رواية ” العوض الجميل ” الفصول من التاسع إلى الثالث عشر للأديبة نهال عبد الواحد

الفصل التاسع

وجم وليد وتجمد مكانه، نظر نظرة طويلة لأمه ثم جرى مسرعًا إلى غرفته وأغلق عليه بابه، جلس في الأرض يبكي بشدة ويرتفع نحيبه مثلما كان صغيرًا وتضربه أو تعنفه أمه.

وبعد بكاءٍ طويل دخل الحمام وفتح الماء فوق رأسه ولازالت دموعه تنهمر وبعد فترة أغلق الماء وجفف شعره ثم خرج ونظر إلى ساعته وقد قارب الفجر على الأذان فذهب وتوضأ وصلى العشاء وبكى كثيرًا لكن هذه الدموع مختلفة، هذه المرة هي دموع التوبة و الخشية من الله -رزقنا الله وإياكم حلاوة الخشوع وخشية الله-

ثم نهض واتجه إلى المسجد الذي كان قد اعتاد الذهاب إليه ثم انقطع ودخل المسجد ولم يكن هناك غير الإمام جالسًا يقرأ القرآن.

فدخل وصلى ركعتين ثم اقترب من الإمام ومد يده مصافحًا له وكان الإمام يعرفه.

فبشّ الإمام وسأله برفق: إيه يابني غيبتك طولت! روحت فين؟

فرد وليد على استحياء: الدنيا بتخبط في يا شيخنا!

– وإيه الجديد ماهي دنيا!

فسكت وليد ونظر إلى الأرض في حرجٍ شديد فلا يجد ما يقوله، فأكمل الإمام: شكلك رجعت!

فهز وليد رأسه بأن نعم على استحياء، فتابع الإمام: أول التوبة يا بني الشعور بالندم وإنك تحس إنك مخطئ وده أنا شايفه، كمّل بأه، وإوعى ترجع للذنب تاني.

– أنا حاسس إن ربنا ما قبلش توبتي عشان كده رجعت تاني.

– حاشاه! ربنا رحمته واسعة، ده بيتوب على الكافر إذا تاب ويبدل سيئاته حسنات، لكن الشيطان مش هيسيبك بسهولة تروح منه لازم يغويك كل شوية ولازم انت تقاوم وتفضل تستعين بالله وتدعيه يثبتك لأنه كل شوية هيدخلك من مدخل، بس إوعى يدخلك ويشكك في توبتك لربنا وإنت تصدقه فتيأس إنك تتوب تاني، إجمد وخليك قوي واستعين بالله وكمل في طريق الله حتى لو زاحف على بطنك بس إوعى ترجع.

وأذن أذان الفجر ثم قام المصلون وصلوا جماعة وجلسوا جميعًا في مقرأة للقرآن حتى شروق الشمس وعاد وليد يشعر بخفة في نفسه وأنه أحسن حالًا.

أتيت بذنبي يا نور فؤادي
فهل ترضي عني وقد فني زادي
هل للمسئ رجاء في رحمة وعطاء؟
هل تقبل الأعذار من مثلي يا غفار؟
هل للعيون تنام ندما على الأيام ؟
يا صاحب الإحسان إلهي يا منان!
جئت يا كريم عدت يا رحيم تبت يا إلهي

نام وليد واستيقظ قبيل الظهر ونزل فوجد أمه على وشك الخروج ذاهبة لشفق فناداها وليد: ماما!

فتوقفت في مكانها دون أن تلتفت نحوه فجرى عليها وأخذ يقبل رأسها كثيرًا ويديها قائلًا بندم: خلاص يا أمي، خلاص والله، حقك عليّ، أنا رجعت  وتبت والحمد لله ويارب يثبتني! بس إنتِ سامحيني، كله إلا زعلك!

فربتت على كتفه واحتضنته بحنانٍ وقالت: الحمد لله ياابني كله فضل ونعمة من الله.

فنظر إليها متسآلًا: انتوا رايحين على فين كده؟

– ماانت مش عايش معانا، إحنا كل يوم بنروح نقعد معاها ونرجع بليل.

– لسه تعبانة!

– لا إتحسنت كتير الحمد لله.

– عرفتِ سبب اللي حصلها؟

فربتت على كتفه وابتسمت وقالت: شفق ما تعرفش إنك ابني، مش كده؟

فأومأ وليد: لا ما تعرفش.

وهنا نادته شفق: يا بابي! إيه هوا  أنا ولا إيه! ولا بصتلي ولا عبرتني! مش وحشتك يعني!

فنظر نحوها ثم وجم مكانه ونظر لأمه فهزت برأسها أن نعم فكأنه لم يراها من قبل! ذلك الوجه الذي صار أكثر شحوبًا والشفاه المائلة للإزرقاق فاحتضنها وقبلها ثم وقف يحاول الابتسامة لابنته قائلًا: باي باي يافوفي.

ثم وجه حديثه لأمه هامسًا: هتصرف ف أسرع وقت إن شاء الله.

مرت الأيام ولازالت هالة وشفق يوميًا عند شفق ووليد بين عمله ومراسلاته للأطباء حتى وجد الطبيب المناسب وبدأت الإستعدادات للسفر.

وذات يوم بينما كانت هالة عند شفق في شقتها.

قالت هالة لشفق: كنت عايزة أتكلم معاكِ ف حاجة حبيبتي.

– إتفضلي يا ماما!

– إحنا خلاص ربنا كرمنا ووصلنا لدكتور مناسب هيعمل العملية لشفق.

فصاحت شفق بسعادة غامرة: بجد! ألف حمد وشكر ليك يارب!

– وطبعًا عارفة إن العمليات من النوع ده التعافي منها بيحتاج لوقت وكمان بتحتاج لفترة نقاهة.

– أيوة فعلًا، عمومًا لسه بدري على بداية العام الدراسي وحتى لو بدأ ما تقلقيش هتصرف.

– مش ده قصدي حبيبتي.

فنظرت نحوها شفق باستفهام، فأكملت هالة: شفق محتاجة لحد مهم يفضل جنبها طول الفترة دي وما يسيبهاش، حد بتحبه أوي ويكون قريب منها جدا، الحد ده يبقى إنتِ يا شفق.

– أنا مش فاهمة حاجة.

– عايزاكِ تسافري معانا وتقيمي معانا لحد ما شفق تخف تمامًا، انت عارفة إنها محرومة من أمها وانت الوحيدة اللي قدرتِ تملي الفراغ ده، والوحيدة اللي تقدري تسانديها الفترة الجاية، وبعدين أنا بصراحة ما قدرش أسافر وأسيبك لوحدك كل ده من غير ما أطمن عليكِ.

– بس حضرتك……

– أنا عارفة إنها حاجة مرهقة ليكِ حبيبتي وإنتِ مش ملزومة بيها.

– لا لا لا مش ده قصدي أبدًا، بس أقيم معاها! المنظر العام يعني، وبعدين باباها هيقول على إيه! لا لا دي صعبة أوي!

– لا هيقول ولا هيعيد، هو عارف ومرحب، مالكيش دعوة إنتِ وافقي وبس، ويا دوب عشان نلحق نجهز الأوراق وأنا معاكِ ف كل خطواتك ماتقلقيش والله! مش إنتِ بتعتبريني أمك!

– ربنا يعلم والله.

– يبقى خلاص وافقي.

وبالفعل وافقت شفق مع إلحاح من هالة وبدأت تخرج معها يوميًا لتجهيز الأوراق الخاصة بالسفر وشراء الملابس والمستلزمات وصار كل شيء على أتم استعداد.

لم تنسى شفق وليد طوال تلك الفترة، لكن عدم ذهابها إلى الفيلا جعلها لم تراه منذ زمن واستحت من السؤال عنه لكن لازال في قلبها ربما قد انشغلت عنه في فترة مرضها بسبب الحالة التي كانت فيها وما مرت به، لكنه الآن صار محتلًا لكل تفكيرها وتتسآل بداخلها هل لازال يذكرها! هل من لقاء يومًا؟

وجاء يوم السفر وذهبت شفق مع الطفلة وهالة إلى المطار ووقفن تنتظرن والد شفق وشفق في قمة توترها فلم يجمعها لقاء به سوى ذلك اليوم الذي صاح بوجهها عندما كانت شفق في المشفي.

لكن لماذا يدق قلبها بهذه الطريقة؟! مؤكد من التوتر والخوف.
إهدأ يا قلبي ! مالك صرت تدق بمناسبة وبدون مناسبة!
هكذا تحدث نفسها.

لكن فجأة إذا بصوتٍ تعرفه جيدًا يأتي من خلفها، صوتًا تعشقه واشتاقت إليه وإلى سماعه كثيرًا، لكنها ظنت أنها مجرد تهيؤات من شدة اشتياقها إليه.

لقد أُصبتِ بهلوسة سمعية يا شفق تسمعين كل الأصوات صوته، وربما لا أحد ينادي من الأساس.
هكذا تحدث نفسها مجددًا.

لكنها لاحظت نظر هالة مركزًا خلفها كما أن شفق اتجهت تجري خلفها فالتفتت إلى مصدر الصوت.

صاح وليد محتضنًا ابنته: حبيبة بابي!

نظرت شفق نحوه وأخفضت طرفها مسرعةً إنه حقًا وليد!

وليد والد شفق!  يا لحماقتك! إن شفق تدعى  شفق وليد عوني، وكيف لعاملٍ بسيط في رأيك أن يتجول داخل حديقة الفيلا بتلك الحرية؟!
لكنه لم يقل لك يومًا أنه عامل أنت من ظننتِ ذلك بحماقتك.

كانت شفق شاردة في أفكارها وأغمضت عينيها للحظات كأنها تحاول استعادة توزانها، وبالطبع كانت أعين وليد مسلطةً عليها.

قالت هالة: إتأخرت كده ليه ياوليد؟

– معلش يا ماما كنت بقفل شوية حاجات – ثم التفت نحو شفق مبتسمًا ابتسامة رائعة أظهرت طابع الحسن خاصته من بين لحيته الخفيفة وأكمل-  إزيك يا ميس شفق؟

أجابت شفق بفجأة وقد تخافت صوتها: هه! ثم قالت: أهلًا وسهلًا.

تشعر الآن باضطرابٍ كبير فقد زادت المسافة أكثر وأكثر، بل بات الأمر مستحيلًا؛ في السابق كانت تحمل هم مصارحة وليد البسيط فما بال الآن وهو وليد عوني رجل الأعمال الثري.

الفصل العاشر

سافر الجميع إلى لندن وأقاموا في منزلٍ استأجره وليد فلازال هناك عدة أيام تسبق موعد العملية.

كانت شفق منذ ذلك اللقاء وهي تتلاشى لقاءه أو التعامل معه على الإطلاق فهي تقضي وقتها بمفردها أو مع شفق.

والآن يا شفق اغلقي ذلك الباب وضعي أكبر حجر على قلبك حتى يهدأ ولا ينبض مجددًا.
ماذا كنتِ تنتظرين؟
فقد كنتِ تعلمين نهاية الطريق الذي سِرتِ فيه ومع ذلك اختارتيه، يكفي ما قطعتيه فيه وعليكِ العودة! يكفيكِ بعض الذكريات الحلوة أليس ذلك كلامك؟!
أأكنتِ تظنين أن الأمر بتلك السهولة!
هكذا كانت تحدث نفسها دائمًا.

لكن وليد لم يكف عن ملاحظته لها بدقة فهي هادئة الطباع والأخلاق وتكاد لا تنام إلا قليلًا.

وذات يوم كانت الساعات الأولى قبيل شروق الشمس يوم العملية وكانت شفق قلقةً للغاية بشأن تلك الطفلة وانتهزت فرصة هدوء البيت ونوم الجميع ونزلت إلى حديقة المنزل جلست بأحد أركانها كان يوجد أيضًا حوضًا من الزهور، هكذا تكون أماكن تواجدها.

جلست تنتظر ارتفاع الشمس وتعد كم ساعة متبقية لدخول شفق العمليات.

ظلت جالسة تستنشق عبير الزهور ورائحة الندى متلمسة بيدها عابثة برقة تلك الزهور المتمايلة وفجأة شعرت بشخصٍ يجلس جوارها فانتفضت مفزوعة.

قال وليد: صباح الخير.

فأجابت شفق بتوترٍ: صباح النور.

– صاحية بدري يعني ولا قلقانة!

– أنا متعودة أصحى الفجر وما انامش تاني، وقلقانة شوية برضو، بس إن شاء الله خير.

– إن شاء الله.
ثم أكمل وليد بتساؤل: مش بتنامي بليل ولا بالنهار ولا بعد الفجر أمال بتنامي إمتى؟!

– هه! إتعودت على كده.

– وبالنسبة للمخ نظامه إيه؟
قالها بمزاح وسكت قليلًا ثم سألها: هو احنا متخاصمين ولا حاجة!

– لا طبعًا! حضرتك ليه بتقول كده؟

– هي وصلت لحضرتك كمان!

– المقامات محفوظة يا فندم.

– طب بلاش طريقتك دي عشان بتغيظني، وافتكري كويس إني عمري ما عرفتك على نفسي ولا قولتلك إني بشتغل ف الفيلا، انت اللي إفتكستي كده من نفسك.

– عارفة! ماهو من غبائي!

فضحك ثم قال: لا معلش الغلط ممنوع، بس عارفة بصراحة كنت مبسوط وانت بتعامليني على إني واحد بسيط، كان نفسي ف حد كده فعلًا، زهقت م الوشوش الكدابة اللي بتنافق وهي بتتعامل معايا كوليد عوني وبس، لكن انتِ كنتِ بتتعاملي معايا أنا، مع شخصي أنا، بتتعاملي من غير زيف ولا تمثيل، بتتعاملي بتلقائية وصدق، ليكِ طريقة كده بصراحة خطفتني، بحس إني معاكِ على حريتي مش محتاج أترسم أدامك، أكتر حد بعد أمي شافني صح وفهمني صح وعرف يتعامل معايا، عارفة بتشدي إمتى وتفوتي إمتى، مالك يا شفق عاملة كده ليه؟!

قال الأخيرة بقلق فسكتت وبدأت دموعها تتساقط فاقترب منها ورفع وجهها إليه ومسح دمعها بيديه لكنها هربت بوجهها عنه بل ودت أن تهرب كلها وهمّت بالوقوف فأمسك يدها وأجلسها مجددًا.

وسألها: ليه كده؟ ليه كل ده؟ توقعت إنك تتفاجئي بس مش للدرجة دي.

فردت بانفعال: عشان المسافات كبرت أوي! أكبر من احتمالي واحتمالك، كتر خيرك إنك فاتحلي بيتك ولسه قادر تقعد معايا كمان.

ثم سكتت فجأة وانتبهت لتلك الطريقة التي تتحدث بها! إنها المرة الأولى التي تنفعل عليه هكذا بل المرة الأولى على الإطلاق مع أي شخص!

ابتسم وليد وتابع: كنتِ دايمًا لابسة نضارة شمس بس لما شوفت لون عنيكِ خصوصًا ف الشمس قلت لها حق تداريهم عن الكل؛ أصلهم قتالين خصوصًا مع رموشك الطويلة دي، يخلوا الضربة ف مقتل، كنتِ دايما تتكلمي مع أي حد وتحطي وشك ف الأرض بس لما بصتيلي وأنا بكلمك فهمت أد إيه كان هيبقى في ضحايا لما تبصيلهم كده وإنتِ بتكلميهم، وعمري ما شوفتك متنرفزة ولا متعصبة رغم كل الإستفزاز اللي استفزتهولك بس شكلك يجنن فعلًا وإنتِ متنرفزة، والأهم إني الوحيد اللي قدرتِ تنفعلي أدامه بحريتك.

كانت شفق تستمع لكلامه وهي في قمة خجلها ووجهها يزداد توردًا، فأكمل وليد مشاكسًا: وجمالك زايد أوي وإنتِ مكسوفة، هتخليني أتفنن إزاي أكسفك عشان أشوف الجمال ده.
واقترب وهمس: وانا بعرف كويس أكسف البنات الحلوين.

شردت بإرتباك ثم صاحت بتوتر لدرجة اللعثمة: مش شايف إنك إنك زودتها! وبعدين وبعدين دي مبالغات زيادة زيادة عن اللزوم.

فضحك من هيئتها ثم قال: هركن الكلام ده دلوقتي لأني مش ببالغ أبدًا، بس بلاش سكة المسافات كبرت وأنا بنت عامل بسيط وكل اللي هتقوليه وتقللي بيه نفسك، إنتِ مش قليلة أبدًا، اللي تقدر تتحدى كل ظروفها وتبقى بهيئتك وتحقق اللي حققتيه دي تبقى إنسانة عظيمة وقوية.

– حاول تفكر بواقعية، أنا مين؟ بنت مين؟ أهلي مين؟ كنت ساكنة فين؟ كل دي أسئلة لازم تبقى مستعد ليها، أنا عمري ما نكرت أصلي ولما بخبي حقيقتي عن الناس ده لأن الناس مش بتفكر كده، دايما بتشوف إن اللي جاي مـ…..

فقاطعها: وأنا مش زيهم، وأصلًا زهقت منهم، يعني لما جربت وخدت بالمظاهر حصلي إيه! اختارت واحدة من طبقة بس مش مناسبة وسلمتها نفسي، كنت فاهم إني بحبها وأنا عمال شبيك لبيك وهي تدوس وتاخد وبس، وف الآخر خانتني ورمت بنتها وراحت، شفق أنا ما عرفتش أشوف الدنيا من جديد ولا عرفت ألاقي نفسي التايهة إلا لما ظهرتِ ف حياتي، إتأكدت ساعتها بس إني عمري ما حبيت، وأد إيه ربنا بيحبني وحط ف طريقي ملاك زيك، سبب ف هدايتي، شفق إنتِ شاركتيني ف حب بنتي، ف حب أمي، حتى ف ظروف مهمة زي اللي احنا فيها برضو شاركتيني، طمعان كمان إنك تشاركيني حياتي، توافقي تتجوزيني وتبقي مش مسئولة عن شفق لوحدها وأبوها كمان! أبوها اللي بصم بالعشرة إنه لا حب ولا هيحب غيرك، بحبك يا شفق.

كانت شفق كالمغيبة تظن نفسها في حلم، فما تسمعه الآن فاق قدرة قلبها على تحمله، مؤكد أنه حلم وستسيقظ وتفيق منه بعد قليل! وكلمة أحبك تلك قد فاجئتها وجعلتها تظل واجمة وناظرة إليه.

فتابع وليد بمكر: طب بطلي تبصيلي كده، عشان هتبقي الجانية عن نفسك.

وبينما شفق في حالتها هذه حتى فاجأتهما شفق الطفلة تقفز عليهما فانتفضا، فضحكت الطفلة بشدة وقالت: صباح الخير.

رد وليد مازحًا: فجعتينا يا فوفا.

تابعت الطفلة: سوري داد -ثم التفتت نحو شفق وتسآلت- مالك يا ميس شفق؟

انتفضت شفق فجأة قائلة: هه! إنتِ جيتِ إمتى؟

أجابت الطفلة: لسه ناو.

قالت شفق: في حد يصحي م النوم وينزل ف الهوا كده على طول!

– لا أنا صاحية من بدري وغسلت وشي وشوفتكم قاعدين فنزلت اقعد معاكم.
سكتت قليلًا ثم سألتها: هي هي هي العملية بتوجع؟

فنظر إليها وليد ثم نظر إلى شفق أن لا يدري ماذا يجيبها، فأجابتها شفق: هي هتوجعك شوية صغيرة وبعد كدة تخفي خالص وتبقي زي الفل.

تابعت الطفلة: طيب!
ثم نظرت بينهما وابتسمت فجأة وسألتها: هو إنتوا كنتوا بتقولوا إيه؟
ونظرت بينهما فنظر وليد وشفق لبعضهما البعض دون رد.

فأكملت الطفلة: طب أنا ممكن أقول حاجة!

قال وليد: قولي يا قلب بابي.

– ما دمت إنتوا الإتنين قاعدين بتتكلموا مع بعض تبقوا متصالحين، وأنا بحبك يا بابي وبحب ميس شفق أوي ومش بحبها تروح وتسيبني، وحتى لما بروح ف بيتها مش ببقى عايزة أروح، ينفع تخليها مامي؟

فابتسم وليد وغمز لشفق ثم قال لابنته ببلاهة مصطنعة: أخليها مامتك إزاي؟

– اتجوزها يا بابي وتفضل معانا على طول.

– قولتش حاجة أنا، والله يا فوفا بتحايل عليها م الصبح!

– وافقي يا ميس شفق، وافقي عشان خاطري، والله بابي ده جميل و أمور! هو ساعات بيتحول بس أكيد مش هيزعلك.

فضحك وليد وشفق ثم قال وليد: بأه أنا بتحول!

– لا لا ده كان زمان بس، لكن دلوقتي هو أمور وعسول.

– هه يا ميس شفق! ده مطلب جماهيري.

– طب بوسها يا بابي وهي هتوافق على طول.

فضحك وليد بشدة لدرجة دمعت عيناه ثم قال: حبيبة أبوكِ والله! هه! أسمع كلامها!

فردت شفق بخجلٌ شديد: حبيبتي ده كلام كبار، يلا عشان ألبسك وتجهزي نفسك.

– لا أنا هلبس لوحدي وإنتِ تسرحيلي شعري -ثم اتسعت ابتسامة الطفلة وأكملت: يا مامي.
ثم قبلتها في خدها فضمتها شفق إليها بعَبرة تحاول التخلص منها ألا تهبط و وليد يتابعهما بنفس تلك العبرة.

نهضت الطفلة وقالت بمكر: أنا همشي وأسيبكم شكلكم مكسوفين مني.

وانصرفت الطفلة الماكرة فضحك وليد بشدة ثم نظر لشفق فقالت: ودي معناها إيه البصة دي!

– أصلي بحب بنتي ومااحبش ارفضلها أي طلب.

– آه!

قالتها بتهكم فتابع وليد بعشقٍ واضح: طب والله هبقى حنين وهشيلك ف عيني! وافقي بس، ما اخبيش عليكِ حاولت أكابر قبل كده وأبعد لكن فشلت فشل ذريع، وافقي بأه يا ملاكي.

– طب نطمن على شفق الأول.

– طبعًا! مفيش حاجة هتحصل غير بعد ما نطمن على شفق، بس نفسي ف وعد، ف كلمة موافقة، أمل يردلي روحي.

فابتسمت شفق على استحياء ولم تعقب، فصاح وليد: موافقة!

فهزت برأسها موافقة، فقال بسعادة بالغة: بحبك!

ومسك يدها وقبلها فارتعشت وارتبكت وسحبت يدها مسرعة وتوردت من الخجل فضحك من هيئتها.

الفصل الحادي عشر

ذهبوا جميعًا إلى المستشفى وبدأت تجهيزات شفق للعملية وفي اليوم التالي حان وقت إجراء العملية والجميع في قلق، يدعون ويبتهلون أن يمر كل شيءٍ بسلام، فالله هو الشافي المعافي بإذن الله وهو على كل شيءٍ قدير.

مرت ساعات طويلة ببطءٍ عليهم حتى أخيرًا خرج الطبيب يبشرهم بإتمام العملية على أكمل وجه وستوضع الطفلة في غرفة العناية المركزة تحت الملاحظة لفترة من الزمن.

بالطبع كان الطبيب يتعامل مع شفق على أنها أم الطفلة بل وجميع الموجودين بالمستشفى مما يظهر عليها من قلقٍ، حبٍ وحنان شديد للطفلة، اهتمامها الشديد بها وبكل شئونها، فإن كان هناك المسؤول عن العناية بالطفلة لكن شفق كانت تهتم بكل تفاصيل تخصها فكانت تبدل ملابسها بنفسها، تصفف شعرها، تهتم بإطعامها وتناول الأدوية في مواعيدها.

كما كانت هيئة وليد وشفق هيئة أبوان محبان ومتفاهمان، بدأت حالة الطفلة تتحسن وهي تشعر بدفءٍ أسري ووجود أبوان مترابطين يحبانها وذلك قد أسعد هالة كثيرًا.

خرجت الطفلة من المستشفى وقد سألت شفق عن تفاصيل وتعليمات الإعتناء بالطفلة بعد عودتها إلى المنزل لتنفذها بحذافيرها وبعد ذلك عادوا جميعًا إلى مصر وكان هناك طبيبًا آخرًا لمتابعة حالتها لفترة من الوقت.

صارت شفق تعيش معهم ولم تعد إلى شقتها وكانت تقضي معظم الوقت في عناية الطفلة وبدأ وليد يعود في منتصف اليوم إلى المنزل على غير العادة لتناول الغداء وقضاء بعض الوقت مع شفق.

اقترب وليد وشفق كثيرًا في الآونة الأخيرة وقد اتفقا على إتمام زواجهما قريبًا وبدأت هالة بالتجهيزات الخاصة وشراء الملابس والمستلزمات وإعداد غرفة نوم جديدة للعروسين، نقل وليد أشياءه و أقام في غرفة أخرى مؤقتًا.

كانت هالة ترغب في حفل زواج كبير يليق بوليد لكن وليد فضل مجرد حفل بسيط في حديقة الفيلا وقد وافقته شفق على ذلك.

وبدأ العد التنازلي وصار كل شيء على أتم استعداد ولم يتبقى سوى أيامٍ قليلة على موعد زفافهما.

رغم اقتراب شفق ووليد وحديثهما معًا بشكل مستمر إلا أن شفق لم تخبره بكل شيءٍ بعد، وكلما اقترب موعد الزواج كلما اضطربت شفق وشردت أكثر.

وذات ليلة جاءت هالة تجلس جوار شفق على أحد الكراسي قرب المدخل وقد كانت شفق شاردة ويبدو عليها الهم أو التفكير في أمرٍ جلي.

فسألتها هالة: عروستنا الحلوة مالها سرحانة ف إيه؟
ثم ضحكت.

– هه! ثم قالت بتنهيدة: قلقانة وخايفة.

تابعت هالة ولازالت تضحك: كل العرايس بتبقى كده قرب فرحها خايفة على قلقانة، بس ما تخافيش ياحبيبتي أنا هبقى مامتك مش حماتك، ووليد كمان حنين و بيحبك وهيشيلك ف عنيه وعمره ما هيزعلك.

– مش ده اللي أقصده يا ماما.

– جرى إيه يا عروسة ما بتعرفيش تفرحي ولا إيه!

فتنهدت شفق قائلة: يظهر كده.

– يا حبيبتي إنسي كل حاجة بأه.

– تفتكري يا ماما لو وليد عرف الحقيقة هيفضل عاوزني!

– وليد عرفك وفهمك، ده بيعشقك يا قلبي.

– هيفضل عاوزني! حتى لو عرف موضوع أخويا!

– للمرة الألف بقولك مش ذنبك يا حبيبتي، مش ذنبك إن أخوكِ يبقي مدمن ولا حتى قتال قتلة! المهم إنت إيه، وبعدين الحمد لله انت سبتيه وربنا نجاكِ منه، امسحي الصفحة دي من حياتك بأه.

– ده بالنسبة لي، لكن هو نساني! بيدور عليّ! ولو عرف طريقي هيعمل إيه؟ ولوعرف اتجوزت مين هيعمل إيه؟ وإزاي أحط عيني ف عين وليد وأنا مخبية عنه سر زي ده؟ الموضوع مش بالبساطة دي.

– أنا شايفة إنك تفرحي وتعيشيلك يومين من نفسك وسيبي موضوع أخوكِ ده مش وقته، مش يمكن ما يعرفش يوصلك!

– مفيش حاجة بتفضل مستخبية يا ماما، ولو عرف يوصلي هيسيبني حية! ولا هيستغل إني مرات وليد عوني ويفضل يساومني ويبتزني! وليد ساعتها هيفهم إني لويت دراعه واستنيت لما أبقى مراته وحطيته أدام الأمر الواقع وماادتهوش فرصة يختار مش يمكن يغير رأيه لما يعرف الحقيقة؟

– وأنا باقولك للمرة الألف ده مش ذنبك وما حدش بيتحاسب على عمل غيره.

– وأنا بين نارين يا ماما أفضل مخبية عليه وأسيبها بظروفها بس مش هعرف ويوم ما وليد هيعرف عمره ما هيسامحني، ولو قولتله دلوقتي مش عارفة ردة فعله بس أكيد هخسره وده صعب عليّ أوي دلوقتي، يا ريتني ما كنت سيبت نفسي! ياريتني كنت هربت منه!

– إهدي يا قلبي دلوقتي و حاولي تفرحي.

– مش هعرف أفرح وأنا شايلة سر زي ده، وكمان مش هعرف أكدب عليه…

وفجأة صوت يأتي من خلفها: وتكدبي ليه و لا تخبي؟ حقيقتك انكشفت خلاص! لسه كنت بتفكري تقوليلي ولا لأ! ويا ترى مخبية إيه تاني؟ ما الحق مش عليكِ، الحق عل اللي ما بيتعلمش وكأنه بيتمزج كل ما ياخد قلم جديد، بس سها كانت واضحة عنك! رغم كل مساوءها بس ما احتاجتش إنها تلبس توب الملايكة والشرف اللي دخلتِ به علينا كلنا، بأه أخوكِ مدمن وإنتِ مخبية وبعد كده يظهر بسلامته وطبعًا لازم أرحب بيه ف عيلتي! وطبعًا هيكبش وياخد! الله! برافو حقيقي برافو!

فصاحت شفق: لا يا وليد الموضوع مش كده خالص، إنت عارف كويس إني يوم ما عرفتك وحبيتك ما كنتش أعرف إنت مين؟

– والله! وإيه اللي يضمنلي! واضح إني كنت غبي ودخلت عليّ، بس خلاص أنا فوقت وصحيلك كويس أوي ولألاعيبك دي، هو في ملايكة بتعيش عل أرض ولا حاجة!

– أرجوك يا وليد إسمعني…….

قالتها بصوتٍ خالطه البكاء فقاطعها بصرامة: أنا لا عايز أسمعك ولا أشوفك ولا أعرفك بعد كده! وإوعي تحاولي تتصلي بأمي ولا بنتي اللي واكلة عقلهم بسكة الحنية بتاعتك دي، أنا هنقل بنتي خالص م المدرسة دي و إياكِ تحاولي تقربي تاني من عيلتي ساعتها هروح المدرسة وأقولهم على حقيقتك ومش هسيبك ف حالك، إنتِ لا أدي ولا تعرفي وليد عوني ممكن يعمل فيكِ إيه! ده مش بعيد تكوني عاملة عاملة وجاية تدبسيني فيها.

هتفت شفق بتماسك: من فضلك يا بشمهندس لحد كده وكفاية أوي.

– ده أنا اللي كفاية أوي! إتفضلي لمي هدومك وامشي من هنا ومع السلامة من مكان ما جيتِ، ساعة زمن ومش عايزك ف البيت.

انصرفت شفق مسرعة نحو غرفتها تجمع ملابسها وأشياءها بينما هو فدخل إلى غرفة المكتب، أما هالة فجلست مكانها تبكي في صمت وكأن الفرح قد حُرم من دخول هذا البيت.

وبعد قليل نزلت شفق تحمل في يدها حقائب ملابسها وأشياءها وتحاول التماسك أمامها وما أن رأتها هالة حتى أرتمت في حضنها وبكت بشدة فأخذت تهدأها وتربت عليها.

تحدثت شفق متصنعة التماسك: خلاص يا حبيبتي إهدي.

– بس أنا مش هسكت!

– خلاص يا حبيبتي، أهم حاجة إوعي شفق تعرف حاجة إخترعي أي حكاية مش عايزاها تتعب ولا ترجع تكره أبوها من تاني.

– بس إنتو بتحبوا بعض.

أجابت شفق بمرارة تحاول إخفاءها: كانت نهاية متوقعة يا ماما، الحب و النهايات السعيدة دي حاجة للقصص والروايات وبس، بس أنا عمري ما هبطل أحبه، أنا كنت عارفة إن ده رد فعله، المهم إوعي تخليه يرجع عن طريق الهداية اللي مِشي فيه، خليه يكمل، أنا يهمني سعادته وصلاح أحواله حتى لو مش مع بعض، ما هو مش معقول الدنيا هترضى عني أوي كده، وكفاية عليّ أحلي أيام وذكريات عِشتها معاكم، خلي بالك من نفسك، مع السلامة.

ثم تعانقتا بشدة وانصرفت شفق وكان وليد يقف خلف باب المكتب وقد سمع كلامها ولم يدري إن كان محقًا أم تسرّع بتصرفه والحكم عليها.

ذهبت شفق إلى شقتها وقابلت حارس العقار عم عبده الذي هتف: حمد الله على السلامة.

– الله يسلمك، معلش كنت عايزاك تجيبلي الطلبات اللي هكتبهملك والفلوس أهي، خليها الصبح أحسن لأني تعبانة وعايزة أنام.

قالتها شفق وهي تكتب طلباتها في ورقة مسرعة ثم أعطتها له، تركته وصعدت حتى وصلت إلى شقتها وما أن فتحت الباب ودخلت حتى جلست على الأرض وبكت بحرقة، وبعد مرور بعض الوقت قامت وأخذت حماما دافئًا ودثرت نفسها تحاول النوم لكن هيهات.

الفصل الثاني عشر

كانت الليلة السابقة عصيبة على الجميع فلم ينم أحد في تلك الليلة، ظلت شفق في فراشها تبكي وتسترجع كل  لقاء وموقف جمعهما، تذكر كيف تحرك إحساسها فجأة، تفتح هاتفها وتشاهد صورًا جمعتهما معًا وأخرى مع هالة وغيرها مع شفق وآخرين لهم جميعًا.

كم حذرتكِ من تلك اللحظة! كنتِ ترين النهاية ولكنك مضيتِ في طريقك هذا، قلتِ يكفي أن أشعر بذلك الإحساس، قلتِ يكفيني وقتها أن تكون لدي ذكريات حلوة.
تفضلي وعيشي الذكريات!  كنتِ تظنين أن الأمر سهلًا، ليست مشاعر وقلبًا يتمزق!
أنتِ المخطئة فحتى لا تستطيعين أن تلوميه.
لا بل ألومه كان ينبعي عليه أن يسمعني ويعلم كم عانيت! وكم تألمت! وكيف كنت سأنتهي بسبب ذلك الأخ! لكن ما الفائدة فلن يصدقك!
لقد صُدم عندما خدعته زوجته الأولى، والآن أنتِ في نظره مخادعة ولن يأمن لكِ أبدًا.

وهالة أمضت ليلتها تبكي فقد فقدت ابنة لها كانت قد أرسلت لها لتعوضها عما سبق والآن ترحل مجددًا، هي لم تفقد ابنة فحسب بل ابنها أيضًا فهي تعلم كم أحب وليد شفق ولن يكون بخيرٍ أبدًا بعد ذلك الفراق،  وماذا عن شفق حفيدتها؟ ماذا سيحدث عندما تعرف؟

أما عن وليد فقد ظل مكانه في غرفة المكتب حزينًا متألمًا، ماله لا يقابل سوى المخادعات!  لكن قلبه يحترق بشدة، هل تسرعت وكان عليّ أن اسمعها؟!
ماذا كانت ستقول؟ ستخترع كذبة أخرى أم ماذا؟ لماذا أشعر بوخذة في ضميري؟ لا هي في قلبي، ذلك لأن قدراتها على الخداع أعلى بكثير، إياك يا وليد أن تهرب من الحقيقة فجميعهن مخادعات! لكن لن أضعف ولن أنهار.

وفي الصباح وعلى سفرة الإفطار جلس الجميع صامتًا واجمًا، ومن له شهية للطعام؟! فالجميع يحترق حزنًا وألمًا، لكن وليد قرر تجاهل الموقف وتجاهل حزنه الدفين وبدأ في الأكل، لكن اللقمة لا تُبتلع كأن حلقه قد سُدَّ، شعر بضيقٍ شديد حتى أنه فتح أزرار قميصه العلوية ليستطيع التنفس.

نزلت شفق الطفلة تسلم على جدتها وأبيها و تبحث بعينيها عن شفق.

صاحت الطفلة بتعجبٍ: إده معقول مامي لسه نايمة لحد دلوقتي؟! أنا طالعة أصحيها.

نبس وليد بجمود: خليكِ مكانك ما تطلعيش.

– هي أكيد قاعدة بتقرأ وناسية نفسها.

فصاخ بغضب: إستني عندك يا……
وتوقف عن الكلام و حدث نفسه يصرخ فيها: ياالله!  دون جميع الأسماء يكون إسمك على إسم ابنتي الوحيدة! حتى أختي الوحيدة- رحمها الله- على إسمك! هل أكرههما من أجلك؟!
ما هذا العذاب؟ كلما ناديت عليها أذكرك!
وكل مرة أنطق بإسمك أراكِ أمامي! هل حُكم عليّ أن تسكنيني ولا تخرجي أبدًا؟!

هتفت شفق: أنا هطلع أنادي مامي.

فصرخ فيها بقوة وقسوة: مفيش مامي! دي مش مامتك! مامتك ماتت زمان! ودي مشت خلاص!

تأففت هالة وصاحت بضيق: إيه اللي إنت بتعمله ف البنت ده!

فبدأت الطفلة في البكاء والإرتجاف وتنظر لأبيها بخوف شديد ثم قالت: ماليش دعوة! أنا عايزة مامي شفق! إنت بآيت وحش تاني! هي مامتي! أنا عايزة مامي! أنا…..

وفجأة سقطت مغشيًا عليها، حاول وليد مسرعًا محاولًا إفاقتها ثم حملها مسرعًا إلى المستشفى ذاهبًا إلى الطبيب المتابع لحالتها وكانت معه أمه هالة وكانت متعبة للغاية هي الأخرى لقد ارتفع ضغطها بشكلٍ غير طبيعي وهي الأخرى ليست على مايرام وقد وضع لها الطبيب عددًا من المحاليل.

مر بعض الوقت حتى جاء الطبيب يتحدث إلى وليد.

صاح وليد بقلق: خير يا دكتور طمني!  هي مش كانت كويسة!

أجاب الطبيب مستنكرًا: أنا اللي المفروض أسألك إيه اللي حصل ووصلها للحالة دي! لازم تكون إتعرضت لضغط نفسي شديد!

– بصراحة هو حصل موقف كده، بس ما تخيلتش….

صاح الطبيب بغضب: إيه التهريج والاستهتار ده!  ده أنا مأكد على حضراتكم ممنوع أي ضغوط من أي نوع لحد الفترة دي ما تعدي على خير! أمال فين مامتها هي حافظة التعليمات كويس؟

– بس دي مش مامتها.

– هي فين أيًا كانت؟ تطلع مامتها تطلع خالتها! تفاصيل ما تهمنيش المهم إنها تكون هنا فورًا! واضح إن غيابها هو السبب، أنا شوفت إرتباطهم ببعض وكنت بحسبها مامتها، من فضلك اتصرف لو كنت عايز بنتك تتحسن!

وانصرف الطبيب ووجم وليد وتجمد في مكانه بعض الوقت.

ثم نظر ناحية أمه وتأفف قائلًا: يلا إتفضلي قوليلي إنتِ كمان!

– عايزني أقولك إيه! أقولك إنك غلطان حكمت ظلم من غير ماتسمع ولا تراعي! أقولك إنك ضيعت واحدة لو لفيت الدنيا كلها مش هتلاقي ضفرها! أقولك إن كبرياءك ده خسرك ولسه بيخسرك! أنا هقولك حاجة واحدة بس، أنا اتحرمت زمان من بنتي قلت قضاء الله ومالناش حاجة ف نفسنا، جه ربنا عوضني بعدها بسنين ببنت تانية حبيتها وحبتني واديك ضيعتها، لكن كمان عايز تضيع حفيدتي الوحيدة اللي ماليش غيرها! مش هسمحلك تضيعها مني هي كمان!
ثم قالت بهدوء وتوسل: أرجوك روح جيبها حتى لو عشان خاطر بنتك وبس، خايفة البنت يحصلها حاجة بقرارك ده.

وقف بعض الوقت ثم ربت على كتف أمه وانصرف.

ذهب بسيارته حتى وصل إلى البيت الذي تسكن فيه شفق وظل داخل سيارته لفترة ثم ترجل ودخل العمارة فلم يجد حارس العقار فذهب نحو المصعد فتذكر أنه ليس معه مفتاح للمصعد فصعد على السلم حتى وصل للطابق ووقف مكانه يتلاقط أنفاسه.

كانت شفق على حالها من الأمس وقد أصابها صداع شديد فقامت متجهة إلى المطبخ تبحث عن أي شيء ربما يكون موجودًا وهي تحدث نفسها: أيووه عليك يا عم عبده!  كل ده بتجيب الحاجة، اللي يتكل عليك في حاجة!

ودخلت المطبخ تبحث هنا وهناك حتى وجدت علبة من البُن وأخرى للبن مجفف فصنعت كوبًا من القهوة واتجهت نحو الشرفة جلست فيها مستنشقة الهواء فهي تشعر باختناقٍ وضيقٍ شديد وبدأت تشرب قهوتها التي لا تستطعمها ولا تعلم إن كان بسبب قِدَمها أم بسبب المرارة التي تحياها وفجأة رن جرس الباب فتنهدت أن أخيرًا حيث ظنت أنه حارس العقار  وفتحت لكنه كان وليد فوقفت واجمة بعض الوقت ثم استدارت بعينيها عنه وتحدثت بطريقة جدية: أيوة يا فندم يلزم خدمة!

سكت قليلًا ثم أخذ نفسًا عميقًا ثم قال بلغة آمرة: إتفضلي إلبسي وإنزلي معايا دلوقتي حالًا.

فالتفتت إليه بحدة لكن لم تخفي ما داخل عينيها من شجنٍ وحزنٍ شديد ثم أخذت نفسًا عميقًا هي الأخرى وقالت محاولة التحدث بهدوء: حلو أوي ده! إمبارح إتفضلي لمي هدومك وامشي، ودلوقتي إلبسي وإنزلي حالًا، وأنا إيه بأه!

– شفق تعبت وف المستشفى ولازم تيجي حالًا.

فردت مسرعة بلهفة: مالها جرالها إيه!

فرد بحدة: بقول ف المستشفى تبقى مالها!

فزعت شفق لكنهما انتبها فجأة لوجود عم عبده الواقف متابعًا لهما فنظرت إليه شفق ثم قالت لوليد: استناني تحت لحد ما أغير هدومي.

وأخذت المشتروات من عم عبده ودخلت الشقة وأغلقت الباب ثم ذهبت لتبدل ملابسها سريعًا.

أما وليد فقد نزل في المصعد ينتظرها في الأسفل ولاحظ نظرات عم عبده التي لم تعجبه على الإطلاق حتي سأله الرجل: هو حضرتك تطلع مين بالظبط؟

صاح وليد بغضبٍ: نعم!

– أصل ست شفق بآلها سنين هنا وعمرنا ما شوفنالها قريب ولا أي حد غير أبوها الله يرحمه، ولو حد من أهالي الولاد اللي بتديهم دروس وما كانش بيطلع أبدًا، فمعلش يعني السؤال مافيهوش حاجة.

– آه! أنا خطيبها وهنتجوز كمان كام يوم وكانت قاعدة مع والدتي بدل ما تقعد لوحدها، في أسئلة تانية!

– ربنا يتمم بخير يا بيه، ما تأخذنيش أنا آسف بس انت عارف الناس كلامها كتير، وحضرتك يعني جاي بطولك وهي وحدانية.

– حصل خير.

-حضرتك والد ست شفق الصغيرة مش كده!

أجاب وليد بنفاذ صبر: أيوة أبوها.

– ربنا يطمنك عليها ويتمم بخير! والله ميس شفق مش هتلاقي زيها!

– شكرًا.

وانتظر قليلًا ثم وجدها تنزل فأشار بيده لتركب جواره فركب الاثنان وسار بالسيارة حتى وصل أمام  المستشفى فهمّت بالنزول فجذبها من ذراعها فجذبت يدها نحوها بقوة.

فأسرع بكلامه بحدة: قبل ماتنزلي لازم تعرفي إنت جاية ليه! شفق تعبت لما عرفت إنك مشيتي! وبكده مفيش أدامي أي حل غير وجودك من تاني ف حياتنا عشان خاطر بنتي وأمي، لعبتيها صح وعرفتي تلوي دراعي تمام!

فهمت بالحديث فأشار بيده أن تسكت وأكمل بحدة ووقاحة: هنطلع دلوقتي ونفهمهم إننا إتصالحنا  والفرح هيتم ف ميعاده! بس ده صوري يعني عل ورق وبس! وما تحلميش بأكتر من كده! ومش أدامك أي حل تاني لأني قلت كده  للبواب لما سألني أطلع مين! قولتله إني خطيبك وهنتجوز كمان كام يوم! الوضع ده طبعًا لحد ما شفق تخف تمامًا وما يبقاش في أي خطر بيهدد صحتها، وساعتها هبقى أفرج عنك واطمني هديكِ مؤخر محترم، بس طول الفترة دي لازم تفهمي إنك حرم وليد عوني أدام  الجميع يعني تخلي بالك كويس من شكلك وتصرفاتك عشان هتبقي ف وشي وأنا ما برحمش! وحسك عينك تحاولي تعملي معايا أي حركة م الحركات إياها عشان ده موضوع منتهي! وتتفضلي تفردي وشك وابتسمي عشان الناس تصدق!

كانت تستمع إليه وكلامه يمزقها ويؤلمها للغاية ولم تملك إلا دموعها التي تنهمر.

(الفصل الثالث عشر)

ترجلت شفق من السيارة شاعرة بدوارٍ شديد من وقع ذلك الكلام المهين عليها ولا تدري كيف تتصرف!
هل تهرب منه؟
لكن ما مصير شفق ابنته؟ إنها متعلقة بها.
كيف لها أن تصمد بين كل هذا؟
هل وليد فعلًا بتلك البشاعة؟
هل يمكن لمحبٍ أن يتحول للضد هكذا؟!
ماذا جنيت وما ذنبي لِمَ أعاقب على ما لم أقترف؟

أستغفرك ربي وأتوب إليك اللهم لا اعتراض على قضاءك لكني بشر ضغيف! ربي تولني وكل أموري واكتبلي الخير وقويني يا الله! قويني يا الله.

كانت لاتزال واقفة جوار السيارة شاردة أو تحاول إستعادة توازنها لكنه ناداها وصعدت معه بالفعل، كتمت دمعها ورسمت ابتسامة مزيفة على وجهها، أمسكها وليد من يدها التي ترتعش بشدة متصنعًا الابتسامة هو الآخر شاعرًا بذلك الإرتعاش ولا يعرف إن كان من وقع كلامه أم لازال له تأثير عليها!

فشلت شفق فشلًا ذريعًا في التمثيل فما أن دخلت وسلّمت على هالة حتى استطاعت هالة قراءة الحقيقة بسهولة.

تحدث وليد: خلاص يا ماما إتصالحنا والفرح هيكون ف ميعاده وكله تمام.

أومأت هالة وهي تتصنع التصديق: الحمد لله! ألف مبروك يا حبايبي! ربنا يتمم بخير و يؤلف بينكم دايما!

مر بعض الوقت وبدأت الطفلة تستيقظ وما أن رأت شفق حتى نهضت فرحة متعلقة في رقبتها.

هتفت الطفلة بتوسل: ما تسبينيش تاني يا مامي، كنت عايزة تمشي وتسيبيني!

– أنا لأ خالص ، أنا بس كان عندي مشوار.

– بس بابي……

– بابي كان بيهزر معاكِ بس هزاره تقيل شوية، إوعي تكوني زعلتِ منه.

– بس ده زعقلي جامد أوي وخُفت منه.

– يا خبر! حد يخاف من بابي! زي ما قولتلك هو بس كان بيهزر معاكِ، والدكتور قاله ما تهزرش كده تاني عشان فوفا القمر تفضل تحبك، صح يا بابي!

أجاب وليد رغمًا عنه: آه طبعًا!

فنظرت الطفلة بينهما متسآلة: يعني انتو مش متخانقين؟

أجاب وليد: لأ خالص.

فتابعت الطفلة بمكر: طب بوسها دلوقتي.

صاح وليد بصدمة: نعم!

– مش هي حبيبتك وهتتجوزها يبقي بوسها.

نظر وليد وشفق لبعضهما البعض في حرجٍ شديد، فقال وليد: ده كلام كبار ما ينفعش تتكلمي فيه.

تابعت الطفلة بإصرار: بوسها!

ابتلعت شفق ريقها بتوتر وقالت: حبيبتي ده ما ينفعش أبدًا أنا لسه مش مراته ولا عايزة ربنا يزعل من بابي!

أومأت الطفلة باقتناع: طب خلاص! أنا عايزة أروح طيب.

تنفس وليد بتنهيدة عقب إقناع شفق لابنته ثم خرج متأففًا.

كان يفكر دائمًا في هذا المأزق الذي ورط نفسه فيه، لكن لا يهم هي تتولي أمور ابنته وبذلك يحافظ على ابنته ويرضي أمه أما عن قلبه فله مخرج معه وسيستطيع إخراجها منه فلن يعجز عن ذلك.

كانت هالة تلاحظ وتدرك كل شيء وتتابع بصمت ودون تعليق لا تُشعر أي منهما أنها قد كشفتهما.

وجاءت تلك الليلة التي تسبق يوم الفرح وكانت شفق معها خبيرة التجميل طوال اليوم أحضرتها إليها هالة وكان فستان الزفاف قد أُحضر وصار كل شيءٍ على أتم استعداد.

وبعد يومٍ طويل وعقب مغادرة خبيرة التجميل أخذت شفق حمامًا دافئًا وخرجت تلف نفسها بمنشفة كبيرة وأخرى على شعرها من الحمام الداخلي لغرفتها فإذا بطرقٍ علي باب غرفتها فاجأها ثم طمأنها صوت هالة ففتحت الباب قليلًا واختبأت خلفه وكانت المرة الأولى لهالة أن تراها دون حجاب فدخلت وأغلقت الباب خلفها وهي تبتسم سعيدة بها.

صاحت هالة بسعادة وإعجاب: بسم الله ما شاء الله يا حبيبتي!

– ما اتحرمش منك والله يا ماما!

– أنا اتفقت معاها تجيلك كل شهر، ولا مش عجباكِ؟ أغيرهالك؟

– لا يا حبيبتي تمام.

– ما هو ابني برضو.
ثم ضحكت وسكتت قليلًا وأكملت بتنهيدة: يا ريته لما يشوف القمر ده يعقل ويفكه م الهبل اللي ف راسه ده!

اتسعت عينا شفق بصدمة: هه!

– إنتو فاهمين إني عيلة صغيرة! دي حتى العيلة ما كانتش مصدقاكم.

فابتلعت ريقها ثم قالت: حضرتك بتتكلمي عن إيه!

– عن الإتفاق المهبب بتاعكم، إنتِ فاشلة جدًا ف التمثيل بس هقول إيه مش ذنبك.

فتنهدت شفق وسكتت، فأكملت هالة: لا خليكِ معايا كده وما تسلميش! وليد وعرفاه كبرياءه وجعه شوية بس ف الآخر بيحبك وأوي كمان وهيتجنن من عمايله معاكِ، بس مش لازم تديله الفرصة، ما تخليهوش يمسك عليكِ أي غلطة لأنه أكيد هيتلكك وهو هياخد وقته ويرجعلك، إنتِ مش لسه بتحبيه برضو؟

فأجابت شفق مسرعة: بكل سنين عمري اللي كنت مانعة نفسي من أي حد يدخل قلبي، على أد حبيته أوي، وياريتني ما حبيته.

فنظرت لها بفجأة واستفهام، فأكملت شفق: وليد لسه أدامه وقت عبال ما يرجع ويصفالي بس هيفضل معاقبني ومش عارفة هتحمل لحد إمتى، ده وجعني وهانني أوي.

– إيه الكلام ده!

– أنا إنسانة، صحيح بقدر أتحمل بس الوجع م الحبيب قاسي جدًا.

– ولا وجع ولا حاجة بيتهيألك، المهم فكري وبس ف كونك عروسة ودي ليلتك وده فرحك وانسي أي حاجة تانية، حاولي تفرحي وهو كمان هيبقي شكله فرحان، واللي بيمثل الفرح بيفرح بجد، أسيبك تنامي وترتاحي عشان تبقي قمراية بكرة إن شاء الله.

وقبّلتها في جبهتها وهي تتألم من أجلها وتركتها تجلس مكانها وتنظر إلى فستانها المعلق أمامها.

خرجت هالة وما كادت تغلق الباب حتى وجدت وليد أمامها.

صاح وليد بانفعال: كنتِ بتعملي إيه عندها ؟

فضحكت وقالت: مالك يا واد هتغير عليها مني! دي عروسة ودخلتها بكرة ومحتاجة لأم معاها.

فقال بتهكم: وبتعملي إيه يا سيادة الأم؟

– وانت مالك دي حاجات حريمي، يعني عشان العروسة تعجبك.

فنظر إليها وتركها متجهًا لغرفته فضحكت بملء صوتها.

فقال في نفسه: مسكينة يا أمي فاهمة إن الموضوع بجد.

بينما قالت هالة في نفسها: والله غلبان لو كنت شوفتها كنت نسيت كل حاجة!

وجاء اليوم التالي والجميع مشغول، هالة والطفلة مع العروس في غرفتها حتى جاءت خبيرة التجميل وظلتا معها.

بينما وليد مع بعض العمال يعد الحديقة ويشرف على كل شيء للاستعداد للحفل ثم انشغل في تجهيزه.

انتهت العروس من تزيينها وكانت رائعة حقًا وودت أن تنزل لها طبقة من الطرحة كما هو المتعارف عليه فيرفعها العريس وينظر في وجه عروسه ويقبّلها لكن شفق قد رفضت ذلك.

وبدأت الزفة ومسك وليد يد شفق كأي عريس وعروس بابتساماتٍ مزيفة لكن شفق بعد ما وضعت يدها في يده وبدأت الزفة والطبول شعرت بسعادة حقيقية لم تفهمها فتحولت ابتسامتها لابتسامة حقيقية من القلب وقررت أن تسعد هذه السويعات على الأقل وتكون ذكرى جميلة.

كانت شفق قد دعت عدد من زملاءها من المدرسة صحيح أنهم ليسوا بأصدقاء لكن هالة قد طلبت منها ذلك ليكون لها مدعويين من طرفها.

لكن اكتشفت شفق ذلك اليوم حقدًا وغلًا دفينًا كما في نفوسهم عليها قد رأته في عيونهم بل وسمعت بعض الكلمات أيضًا.

-شايفة! أهي وقعت واقفة خدت المال والجمال والجاه.

– قال إيه حبت البت زي بنتها! دي كانت بترسم على تقيل يا ماما.

– شايفة بأه العانس دي تعيش ف العز ده كله!

سمعت شفق كلماتهم وابتسمت بهدوء وتقول في نفسها: آه يا كل اللي حسدوني عيشوا مكاني ولو ثانية.

لم تكن شفق وحدها من سمعتهم بل وليد وهالة أيضًا فنظرا إليهم شرزًا وباشمئزاز.

كانت هالة قريبة منهما هي وشفق طوال الفرح لضمان استمرار تصرف وليد كعريس فهو لن يقدر أن يُظهر الحقيقة أمامهم فاضطر للاستمرار في تجسيد دور العريس السعيد وظل يرقص مع عروسه وابنته وكان من حين لآخر يلقي بنظره على شفق التي تفاجأ بجمالها لكنه قرر ألا ينتبه إليها لأنه حتمًا سيضعف.

وانتهى الفرح وطلب وليد من أمه وابنته أن يذهبا إلى غرفتيهما ويتركانه مع عروسه وحدهما ففعلتا.

وبعد ذلك بفترة طلب وليد دون أن ينظر لشفق أن تصعد لغرفتهما بمفردها وتركها ثم خرج إلى الحديقة فكانت طعنة شديدة قد أنهت كل فرحتها.

وقفت قليلًا ونظرت إلى حيث خرج ملتمعة عيناها بدموعٍ تهدد بالنزول ثم صعدت حتى وصلت وفتحت الباب، دخلت وأغلقته خلفها بظهرها، أغمضت عينيها فهطلت دموعًا حارة منها تبكي بصمت.

وبعد فترة هدأت وغسلت وجهها، سارت ناحية النافذة ونظرت فوجدته في الحديقة في ذلك المكان ناحية حوض الورد فابتسمت ثم وضعت يدها على قلبها وقالت في نفسها: إذن لازلت أسكن قلبك.

كما رأته أمه أيضًا من نافذتها فتأففت ودخلت لتنام.

ذهبت شفق مبدلة فستانها، وقفت كثيرًا تنظر ماذا تختار حتى اختارت وارتدت منامة نوم ستان ذات أكمام طويلة، مسحت مساحيق التجميل وكل ما على وجهها من زينة ثم أخذت كتابًا وجلست إلى جانب السرير تقرأ كعادتها ربما يغلبها النعاس.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان