رواية ” العوض الجميل ” الفصول من الأول إلى الرابع للأديبة نهال عبد الواحد
الفصل الأول
ماذا لو عشت حياة صعبة بكل المقاييس؟
ماذا لو ظلمت وابتليت بلاء بعد بلاء؟
ماذا لو لم تعرف ماذا جنيت؟ أو لم أنا يحدث معي ذلك ؟
إن رب الخير لا يأتي إلا بالخير…. نعم الخير.
وصبر جميل ينتهي بعوض أجمل.
بعد ليلٍ طويلٍ بهيم يشق الدنيا صوت أذانٍ لطيف يبعث الهدوء والسكينة في النفوس التي طالما تعبت وارتعدت خوفًا طوال ذلك الليل.
أخيرًا أذان الفجر وسيأذن المولى بميلاد يومٍ جديد ففتحت عينيها التي طالما جفاها النوم طوال هذه الليلة وكل ليلة.
استيقظت فتاة هادئة الملامح جلست محاولة أن تقيم ظهرها وتحركه مع رقبتها يمينًا ويسارًا، تتأوه ألمًا من تلك النومة غير المريحة؛ ليس فقط قلقًا وخوفًا بل أيضًا من قسوة فراشها وصلابته فالحجرة كلها بل البيت بالكامل متهالك الحوائط وعبارة عن بقايا أثاث متهالكة.
خرجت الفتاة من حجرتها مرتدية ثوبًا شبه بالي تنير المكان متفقدة الحجرة المجاورة فوجدتها فارغة فتأففت ثم استغفرت ربها واتجهت نحو حوض متهالك هو حوض للغسيل وللأطباق ولكل الأغراض ولا شيء جواره سوى ثلاجة وموقد قديمَين مضى عليهما الدهر مثلما مضى على كل البيت.
اتجهت إلى الناحية الأخرى باب خلفه ركن صغير للمرحاض -أعزكم الله- توضأت وذهبت تصلي ثم جلست تقرأ وردها القرآني ثم نظرت في ساعتها…
إن الوقت يداهمها والطريق طويل، ستتأخر!
فوضعت كتاب الله ثم فتحت خزانة الملابس التي هي بالأصل مخلوعة الباب وموضوعًا جانبًا ليسد فتحة الباب، فأخذت عباءة سوداء ارتدتها وارتدت حجابها ثم فتحت الشباك تأخذ الأخرى التي غسلتها بالأمس تدخلها وتعلّقها فهما كل مالديها.
فتحت الباب ولازال ضوء الشمس يتسرب إلى الدنيا رويدًا رويدًا، سارت على خوف في تلك الشوارع شبه المظلمة الساكنة، فلا إنسان يمشي ولا أي صوت إلا إن كان من أصوات بعض القطط وعواء بعض الكلاب وصوت الديوك التي تصيح عن بُعد غير بعض كائنات صغيرة سوداء تلمحها تجري من حينٍ لآخر لم تكن بالطبع سوى بعض الفئران والعِرَس.
سارت ترتعش خوفًا وتجري فهي فتاة وحدها في تلك المنطقة وفي هذا الوقت ما الذي يمكن أن يحدث لها؟
لكنها تؤنس نفسها بذكر ربها حتى تنسى ما تلاقيه وما تشعر به، وبدأت تبتعد شيئًا فشيئًا عن البيت حتى وصلت إلى الشارع الرئيسي فركبت سيارة أجرة واحدة بعد الأخرى تجد فيها من يذهبون لعملهم صباحًا أو ربما عائدون من دوام سهر ليلًا، لكن هيئتهم غير مريبة على أية حال.
حتى وصلت إلى حيٍ ليس براقٍ بل متوسط، لكنه يتمتع بالآدمية بعيدًا عن تلك العشوائيات، سارت في أحد الشوارع حتى وصلت إلى عمارة ففتحت بابها بمفتاحٍ كان معها ثم أغلقت الباب خلفها كما كان.
وصلت إلى المصعد ولحسن حظها كان يعمل فركبته بمفتاحٍ آخر حتى وصلت إلى شقة ففتحتها ودخلت وأخيرًا التقطت أنفاسها.
كانت الشقة متواضعة الفرش يمكن القول عنها أنها عادية للغاية مثل معظم بيوت الطبقة المتوسطة.
دخلت وأغلقت الباب خلفها سارت داخلها حتى وصلت إلى حجرة، إنها حجرة النوم ففتحت خزانة ملابس حقيقية هذه المرة ثم أخرجت منها طاقم ملابس وعلقتها ثم بحثت بداخل خزانة الملابس قليلًا فأخرجت صندوقًا يشبه صندوق الأحذية من الورق المقوي.
أخذت الصندوق ووضعته على السفرة، دخلت للمطبخ…. إنه مطبخ حقيقي، صنعت لها كوبًا من الشاي مع سندوتش ثم جلست جانب الصندوق ثم فتحته وأخرجت دفترًا، ظرفًا وصندوقًا خشبيًا صغيرًا مغلقًا بمفتاح.
فتحت الدفتر والظرف ثم كتبت اليوم والموافق وتوزيعة حسابات:
*مبلغ…….. إيجار الشقة.
*مبلغ…. شهرية عم عبده البواب.
*مبلغ….. للوازم البيت.
*مبلغ…… للوازم البيت الآخر.
*مبلغ…. تجنب أذى مصطفى.
*مبلغ…. لوجه الله.
مهلا هناك عجزًا! ثم همّت بفتح الصندوق الصغير الذي يبدو أنه صندوق لمدخراتها ثم تراجعت ورددت في نفسها: يارب استرني وما تحوجنيش لعبيدك.
نظرت في ساعتها ونهضت مسرعة تجمع كل شيء كما كان… ثم بدلت ملابسها الأكثر أناقة لكنها لاتزال محتفظة بوقارها واحتشامها.
أخذت حقيبتها ووضعت أدواتها ثم هاتفها المحمول عالي المستوى ثم هبطت مسرعة من جديد متوكلة على الله.
وجدت عم عبده حارس العقار فقالت مبتسمة: صباح الخير يا عم عبده.
فأجابها عم عبده: صباح الخير يا آنسة شفق.
ففتحت حقيبتها مخرجة مبلغًا نقديًا ومدت به يدها قائلة: إتفضل يا عم عبده دي الشهرية بتاعتك، وده إيجار الشقة تديه للحاج مرسي.
– تشكري يا أميرة يا بت الأمرا، أهو الحاج مرسي نازل.
فالتفتت نحو رجلًا ستينيًا غزا شعر رأسه ولحيته بعض الخصلات البيضاء فقالت: صباح الخير ياحاج أنا سيبت الإيجار مع عم عبده ف ميعاده.
فأجاب: ماشي، بس بفكرك إن كلها كام شهر وميعاد زيادة الإيجار، أحسن تكوني ناسية ولا حاجة.
فأجابت منزعجة: تاني يا حاج!
– ده كان إتفاقي مع والدك وهو بيأجر الشقة مني، كل سنة هنزود الإيجار، عمومًا لسه أدامك كام شهر تفكري فيهم يا تكملي يا تشوفيلك مطرح تاني، يا ترجعي بلدكم!
فأومأت بضيق: ربنا يسهلها من عنده! أستأذن حضرتك الباص وصل، سلام عليكم ورحمة الله.
وبعد أن ابتعدت قال الحاج مرسي مستاءً: ماهي شغالة ف مدرسة محترمة وبتدي دروس على ودنه، لازمته إيه الفصال! حاجة هم!
ذهبت شفق في ضيق و ركبت حافلة المدرسة فألقت تحية الصباح على الجميع بوجهها الباش كما يعهدها الجميع ثم جلست وحدها كالعادة، جلست مع همومها….. وتتذكر…
ذات يوم جاءت مع والدها إلى هذه الشقة وكانت المرة الأولي.
فسألها الأب: هه يا شفق، إيه رأيك؟
– جميلة أوي يا بابا! هنعزل فيها؟
– بصي يابنتي إنتِ عارفة إني صرفت دم قلبي على علامك لحد ما اتخرجتي والحمد لله في وظيفة واحد معرفة جابهالك، عارف يابنتي إنك جدعة وأدها وربنا هيكرمك ويزيدك.
– وظيفة إيه يا بابا! وإيه علاقتها بالشقة؟
– هتشتغلي بشهادتك مدرسة إنجليزي، بس ف مدرسة عليوي أوي، يعني لازم تهتمي بشكلك وطبعًا ماينفعش تكتبي عنوان الخرابة اللي عايشين فيها، فهتكتبي عنوان الشقة دي، وهتروحي وتيجي على هنا عشان شكلك أدام زملاتك لو واحدة حبت تزورك، عارف إن طول عمرك لوحدك يا حبيبتي هربانة م الناس وكاتمة ف نفسك أدامهم.
– بس دي كلفتك كتير أوي!
– ياريت كنت أقدر على أكتر من كده، أنا دفعتلك إيجار ست شهور وإنتِ هتكملي الباقي من مرتبك، مرتبك بتاعك لوحدك إشتري بيه اللي نفسك فيه، وهتحتاجي كتير عشان شكلك يليق بالمدرسة اللي هتشتغلي فيها وأدام زملاتك، بفكرك تاني مرتبك بتاعك وسرك ماحدش لازم يعرف بتقبضي كام، ولو لازم قولي ربعه وبس، خصوصًا أخوكِ!
– ده بدل مااشتغل عشان أشيل عنك يا بابا!
– إسمعيني كويس، لو فلوسك زادت يوم شليها لنفسك ما تعرفيش الزمن مخبيلك إيه! أنا مش هعيشلك العمر كله وللأسف مش هطمن عليكِ مع اخوكِ، للأسف مكتوب عليكِ تعيشي بطولك وتشيلي هم نفسك، ويوم ما يجرالي حاجة تاخدي أمك وتيجوا هنا من غير لا حس ولا خبر، مش لازم مصطفى أخوكِ يعرف طريقكم.
– العمر الطويل ليك يا بابا ماتقولش كده، وبعدين ربنا قادر يهديه.
– يا ريت يا بنتي! بس يهديه إزاي بالشلة اللي ملموم عليها دي ورايح جاي عليهم ومعاهم؟! المهم يا بنتي ماتنسيش كلامي! كلامي حلقة ف ودنك! إوعي تديله شقاكِ ولا تجبيله سيرة عن شغلك أو الشقة دي، ولو حكمت هِجّي وعيشي هنا لوحدك.
وبعد فترة سافر والديها لقضاء العمرة ودعا ابنتهما وهي تستشعر افتقادهما بعكس أخيها المتهكم الذي يسخر منهم قائلًا: يعني طلع معاكم ورايحين تعملوا عمرة كمان! دي القبة طلع تحتها ياما!
فقال الأب: يابني ده إحنا كنا عاملين جمعية وقبضناها ودفعنا العمرة، من نفسنا نصلي ف الحرم ونزور سيدنا النبي وندعي من قلوبنا، وندعيلك بالهداية.
فأجاب مصطفى بسخرية: لا شكرًا أنا مبسوط كده، إديني حقي ناشف.
وبعدها بفترة حدثت الفاجعة! خبر وفاة والديها إثر حادث في طريق عودتهما حيث انقلبت الحافلة…
وها قد صارت وحيدة بلا سندٍ ولا ملجأ إليها إلا لربها.
وتمر الأعوام بعد الأعوام وهي تعمل وتكد محافظة على وعدها لوالدها، لكنها لم تقدر بعد على مفارقة أخيها؛ ربما تأتيه الهداية من حيث لا تحتسب.
(الفصل الثانى )
عادت شفق من ذكرياتها ودمعة دافئة فارة من عينيها عائدة لحياتها الحالية من جديد.
تعمل شفق كمعلمة للغة الانجليزية منذ أعوام وهي معلمة متميزة في عملها أكاديميًا وتربويًا وتتمتع بمعاملةٍ وخلقٍ طيب بين زملائها حتى من يكيدون لها تستطيع التعامل معهم بحكمةٍ ولا مبالاة حتى يأسوا من الكيد بها.
أما عن التلاميذ فيعشقونها ويطيعونها -إلا ميس شفق- هكذا يقولون، مما جعل إدارة المدرسة نفسها رغم أن مستواها راقٍ جدًا حيث يدخلها أبناء علية القوم لكنها متمسكة بشفق لأنها مكسبًا لهم وخاصةً وأنها تطور نفسها دائمًا بدورات تدريبية وبالطبع ذلك يكلفها الكثير لكن لا يهم، كما أن مظهرها الراقي هذا أيضًا يكلفها الكثير.
تعود شفق من المدرسة إلى شقتها وتبدأ في استقبال مجموعات التلاميذ للدروس الخصوصية رغم أنها تخبر ذويهم أنها تعمل بذمةٍ واحدة في المدرسة مثل الدرس لكنهم متمسكين بها ويؤمنون أن التكرار يعلم الشطار فتقبل لأنها فعلًا تحتاج إلى المال.
وتظل تعمل هكذا حتى المساء وبعد مغادرة آخر مجموعة من التلاميذ والتأكد تمامًا من ذهابهم تبدأ في العودة إلى سيرتها الأولى فترتدي العباءة السوداء وتترك كل شيء يشير إلى حقيقة عملها في تلك الشقة وتبدأ في رحلة العودة إلى المنزل وتأخذ معها القليل من المال للمواصلات ولشراء بعض احتياجات البيت.
تعود شفق، تبدل ملابسها وتصنع الطعام ربما يجئ أخيها اليوم، وبالفعل قد جاء ولا تعرف إن كان من حظها أم من سوء حظها مجيئه.
فما أن دخل حتى أعدت الطعام سريعًا ووضعته أمامه فنظر فيه بسخط وصاح بوقاحة: ده اللي ربنا قدرك تجبيه!
-إحمد ربنا.
-إحمد ربنا على إيه! على صينية البطاطس اللي فيها حتتين فراخ! إيه ما تعرفيش حاجة إسمها لحمة!
-إنت عارف الدنيا غالية إزاي! عل موسم الجاي أبقى أجيبلك نص كيلو لحمة إن شاء الله.
– يا فرحتي ياختي! معاكِ كام؟
– أول ما تشوفني كده! طب اقعد وكُل وغير هدومك ولا إنت نازل تاني؟
– وانتِ مالك! هاتي اللي معاكِ من سكات! يالا!
ودفعها فسقطت على الأرض وقد آلمها ذلك بشدة لكنها نهضت أحضرت ما تعطيه له فأخذها ينظر إليها بسخط يتقللها.
وصاح بوقاحة: إيه دول! يعملوا إيه دول!
– والله مش عجبك إشتغل! روح دورلك على شغلانة ولا افتح ورشة أبوك الله يرحمه وكفاياك م السم الهاري اللي بتتعاطاه ده! واكل فلوسك وصحتك وعقلك وعمرك ياخويا.
– خلصتي يا ست الشيخة! ممكن تسبيني آكل ولا هتطفحيهولي عشان إنتِ اللي جايباه!
– لا تقولّي ولا أقولك أنا هلكانة وداخلة أنام.
– إبقى خلي الناس اللي بتشتغلي عندهم يحطوا ف عينهم حصوة ملح ويزودوا يوميتك شوية، كتك الهم تسدي النفس داهية ف شكلك!
تركته ودخلت حجرتها فجلس وأكل وشعرت بوجوده بالخارج طوال الليل.
فإن كانت الليالي التي تمضيها وحدها تمضيها في قلقٍ وخوف فإن وجوده معها يضاعف ذلك القلق والخوف؛ فهي تخشى منه على نفسها خاصةً عندما يتعاطى مايتعاطاه ويبدأ يفقد وعيه.
حتى إنها لتدثر نفسها وتنام تحت السرير لتختفي تمامًا ويغيب أو ينصرف، لكن ذلك يكون قبيل الفجر موعد استيقاظها.
كانت شفق في المدرسة طوال اليوم تتابع التلاميذ فتعاملاتها مع زملائها لا تتجاوز العلاقات السطحية، ليس هناك أي أصدقاء فقد أغلقت هذا الباب منذ زمن فلا صداقات ولا علاقات وطيدة ولتبقى بين حياتها الرسمية وحدها دون شريك، ومن ثم فلم تجازف يومًا بأي علاقة عاطفية حتى ولو من طرفٍ واحد… فهي تقرأ نهايتها بمعرفة حقيقتها.
فهي الآن قد تجاوزت الثلاثين عامًا وتمضي دون أي تفكير إلا في عملها وكيف تبقى نصف حياتها سرًا دفينًا لا يعلم به أحد.
كانت شفق تلاحظ وجود طفلة جميلة لكنها دائمًا وحدها لا تتفاعل مع أحد زملائها ولا حتى معلميها فليس لها أصدقاء ويأس معها معلموها فكانوا يتركوها كأن لا وجود لها فاقتربت منها شفق بوجهها الباش ذات يوم فابتسمت لها الطفلة.
فتحدثت إليها شفق برفق: إيه ياحلوة قعدة لوحدك ليه؟ مش بتلعبي ليه مع صحابك؟
– مش بحب.
فابتسمت شفق وسألتها: طب إسمك إيه!
– شفق.
فزادت شفق من ابتسامتها وقالت بمرح: إده زيي!
فهزت الطفلة رأسها بأن نعم، فأكملت شفق: طب مش بتحبي تلعبي، بتحبي تعملي إيه؟
– ولا حاجة.
– إزاي ولا حاجة؟ مش بتحبي ترسمي.. ترقصي.. تعومي.. أي حاجة!
وكانت الإجابة تشير برأسها أن لا، فأكملت شفق: طب وانتِ مع مامي ف البيت بتعملي إيه؟
– أنا ماعنديش مامي، مامي عند ربنا.
فاغرورقت عينا شفق وضمت إليها الطفلة في رقة وحنان، ثم قالت: طب انتِ عايشة مع مين؟
– مع ننا لولي، و… وبابي.
قالتها بحزن شديد ثم سكتت قليلًا ثم قالت: هو على طول ف الشغل بيجي بعد ماانام ويمشي قبل مااصحي.
– معلش ياحبيبتي، ماهو بابي لازم يشتغل ويجيب فلوس عشان تدخلي مدرسة حلوة ويجيبلك لبس جميل ولعب كتير وأي حاجة تتمنيها.
– بتمنى أعيش زي صحابي مع مامي وبابي… اشمعنى هم!
قد آلمها كلام شفق كثيرًا ثم قالت لها وهي تمسح على رأسها: عارفة إنتِ برضو أحسن من ناس كتير، إنتِ عندك بابي وعندك ننا، أنا بأه ماعنديش لا بابي ولا مامي ولا ننا ولا أي حد.
– مش عندك ولاد!
– لأ..ولا عندي صحاب، شوفتي بأه في ناس بتعيش لوحدها خالص من غير أي حد يبقي أنهي أحسن؟
– أنا.
– يبقى نقول الحمد لله.
– الحمد لله.
– طب ممكن أنا وانت نكون أصحاب؟ إحنا الاتنين زي بعض لوحدنا، إيه رأيك؟
– فكرة حلوة أوي يا ميس شفق.
واحتضنتها بشدة ومنذ يومها صارت شفق الكبيرة والصغيرة صديقتين فكلًا منهما ترى في الأخرى ما ينقصها.
فشفق الطفلة ترى فيها أمها التي فقدتها منذ ميلادها وتمنتها كثيرًا وتخيلت ما يمكن أن تفعله معها وأخيرًا الآن وقد تحقق.
أما شفق الكبيرة فهي تحتاج لصديقة بريئة تقضي معها وقتها دون أن تسألها عن تفاصيل حياتها، تحتاج أن تشعر بأمومتها التي لن تشعر بها يومًا أبدًا…فمن سيقبل بها زوجة وأمًّا لأبناءه؟
وبالفعل أحدثت هذه الصداقة تحسنًا واضحًا في حالة شفق الطفلة فصارت أكثر إشراقًا وتلقائية، بدأت تندمج مع من حولها من الزملاء ربما ليس تمامًا لكنه أفضل من ذي قبل.
كما تحسّن وتطور مستواها الدراسي عن ذي قبل.
ولأول مرة تكتشف شفق موهبتها وأن لها صوتًا عذبًا وشجعتها شفق الكبيرة على الاشتراك في الحفل السنوي وقد فعلت.
وجاء يوم الحفل في المدرسة وكانت شفق يومها ذات أناقة وطلة ملفتتين واقفة عند الباب تحمل علبة من الشيكولاتة تقدمها لأولياء أمور التلاميذ أثناء دخولهم وتأخذ الدعوات وتعطيها لأحد المنظمين كي يصطحب أولياء الأمور إلى مكان مقعدهم في المسرح.
وإذا بها تأخذ من سيدة وقورة وأنيقة دعوتها وتقرأ اسم شفق فابتسمت إليها شفق ابتسامة عريضة ثم قالت: حضرتك جدة شفق؟
ابتسمت السيدة وأجابت: أيوة أنا هالة عوني جدة شفق، أكيد إنتِ ميس شفق!
فهزت برأسها أن نعم وقالت: فعلًا يا فندم، نورتينا! وسعيدة إني قابلت حضرتك.
– والله شفق مالهاش سيرة غير ميس شفق ميس شفق، وبعد التطور الهايل اللي حصل معاها، إحنا مش مصدقين، حقيقي ألف شكر ليكِ يابنتي وربنا يكرمك ويسعدك ويديكِ حبيبتي على أد تعبك.
– وأنا تكفيني الدعوة دي، وبعدين شفق مش محتاجة توصية دي حبيبتي.
– تسمحيلي برقم تليفونك عشان نتواصل مع بعض.
– طبعا يا فندم رقمي………
وأعطت كلًا منهما رقمها للأخرى.
الفصل الثالث
بدأت الحفل وكان رائعًا تألقت فيه شفق الطفلة كثيرًا وأكثر ما أسعدها وجود جدتها وأبيها يشجعاها.
ومضت أيام أخرى وشفق الكبيرة والطفلة معًا بشكل شبه دائم وكانت تذهب إليها في فترة الراحة وتلعب معها.
كانت شفق بدأت تلاحظ على الطفلة إجهاد واصفرار لوجهها وذات يوم بينما كانت الطفلة تلعب كعادتها وكلما حاوت شفق إجلاسها لتستريح قليلًا لا تكترث وتلعب مجددًا.
وفجأة شعرت الطفلة وكأنها تختنق وصرخت ممسكة صدرها ثم سقطت مغشيًا عليها.
فزعت شفق واتصلت مسرعة بجدتها ونقلت فورًا إلى المستشفى وكانت معها شفق القلقة عليها بشدة خاصةً أثناء تواجدها بين أيدي الأطباء وجاءتها جدتها وأبيها.
سألتها هالة بهلع: هو إيه اللي حصل يا شفق يا بنتي؟
فردت باكية: مش عارفة، كانت بتلعب وفجاة أغمى عليها بس هي من فترة وشها أصفر ودبلان.
وهنا تدخل الأب بثورةٍ وأسلوبٍ فظ: أنا عايز أفهم إيه الإستهتار اللي انت فيه ده! بنت وشايفاها وشها أصفر تسبيها تلعب وتتنطط لحد ما تقع من طولها، إنتِ إيه!
فردت وهي تنظر للأرض: والله يا فندم ماأعرف إيه اللي حصل! وبعدين ما هي بتلعب كل يوم، والأهم إني لا يمكن أتسبب ف أذيتها.
فرد بنفس الأسلوب الفظ: لا ما هو واضح ! أنا هقدم فيكِ شكوة! أنا هفصلك م المدرسة! أنا هخرب بيتك.
بكت شفق بشدة وقد آلمها ما قاله من اتهامات وتهديدات، فجاءت هالة لتفصل بينهما وتهدئ الوضع، وازداد انهيار شفق من البكاء لمجرد تخيلها أنها ستُفصل من عملها، فإلى أين؟ وكيف تعيش؟
خرج إليهم الطبيب وكانت شفق مولودة بعيب خلقي في القلب، لكن آنذاك قد أخبرهم الأطباء أنه بإمكانهم الانتظار حتى ما بعد سن البلوغ لإجراء جراحة ما في القلب، لكن الوضع الآن بعد ذلك التدهور الصحي يؤشر بالخطورة إن أُهمل أكثر من ذلك.
وما أن سمعت ذلك شفق حتى أجهشت بالبكاء فهذه صدمة اعتصرت قلبها.
قام الطبيب ببعض ما تحتاجه الطفلة الآن من إسعافاتٍ لأزمة ويمكن لأهلها الدخول إليها الآن.
وقفت شفق عن بعد تنظر إليها ودموعها لازالت تنهمر في صمتٍ حتى ظن الطبيب والممرضات أنها أمها.
ظلت بعيدًا حتى انصرف والد الطفلة الذي بمجرد مروره جوارها أخفضت بصرها إلى الأرض فدخلت تسلم على الطفلة وجلست جوارها تمسح على رأسها وتحكي لها حكاية لطيفة حتى نامت.
كانت هالة تتابعها وترى تعلق الاثنين وحبهما لبعضهما فاستئذنتها في الجلوس جانبًا بعيدًا عن الطفلة.
هتفت هالة على استحياء: معلش حبيبتي ماتزعليش منه، هو اتخض عليها وكنا نسينا الموضوع ده..
ثم تنهدت قائلة: الله يسامحها أمها.
فتعجبت شفق ثم قالت: الله يرحمها.
فتابعت هالة بحنق: بس هي مش متوفية.
فصعقت شفق لدرجة ألجمت لسانها فأكملت هالة: بلاش نظرة الإتهام دي يا بنتي، هقولك، انت دخلتِ قلبي وأنا هفتحلك قلبي، من سنين كان عندي بنت إسمها شفق ماهي شفق متسمية على إسم عمتها، وعلى فكرة إنتِ فيكِ منها كتير عشان كده دخلتِ قلبي بسرعة.
المهم ف يوم خرجت مع أبوها وعملوا حادثة وراحوا في لمح البصر، كان ابني يادوب لسه متخرج جديد وشال الهم كله، هم البيت والشغل وبأه مسؤول عن شركة أبوه، راجل! ووقف الشركة على رجلها زي أبوه تمام، وكل حاجة كانت ماشية تمام.
لحد ما الهانم دخلت حياته وشقلبتها وقرر يتجوزها، بصراحة عمري ما قبلتها ولا حبيتها بس كنت هعمل إيه! ابني الوحيد وعايزها، واتجوزوا وعشان مااقعدش لوحدي صمم يتجوز معايا ف الفيلا، وطبعًا ده كان ضد رغبتها ويادوب اتجوزوا مفيش حاجة وبانت على حقيقتها، طلباتها ما كانتش بتخلص وأهم حاجة مظهرها وصحابها و خروجاتها وبرانداتها وهو عمره ما قاللها لا.
كانت بتعاملني أسوأ معاملة لدرجة إني بآيت أخاف أخرج من باب أوضتي وبرضو ماقدرتش أتكلم.
فضلت ساكتة وكاتمة والمهم ابني يكون سعيد ومتهني، كان كل أمنيته إنه يبقى أب، لكن هي طبعًا مش ف بالها وكمان كانت بتاخد موانع من وراه، لكن إرادة ربنا فوق كل شيء وطلعت حامل وابني طبعًا طاير م الفرحة وهي اتعفرتت من الخبر ده وأهملت صحتها، دي حتى كانت بتدخن وكل يوم خروج وسهر وترجع شاربة وسكرانة.
وطبعًا خناق كل يوم عشان إهمالها لصحتها وصحة الجنين، وكمان اكتشف حكاية الموانع اللي استمرت تاخدها حتى وهي حامل، شوفتي استهتار كده ف الدنيا!
ولدت البنت تعبانة طبعًا والحمد لله إنها جت على كده، المهم يادوب ولدت ورمت البنت ورجعت تخرج ولا كأنها لسه والدة ولا إنها أم ومسؤولة.
طبعًا كانوا عايشين ف خناق من زمن طويل معترض على تصرفاتها، لحد مااكتشف خيانتها وكانت الضربة القاضية له، تعب أوي واتجنن لدرجة إنه كره بنته لما شك إنها مش بنته ومع إنه عمل تحاليل واتأكد إنها بنته.
المهم طلقها وهي رمت البنت واتخلت عنها بتنازل، تصوري! كان لازم طبعًا نفهمها إن أمها متوفية.
هو بأه اتحول، من يومها ينزل الصبح ويرجع الفجر شغل بالنهار وسكر وعربدة بالليل يرجع مش داري بنفسه ببقى خايفة البنت تشوف أبوها بحالته دي.
خصوصًا إن تعامله معها مش قوي أوي كل مايشوف البنت يفتكر أمها واللي عملته وياخد البنت بذنب أمها.
ودايمًا حياته شريط أدامه مش عارف ينساه ولا يتخطاه، وإنتِ شوفتِ بنفسك البنت كانت عاملة إزاي ومنطوية على نفسها وحزينة طول الوقت يا حبيبتي.
أنا لوحدي برضو مش كفاية لكن إنتِ ماشاء الله عملتِ معجزة وف كام شهر بس.
أومأت شفق بحزن: الحمد لله على كل حال، والله يا فندم أنا حبيتها أوي!
– طب هطلب منك طلب، وأرجوكِ ما ترفضيش.
– ربنا يقدرني، لو أقدر مش هتأخر.
– الدراسة خلاص هتنتهي والأجازة جاية وبصراحة وجودك بأه شيء أساسي ف حياتها، وإنتِ شايفة حالتها اتدهورت إزاي وأد إيه محتاجة تكون هادية ومستقرة نفسيًا لحد ما ربنا يأذن ونوصل لدكتور مناسب يعمل العملية، وبصراحة دورك جنبها هو أكبر دور، وهديكِ اللي تطلبيه وزيادة مش هنختلف، بس خليكِ معاها.
– الموضوع مش كده يا فندم، بس مش معقول آجي البيت عندكم وابن حضرتك رافضني وبيحملني المسؤولية بأسلوبه وطريقته دي! وده طبعًا غير اللي حكتيه.
– يا حبيبتي إطمني هو بيخرج الصبح ويرجع متأخر بليل، يعني عمرك ما هتقابليه وحتى لو موجود هأكد عليه ما يحتكش بيكي نهائيًا.
أرجوكِ ماترفضيش وغلاوة شفق ف قلبك اقبلي.
سكتت شفق قليلًا ثم ابتسمت لها بهدوء وهزت برأسها موافقة فسعدت هالة كثيرًا واحتضنتها بشدة.
(الفصل الرابع)
وافقت شفق على دور الأم البديلة لشفق الطفلة في فترة الأجازة الصيفية.
كانت شفق تذهب كل صباح بنفس طريقتها إلا أنها كانت تنتقل بنفسها من شقتها إلى الفيلا التي فيها أهل شفق.
كانت الفيلا في حيٍّ راقٍ وعالي المستوى لم تحلم يومًا بالدخول في منزل هكذا لم تراه إلا في المسلسلات، لكنها كانت تدخل منخفضة الطرف ولا تمد عينيها وتدعو لهم بالبركة في داخلها وتحمد ربها على ما هي فيه.
قضت شفق الإجازة الصيفية معهم وقد أحبت هالة الجدة شفق كثيرًا وأعتبرتها فردًا من أفراد الأسرة خاصةً مع أدبها وأخلاقها الطيبة هذه.
ذات يوم عادت شفق ليلًا إلى بيت والدها وتنتظر أخاها ككل يوم فتأخر كثيرًا فظنت أنه لن يجئ ودخلت حجرتها لتنام.
وما أن بدأت في غفلتها حتى وجدت من يقتحم غرفتها فأفزعها مصطفى ويبدو عليه أنه غير واعي وبدأ الخوف يحتل نفسها.
صاحت شفق بخوف: عايز إيه؟ إيه اللي جابك هنا دي مش أوضتك!
أجاب مصطفى بصوتٍ مخمور: عايز فلوس.
– كنت خبطت عل باب طيب.
فصاح فيها:عايز فلوس!
وانهال عليها ضربًا مبرحًا وهي تصرخ وتحاول أن حماية وجهها ثم فتحت الدرج وأعطته مالًا مسرعة لكنه لم يكتفي ففتح الدرج وأخذ الباقي.
فهتفت شفق متوسلة: طب سيب لي فلوس المواصلات حتى.
فأكمل عليها ضربًا ورفع أحد الكراسي ورماها به فصدته بذراعها حتى لا يصيب وجهها وانصرف وتركها تتألم بشدة خاصة من تلك الرمية الأخيرة.
ظلت تبكي وتتوجع حتى الصباح، تحاملت على نفسها وخرجت واجتازت الطريق سيرًا حتى وصلت إلى شقتها، أخذت حمامًا دافئًا ربما يسكن وجع جسدها ثم أخذت أقراص مسكنة ليزول الألم وأبدلت ملابسها وذهبت إلى بيت شفق.
كانت تحاول التصرف بشكل عادي وتتمنى أن تقضي اليوم وينتهي سريعًا، لكن الوجع يزداد ولم تعد تتحمل ذلك الوجع الرهيب وكأن عينيها تبكيان وحدها من شدة الألم.
أما هالة منذ مجيئها وتشعر أن هناك خطب ما؛ فهي ليست على طبيعتها وشاحبة للغاية لكن شفق بمجرد انفرادها بنفسها تلفتت حولها وهي تتألم ثم همت برفع كم ثوبها فوجدت هالة أمامها التي جاءتها على الفور خاصةً وأنها تبدو مهلكة وجعًا غير عاديًا.
سألتها هالة بريبة: مالك فيكِ إيه م الصبح؟
أجابت شفق بصوتٍ مرتعش: لا أبدًا مفيش، قصدي تعبانة شوية.
– شوية إيه! ده انت ميتة! كنتِ اتصلتِ وختِ أجازة.
هتفت شفق بصوت مختنق يكاد يختفي من شدة الوجع: لا لا مفيش-داعي-أنا-كويسة-آه.
– مال إيدك؟
أجابت شفق بترددٍ وكذبٍ واضح: و ولا -حاجة-أ أ أصل-وقعت-اتخبطت.
تابعت هالة بعدم تصديق: طب وريني كده.
ترددت شفق ثم اضطرت لرفع كم ثوبها وكانت لا تتصور أبدًا كيف يبدو ما تحته لكنها صُدمت عندما رأتها هكذا وكانت قد فقدت تماسكها وتحاملها وصارت تصرخ ألمًا.
كان ساعدها متورمًا للغاية وبه ازرقاقٍ شديد فصرخت فيها هالة وأخذتها مسرعة إلى المستشفى واتضح أن هناك كسر في ساعدها وستجبر بالجبس وإن لم تستجيب فستجرى لها عملية جراحية وتوضع لها شرائح.
وضعت لها المحاليل والحقن المسكنة حتى هدأت ونامت نومًا عميقًا، فهي لم تنم منذ زمن وكانت هالة والطفلة جوارها ثم نامت الطفلة أيضًا.
كانت شفق تهزي وهي نائمة، تصرخ، تتوسل، تستنجد وقد ذكرت إسم مصطفى كثيرًا.
بدأت شفق تستيقظ بعد فترةٍ فاقتربت هالة منها فنظرت بعين نصف مفتوحة ومبتسمة قليلًا وهمست: ماما.
– حمد الله على سلامتك حبيبتي.
فتحت عينيها كاملةً وانتبهت وتحاملت لتعتدل في جلستها وهي تتلفت محاولة اسكتشاف المكان من حولها.
قالت هالة: إنتِ ف المستشفى، إيديكِ مكسورة يا حلوة.
فرفعت ذراعها المجبر نظرت إليه وشردت قليلًا ثم قالت: الله يسلم حضرتك! ألف شكر لحضرتك.
تابعت هالة بحب: عيب عليكِ شكر إيه بس! شفق إنتِ مضروبة، وضرب مش عادي، مين اللي عمل كده؟! ومين مصطفى اللي كنتِ بتصرخي منه ف كوابيسك؟
فنظرت نحوها وحاولت أن تتهرب بعينيها منها أو تهرب بحديثٍ غير ذلك لكن للأسف لا مفر.
تحدثت هالة: أنا من يوم ما عرفتك ودخلتِ وسطنا وأنا مااعرفش حاجة عنك، إيه حكايتك؟ وواضح إنها حكاية مش عادية.
ترددت شفق كثيرًا ولم تجد بدًا ثم استطردت: هقول لحضرتك، أنا مااتعودتش عل كذب ف حياتي، صحيح طول عمري مخبية حقيقتي عن كل الناس، وعارفة إن ممكن تقطعي علاقتك بي ومقدرة ده ومش هلومك، بس برضو مش هكذب…
وقصت عليها شفق حياتها منذ صغرها وكيف أجّر لها والدها تلك الشقة بعد أن صرف على تعليمها كل ما يملك وكيف عملت في المدرسة… وحتى الآن.
كانت تحكي وتبكي وهالة أيضًا تبكي حتى انتهت شفق من كلامها ثم تحاملت حتى وقفت حيث توقعت رد فعل هالة ولن تنتظر حتى تسمع رأيها فيها بأذنيها.
فسألتها هالة: رايحة فين؟
– خلاص يا هانم بعد اللي عرفتيه عني، إيه اللي هيخليني!
– بس ده مش ذنبك، بالعكس ده كبّرك ف نظري أوي، واحدة عايشة الحياة دي بكل ظروفك وتفضل محتفظة بمبادئها وأخلاقها كده ومش قصدي بس الإنحراف وإنها تستسهل، لكن كمان كونك حد مش حقود وبتحبي الخير للناس وعندك رضا وقناعة وعزة نفس ما شوفتهاش عند حد قبل كده ولا حتى عند المتربيين عل عز، إتوجعت عليكِ حبيبتي، بس إزاي ماسمعتيش كلام باباكِ لحد دلوقتي وما سيبتيهوش وفضلتِ ف شقتك؟!
– عندي أمل ينصلح حاله ،ماليش غيره ف الدنيا، وبعدين مش متخيلة نفسي أقعد بطولي هنا، بخاف أبات هناك لوحدي وبخاف أكتر لما بيبقى موجود.
– القعدة دي ما تطمنش دول بيبقوا مش ف وعيهم وما حدش عارف الهباب ده ممكن يخليه يعمل إيه، فكري حبيبتي أما وجودك ف حياتنا فده مافيهوش نقاش هتفضلي طبعًا، بس هفضل قلقانة عليكِ كل يوم من ساعة ما تروحي لحد ما تجيلي.
فابتسمت شفق بعينين دامعتين قائلة بحزن: بتفكريني بماما الله يرحمها.
تابعت هالة مبتسمة: ماانت قُلتيها، بس رجعتِ ف كلامك بعد كده.
– قُلت ايه؟
– قُلتِ ماما وأنا حباها منك، قولي كلمة ماما.
فابتسمت وترقرقت دموعها مجددًا وقالت: يا ماما.
فتعانقتا بشدة.
وبدأ العام الدراسي الجديد وعادت من جديد شفق تنهي يومها الدراسي ثم تعود إلى شقتها مستقبلة مجموعات التلاميذ للدروس الخصوصية.
وصار لا يمكن لها الذهاب إلى بيت شفق الطفلة يوميًا، فكانت تذهب معها عقب موعد المدرسة إلى شقتها ثم ترسل هالة السائق إليها ليأخذها إلى البيت بعد أن تكون انتهت من واجباتها المدرسية واستذكار دروسها.
وصارت شفق لا تذهب لزيارة هالة إلا في العطلة الأسبوعية فقط، ومرت الأمور على ما يرام أسبوعًا بعد أسبوع.
انتظرونا فى باقى الاحداث
التعليقات مغلقة الان