رواية ” أنا وجيرانى ” الفصل الأخير للأديبة: نهال عبد الواحد

كان اللقاء جميلًا والجلسة لطيفة، منسجمة بلا تكلف كأننا عائلة واحدة، حقيقةً لا أنكر إعجابي بابن صاحب أبي ذلك من وسامته، أناقته، خفة ظله وحديثه اللبق المنمق.

بينما نحن جالسون إذ فجأة وجدت صاحب أبي يخبر أبي برغبتهم في خطبتي لإبنهم الجالس أمامي، وفجأة صارت الأنظار كلها متجهة نحوي.

كنت في موقفٍ لا أُحسد عليه، فهو موقف محرج للغاية! فتجمدت مكاني، توقف لساني عن الثرثرة ولم أدري بم أجيب! حتى أعطوني فرصة للتفكير.

وبينما أنا في هذه الحالة العجيبة وكلهم يتحدثون إليّ ويشيدون بأدب وأخلاق هذا الشاب، أما أنا كنت واجمة، جاحظة العين لكن لم يكن بسبب ذلك الموقف المحرج بل كنت أنظر إلى مكانٍ آخر.

فجأة رأيت السجادة تتحرك من فوق الأرض! مؤكد أن هذا من المفاجأة وتأثير الموقف!

ظللت أفتح وأغلق عينيّ، هممتُ أن أفركها، لكني تذكرت هذا الكحل الذي أضعه في عيني!

لكن لازلت أراها تتحرك والأرض شديدة اللمعان فجأة، لقد ذهبت لعالم آخر بمعنى الكلمة! لا أسمع لأي حديث ولا أي نداء موجه لي.

وبعد كل هذه النداءات بدؤا يلاحظون إتجاه نظري، لكن قبل أن ينطقوا بحرف وقد كنت تأكدت مما أرى فأخذت أصرخ بكل صوتي.

عاااااااااااااا! إنها ماء!

بالطبع لم أفكر في شكلي ولا مظهري الذي فسد أمام عريس المستقبل وأنا أصرخ وأقفز كالبلهاء!

صار الجميع يصرخ على صراخي، لقد امتلأت أرضية الشقة بالماء! من الواضح أن هناك سدد ما في الصرف فعل هذه الكارثة!

كنت أقسم من داخلي إن كان هذا السدد قادمًا من المرحاض فسأرحل مع هذا العريس والآن ولنذهب إلى أي مكان!

لكن الحمد لله كان السدد من بلاعة أرضية الحمام، المشكلة أن الماء يزداد تدفقًا ويملأ أرضية الشقة أكثر.

كان أبي وأخي يصيحان ويناديان على السكان ليغلقوا الصنابير لحين تسليك هذا السدد وعلاجه فكل الماء يصب في شقتنا.

بالطبع لم ينسيا بعض السُباب والشتم للأستاذ سعيد وأسرته دون أن ينتبها لوجود ضيوف أغراب.

عريس المستقبل طاااااار!

فالمتوقع أنهم هم سبب البلاء مثل كل مرة، فكم من مراتٍ فعلوها بسبب إلقاء حفاضات الأطفال وغير الأطفال بداخل المرحاض.

لكن الآن هم يلقوها من النافذة فبمجرد أن نفتح النافذة نجد هذه الأشياء العفنة تُلقى على حافة النافذة والشرفة!

شيءٌ مقزز يثير الإشمئزاز!

نظرت حولي فوجدت الجميع قد تحول لفريق إنقاذ بما فيهم عريسي وأهله! ما ألطفه! شخص متعاون!  الجميع شمر بنطاله نازحًا الماء أو يُعبّيء بدلو ويسكب الماء إلى خارج الشقة، ومنا من ينزع السجاد ويضعه بماءه الذي يتصبب منه كالشلال على السور أمام باب الشقة.

ظللنا هكذا حتى وصل السباك بآمان الله، بدأ في عمله يسلّك هذا السدد اللعين، و لا حياة لمن تنادي فلازال هناك من يفتح الصنبور ويعيش حياته فيصب الماء في شقتنا من جديد!

بخبرتي السابقة يمكنني أن أتوقع من يفعل ذلك الآن ويصر على فتح الصنبور وعيش حياته بشكلها الطبيعي دون مراعاة ولا إحساس ولا حتى سماع لصوت صياحنا وسبابنا!

لقد خرب كل شيء، حتى مشروع خطبتي، فأنا أريه هذا العريس وقد تصبب عرقًا وهو يساعد في نزح الماء هو وأمه.

وبعد فترة من التسليك والتي زادت عن الساعة، ربما كادت تكمل الساعة الثانية، بدأ أبي يفكر في كسر هذه الماسورة فيبدو أن سبب السدد هذه المرة يفوق توقعاتنا.

وأخيرًا حدثت المعجزة! لقد تمكن السباك أخيرًا من تسليك الماسورة، إدراك السبب اللعين بعد كل هذه المعاناة.

لكن معرفة سبب السدد وحده كان كافيًا لإصابتنا جميعنا بما فيهم عريسي وأهله بجلطة ثلاثية الأبعاد!

أراكم تريدون معرفة السبب، هيا خذوا نفسًا عميقًا،  من يعاني من أمراض القلب والضغط فليعود للخلف وأيضًا ممنوع الحوامل ربما تلد قبل أوانها.

سأخبركم ماذا وجدنا ولا تسألوني كيف حدث؟! إنه بنطال جينز مقاس أطفالي! شيء جديد ولا يخطر ببال أي شخص!

ترى ما الذي بجعل لبنطال جينز أن يسقط بداخل الصرف على غفلة ودون أي ملاحظة من أصحاب البنطال أنهم قد فقدوه أو حتى تأثير دخول هذا البنطال.

اقترح السباك على أبي ضرورة عمل صرف خاص بشقتنا وقد وافق على الفور وانصرف الجميع دون أي كلمة.

مؤكد قد انتهي موضوع الخطبة وقد ذهب عريسي للأبد بلا عودة! على أية حال لم أدلي برأيي بعد.

انشغلنا بعدها بعمل السباك في تغيير الصرف  ليصبح خاص بشقتنا وحدنا، بالطبع لم نرى من الأستاذ سعيد وأسرته أي ردة فعل، فمثل هذه الأشياء البسيطة لا تؤثر فيهم بل لا يكادوا يشعرون بها.

لم يُفتح موضوع هذه الخطبة لأيام بعد ذلك، لكني تفاجئت بإعادة طلب خطبتي، بالطبع قد وافقت، فكونه قد رأى وحضر كل هذا معنا ولازال يصر علينا فهو سبب في حد ذاته.

ويكفي أني سأترك هذا البيت وأبتعد عن الأستاذ سعيد وأسرته، وهذا أهم الأسباب.

حقيقةً قد أُعجبت به بالفعل ليس من أجل ما قولته من هراء وسخف، الإعتراف بالحق فضيلة.

وبعد إتمام الاتفاقات والحديث في تفاصيل الزواج، اتفقنا على يوم لشراء الشبكة وما أن خرجنا يومها من باب البيت واتجهنا أنا وأمي إلى السيارة لنركب و كنا في أجمل صورة وأناقة.

اقترب نحونا العريس وأمه يستقبلانا قبل أن نركب السيارة لطفًا منهما، وما أن مد يده يسلم عليّ بينما أمه تسلم على أمي حتى سقطت علينا فجأة سجادة فوق رؤسنا كانت تلفها زوجة الأستاذ سعيد لا أدري تلفها للداخل أم للخارج!

لقد فسدت زينتي وأناقتي وفسد اليوم بأكملها! وبدلًا من أن أذهب لشراء الشبكة ذهبت للمشفى؛ فقد أشتبهوا بحدوث ارتجاج في المخ لنا.

لم يكن هناك سوى حلًا وحيدًا، أن نترك هذا البيت فلا داعي للإستمرار جوار كائنات لا ترى، لا تشعر وتتغذى على أذية الناس بدمٍ بارد.

قد أخبرنا خطيبي وجود شقة فارغة مناسبة في نفس العمارة التي فيها شقتنا بعد زواجنا.

أراك إنتحاري يا زوجي المستقبلي تضحي وتضحي!
لكن تُرى هل ستستمر هذه التضحية وإلى متى؟! وهل ستُخرجه عليّ بعد ذلك؟!
أتعشم خيرًا!

ذهبنا نتفقد الشقة، أعجبتنا كثيرًا هي وشقتي المستقبلية أيضًا، دفع أبي ثمن الشقة واشتراها بالفعل، كان ينقصها بعض الأشياء، بدأنا ننشغل بإعدادها أكثر من الإنشغال بتجهيزاتي كعروس.

لا يهم، المهم أننا سنتخلص أخيرًا من الأستاذ سعيد وأسرته وسأتفرّغ لفني وإبداعاتي الفنية!

يوم بعد يوم ونحن مشغولين بشقتنا الجديدة وتلك الإعدادات للنقل بكل كياننا.

وأخيرًا قد جاء اليوم الموعود، اليوم المنتظر، يوم الإنتقال وذهابنا إلى شقتنا الجديدة وبعدها سأصبح جارة لأمي في نفس البيت، كم أنا محظوظة!

تم الإنتقال إلى شقتنا الجديدة بحمد الله، أعددنا أمتعتنا،  وضعنا كل شيءٍ مكانه، وها نحن سنبيت ليلتنا الأولى وبداية عهد الهدوء والسلام النفسي.

وأخيرًا سنستمتع بحياتنا، لكن!

أراني أستيقظ مفزوعة في السابعة تمامًا على صوت المشاجرة الصباحية بنفس التوقيت وبنفس الأصوات.

تراني نهضت مزعورة، أفرك عينياي وأذني معًا، أحاول استيعاب مكان تواجدي وكيف يحدث هذا!  مؤكد أنها تهيؤات أو تأثير الإنتقال!

أعتقد أن افتقاد الأستاذ سعيد وأسرته لن يمر علينا بسلام تام كان يلزمنا بعض التدرج لنتخلص من تأثيره علينا تمام مثل علاج المدمنين!

لكني لازلت أسمع أصواتهم، بدأت أخبط وجهي، أضرب خداي لأستفيق، لكن لا فائدة لازلت أسمع صوتهم!

لابد وأني أحتاج لنوع من العلاج النفسي، دخلت إلى حمام حجرتي، وضعت رأسي في الحوض، فتحت صنبور الماء فوق رأسي ربما أعود لرشدي.

لكن لم يحدث شيء، لم تتوقف هذه التهيؤات التي أسمعها، فتحت باب حجرتي أخرج منها، وجدت أبي وأمي و أخي يخرجون من حجرتيهم بنفس حالتي وينظر كلٌ منا للآخر، لا يصدق ما يسمع وما يجد.

إذن هي حقيقة! لقد   ان-ت-ق-ل-وا   م-ع-نا!
صرخت صرخة مدوية، أشعر بساقين هلاميتين لا تحملان جسدي، زحف عليّ ظلام تدريجي اختفت بعده الأصوات – – – –

تمت😍🌷

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان