رواية ” المعجبة المهووسة ” الفصل الثالث والرابع للأديبة” نهال عبد الواحد”

( الفصل الثالث )

وذات يوم في جراج الشركة دخلت سيارة فاخرة بسائق ثم وقفت فترجّل منها شابًّا وسيمًا وأنيقًا أكثر ما يكون من الأناقة وكان ممسكًا بنظارته الشمسية الأنيقة متلفتًا حوله بغضبٍ شديد.

فصاح غاضبًا: من تجرأ وأوقف سيارته في هذا المكان؟! ألا يعلم أنه مكان سيارتي وأنا أُفضّل هذا المكان بالتحديد.

أجابه السائق بتوتر: لا عليك سيد جلال ، يبدو أن صاحب السيارة لا يعلم.

صاح جلال باستنكار: ماذا؟! لا يعلم! إن على السيارة ملصق عليه شعار الشركة، إذن هو أحد الموظفين لديّ، يعمل عندي ويطمع في مكاني، أوغاد!

ثم أكمل باستهزاء: ومال هذه السيارة التي تشبه محل للعب الأطفال؟! يا للتفاهة! أيعمل لديّ تافه كهذا؟!

– إهدأ سيد جلال وسأتولى الأمر مع الحرس هنا، هيا تفضل.

فارتدى نظارته الشمسية مجددًا وأعاد إحدى خصلات شعره التي تحركت من مكانها من أثر غضبه وانفعاله فظهرت تلك الساعة الأنيقة في يده وتحرك لداخل الشركة ثم تقابل مع ياسين أخيه وسلم عليه وعانقه.

كانت ملامحهما وقامتهما متقاربتين كثيرًا ربما جلال هو أكثر وسامة من أخيه.

كانت مها جالسة كعادتها مع نهى في مكتبها في ساعة الراحة، كانتا تتحدثان عن إحدى مقاطع الفيديو الكوميدية فضحكتا بشدة خاصة مها التي بدا صوتها أوضح.

وفجأة دخل ياسين في صحبة آخر مهيب الهيئة وقد اعتاد كلما دخل مكانًا انتفض له الجميع واقفين للتحية والتعظيم وهو يكتفي بالنظر بينهم في تعالي.

وها هو قد دخل مكتب سكرتيرته التي انتفضت بشدة وهبت واقفة بمجرد دخوله فانتبهت مها لهيئة نهى فتوقفت عن الضحك فجأة واكتفت بأن نزلت إحدى رجليها من فوق الأخرى دون اهتمام بهوية من دخل.

وبعد أن مر جوارها التفت نحوها فرمقها بنظرة حارقة من خلف نظارته الشمسية وكانت متفحصة لها أيضًا من شعر رأسها الذي ترفعه اليوم لأعلى مما أعطاها هيئة جذابة لأخمص قدميها وحذاءها العالي الأنيق الذي يدل اختياره على أن أمامه فتاة واثقة في نفسها لدرجة كبيرة حتى أنها لم تهتم لترى من الداخل وهذا سيكلفها الكثير.

دخل جلال وياسين غرفة المكتب الخاصة بجلال وهرولت خلفهما نهى بعد أن همست لمها: اختفي الآن فالوضع ينذر بعاصفة ومطر غزير.

أومأت مها بتساؤل: لماذا؟! فمن يكون هذا؟!

– هو السيد جلال، جلال النوري، هيا انهضي الآن.

كان جلال معروفًا عنه شدة الغرور والتعالي فهو عاشقًا لنفسه ويرى دائمًا أنه الأجمل والآخرون أقل منه في كل شيء فيبيح لنفسه استغلال الناس والسخرية منهم.

وهو دائم الاهتمام بمظهره وأناقته، مهتمًا بانتقاء ملابسه ومقتنياته الخاصة ويعنيه كثيرًا كيف يكون في عيون الآخرين وكيف يثير إعجابهم خاصة بنات حواء.

وأكثر ما يستفزه ويثير غضبه بشدة أن يجد أي تجاهل أو انتقاد من أي شخص فهو لا يقبل النقد نهائيًّا ولا يحب أن يسمع سوى المديح والإعجاب، دائم الشعور بالعظمة وكونه نادر الوجود ونوع فريد ولا يمكن لأحد أن يفهمه وهو لا يفهم إلا ما يحقق مصالحه، ففي رأيه أن الحياة ما هي إلا مصالح متبادلة وبما أنه الأفضل فيرى جميع من حوله يريدون منه المصالح.

وبالطبع قد استشاط غضبًا من هذه التي تجرأت ولم تقف انتباه في حضرته.

فدخل، جلس وألقى بنظارته على المكتب بغيظ ورجع بكرسيه للخلف يهزه يمينًا ويسارًا وينظر لهما بغضبٍ حارق خاصةً لنهى.

ثم تحدث: كأني قد تركتكما في ملاهي!

فتسآل ياسين: ماذا حدث أخي لكل ذلك؟

– ما هذا الإستهتار الذي تصنعيه وفي المكتب؟

أجابت نهى: معذرةً، لكنها ساعة الراحة.

صاح جلال: ساعة الراحة! كأن الاحترام قد مُنع في ساعة الراحة! كيف تجرأت هذه التي تراني أمُرُّ من أمامها وتظل جالسة؟

أجابت نهى: هي جديدة هنا ولم تعرفك بعد.

– ماذا؟! لم تعرفني! لم تعرف جلال النوري! ولم تعرف ياسين أيضًا!

أجاب ياسين: تعلم أني لا أهتم بهذه الشكليات و…..

فقاطعه جلال بصرامة: خطأ! تساهلك هذا خطأ! ما اسم تلك الفتاة؟ يلزم تأديبها! يلزم معاقبتها! يلزم أن تتعلم كيفية التعامل معي!

تابعت نهى: صدّقني هي لا تعرفك حقًا، حتى أنها سألتني من تكون!

فقال جلال وكأنه ظن شيئًا ما: ولمَ سألتكِ؟

أجابت نهى: لأنها تفاجئت بوقفتي وانتفاضي هكذا.

صاح جلال وقد عاد لغضبه: لا! هو استهتار، كلمة واحدة ما اسمها وإلا ستجازي أنت مكانها.

أومأت نهى بفرغ صبر: إذن جازيني أنا.

صاح جلال: أتتحديني؟! إذن مخصوم منك شهر.

كانت نهى تحتبس دموعها بالكاد وما أن نطق بذلك حتى تحركت متجهة للخروج فناداها بقوة أوقفتها: هل أذنتُ لكِ بالخروج؟

فهزت برأسها أن لا، فأكمل بنفس صياحه: إذن، اذهبي!

فخرجت مسرعة تبكي في مكتبها بينما نظر ياسين له في ضيق وقال: وماذا استفادت من فعلتك يا ترى؟

أكمل جلال بغضب: من يتحداني يستحق العقاب.

– لكن لم يحدث ما يستدعي لذلك، لقد تعمدت إهانة زوجتي وأمامي.

– من قال لها أن تأخذها الحمية وتدافع عن صاحبتها؟

– عندما تهين زوجتي في حضوري كأنك أهنتني.

– هذه مجرد شكليات، لا تكترث بالأمر، المهم الآن أود معرفة من تكون تلك وكل كبيرة وصغيرة عنها.

ضرب ياسين كفًّا بكف متمتمًا: لا حول ولا قوة الا بالله!

نبس جلال بتوعد: يا ويلك مني أيتها الحمقاء!

خرج ياسين مسرعًا لزوجته ليراضيها بعد ما حدث فجلس أمامها على حافة المكتب يربت عليها ماسحًا على شعرها برفقٍ ورِقّة.

وهمس بلطف: إهدئي حبيبتي، كفاكِ بكاءً، سامحيني يا قلبي!

فقالت بصوت مختنق: وما ذنبك أنت؟

– ذنبي أنه أخي، أخي الذي يفسد دائمًا أي علاقة بينه وبين الآخرين، لكنك زوجتي وحبيبتي وأم أحبائي، أكره أن أرى حزنك، أحزن أن أرى عينيكِ تزرفان لآلئيها.

– لا عليك، لقد تأثرت قليلًا والآن صرت أفضل يا ياسين.

– لا يرضيني هذا يا قلب ياسين، يرضيني فقط ضحكتك وابتسامتك الآن، وإن كان بأمر الخصم فسأدفع ذلك الشهر ومن جيبي .

فضحكت وضحك ثم قال مشاكسًا: مادية!

-لا والله!

– فقط أمازحك، لكن أنتِ حبيبة قلبي.

– بارك الله فيك!

فهمس ياسين ببعض الخبث: فقط!

فضحكت وقبّلته على أحد خديه فأعطاها الآخر فضحكت وقبّلت الآخر.

كان جلال داخل مكتبه كالأسد الهائج داخل قفصه وهم بالخروج وما أن اقترب من الباب حتى سمع صوت همهمة بالخارج ففتح الباب قليلًا فرأى أخيه وهو يتودد لزوجته يراضيها ويجبر بخاطرها فابتسم وأغلق الباب وعاد جالسًا على مقعده.

وجاء يوم العطلة الأسبوعية وقد ذهبت نهى والأولاد مع مها إلى دار العرض لمشاهدة فيلمًا كارتونيًّا جديدًا بينما ياسين ذهب لأخيه في فيلته وبعد حديثٍ طويلٍ في أمور العمل المختلفة.

قال ياسين: لم تأتي لزيارتنا منذ زمن، ألم تشتاق لأبناء أخيك؟

فابتسم جلال وأجاب: بلى أشتاق، ليتك أحضرتهما معك.

– هما مع أمهما في إحدى دور العرض.

فصاح جلال بصدمة: ماذا؟! في إحدى دور العرض! وكيف تترك زوجتك وأبناءك يذهبون بمفردهم ليشاهدوا فيلمًا؟!

– ليس بمفردهم هم بصحبة مها صديقتها.

تابع جلال بسخرية: عظيم! حتى يغازلهما أحدهم بالجملة، أين عقلك؟! وكيف لك أن تترك أهلك بصحبة أي فرد؟!

– هي صديقتها وأنا أعرفها جيدًا وأثق بها.

– هل هذه طِيبة أم حماقة؟ لا يفسد امرأة إلا امرأة مثلها، إذهب وانطلق وأحضر زوجتك، هيا!

تركه ياسين واتصل بزوجته فعلم أنهم قد انتهوا من الفيلم فطلب منهم أن يظلوا مكانهم وسيمر عليهم، بالفعل قد ذهب إليهم لكن ليقضي باقي اليوم معهم وقد كان وقتًا ممتعًا.

(الفصل الرابع)

وذات يوم بينما كان جلال يمر بين الموظفين متفقدًا أحوالهم وكان دائمًا ما أن يمر من أمامهم حتى يقف الجميع دون حراك مارًّا من أمامهم في كبره كعادته.

لكن هذا اليوم بينما مر كعادته وبالطبع لم يكن يمر إلا ليرى إحداهم بعينها، بالفعل وقف الجميع منتفضًا كعادتهم إلا تلك الجالسة منغمسة في عملها واضعة في أذنيها سماعتين تسمع شيئًا ما فلم تشعر بوجوده ولا مروره أو بأي شيء وكأنها في عالمٍ آخر -عالمها الخاص- فلم تقف ولم ترفع عينيها رغم نظرته الطويلة نحوها لكنها لم تنتبه إطلاقًا.

فانطلق جلال إلى مكتبه وقد زاد حنقه وغضبه فوق ما كان عليه، لقد ثقل حسابها معه وتضاعف، كيف لها لا تكترث لوجوده؟ لم تنتفض وتقف له مثل غيرها!

وبعد انصرافه جاءتها إحدى زميلاتها وطرقت على المكتب فانتبهت لها مها ونزعت السماعة من أذنها قائلة بدهشة: كأن هناك أمرًا!

-ما الذي فعلتيه أيتها الحمقاء؟!

– حمقاء! ماذا جرى؟

– السيد جلال مر منذ قليل.

– وماذا فيها يعني؟ كنت منغمسة في عملي.

-هذا صحيح، لكن كان عليكِ الوقوف لتحيته.

– ولِمَ لمْ تخبريني وقتها؟ على أية حال عندما مر وجدني أعمل.

-ليس الأمر بهذه البساطة.

– ماذا يمكن أن يحدث مثلًا؟! لم أكن ألعب ولا أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي أو أحادث أحدهم عبر الشات، وأعتقد إن كان هناك خطب ما كان حدثني أو علّق مباشرةً.

-أنتِ لا تعرفيه، ولم تريه كيف كان ينظر لك بأعين تشتعل غضبًا.

– أراكي مبالغة.

-أنتِ حرة.

فلم تكترث لها مها وعادت لما تفعله ووضعت السماعتين في أذنيها وكأن شيئًا لم يحدث.

لكن بالطبع جلال ذهب لمكتبه في قمة غضبه والذي قد وصل للغليان فأسرع خلفه ياسين ونهى.

سأله ياسين بفضول: ماذا حدث أخي؟ هيئتك ليست على ما يرام، لقد أفزعتنا!

صاح جلال: ولم لا أفزعها إذن؟!

– تفزع من؟

– صاحبتكم تلك.

فقالت نهى: تقصد مها!

فأومأ جلال: أجل هي، أمُرّ من أمامها وتظل جالسة وكأن شيئًا لم يحدث! تراها مغرورة! أم تظن أنها صاحبة المكان؟ لا أنا جلال النوري! من يرجف ويفزع من إسمه الكثير، من تتمنى الكثيرات أن ألمحها بطرف عيني، لكن تلك الحمقاء وكأنها لا تعرفني!

تابعت نهى: هي بالفعل لا تعرفك.

صاح جلال: لم تقف كغيرها! لو انتبهت قليلًا لعلمت من أكون، من تظن هي؟ مهلًا، كأنك ستدافعين عنها مجددًا!

– لا بل أقف صامتة، يكفي العقاب الماضي.

– لا والله! كأن ياسين لم يدفع لكِ ذلك الشهر وكأني لم أقل شيئًا، الجميع لا يأبه لي ولا يأخذ بكلامي، أقول الكلمة وهو يضرب بها عرض الحائط.

تنحنح ياسين ثم قال: ماذا بك يا أخي؟ كأنك تشتاق لافتعال المشكلات!

فاضطر جلال للصمت لكنه لازال غاضبًا فلم تهدأ ثورته أو ينطفئ غضبه، ود لو يدمر أي شيء، ويعيد الكلام مجددًا من تكون حتى لا تقف لي! من تكون حتى لا تأبه لي؟ كيف تجرؤ؟ كيف تجرؤ؟

خرج ياسين من مكتب أخيه يضرب كفًّا بكف فيجد نهى تضحك وهي تتجه لتجلس مكانها.

قال ياسين في تعجب: أتضحكين! كأنه قد جُنَّ!

– أو شيئًا آخر.

– ماذا تقصدين؟

– كأن زمام قلبه قد أفلت منه.

– ماذا؟!

– من شدة تركيزه عليها وعدّ أنفاسها أراه قد سقط عاشقًا في هواها أو على الأقل قد تعلق بها.

– عن من تتحدثين؟! كأنك تتحدثين عن جلال آخر! جلال لا يعرف الحب إن كان لا يعرف الصداقة سيعرف الحب! هو لا يفهم إلا لغة المصالح، كل ما حدث أنها المرة الأولى التي تفلت إحداهن ولا تعجب به، دائمًا هن المعجبات وهو من يتركهن أو لا يكترث لأيهن لكن أن يحدث العكس فذلك قد أصابه بالجنون كما ترين -تنهد بقلق وأكمل- بدأت أقلق على تلك المسكينة وأيامها القادمة.

– لكن مازلت عند رأيي.

– لا أظن.

ثم اقتربت منه وطوقته بذراعيها وقالت بدلال: سترى وتتأكد من صحة حدسي.

– كأنك قد أقنعتيني هكذا!

فضحكت ثم تنهدت قائلة: المشكلة تكمن أن مها كائن عنيد ولن تستسلم ولن تجذبها مثل تلك التصرفات.

– إذن نحن قادمون على أيام…. رائعة.

لم يكن ذلك هو يوم المرور الوحيد بل كان يمر بشكل شبه يومي لكن نفس المشهد ثابت ويتكرر ربما يختلف أحيانًا طريقة تصفيف شعرها أو ربما حَرّكت وجهها بحركة لا إرادية فتظهر تلك الغمازتين الرائعتين دون أن تعلم أن هناك من يضعها تحت مجهرٍ دقيق ويكاد يعد عليها أنفاسها.

أما عن نهى فصارت تذهب هي إليها في ساعة الراحة أو ربما ذهبتا معًا إلى كافتيريا الشركة أو لغيرها بالخارج.

وذات يوم بينما كانت نهى تسير متأبطة ياسين في ساعة الراحة وكانا ذاهبين للكافتيريا التي جوار الشركة فأشارت لهما مها أن ينتظراها وذهبت معهما، كان الجميع يظن أن مها هي قريبتهما.

جلس ثلاثتهم على أحد المناضد لكن بدأ ياسين ونهى يتحدثان معًا فأخرجت مها سماعاتها ووضعتها على أذنيها تستمع في انسجام وهي ترتشف قهوتها وقد ذهبت لعالمها الخاص.

انتبه لها ياسين ونهى وتعجبا من تلك الهيئة المتيمة فأقسما أنها لتسمع أغنية عاطفية رائعة! لكن ترى ما تلك الأغنية التي تخطف العقل وكل الكيان هكذا؟

نادى عليها كلاهما كثيرًا لكن دون فائدة فوقفت نهى ونزعت السماعة من أذنها فجأة فانزعجت مها بشدة.

وصاحت بتأفف: ماذا جرى؟

قالت نهى وهي ضاحكة: ماذا تسمعين وتهيمين هكذا؟ حتى إنك لم تنتبهي لنداءنا لك.

فقالت بهيام: أستمع إلى حبيبي.

صفّر ياسين بإعجابٍ مصطنع وسألها:ومن يكون يا ترى؟ عمرو دياب!

– أتظنون أني أستمع لأغنية؟!

قالت نهى: مؤكد ليس بكرتون.

فهزت مها برأسها أن نعم بابتسامة عريضة.

قلب ياسين عينيه وأردف: ما شاء الله، يعمل لدينا بعض المعتوهين!

ضحكت مها قائلة: سأقبلها منك.

– هل تستمعين لفيلمٍ كارتونيٍ فعلًا؟ هل الرسوم المتحركة تُسمع؟!

فأومأت مها برأسها توافقه، فتابعت نهى بقلة حيلة: عوض عليّ عوض الصابرين يا الله! كأن أمك لم تصاب بارتفاع ضغطها من لا شيء!

استطردت مها بعشقٍ واضح: هذه شخصية أحبها وأعشق صوته، فجمعت مجموعة من المقاطع الصوتية المختلفة لحبيبي هذا وسجلتها لأظل أسمع صوته دائمًا.

زفر ياسين قائلًا: ترى ما وجه الإستفادة إذن؟!

فتابعت بصوت عاشقة متيمة كاد العشق أن يذهب بعقلها كما ذهب بقلبها: عندما أسمعه أصير سعيدة، كم أحبه وأعشقه! صوته قوي لكن حنون يمس القلب، له بحة تجعلني أطير كأن علاء الدين قد أخذني على بساطه وحلّقنا معًا في كل مكان، له خفة ظل يوجين ولافين، وجراءة طرازان، وإحساس الأمير وشراسة الوحش، فأشعر كأني ياسمين وسندريلا وورد و…..

قاطعتها نهى: مؤكد لم نجلس معًا لتسمّعي لي شخصيات والت ديزني التي أهرب منها من أطفالي.

قال ياسين: أعطيني إذن أسمع ذلك الذي يطير.
فضحكت نهى.
فقال: حسبي الله ونعم الوكيل!

فأخذ منها السماعة ووضعها على أذنه ليسمع ما تسمعه لكنه وجم قليلًا ثم نزع السماعة وأعطاها لها بهدوء.

فسألته مها مسرعة: ما رأيك؟

– في ماذا؟

– أعلم أن لا أحد يفهمني أبدًا.

أجابتها نهى: لأنه كلام غير معقول ولا مفهوم.

فسألها ياسين: هل تحبيه فعلًا؟

فأومأت موافقة بحماس، فأكمل ياسين: تعرفيه إذن!

فأومأت رافضة، فتابع: تقصدين بالحب أنك تعشقين ذلك الصوت كشخصٍ موهوب أم صاحب الصوت؟

أجابت مها بثقة: صاحب الصوت.
ثم أكملت: لو سمعت الكثير ستفهم وتعلم كم هو إنسان حساس ورقيق.

زفر ياسين بإشفاق وقال: قد علمت، لكن كيف تحبين من لا تراه عينيكِ؟

شردت مها وتحدثت بحالمية: أتمنى ذلك كثيرًا، ليتني أراه وأحدثه وأمازحه، أعرف عنه الكثير، أعرف حتى إسمه ومن يكون، فإسمه لم أجده إطلاقًا مكتوب على أي تتر ولا أدري إن كان ذلك الأمر بقصد أم ماذا؟! أعلم جيدًا أنه ربما يكون غير وسيم أو جذاب، لكني حقًا أحببته وأتمنى لقاءه، أنا لست معجبة بشخصٍ فنان، بل أشعر بإحساسٍ جارف نحوه إحساس لا يجعلني أستطيع أن أرى أو أسمع غيره.

لم يرد ياسين على كلامها الذي آلمه بشدة وجعله يشفق عليها أكثر وأكثر واكتفى بأن نظر لساعته ثم وقف وأشار لهما بالقيام فقد أوشكت ساعة الراحة على الانتهاء ويلزم الآن العودة لمداومة العمل.

 

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان