رواية ” أنا وجيرانى ” الفصل الثانى للأديبة ” نهال عبد الواحد

ما أن سمعنا هذا الإرتطام والصوت المفزع حتى أسرعنا جميعنا نحو الشرفة لنعلم ما سر ذلك الصخب وتلك الرجة التي هزت البيت بأكمله.

وما أن نظرنا حتى وجدنا ما لا يخطر على بال أحد! إنها كراسي مُنَجَّدة لحجرة معيشة؛ يبدو أن الأستاذ سعيد يجدد أثاث بيته!

قد رأيت الكثير ممن يجددون آثاثهم، لكني لم أرى أبدًا أو حتى أسمع عن إلقاء الأثاث القديم من الشرفات والنوافذ، ولا حتى يوم رأس السنة في الكريسماس!

وقف أبي وأخي يصيحان من الشرفة ويسبانهم لكن لم نرى أحدهم، لم نلمح حتى خيالهم أو نسمع صوت أقدامهم التي تدب فوق رأسنا خلال الأربع وعشرين ساعة!

دخل أبي وأخي ليريا ما حدث بسلك طبق الدش الموّصل بالتلفاز، الذي للمرة المائة ألف قد انقطع من أثر رميهم لأي شيء فوقه.

جلس الإثنان يصلحان هذا السلك فهو ملاذنا خلال أيام العيد، فنحن نعكف أمام التلفاز حيث لنا مجموعة من الأفلام والمسرحيات التي يلزم مشاهدتها في العيد، ومع المشاهدة نأكل البسكويت، الكعك، الحلويات، التسالي والمكسرات، تستطيع أن تتوقع لنا زيادة عشرة كيلوجرامات تقريبًا في وزن كلٍ منهم إلا أنا أبقى كخلة الأسنان.

انتهى أبي وأخي من تصليح هذا السلك وقد أُذّن لصلاة الفجر، صلينا الفجر، بدأنا نستعد للذهاب لصلاة العيد.

ذهبنا جميعنا لصلاة العيد وما الغريب في ذلك؟!

حيث تذهب جميع عائلتنا في نفس المكان لصلاة العيد، نصلي معًا وعقب الصلاة قد عودتنا خالتي أن تشتري لكل بنات العائلة بلونات، هكذا اعتدنا.

لسوء حظي قد نفذت هذه البلونات الكبيرة الصاخبة التي بداخلها أرز وأحب أعبث بها حتى يقوم أخي الأكبر بثقبها، عدت من الصلاة ببالونة صغيرة، كم هو مؤلم بالنسبة لي! لقد تحطم قلبي الرقيق!
كيف سأقضي عيدي بدون صخب تلك البالونة؟!

كنت عائدة للبيت وأنا حزينة، غاضبة وما أن اقتربنا من باب شقتنا حتى اشتمننا رائحة شيء يحترق فلم نأبه وفتحنا الباب لندخل.

وما أن فتحنا الباب حتى وجدنا شيئًا مفزعًا، دخانًا كثيفًا ورمادًا يملأ الشقة، دلفنا البيت جميعًا في حالة من الفزع والهلع، نفتش في كل مكان لنعرف مصدر هذا الإحتراق.

لكنه قادم من الشرفة والنوافذ! اتجهنا بسرعة نحوهم، فوجدنا تلك الكراسي التي أُلقيت بالأمس مشتعلة!

من الواضح أن شخصًا ما أول حرف من إسمه الأستاذ سعيد قد ألقى بعقب سيجارة مشتعلة، سقطت وسط حشو الكراسي فاندلعت فيه النار.

وما الجديد؟! فقد فعلها قبل ذلك، ألقى بعقب سيجارة مشتعلة فوق وسائدنا عندما كانت ذات يوم في الشرفة للتهوية مثل باقي الخلق، فنشبت النار من قلب الوسادة! وقام أبي بشراء غيرها عدة مرات بعدها!

وأذكر ذلك اليوم الذي ألقي أيضًا بعقب سيجارته المشتعلة فسقطت فوق سيارة أخي فأفسدت سقف السيارة.

أفاقت من سيل ذكرياتي ذات رائحة الرماد على صفعة من أخي على مؤخرة رأسي!  اتجهت أعاونهم، نملأ بعض الأواني بالماء ونسكبها فوق النار لنطفئها.

بعد مرور فترة أخيرًا قد أطفأناها، وجدت أبي وأخي يصعدان إلى شقة ذلك الأستاذ سعيد، أخذا يطرقان الباب بقوة، يصيحان ويسبان.

لكن لا رد، لا صوت، لا حركة!

قمة اللامبالاة، التلقائية في الإيذاء، أعتقد لو وُجدت جائزة نوبل للامبالاة أيضًا لأخذها الأستاذ سعيد وأسرته عن جدارة.

كنت أريد أن أقول لأبي أنه باقي من الزمن خمسة عشر دقيقة وتصبح السابعة بالضبط أي موعد المشاجرة الصباحية حسب التوقيت المحلي لجمهورية مصر العربية.

لكن استوقفني هيئة الشقة وما أحدثه الدخان والرماد بالجدران، الأثاث و الستائر!

لا بل أسكتني تمامًا، أفقدني النطق مؤقتًا، وأفقدني الذاكرة أيضًا!

فهذا يعني أن هناك مبارة جديدة لتنظيفة جديدة للشقة وعلينا أن نقلبها رأسًا على عقب لإعادة التنظيف وفي العيد!

عاااااااااااااااا! حسبي الله ونعم الوكيل!

وتم تنظيف الشقة من جديد وفي العيد، قمنا بترك النوافذ مفتوحة لتهوية البيت من أثر الدخان وإذا بكميات من قشور اللب، السوداني والترمس تُلقى من أعلى وتسقط على حافة النافذة وتدخل للداخل وتسقط على الأثاث والسجاد.

فاضطررنا لإعادة غلقها، تسآلت ببراءة لماذا أيها النيوتن جعلت قوانين الجاذبية من أعلى لأسفل؟ لماذا لم تجعلها بالعكس؟ كان ما نضعه يصعد إليهم ولا يسقط علينا!

ماذا؟!
إنها صفعة أخرى على مؤخرة رأسي من أخي!  يبدو أني فكرت بصوتٍ مسموع، ومال نيوتن!  هو اكتشف الجاذبية ولم يخترعها، أعتذر منك سيد نيوتن، ارقد بسلام لن أتحدث عنك مجددًا.

انتهى العيد، أخذت مبلغًا ادخرته من عيديتي وقررت شراء عدة كنزات جديدة، بالفعل ذهبت واشتريت.

عدت للبيت وبينما أنا أُريهم لأمي إذ انسكبت القهوة عليهن، بالطبع غضبت وتذمرت، لكني أخذتها وأسرعت لغسلها وتنظيفها و نشّرتها بالشرفة.

حقيقةً كنت أقوم بدورية لحراسة الكنزات، كل خمسة دقائق أخرج إلى الشرفة للإطمئنان عليها وأنها بخير وعلى مايرام.

ألا ترون كيف كل يوم يضيع وقتي الثمين في هراء؟!

يا بشر أنا فنانة ومبدعة، أحتاج لراحة، هدوء حتى أتمكن من الإبداع وإنتاج الفن والطرب والعديد من المقطوعات الموسيقية.

احم احم! عفوًا! ربما أكون بالغت في إنفعالي،  وخرجت لكنزاتي العزيزات فقد توحشتهن منذ خمسة دقائق….

لكن! ومصيبتااااااااه!

تراني أصرخ وأصيح بالعربي وبكل اللغات، كنزاتي! عزيزاتي!

لقد سُكب عليهن الكلور! لقد فسد لونها! لقد هلكت بالكامل!

هل سمعتم من قبل أن الكلور يُلقى به ويُسكب من الشرفات؟! أراني قد أُصيبت بدوار! ربما جلطة!

تمر الأيام ولا جديد سوى المزيد من الأذى والمضايقات ومهما تحدثنا إليهم بأي طريقة لا استجابة.

وذات يوم أخبرنا أبي أن أحد أصدقائه قادمًا لزيارتنا هو وإبنه العائد من السفر بعد سنوات من الغياب بحجة أنه سيجيء ليُسلّم علينا.

لكن بحملة التنظيف المكثفة التي تقوم بها أمي وتؤكد عليّ لأُعد نفسي على أفضل صورة، التقطت بالحاسة السادسة إشارات تشير إلى مجيئه كعريس.

كان أبي يُذكّرني به وببعض مواقفه قديمًا، لكن في الحقيقة أنا لا أتذكر أي شيء ولا أتذكره هو أصلًا، لكن لا مانع من التجربة، وإن كنت أحلم بفتى أحلام يشبه بوراك أو أحمد عز مثلًا، لكن الأفضل التغاضي عن هذا الحلم!

بالفعل أعددت نفسي، صرت في أحلى طلة، تركت لشعري العنان، وضعت القليل من مساحيق التجميل على غير العادة، أدعو من داخلي ألا أنسى وأحك عيني بالخطأ، أشاد من حولي بجمالي و روعة هيئتي.

وجاء صديق أبي و زوجته وإبنهما، حقيقةً يبدو ذلك الشاب وسيمًا وأنيقًا، ليس لدرجة أحمد عز، لكن لا يهم، كما أنه متحدث لبق، أما أمه فلم تبعد عينيها عني، لم تكف عن تدليلي والمزاح معي، سواء هي أو زوجها صديق أبي هذا.

بصراحة مضى الوقت وكان لطيفًا، خفيفًا، والجلسة عائلية، حميمية بشكل كبير، كلنا سعداء ولم نتوقف عن الضحك.

لكن فجأة!

…………………………

انتظرونا مع الفصل الثالث والأخير

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان