شَريف، يا أستاذ شَريف، مُرحب يا بو خوي!

فالتفت له شريف وصافحه بوجهه الباش: يا مُرحب يا مُرحب يا ابو عمر، اتفضل اتفضل تعالى إشرب الشاي معاي.

فدخل الاثنان بداخل المندرة وكان فيها براد الشاي فملأه بالماء، وضع الشاي والسكر ثم وضعه على موقدٍ صغير، هكذا اعتاد على خدم ضيوفه بنفسه لألا يرهق أمه.

وضع صينية الشاي أمام الرجل الذي لم يكف عن الكلام أبدًا في أي شيء، حتى بدأ شريف يصاب بالملل منه لكنه لم يبديه فقط كان يترقب أذان العشاء لينهي ذلك اللقاء بلطفٍ مصطنع، وبعد فترة قال الرجل: بصراحة يا أستاذ شَريف كُت عايزك ف موضوع مِهم.

فأومأ برأسه أن تفضل: اتفضل.

_ بصراحة ف الأول بدي أتشكرلك على الهدية اللي هديتنا بيها.

_ هدية إيه!

_ الست الأبلة جمر.

فأومأ برأسه أن نعم مرة أخرى وقد بدأت تختفي ابتسامته فلم تعد تتجاوز شفتيه، لكنه لم يعقب، فتابع الرجل: بصراحة البنية زينة وزي العسل والعيال وأمهم عيشكروا فيها.

وقد اختفت ابتسامة شريف تمامًا وصار وجهه بلا ملامح، فتابع الرجل: وبصراحة الوَلية أم العيال كانت عمالة تزن عليّ من زمن في موضوع إكده جولت آجي وأفاتحك فيه ومتعشم إنك ما تكسفنيش.

_ اتفضل.

_ كنا عايزين ناخد الأبلة جمر لفتحي أخو أم العيال ويُبجى خال الولاد…

فسقطت كوب الشاي على كف شريف فأحرقته بلا وعي فانتفض فجأة، فأسرع نحوه الرجل: خير خير، خير إن شاء الله…

فأجاب شريف بغضب غير مهتم بيده فقط يحركها في الهواء لتهدأ: كمل حديتك.

_ بصراحة أم العيال شافتها وعاشرتها كام شهر ولاجيتها مش بس كيف البدر إسم على مسمى، لا دي كمان طبعها زين و زي العسل…

فصاح شريف بغضب: وبعدين!

_ ولا جبلين، شيعت لأخوها، أصغر اخواتها وخلاته ياجي يشوفها وطبعًا جي وعجبته تمام التمام، فجولنا ندخل البيت من بابه.

فصاح شريف بغضب: وأنا صالحي إيه!

_ حضرتك كُت واسطة الخير وبدنا إنك تتوسط لنا حِداها.

_ آه!

_ مالك يا أستاذ شَريف؟!

_ لا أبدًا، محروج! يدي يعني انحرجت وجايدة نار.

_ لا ألف سلامة، حط عليها معجون سنان وعتبجى زينة.

_ إن شاء الله، نوِرت يا ابو عمر، لما أعرف رد مناسب عبجى أبلغك، معلهش صلاة العشاء جربت وعايز ألحج ركعتين جبل الآذان.

_ حرمًا مجدمًا! وهي أكيد عتوافج، يعني هي هتلاجي زينا فين؟!
بالإذن بأه، وما تعوجش علينا ف الرد.

_ حاضر حاضر، نوِرت، ألف سلامة، ألف سلامة.

وبعد أن خرج الرجل وأغلق خلفه الباب، أمسك شريف بكوب الشاي وقذفه ناحية الباب صائحًا: الله ينكد عليك يا شيخ و يجل راحتك…..

………………….

الفصل الثالث والعشرون

وبعد أن خرج الرجل وأغلق خلفه الباب، أمسك شريف بكوب الشاي قذفه ناحية الباب صائحًا: الله ينكد عليك يا شيخ و يجل راحتك! أبو اللي جابوا ابوك!

وهنا جاءت نرجس مسرعة مفزوعة: مالك يا ولدي؟ في إيه؟ عتعيط عل مين؟!

فأخذ نفسًا عميقًا ثم زفره بهدوء؛ يريد أن يهدئ نفسه فمسح على وجهه مجددًا ثم أجاب: إطمني يا مّي مفيش حاجة، دي أبو عمر كان إهني ومشي.

_ كنّك إتشابطت وياه!

_ لا لا يامّي، أنا اتنرفزت شوية بس.

_ عملك إيه إبن المركوب دي!

فابتسم من أمه قائلًا: ما تشغليش بالك يامّي.

_ أمال أشغل بالي بمين؟! هو أنا حيلتي غيرك ف الدنيا كلاتها يا ضنايا! هه، إيه اللي حُصُل عفرِتك إكده؟!

_ جال إيه أبو عمر جاي يطلب يد جمر مني لنَسيبه أخو مرته! شوفتي يامّي!

فابتسمت بمكر قائلة بلا مبالاة: هو دي اللي معفرِتك إكده ومخليك متشندل وعمال تعيط يمين وشمال!

فنظر لها و الشرر يتطاير من عينيه: شايفك واخدة الموضوع ببساطة ومااتفاجأتيش! إيه هي عارفة وجالتلك!

قال الأخيرة بصياح شديد، فأجابت الأم: لا طبعًا، وهي عتعرِف منين؟! بس الولية أم مصطفى لساتها كانت عندي مفيش ساعة وطالبتها برضو لأخو جوزها.

فصاح بغضبٍ شديد: يا سلام يا سلام، كلهم خلاص ما رايدينش غير جمر! كنّي رزيت نفسي بمشوار شغلها دي! وبكرة ألاجي باجي الأهالي هم كماني جايين يخطبوها!

_ وماله يا ولدي! البنتة زينة وفلجة جمر صُح، غير أدبها وأخلاجها ولا طبعها اللي مفيش منيه دلجيتي، لزمن طبعًا اللي يشوفها ويتعامَل وياها… يحبها!

فسكت شريف ولم يعقب، فأكملت متسآلة: وإنت رديت بإيه يا ناصح ع الراجل؟!

_ جولتله عبجى أشوف الموضوع.

_ يا خيبتك!

_ أمي! أمال إنتِ جولتي إيه!

_ جولت إنه متكَلَمين عليها.

فصاح فجأة: كيف يامّي تجولي إكده؟! إفرضي راحوا وسألوا وعرفوا إن لا متكَلَمين عليها ولا حاجة، يُبجى إزي الحال؟!

_ جوللي إنت إزي الحال؟!

_ ما تخليكي دغري ياما وجولي حديتك طوالي.

_ مش لما تجول إنت الاول!

فنظر إليها بتوتر ولم يعقب، فابتسمت قائلة بلطف: خدها يا شَريف.

_ هه!

_ إكتب عليها يا ولدي.

_ كيف يامّي؟ ما ينفعش.

_ وإيه اللي جلّ نفعه؟! البت جمر وأخلاج وداخلة جلبي وعدّاني أمها، جولي على عيب فيها يخليك ما تتجوزهاش!

_ ياما نسيتي إنها كانت متجوزة جبل سابج!

_ وهي دي جوازة اللي ما جعدَتش فيها سنتين، ساجوها م العذاب الألوان والمرار الأليم، دي يادوب تمت الواحد وعشرين، إيه تروح تدفن نفسها عشان يعجبك!

_ لا يامّي أنا عليكِ، كُت خايف يكون دي رأيك فيها، صحيح عجباكي وعتحبيها بس جولت يعني يمكن تستجليها لي وتجوليلي زي باجي الخلج دي دخلت دنيا جبل إكده!

_ ما عجولش ولا عمري عجول، عارف ليه؟!

فأجاب على استحياء: ليه يامّي؟!

_ لأنك رايدها يا ولدي، وكل حاجة فيك عتجول إكده، ومن زمن مش من دلجيتي وبس، وفضلت أجول بكرة ياجي وينطُج ، لكن البعيد لوح كنّ أبو الهول عينطُج و انت لا!

_ كُت خايف ما ترضيش بيها، وبعدين عمامي وأهل أبوي عيجولوا إيه لما يعرِفوا؟!

_ يتوكسوا كلاتهم، هم فين دول أهل أبوك؟! مش دول اللي طلعوا عليك سيط ووجفوا حالك وخلونا نفوت البداري كلاتها! ده أنت تميت التلاتين يعني كان زمان معاك دستة عيال!

وهنا لاحت إبتسامته وزينت معالم وجهه بالكامل وبدأ يتنفس بهدوء: يعني إنتِ موافجة أروح واطلبها.

_ طبعًا، نروح نتكلَّم عليها وبعد الإمتحانات تكتبوا وتدخلوا.

وكأن فجأة الروح قد ردت فيه بهذا القرار، فابتسم ثم نهض يعدّل هيئته، فلاحظت الأم ذلك الحرق في كف يده فصاحت بقلق: واه! إيه اللي ف يدك دي يا شَريف!

_ بسيطة يامّي، دي شوية شاي جم على يدي.

_ رايح فين إكده؟!

_ رايح ع الشيخ مجاهد طوالي اتفج معاه عشان نتجدم.

_ دلجيتي! طب الصبح له عنين يا ولدي.

_ لا إطمني، هو عيستنى بعد العشا ف المسجد شوي عروحله على هناك لساته ماروِحش أو ألحجه عل بيت.

_ طيب غيِّر جلابيتك دي.

_ المرة الجاية ، ما عايزش أضيِع وجت.

و خرج شريف مسرعًا فضحكت منه أمه قائلة: ده الواد واجع صُح، نار الهوى شعوطت وشبت في حشاه! يارب يكتبلكم الخير ويجعل نصيبكم ويا بعض يا إله السما!

أما شريف أسرع يكاد يركض في الطريق، وصل الموقف مسرعًا، ركب السيارة وبعد قليل وصل إلى القرية التي فيها قمر والشيخ مجاهد، وقد توقع عودة الشيخ إلى بيته، فاتجه إلى بيته مباشرةً.

لكنه بمجرد اقترابه من البيت سمع صوت شهقات وهمهمات فالتفت جانبه ليجد قمر جالسة على حجر كبير بجانب باب بيت الشيخ مجاهد، واضعة حجابها الأسود بشكل عشوائي على رأسها مخرجة خصل من شعرها الداكن مبعثرة على وجهها، يرتفع نحيبها فتضع طرف حجابها على وجهها تكتم الصوت وتكفكف به دمعها.

لكن اقترب شريف في لهفة: جمر! في إيه!

فرفعت وجهها ولاتزال تبكي فكفكفت دمعها مرة أخرى، فأعاد سؤاله بلهفة وقلق أكبر: عم الشيخ مجاهد بخير!

فأومأت برأسها أن نعم، وأكملت: لما جيت جالولي إنه مسَافَر يعمل عُمرة.
وأجهشت في البكاء من جديد.

فتسآل: نفسي أعرِف إيه اللي مخرجك من بيتكم بعد العشا بالشكل دي ومخليكي تجعدي إكده؟!

ثم قال: دخلي شعرك اللي طالع م التحجيبة دي.

فعدلت شعرها وأدخلته بداخل حجابها، ثم تابعت: عبير الله يسامحها دخلت عليّ لاجيتني عذاكر، ركبها ميت عفريت كنّها جفشتني ععمل حاجة عفشة! وخطفت الورج والكتب وهاتك يا تجطيع ورمي م الشباك…

ثم أجهشت بالبكاء وتابعت: دي الإمتحان خلاص السبوع الجاي، خلاص بعد التعب دي كله عتضيِع كل حاجة وترميها ف الأرض، هو أنا ذنبي إيه! حد جالها ما تتعلمش! حطاني ف راسها ليه؟!

وأكملت بكاءها الذي يقطّع نياط قلبه، كم تمنى لو جذبها إليه وضمها بين ذراعيه، فلم يدعها حتى تضحك، كان يود لو أخبرها بسر مجيئه وكيف أن الشوق قد زاد وفاض ولا طاقة له بكتمانه!

ثم انتبه لها وقال برفق: وعتعملي إيه دلجيتي يا جمر!

_ ماعرفاش يا أستاذ، حتى جهاز الكومبيوتر خدَته عشان ما اشوفش البرامج التعليمية.

فتمتم قائلًا بغضب: أبو اللي جابوا أبوكي! لولا إنها حرمة كت روحت طخيتها عيارين وسكتت.

فابتسمت قمر من طريقته، فابتسم لابتسامتها، ثم تابع بلطف: إوعي تيأسي يا جمر، لزمن تحاربي الشوية دول كماني وما تجيش ف الآخر وتسلّمي.

_ أنا ما عرفاش إشمعنى أنا اللي عيحصُل معاي إكده! ليه كل ما تاجي تروِّج ترجع و تجنّدَل فوج راسي من جديد؟!

_ بطلي رطّ ماسخ، واستغفري ربك ووالله ربك هو المنجِّي!

_ ونعم بالله!

_ بصي يا جمر، لو عنديكي جهاز تلَفزيون هاتي عليه البرامج التعليمية عتلاجي مراجعات جبل كل إمتحانات على قناة…. وكماني في جريدة إسمها….. دي عتنزل نماذج إمتحانات محلولة فيها المتوقع، حاولي وما تيأسيش وربنا معاكي عمره ما عيضيِع تعبك ومجهودك ابدًا.

_ تشكر يا أستاذ، ربنا يبارك فيك زي ما دايمًا واجف معاي وبتدعمني.

ثم لمحت كف يده المحروق، فنهضت واقفة وصاحت في فجأة ولهفة واضحة: إيه دي يا أستاذ! سلامة يدك! كنّ يدك انحرجت!

فصاح فيها: إحنا ف إيه ولا ف إيه يا جمر! همي عل بيت الساعة زمانتها عشرة وما تطلعيش وخري إكده تاني…

فأومأت برأسها أن نعم، وسارت بضع خطوات ، فناداها فتوقفت فتابع بهدوء: الله يسلمك يا جمر، يلا همّي عل بيت، يلا يا بت…

فابتسمت له وأسرعت نحو بيتها وتبعها هو عن بعد حتى إطمأن من وصولها لبيتها، ثم عاد لموقف السيارات وركب و عاد لقريته ولبيته.

لم يفكر سوى في قمر وأوجاعها وبكاءها، فجلس يكتب….

قَمَــرِي يَا شَمْسَ أَيَامِـي
أَضْنَانِي بُكَاءِكِ و أَدْمَانِي
لَيْتَنِـي أَضُمُـكِ بِحَنَانِـــي
و أُخْفِكِي وَسَطَ أَضْلُعِـي
و وَرِيـــدِي و شُرْيَـانِـــي
فَتَشْعُرِي بِكُلِّ وُجْدَانِـــي
و لَهِيبُ وَجْدِي و شَوْقِي
إِنَّ جَوْهَرَتَيْكِ لِي وَحْدِي
فَلِمَ الإِسْرَافَ فِي المَاسِ
بَـلْ كُـــلَّكِ لِــي وَحْـــدِي
فَوَدِّعِـي حُزْنِـكِ القَاسِـي
سَأَغْمُـرُكِ دَوْمَـــاً بِحُبِّــي
و حَنَانِي و كُلُّ إِحْسَاسِي
وسَتَنْسِي وَجَعَكِ القَاسِي
و ستَضْحَكِينَ و تَسْعَدِينَ
وتَبْعَثِي لِي نُورِكِ المَاسِي
نُـــورِكِ لِـــي وَحــــــــدِي
نُــــــــورِكِ المَـــاسِـــــــي

ثم وقّع أدناه (شريف فوّاز)

……………..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان