رواية ” المعجبة المهووسة ” الفصل السابع و الثامن للأديبة نهال عبد الواحد
الفصل السابع
أغلقت نهى الخط ثم نظرت لمها وقالت: السيد جلال في انتظارك.
أجابت مها بتثاقل: ليتك لو كنتِ أحضرتي ما يُترجم وأترجمه هنا فلا داعي للدخول فالأمر بسيط.
– لكن هو من طلب ذلك، على اعتبار أنكِ مترجم فلا يعلم أنكِ إحدى الموظفات، هيا لقد تأخرنا عليه وسيزداد ثورة.
وبالفعل طرقت نهى الباب ودخلت وتبعهتها مها ثم تبعهما ياسين بترقب.
وما أن رآها جلال حتى انتفض قلبه فرحة لم يفرحها من قبل لكنه قد حافظ على هدوءه واتزانه الظاهر أمام الجميع فاكتفى أن أومأ برأسه وأشار لها بالجلوس على أحد الكراسي التي أمام مكتبه بطريقته المتكبرة والتي لم تحبها مها على الإطلاق وشعرت بنفسها أمام طاووس مغرور لكنها جلست على استحياءٍ بعض الشيء وتخلل يدها في شعرها بنفس الطريقة التي رآها من قبل محاولة تخفيف استيائها من تكبره، يبدو أن هذه طريقتها في التعبير عن غضبها وربما توترها.
قدم جلال إليها الرسالة مطبوعة على ورق مع ورق أبيض وقلم لكن وضعه مع خبطة قوية على المكتب فأفزعتها وانتفضت كما أفزعت نهى أيضًا وكان يقف جوارها ياسين فوكزها وكزة خفيفة بكوعه.
أمسكت مها بالقلم وأخذت تقرأ المكتوب وتترجم كل الرسالة، وبالرغم من أنها لم ترفع عينيها عما تفعله إلا أنها كانت تشعر بثمة عينين تحملقان فيها فشعرت ببعض الربكة فخللت يدها في شعرها مجددًا.
كان جلال رغم هدوءه الظاهري هذا إلا أنه كان يتفحص كل إنشٍ فيها بينما ياسين ونهى متابعَين الموقف في صمت.
انتهت مها وقدمت الترجمة ثم وقفت جوار نهى وتحرّك ياسين جوار أخيه ليرى معه فحوى هذه الرسالة وتناقشا الاثنان في بعض الأمور وكانت أصواتهم هامسة لدرجة لا تُسمع.
لقد طال الوقت ربما لعدم كفاءة عقل جلال هذه اللحظة وبدأت مها تمل وتتأفف من هذه الوقفة فكانت تبدل وقوفها على قدميها وتنظر إلى ساعتها فقد شارفت ساعة الراحة على الانتهاء ولم تحظى بها حتى الآن وكان جلال ينظر نحوها من حين لآخر ويبتسم من هذه الحركات التي تشبه حركات التلاميذ عند وقوفهم للعقاب.
فهمست إلى نهى: وماذا بعد؟! ليتني ما جئت.
فوكزتها نهى بكوعها لتصمت.
كان صوت مها مسموع بعض الشيء فرفع جلال وياسين عيونهما ثم سمح ياسين لهما بالجلوس.
وبعد قليل طلب ياسين من مها كتابة رسالة فستكتب ما يملى عليها وترسله عبر الحاسوب الخاص بجلال.
أشار لها ياسين بالمرور لتجئ وأفسح لها الطريق فكانت تقف بين ياسين الواقف وجلال الجالس لكن تبدو أقرب لجلال لأن حاسوبه أمامه فكانت تشعر بارتباك وحرجٍ ظاهرَين.
فأخذت ورقة بيضاء لتكتب فيها أولًا ثم تترجم على الحاسوب، وما أن انحنت لتكتب حتى صارت أكثر قربًا من جلال الذي كان يتأملها عن قرب لكن هذه المرة لم ينجح في إخفاء ما بداخله من أشواقٍ هائلة وقد زاد من حرجها وكأنما زادت درجة الحرارة فجأة وودت لو ينتهي ياسين من إملائه لهذه الرسالة فكانت تنظر لنهى وتومئ لها بطرف عينها أن ليته ينتهي فترد نهى عليها بإيماءة أن لا تدري.
كانت من ربكتها تفعل نفس الحركة بتلقائية وتخلل يدها في شعرها دون أن تحسب لقرب تلك المسافة حساب فربما تسللت بعض خصلات شعرها لتلمس يد جلال الموضوعة على المكتب فيزداد شوقًا ويتمنى لو لم تنتهي من الكتابة أبدًا.
بعكس مها التي تحاول أن تنتهي بسرعة وتنظر لساعتها من حين لآخر وأخيرًا قد انتهى وما أن ضغطت على زر الإرسال حتى تنفست الصعداء واعتدلت وقفتها وهي تحرك رأسها قليلًا وتمسك بكولة كنزتها من أعلى وتحركها لتدخل بعض الهواء فرغم وجود مكيف إلا أنها تشعر بحرارة زائدة.
وكانت لا تزال تنظر في ساعتها وقد استفزت جلال بهذه الحركة.
فتحدث جلال باستخفاف: ترى لِمَ الآنسة متعجلة هكذا؟ أراكي تنظرين في ساعتك كل ثانية!
وجمت قليلًا وثبتت مكانها لبعض الوقت ثم خللت اصابعها في شعرها مجددًا وهي تهز رأسها برفض أن لا، لكنها لم تنتبه أنه كان موجه إليها سؤال وعليها الإجابة.
بالطبع هذا أزعج جلال ووضعه تحت بند عدم الاكتراث وذلك لا يمكن أن يحدث معه ويمضي عاديًّا، خاصةً وهي واقفةً وهو جالسًا أي يضطر أن يرفع رأسه نحوها ليحدّثها فنهض واقفًا؛ فلا يمكن أن يحدّثها وهي أعلى منه هكذا والآن صار هو الأعلى
فقال: أعتقد أني قد وجهت إليكِ سؤال! أجيبيني! ترى من يعمل عند من؟!
بالطبع لو كانت مها في حالتها العادية ما كانت سكتت إطلاقًا فمثل هذه الأشياء تثير غضبها واندفاعها، لكنها الآن في حالة أخرى!
لقد استوقفها هذا الصوت مجددًا إنها ليست بتهيؤات فالتفتت تنظر إليه وتتأمله وتود لو تسمع صوته مرارًا.
لكن لم تنتبه لقرب المسافة بينهما للغاية فلم يعد يفصل بينهما سوى عدة سنتيمترات.
كانت مها لاتزال تحت تأثير فجئتها تلك فلم تأبه لحالتها أبدًا مما جعله أيضًا يتأملها تبدو أكثر جمالًا من هذا القرب.
ماذا عن هذا الوجه أم هاتين العينين أم هذه الشفاه؟ لايصدق نفسه أنه قريب منها هكذا، فليس فقط يتأملها بدقة بل يشعر بأنفاسها، يشم رائحة عطرها الرائعة التي سحرته فجأة كأنما فقد وعيه للحظاتٍ فأغمض عينيه واستنشق هذا العطر الشرقي كأنه خليط من الصندل وربما معه عطور لبعض الزهور ومحلى بعطرٍ لفاكهة مسكرة ما هذا الخليط الرائع الذي جعله قد ثمل بلا شراب.
ثم فتح عيناه ليستعيد وعيه فوجدها لازالت أمامه واقفة تتأمله فلم يصدق ذلك العشق الذي يقرأه في عينيها وتمنى لو يضمها بين ذراعيه أو يتذوق هاتين الشفتين.
كانت تبدو كمن تفقد وعيها فرفعت إبهامها تشير إليه وتقول بنفس حالتها: أنت أنت! من تكون؟
فنظر لها بفجأة دون أن يفهمها: ماذا؟!
ثم التفتت نحو نهى وقالت وقد بدت تتمايل: من هذا؟ إنه هو! أقسم لكِ أنه هو!
لازال جلال لايفهمها ولا يفهم معنى سؤالها لكنها فجأة سقطت فاقدة للوعي ربما ليست إغماءة كاملة فهي لازالت تفتح عينيها لكنها لا ترى أو تشعر وقد فقدت فجأة السيطرة حتى على وقفتها.
فلحقها جلال وأمسك بها قبل أن تسقط أرضًا، لكنها لم تكن مجرد مسكة عادية بل كانت حضنًا دافئًا قد أدخلها فيه محاولًا جاهدًا أن يفيقها فلا يفهم ماذا جرى لها فجأة!
وقد تفاجئت نهى بما حدث وأسرعت لتحضر زجاجة عطرها، أما عن ياسين فرغم أنه أكثر معرفة بكل شيء من الناحيتين لكنه لم يتوقع ردة فعلها تكون هكذا كما أنه رأى جلال بهيئة لم يتوقعها أبدًا، إنها هيئة العاشق المتيم!
أخذ جلال العطر وأخذ يضع في يده ويمسح على جبهتها وحول أنفها، بدأت تعود لرشدها بعض الشيء وإذا بها تشعر بنفسها داخل حضن شخص ما يحاوطها بذراعيه بحجة ألا تسقط من على الكرسي بعد أن أجلسها.
كانت تحاول أن تستوعب ما هي فيه وما حدث وأدى بها لذلك لكنها فجأة وقفت وانسحبت من أمامهم دون أي تعليق ووسط دهشة المحيطين.
أسرعت مها تجري متجهة نحو مكتبها وجلست تضع رأسها بين يديها مسترجعة كل ماحدث، هو نفس الصوت لكن لم تتوقع أبدًا أن تكون هيئته بتلك الوسامة والأناقة… والغرور والتعالي أيضًا.
كما لم تتوقع هذا الإحساس الجارف فجأة الذي جرف أي شيء آخر داخل قلبها وحل محله وملأه على آخره ثم أغلقه وأوصد ملقيًا بالمفتاح فلا دخول ولا خروج.
فرفعت رأسها ونظرت حولها شاعرة بأن كل من حولها ينظرون إليها لأن صوت دقات قلبها مسموعًا لدرجة أن أزعجتهم!
حاولت أن تعدل نفسها فهو ليس مجرد شخص عادي هو رئيس العمل بأكمله وصاحب الشركة، ترى كيف ستتعامل معه؟ كيف ستراه كل يوم؟ وماذا لو لم تراه كل يوم؟
هي تريده ولا تريده، تود لو تهرب لكن تريد أن تقترب!
أما عن جلال فقد انصرف ياسين ونهى أيضًا وقد شعر بسعادة غامرة وانتصارٍ كبير؛ فأخيرًا قد وقعت وسلمت، ود لو يراها الآن ويرى هيئتها فخرج من مكتبه.
وكانت لا تزال جالسة في مكتبها شاردة وتضع رأسها بين يديها تارة وتنظر حولها تارة أخرى فإذا بها رأته أمامها فمن اضطرابها وقفت ثم جلست في نفس الوقت ثم هربت من عينيه ثم وضعت رأسها بين يديها مجددًا فعاد لمكتبه من جديد وود لو يضحك بملئ فمه لحركاتها الطفولية هذه.
(الفصل الثامن)
ذهبت مها للبيت ولم تخرج من حجرتها حتى اليوم التالي فلم تأكل أو تنام بل ظلت تدير من تلك الأفلام الكارتونية وتستمع لصوته مرارًا وتكاد أن تجن لا تصدق أنه هو! قد قابلته أخيرًا! ثم تعود وتكذّب نفسها أن ليس جلال صاحب الصوت.
ظلت هكذا حتى الصباح فخرجت من حجرتها وجلست شاردة على السفرة تتناول الإفطار بتثاقل، ولم يكن من طباعها وضع الكثير من مستحضرات التجميل بل فقط تحدد ملامحها الجميلة فهي تعتمد على جمالها الطبيعي ببساطة، لذلك صار هذا الإرهاق بادٍ بشدة على وجهها خاصة تلك الهالات التي تحيط بعينيها.
قوست فاتن شفتيها وقالت بعدم رضا: بالطبع لم تنامي بالأمس! هكذا لا أكل ولا نوم وكنتِ مريضة ولازال جسدك منهكًا، أتعجبكِ هيئتك هذه؟ كنتُ أسمع صوت ذلك الكارتون الغبي طوال الليل، ألهذا لم تنامي ولم تأكلي؟ كفاكِ كارتونًا ستصابي بالْعَتَه والتخلف العقلي.
كانت مها تستمع لأمها وهي تبتلع لقيمات بالكاد فليس لديها أي رغبة للطعام فقالت على مضض: حسنًا يا أمي سأحاول.
– حاولي المجئ باكرًا اليوم.
– لماذا؟
– إن دكتور حسن سيجئ اليوم، ويجب عليكِ مقابلته، في كل مرة تختلقين حجة للتهرب منه يا للعار!
– ليت البعيد يفهم! لكن لا فائدة يجئ ويمكث…
– وما عيبه؟ هيا قولي! طبيب، مركز، أخلاق، إمكانيات ومعجبًا بكِ، ماذا تريدين أكثر من ذلك؟
– لا أريده! إن كنتُ قد أعجبته فهو لم يعجبني.
– كأنكِ تريدين مهند أو أحد ممثلي السينما!
– لا يا أمي، لكن أريد أن أتقبله، أما هذا فكائن لزج ويشعرني بالقرفة والاشمئزاز دائمًا، هذا هو المفترض أن يبقى وجهي في وجهه طيلة عمري؟!
هذا من أصحو وأنام على وجهه! هذا من له أن يضع يده عليّ و يضمني إليه! لا لا لا لا….
أرجوكِ أمي لا أستطيع، لا أقبله، لا ولن أوافق، من فضلك أمي حدثّيه بصراحة عن رأيي لأني قد استنفذت كل طرق الذوق معه وإلا فلم يجد مني سوى الوقاحة وقلة الذوق.
ثم انصرفت مها ذاهبة لعملها وتاركة أمها لا تعرف أتغضب عليها أم تتحسر!
ذهبت مها لعملها والصداع يفتك برأسها من قلة النوم وكثرة التفكير، تود لقاءه وتخشاه.
كيف ستقضي يومها؟ كيف ستعمل اليوم؟
لقد أصاب الدوار رأسها، أم أصاب العشق قلبها؟
ثم تراجع نفسها من جديد كأنك قد تأكدتِ أنه هو! هل عشقتُ صوته من أعوام؟ أم عشقته لحظة أن رأيته؟
آه وارأساه! و آه ثم آه واقلباه!
هكذا تحدث نفسها وشاردة وهي جالسة على مكتبها وتضع تلك السماعات على أذنيها مجددًا ربما تتأكد وإن لم تتأكد هل سيتغير الوضع؟
وكانت ممسكة بقلمٍ تخطط به خطوط عشوائية بينما عينها تنظر في فراغٍ بعيد.
و كعادته يمر جلال من أمامها والجميع قد هبّ واقفًا إلا هي وهو اليوم قادم ومتأكد أنها لن تقف لكنها اليوم شاردة ولا تعمل فقد لمحها بطرف عينيه ويفكر كثيرًا إن كان يعنفها على عدم العمل أم يتركها وشأنها كأنه لم يأبه لها.
لكنه مضى دون أي رد فعل وكان يضع إحدى يديه في جيبه والأخرى يخللها بين خصل شعره مثلما تفعل هي ربما ترفع عينيها وتفهم أنه يقصدها.
كان جلال اليوم يمشي بثقةٍ وجاذبيةٍ زائدة كما أن هناك شبح ابتسامة يُلمح بين ملامحه على عكس عادته حيث كان دائم الغضب والعبوس.
وبعد مروره جاءت زميلتها تلك مرة أخرى.
-يبدو أنه لا فائدة منك.
انتبهت إليها مها فجأة: هل تقولين شيئًا؟
-أجل، أنتِ شاردة! لقد مر السيد جلال و…..
فانتفضت بفزعٍ وقالت: أين هو؟
-ماذا جرى؟ لقد مر، من الواضح أنه قد يأس منك فلم يبدو عليه الغضب اليوم، حقيقةً كان أكثر جاذبية ووسامة ليته بذلك الرواق كل يوم..
ثم تنهدت وأكملت بوله: فعلًا كالقمر بل أروع.
فنظرت لها مستنكرة طريقتها تلك ووجهها شديد الحمرة من شدة الغضب أو يمكن أن نقول من الغيرة وقالت: كيف تجرؤين أن تتحدثي عنه هكذا؟!
فنظرت لها بعدم فهم ثم قالت: أتمنى لو أعرف ماذا تسمعين وتشردين هكذا وتذهبين لعالمٍ آخر ربما يعجبني وآخذه منك لأستريح من هم العمل والأولاد.
فأعطتها السماعات لتسمع بهدوء دون أي رد.
فقالت: كأنه صوت يشبه الأفلام الكارتونية!
فأومأت مها: أجل، هو كذلك، هذه مقاطع من أفلام كارتونية.
-يالك من حمقاء! وطوال تلك الأشهر وكل ذلك الشرود ويكون فيلمًا كارتونيًّا، ياللتفاهة!
فقالت مها بهيام: هذا أكثر صوت أحبه وأعشقه.
-أشفق عليكِ يا فتاة، ترى لو سمعه السيد جلال وعلم أن ما تشردي فيه ويجعلك لا تكترثين به دومًا هو مجرد فيلمًا كارتونيًّا ترى ماذا سيفعل بك؟
أجابت مها بنفس الهيام: ليته يسمع… أقصد لا شيء لا شيء، إذهبي لعملك واتركيني مع وجع رأسي.
ثم قالت لنفسها وهي تعود بظهرها للخلف بهيامٍ شديد: ليتني أتأكد.
دخل جلال مكتبه وكان ياسين يجلس أمام نهى يتحدثان في بعض أمور العمل وإذا بهذا القادم بوجهٍ باشٍّ على غير العادة بل وألقى تحية الصباح! إذن فاليوم عيد وسيسجله التاريخ ويُكتب في حدث في مثل هذا اليوم… هكذا يحكي ياسين ونهى.
بعد قليل نادى جلال على نهى وطلب منها الإرسال إلى مها فقد وصلت رسالة أخرى ويلزم ترجمتها وبالفعل قد أرسلت إليها ثم حضرت وجلست أمامها بهيئتها المجهدة هذه.
فسألتها نهى بإشفاق: أراكِ متعَبة!
– لا بل ألم برأسي يكاد يقتلعها.
– ترى أين كنتِ من أمس فقد اتصلت بك مرارًا لكن كان هاتفك مغلقًا.
أومأت مها: أجل أجل، لقد كان مغلقًا.
– ماذا بكِ؟ هذه المرة الأولى التي أراكِ فيها بهذه الحالة! وما الذي حدث لك بالأمس في مكتب السيد جلال؟ هيا احكي!
– إتركيني الآن! أرجوكِ، تكفي أمي.
– أمك! تونة اللطيفة!
– أجل، هي لطيفة لكن ليس معي.
– أراكِ البالغين! مؤكد أنتِ من جننتيها، فيكفي ذلك الكارتون الذي ذهب بعقلك.
زفرت مها بضيق وصاحت: لا، بل ذلك الذي يُدعى بالدكتور حسن، ذلك الكائن اللزج الذي ابتليت به شر البلاء.
– ماذا فعل؟
– قابلني كالعادة، لقد مللتُ منه وقلت له بصراحة كفاك زيارات لبيتنا فنحن اثنتان ولا رجل معنا.
– أحرجتيه!
– أتظنين أنه قد سكت؟! لا والله! بل أكمل بمثل ذلك الكلام أنا معجب، أنا غرضي شريف.
– ثم ماذا؟
– قلتُ له في وجهه أنا أرفضك، لا أقبل بك، وتركته وانصرفت.
– هي وقاحة رسمية منكِ.
– كأنك تظنين أنه يشعر وقد تحرّج مثلًا! لا والله! وجدتُ أمي تتصل بي فورًا وتعنّفني.
– لقد حدّثها إذن!
– وفي نفس اللحظة! آه لقد تعبت ومللت!
فضحك ياسين المتابع منذ مدة ثم قال: هل تعلمي أنه قد جاء إلينا ليطلب خطبتك من جلال ففي رأيه أن جلال هو من يستطيع إقناعك.
فوضعت يدها على خدها والتي تبدل حالها بمجرد سماع اسمه وصاحت بفزع: يا ويلتي! ماهذا الكائن؟!
قال ياسين: إطمأني! جلال لم يتركه بل أسمعه لاذع الكلام حتى خرج فارًّا من هنا.
تنهدت مها قائلة: وما الفائدة؟ لم أرى مثل ذلك الإصرار أبدًا في حياتي!
فضحكت نهى وقالت ساخرة: كأنه معجب ولهان!
فرمقتها مها وصاحت: بالله عليكِ لا تقوليها! فهذه الكلمة تشعرني بلية في معدتي.
– وماذا بعد؟ ألا زلتي تنتظرين ذلك الفتى؟! فتى الكارتون، صاحب الصوت!
فنظر نحوها ياسين متفحصًا ووجهها يتلون ويتغير و كأنها تتصبب عرقًا ثم دمعت عينيها وتلاحقت أنفاسها كأنما هي قادمة من سباق طويل هذا غير دق الطبول في ذلك الجانب الأيسر.
فقالت بصوتٍ مختنق: إتركي هذا الحديث الآن أرجوكِ!
فسألتها نهى بخوف: لماذا تقلقيني عليكِ هكذا؟ يبدو أنه قد جد جديد!
انتفضت مها وقالت بتوسل: نهى! أرجوكِ! دعي هذا الأمر الآن، ودعيني أقضي يومي وأستطيع العمل.
ثم أخذت نفسًا عميقًا وقالت: لقد طلبتيني، ترى لماذا؟
فأعاد جلال الاتصال في هذه اللحظة ليسأل عن مها فأخبرته نهى أنها جالسة أمامها وتنتظر إذن الدخول فأذن لها.
فنظرت بينهما وقالت: هل ستدعوني أدخل بمفردي؟
فسألتها نهى بتعجب: ماذا بكِ اليوم؟!
ثم ضحكت وقالت: إياكِ أن تفعلي مثل الأمس، صحيح أن السيد جلال عصبي لكن ليس لدرجة الرعب التي أراكِ عليها.
لم تكن نهى قد انتبهت لحقيقة حالة مها بعكس ياسين.
فقال ياسين: إدخلي ولا تخافي فلن يفترسك الأسد أيتها الغزالة الصغيرة! إنه اليوم هادئ وباش بل وقد ألقى علينا تحية الصباح، أنا كأخيه لازلت لا أصدق!
فأكملت نهى مازحة: أجل، ستُنشر حتمًا في رويترز.
فضحك ياسين وتابع: لكن أعتقد إن تأخرتي أكثر من هذا فقد يتحول لمصاص دماءٍ مستذئب.
ثم ضحك هو ونهى بينما مها تحركت نحو باب المكتب وطرقت الباب وحالتها أشد من الأمس…..
التعليقات مغلقة الان