رواية ” المعجبة المهووسة ” الفصل الاول والثانى للكاتبة “نهال عبد الواحد “

الفصل الأول

هل أعجبت يومًا بشخصية عامة ثم تحول الإعجاب إلى هوسٍ وعشقٍ مجنون؟
ماذا لو قابلت تلك الشخصية التي تعشقها بجنون في الواقع؟
لكن بعد اللقاء بها صدمت بـ….

مها فتاة بسيطة وتلقائية يُرى فيها مشاكسة وطفولية لم تتركها، جميلة جمال مختلف قمحية البشرة وشعرها بني داكن، أحيانًا تضيف بعض الخصلات الملونة، عيناها بنية داكنة ذات أهدابٍ طويلة، فماذا لو رمت تلك العيون بسهامها؟
ولديها غمازتين رائعين، فماذا لو تبسّمت في وجه أحدهم؟

تخرجت في كلية الآداب قسم اللغات الشرقية، أنهت دراستها منذ عدة أعوام درست لغاتٍ متعددة مثل الإنجليزية والفرنسية وقليل من الإيطالية.

بالإضافة لبعض اللغات الشرقية التي هي في الأساس مجال تخصصها مثل التركية والعبرية والصينية وقليل من الفارسية.

لكن الغريب أنها تركت كل ذلك وكرّست كل وقتها في شيءٍ واحد وولعت به وهو مشاهدة الأفلام الكرتونية ربما يكون الأمر معتاد في الطفولة لكن كونه مستمر إلى الآن فالأمر يدعو إلى السخرية والتهكم!

وقد فاق ذلك الولع في مشاهدة الأفلام الكارتونية أي وصف وأي توقع، فهو محور حياتها، لم تكتفي بمتابعة تلك الأفلام عبر التلفاز فحسب بل بمجرد عرض الفيلم في دور العرض تذهب فورًا وتشاهده، وبمجرد تواجد الأقراص المدمجة للفيلم تذهب لشراءها فورًا وليس بإصدارٍ واحد فكلما تواجد الفيلم بعدة لغات تشتريهم جميعًا، خاصةً لو تواجدت نسخة مدبلجة سواء للعربية الفصحى أو باللهجة المصرية العامية وصار لديها مكتبة ضخمة من تلك الأقراص المدمجة.

هذا ليس كل شيء بل إنها لتبحث بين محلات لعب الأطفال عن دمى لتلك الشخصيات وقد امتلأت بها حجرتها وسيارتها.

وصارت مؤخرًا ترسم وجوه تلك الشخصيات وتصمم تصميماتٍ خاصة وتصنع منها عرائس قفازية تشبه تلك الشخصيات تملأ به وقتها وحجرتها وسائر البيت.

وذلك أكثر ما يزعج أمها أنها تضييع وقتها بلا فائدة هكذا وقد تزوجت قريناتها وأنجبن وهي لازالت تعيش في دنيا الأطفال وعالم الكارتون.

وأكثر ما يدعو للإشفاق عليها أو الغضب منها أنها قد أُعجبت بإحدى تلك الشخصيات، أحد المؤدين لصوت تلك الشخصيات في النسخ المدبلجة لم يكن مجرد إعجاب بل هوس وعشق حد الجنون.

ولم يكن لتلك الأفلام تترًا تظهر فيه أسماء المدبلجين إلا قليلًا منهم ورغم ذلك يصعب التوصل لإسم صاحب صوتٍ بعينه خاصةً وإن كان ليس بشخصية مشهورة لكن ذلك الصوت قد عرفته وحفظته جيدًا فكما تصفه صوتًا رجوليًّا قويًّا مصحوباً ببحة أعطته جاذبية وأحبته كثيرًا حتى إنها كانت لتتحدث عنه بقول «حبيبي» والغريب أنه يكون أمام الجميع  و كأنه أمر مسلم به، لقد تعدت مرحلة الإعجاب الطبيعية!

لكن على أية حال فالجميع يراها غير طبيعية بسبب أفعالها تلك فحتى وهي عاشقة لذلك الشخص المبهم وكيف تتحدث عنه دائمًا بأحلى الكلمات، كيف تدافع عنه، كيف تشتاق إليه ويقابلها الآخرون باستهزاءٍ وسخريةٍ خاصةً عندما تكثر الحديث عنه، فكل من يعرفها لم يرى في حياته هوس مثل ذلك أبدًا.

وذات يوم طرق الباب، فتحت فوجدت أخيها مازن وهو شاب طويل وعريض شعره قصير بشرته تميل من اللون القمحي للإسمرار وقد وصل لتوه، فهو يعمل كقبطانٍ بحري في إحدى شركات الملاحة فاحتضنته بشدة و أمها أيضًا.

صاح مازن بحماس: كيف حالكم؟ لقد اشتقت إليكم كثيرًا.

أجابت فاتن بسعادة: كلنا بخير والحمد لله، لكن هذه المرة قد طال غيابك.

– ظروف العمل والبحر كما تعلمين يا أمي.

– الله يرزقك ويفتح عليك بُنيّ.

قوست مها شفتيها قائلة: ومؤكد أن خروج رضوى بصبحتي قد أُلغي!

سألها مازن: خروج! لأين ستذهبون؟

أجابت فاتن ساخرة: ترى لأين تذهب أختك دائمًا؟! إنه فيلم كارتوني جديد قد نزل دور العرض وستذهب لمشاهدته.

تابعت مها: ماذا بكِ يا أمي؟ لهجتك….

فقاطعتها فاتن بانفعال: لأن من في مثل عمرك قد تزوجن وأنجبن وأنتِ لازلتِ تعيشين في وهم الكارتون وكأنك طفلة! حتى لم يحضر إليك ولا خاطبٍ واحد أتدرين السبب لأنه قد عرف عنك الجنون والسفه.

أجابت مها بلامبالاة: لا أجد مناسبة لهذا الكلام.

وهنا طرق الباب ثانيًا وكانت رضوى ابنة خالتها وخطيبة أخيها وهي مختلفة عن مها في ملامحها فهي بيضاء البشرة،قصيرة الشعر داكن اللون، نحيلة بعض الشيء وقصيرة القامة وقد جاءت على حسب الموعد المحدد للذهاب لمشاهدة الفيلم معًا، لكنها قد وجدت مازن قد جاء من سفره فجأة فسلمت عليه وعلى خالتها.

شاكستها مها قائلة: بالطبع لن تذهبي معي في أي مكان!

أومأت رضوى مبتسمة: مؤكد! هل أترك خطيبي القادم من سفرٍ طويل وأذهب معك لمشاهدة فيلم كارتوني؟!

زفرت مها بقلة حيلة وقالت: حسنًا سأذهب وحدي.

ربتت فاتن على فخذها بإحباط وقالت: عوض عليّ عوض الصابرين يا الله!

فسألتها مها: مابالك إن كنتُ أصادق شاب ما وأذهب إلى دور العرض لمشاهدة فيلمًا رومانسيًّا كنتُ صرت طبيعية في نظركم؟!

ربتت رضوى على كتفيها قائلة برفق: إهدئي حبيبتي هو مجرد اختلاف في الميول وأنا في غياب مازن أعاني من الفراغ لذلك أذهب معك.

تحدثت فاتن: اجلسي معنا اليوم ولا تذهبي فأخيك قادم توًا من سفر طويل.

نهضت مها تتجه نحو حجرتها: سأذهب بمفردي إذن -التفتت إلى أمها وأكملت- ثم أن اتفاقنا كان واضحًا، سأطاوعك وأنزل للمقابلة من أجل العمل الجديد وستتركينني أشاهد أفلامي المفضلة.

صاح مازن بفجأة: عمل جديد!

قلبت مها عينيها قائلة: هي من تريد ذلك!

قالت فاتن محاولة الحفاظ على هدوئها: لا بل أريد إنسانة حقيقية لها عمل وهدف في حياتها وليست مهووسة بلهاء بأفلامٍ وشخصياتٍ كرتونية.

فنظرت مها بينهما ثم تركتهم غاضبة.

فتحدث مازن: كفاكِ أمي! أنتِ تشددي عليها وتلاحقيها بحديثك هذا، صحيح أن الأمر قد فاق الحد لكن في النهاية هي لا تفعل شيئًا خاطئًا أو مخزيًّا.

– وماذا أنتظر منك؟! فأنت تدللها دائمًا مثل أبيك رحمه الله!

– أنا أخوها الأكبر وأدللها كما أشاء.
ثم نظر ناحية رضوى وأكمل بغزل: أحب تدليل البنات خاصةً الجميلات منهن.
وغمز لها فابتسمت.

أبدلت مها ملابسها وخرجت من حجرتها.
فقالت رضوى: حبيبتي! سأجئ معكِ حتى لا تغضبي.

فابتسمت مها مجيبة: أرى أن الأفضل لكِ أن تبقِي حتى لا تغضبي أنتِ.

ثم نظرت بينها وبين أخيها وغمزت لهما فخبطها أخيها على كتفها بمزحة وضحكوا.

فقالت فاتن: لأين تذهبين؟! لازال الوقت باكرًا عن موعد الفيلم.

– سأذهب للشراء والتسوق، كما أن هناك طاقم سأتسلمه لأذهب به للمقابلة غدًا.

تابعت رضوى بمزحٍ: عظيم! ظننتك ستذهبين بالجينز!

رمقتها مها متصنعة الغضب: حسنًا أيتها الظريفة! لقد أُهملت أنا الآن ولم يعد لدي أهمية، سأذكّرك بعد ذلك عندما أعمل وأنشغل عنكِ.

وأخرجت لها لسانها ثم ضحكتا، تعانقتا وانصرفت مها فاستمرت رضوى في الضحك هي ومازن.

ذهبت مها للتسوق واشترت بعض الملابس، الأحذية والحقائب الجديدة وبالطبع قد سرقها الوقت.. كم هو ممتع وقت التسوق لأي أنثى!

لكن للأسف قد فات وضاع عليها موعد الفيلم، وقد أغضبها ذلك بشدة.

لكن لا بأس لقد ذهبت لإحدى ملاهي الأطفال وقضت وقتها في بعض الألعاب الإلكترونية.

ثم عادت إلى المنزل وجلست تحكي لهم ما فعلت وتريهم ما اشترته ثم بعدها ذهبت للنوم.

وفي فراشها كالعادة أخذت حاسوبها وأدارت عليه إحدى أفلام الكارتون المدبلجة لتكون آخر ما تشاهده وآخر ما تسمعه هو صوت ذلك الحبيب المتيمة به.

ترى ما شكلك؟ وكيف هي هيئتك؟ هل أنت طويل أم قصير؟ أبيض، أسمر أم أشقر؟ ما لون عينيك ولون شعرك؟ ربما تكون غير وسيم ولا جذاب وإلا فلماذا أنت لست بشخص مشهور بصورتك مثل صوتك؟ ترى ماذا تحب وماذا تكره؟

هكذا تتسآل دائمًا حتى تسقط في نومها، لكن من تعشق حبيبها وتذكره تنام وتراه في أحلامها، لكن في حالتها ماذا سترى وهي لا تعرف سوى صوته؟!

(الفصل الثاني)

وفي الصباح الباكر استيقظت ثم استعدت مرتدية بدلة رمادية اللون، تحتها كنزة باللون الوردي الهادئ وضبطت هيئتها لتكون أكثر رسمية.

جلست تتناول فطورها في عجالة ثم اتجهت لتلك الشركة التي على موعدٍ للقاء الخاص فيها.

وصلت إلى الشركة كانت تُدعى شركة النوري للسياحة وهي شركة سياحية كبيرة ويتبعها مجموعة من الفنادق الشهيرة.

وصلت قبل موعدها وجلست للانتظار في المكان المخصص حتى جاء موعد المقابلة فدخلت لمدير الشركة لإجراء تلك المقابلة معه.

كان معها بعض الأوراق والمؤهلات الخاصة بها لتقدمها للعمل، كانت المقابلة جيدة وقد أثبتت مها جدارتها فيها فكانت متحدثة لبقة ومقنعة وقد أعجب ذلك المدير بأداءها وقد أبدى قبوله لها.

خرجت مها وهي تنظر حولها تستكشف المكان وفجأة اصطدمت بأخرى كانت تمشي في الاتجاه المعاكس فتقابلت عيونهما.

-مها عزت!

– نهى عبد الرحمن!

فضحكت الاثنتان وتعانقتا بفرحة وسعادة كبيرة.

فسألتها مها: هل تعملين هنا؟

– أجل، فأنا السكرتيرة الخاصة للإدارة هنا، وأنتِ؟

– سأبدأ من الغد بمشيئة الله، كان عندي مقابلة منذ قليل وقد قُبلت.

– مبارك ! الآن هي ساعة للراحة فما رأيك أن نقضيها معًا؟! لكن انتظريني قليلًا حتى أدخل هذه الأوراق للمدير.

فابتسمت مها قائلة: حسنًا سأنتظرك.

فتركتها نهى معدّلة هيئتها وشعرها الأسود معتدل الطول تجمعه للخلف، تفقدت ملامحها الرقيقة في مرآة صغيرة أخرجتها من جيب بدلتها السوداء وذلك الزي الخاص بالعمل، وكان مظهرًا لقوامها المعتدل وبشرتها البيضاء .

طرقت الباب ثم دخلت مكتب المدير فرفع عينيه البنية إليها وقام مبتسمًا مرحبًا بها بتقاسيم وجهه الوسيمة، فظهر طول قامته وقوامه المتناسق نوعًا ما بسبب ممارسة السباحة باستمرار، مسّد بيده على شعره البني القصير كنوعٍ من المشاكسة التي تدركها، فبادلته الابتسامة متفقدة هيئته الأنيقة إنشًا إنشًا.

ثم أشارت بالملف الذي تمسكه قائلة: الأوراق المطلوبة.

-ضعيها وتعالي!

فضحكت وقالت بتكلف: تُرى ماذا يريد السيد ياسين؟!

فضحك بشدة وتابع بلطف: ألا يمكن للرجل أن يشتاق لزوجته في أي وقت؟!

فاقتربت وطوقته بذراعيها وهمست: بلى! يمكن له كل شيء.

– إذن إجلسي معي فالآن وقت الراحة، لماذا تقفين هكذا؟

أبعدت نهى نفسها قليلًا وقالت بتوترٍ واضح: حقيقةً، لدي صديقة تنتظرني بالخارج لو تأذن لي سأقضي معها وقت الراحة.

فرفع حاجبه بدهشة متسائلًا بجدية: صديقة! ومن تكون؟

– إنها مها، تلك التي كنت تجري معها المقابلة منذ قليل، هي صديقة الطفولة منذ أيام المدرسة ولم نتقابل منذ زمن طويل.

قلب عينيه قائلًا بتثاقل: ثم!

– أقسم لك هي فتاة محترمة وعلى خلق وستتأكد من ذلك بنفسك، رجاءً من فضلك!

– بشرط.

– إشرط.

– ستجلسان معًا هنا في مكتبك.

– حسنًا كما تريد، هل تأذن لي الآن؟

فأشار لها بضيقٍ واضح، داعبت خديه ثم قبّلتهما بامتنان واستأذنت خارجة بسرعة ثم جلست نهى ومها بالفعل في مكتب نهى.

قالت نهى وهي تمسك سماعة الهاتف الداخلي وتنظر ناحية مها: نسكافيه!

فهزت مها برأسها موافقة ثم سألتها بعد أن طلبت مشروبين لهما: ما آخر أخبارك؟

– باختصار، درست إدارة أعمال وقمت بعدد من الدورات التدريبية وعملت هنا كسكرتيرة وتقابلت مع ياسين المدير -وأشارت نحو باب مكتبه بابتسامة متسعة- أحببنا بعض وتزوجنا ورُزقنا بجودي وتيّم.

صاحت مها بسعادة: ما شاء الله! بارك الله فيهما!
ثم تسآلت: السيد ياسين الذي أجرى لي المقابلة!

– أجل، وماذا عنك أنتِ؟

– تخرجت من كلية الآداب قسم اللغات الشرقية ودرست بعض اللغات بدون فائدة كما تقول لي أمي، وسأبدأ العمل.

عقدت نهى حاجبيها بتعجب وسألتها: وماذا عن السنوات السابقة؟

– أتابع أفلام الكارتون.

قالتها مها بتلقائية، فصاحت نهى بصدمة: ألازالتي على عادتك الحمقاء حتى الآن؟!

فضحكت مها و أومأت برأسها أن نعم، قلبت نهى عينيها زافرة وقالت: كان الله في عون والديكِ.

– أبي رحمه الله قد توفى منذ عامين.

– آسفة، البقاء لله.

– لا بأس، المهم أننا معًا في نفس المكان.

– أجل، وكل يوم في نفس التوقيت تكون هناك ساعة للراحة ويمكنك أن تأتي إليّ في مكتبي ونمضيها معًا.

– جميل! قد أخبرني السيد ياسين أنه هناك زيًّا خاصًا للعمل.

– أجل، تعالي معي لتتسلمي ما يناسب مقاسك.

وذهبتا معًا إلى المكان الخاص لإحضار زي الشركة وفي اليوم التالي بدأت مها عملها بالفعل.

كانت مها نشيطة للغاية فبلباقتها وقدرتها على الإقناع أثبتت جدارتها في وظيفتها وكان ياسين يتابع عملها وكل تصرفاتها بدقة.

كانت مها تجئ إلى نهى في مكتبها في ساعة الراحة تجلسان معًا، تتسامران وتمزحان، أحيانًا يشاركهما ياسين في ذلك التسامر حيث كان متواضعًا وأيضًا لأنه يريد معرفة صديقة زوجته تلك فليس من عادته الثقة بأي أشخاصٍ بسهولة خاصةً من يقترب من عائلته.

وبمرور الوقت تعرف ياسين أكثر عليها وصار يسمح لنهى الذهاب مع مها في ساعة الراحة في كافتيريا الشركة أو إلى أخرى جوار الشركة نفسها.

وذات يوم دعتها نهى في بيتها في نهاية الأسبوع لقضاءه معها، في البداية اعتذرت مها لكن بعد إلحاح من نهى لبّت مها دعوتها وجاءتها بالفعل.

كانت نهى تعيش في فيلا في حي راقي فدخلت مها بسيارتها لحديقة الفيلا ثم إلى داخل الفيلا حيث كانت نهى في استقبالها وبعد التحية والترحاب.

تسآلت نهى ناظرة بعينيها نحو الأشياء التي أحضرتها مها: ما كل هذه الأشياء التي أحضرتيها؟ فليس بيننا مثل هذه الأمور.

– لا عليكِ هي مجرد أشياء بسيطة، ترى أين الأولاد؟ فقد جئت للعب معهما.

– نجلس معًا أولًا ثم بعد ذلك ننادي الأولاد، خاصةً وأن ياسين بالخارج وسنكون على حريتنا.

– فعلًا!

– هل تريديه في أمر ما؟

– لا، لكن دائمًا أشعر بعدم قبوله لي وكأنه يشك بي.

– لا، هو فقط غير معتاد على وجود صديقة لي منذ أن تزوجنا خاصةً بعد وفاة والديّ واحد بعد الآخر، صارت حياتي عبارة عنه هو والأولاد والعمل، لكن ياسين لم يقصّر معي أبدًا، فهو معي طوال الوقت ولم أشعر يومًا بوِحدة أو بحاجة حتى لصديقة لقد ملأ كل فراغ في حياتي.

– بورك لك فيه! السعادة الدائمة لكما! إعتني به جيدًا فلا يوجد مثله الكثير في هذه الأيام.

وكان في نفس اللحظة قد وصل ياسين وقد سمع بعض من حديثهما وأعجبه ذلك كثيرًا لكنه ظل واقفًا مستمعًا للمزيد.

– آمين حبيبتي، وماذا عليكِ أنتِ؟

– أنا ماذا؟!

– شخص ما في حياتك! فمنذ أن عملتِ وقد أحدثتي ضجةً في الشركة، فكثير من الزملاء يتقدمون لخطبك ومن العملاء أيضًا، لكن يبدو أن هناك من يملك قلبك.

– أجل، كما تعلمين.

وهنا عطس ياسين فانتبهتا إليه نهى ومها وضحكتا فدخل ثم سلم وجلس مشاكسًا لزوجته كعادته، فنظرت مها بينهما وتنحنحت قائلة على استحياء: إذن أترككما وأذهب.

أومأ ياسين ضاحكًا: لا، أكملا حديثكما الشيق! أراكي كنتِ تتحدثين عن حبيب الفؤاد!

فضحكت مها وقالت: من الواضح أنك متابعٌ منذ فترة.

– ليس كثيرًا لكن قد أعجبني الحديث، نحن جالسين بصفة ودية يمكنك التعامل معي كأخٍ كبير فقولي ياسين بدون سيد.

– هذا شرف لي.

– من يكون حبيب الفؤاد ؟ هيا اعترفي!

قالها بمزحة فضحكت وقالت بعينين لامعتين: لا تتأمل كثيرًا هو مجرد شخصية في أفلام الكارتون.

فضحك بشدة وقال: شيءٌ متوقعٌ منك، كأن سيارة لعب الأطفال الواقفة بالخارج هي لكِ!

– أجل، فكلها شخصياتي المحببة.

– عفاكِ الله من حمقكك يا غالية!

فضحكوا جميعًا ثم قالت نهى: إنها كارتون يمشي على الأرض.

تابعت مها على استحياء: لو تسمح لي بطلبٍ يا ياسين في مثل هذه الجلسة المبهجة، لو تأذن لنهى والأولاد للذهاب معي لمشاهدة فيلمًا في دار العرض؟

عقد ياسين حاجبيه بتساؤل: فيلمًا! وما الفيلم الذي تريدون دخوله؟ هل ذلك الفيلم لتوم كروز أم إحدى الأفلام العربية أم ماذا؟

فضحكت نهى ومالت من شدة الضحك ثم قالت: لا يا عزيزي! إنه فيلمًا كارتونيًّا جديدًا.

فوجم قليلًا ثم ضحكوا جميعًا، بعدها جاء الأطفال بعد قليل وسلما على مها ووالديهما، كانت مها قد أحضرت معها بعض من تلك العرائس التي قد صممتها بنفسها واختبأت خلف أريكة مقابلة لهم وأخذت تقص عليهم حكاياتٍ متعددة بأسلوبها الساحر مع إحداث تغيير في نبرة صوتها حسب كل شخصية، تعبيرها وانفعالها المناسب، وقد جذبت انتباه الجميع ثم شرد ياسين قليلًا فذلك الموقف يذكره بشخص ما….

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان