رواية”روح الفؤاد” الفصل الثالث والرابع والعشرون

بقلم :نهال عبد الواحد

وبعد عدة ساعات ربما وقت الظهيرة فتحت روح عينيها وكأن كل ما سبق كان مجرد حلم، لكنها تفاجأت بأنها نائمة في حضن مراد مطوقها بذراعيه فنظرت لحالها فوجدت نفسها ترتدي روبًا لمراد ولا شيء تحته وشعرها منسدل جوارها، شعرت بوخزة في رقبتها فوضعت يدها كأنه لاصق أو غيار طبي.

كانت روح تتحرك كثيرًا فقال مراد وهو لازال مغمضًا عينيه: شش! نامي يا حبيبتي!

ربما يتحدث وهو لازال نائمًا فانتظرت بعض الوقت، شعرت بحرج شديد من وضعها هكذا ثم التفتت تتأمل وجه مراد ربما هذه المرة الأولى التي تتطلع له فيها عن قرب أو تتطلع له فيها بدقة على الإطلاق كم كان جذابًا فابتسمت فقد تحول هذا الحرج فجأة لشعور جميل، لكنها لازالت تود النهوض حتى لترتدي ملابسها وبدأت تتحرك من جديد تحاول أن تفلت من ذراعيه المحكمتين الغلق عليها ربما تفلح لكنه فجأة تركها واستدار بظهره عنها فنهضت مسرعة من جوارها وهي تضم طرفي الروب على جانبيه لتحكم إغلاقه وتسللت تاركة الغرفة ومتجهة نحو غرفتها لترتدي ملابسها.

خرجت روح من الغرفة وأغلقت الباب خلفها فإذا بأخيها يخرج من غرفتها ليخرج لعمله فانتفضت روح وازداد خجلها من هيئتها هكذا أمام أخيها وأخذت تضم الروب أكثر عليها فضحك حامد مما تفعله ثم تسآل: كيف حالك الآن؟

فمطت شفتيها بعدم فهم ثم أجابت بتعجب: الحمد لله، لكن كأن لسؤالك مغزى!

– لا أبدًا، كدنا سنفقدك بالأمس وكنتِ ستلحقين بوالديكِ، كدتي تختنقين بدخان حمام البخار، لقد نسيتي فتح الشفاط.

– فعلًا! كأني سقطت في بئرٍ عميق من النوم وعندما فتحت عينيّ وجدت كل ما حولي أبيض اللون من شدة الضباب الكثيف حتى إني لم أرى كف يدي.

– ربنا ستر! لكن قد فتحت رقبتك ثقبًا صغيرًا..
ثم قال بمزحة: بسم الله الله أكبر! يمكنك تعليق قرطًا فيها، أقسم لك ستقلدك الفتايات والنساء أيتها المذيعة وستصير موضة….. ثم انفجر ضاحكًا.

لكن روح قد وجمت فترة ثم اتجهت مسرعة تنظر في المرآة وتضع يدها مكان الوخذ فوق اللاصق الطبي وفي ياقة الروب آثار لبعض الدماء الجافة فقالت بخوف: هل حقًا ثقبتم رقبتي؟!

حامد ولازال يضحك بشدة: أجل! لكن اطمئني لقد فعلها طبيب، لكن اعتني بزوجك جيدًا لقد جن جنونه بالأمس وكاد يموت خوفًا وقلقًا عليكِ، أعطيه جرعة مكثفة من الحنان والدلال برقبتك المثقوبة هذه!

فرمقته ليصمت فنظر إلى ساعته وقال: لقد تأخرت، سلام….
ثم التفت إليها وقال مازحًا: إلى اللقاء ياذات الرقبة المثقوبة.

فقذفته بأقرب وسادة لها فخرج مسرعًا ولازال يضحك، ذهبت روح لتغتسل مكان تلك الدماء الجافة فهناك آثار على كتفيها وصدرها ثم ارتدت ملابسها وصففت شعرها وجمعته لأعلى كذيل فرس.

استيقظ مراد و التفت حوله يبحث عنها بعينيه فلم يجدها فعلم أنها خرجت لغرفتها أو لتفعل أي شيء فتأفف قليلًا، أخذ حمامه وبدل ملابسه وصفف شعره و وضع عطره فسمع صوت رسالة جاءت توًا لهاتفه وكانت من حامد ففتحها ليقرأها:
«لقد غادرتكم وعدت لبيتي بعد أن ضبطت لك روح، عليك أن تستغل الموقف جيدًا…حتى لو خطفتها لتنفرد بها، لكن إن عادت لغرفتها مجددًا أخبرني لأعود لكما فورًا ….أي خدمة يا صديقي، السعادة لكما.»

قرأ مراد بوجه يبتسم وهو يقول لنفسه: كدت أيأس يا حامد والله! لقد صار الأمر صعبًا للغاية.

و وضع هاتفه في جيبه وخرج من غرفته وكان باب غرفة روح مفتوح قليلًا وسمعها تحدّث نفسها: استمري هكذا أيتها البلهاء! كاد الرجل أن يموت خوفًا وقلقًا عليكِ وقد ضمك إلى حضنه ويكثر دائمًا في تدليلك و منذ أن عرفك وهو يعاملك بخلق جم و رقة وحنان لا شبيه لهما وأنتِ كما أنتِ أيتها الثلاجة المتجمدة! لقد قالها صراحةً حتى وإن كان نائمًا قال حبيبتي. فماذا تريدين أكثر من هذا أيتها الحذاء البالي؟! أغضبك أنه استدار وأعطاك ظهره، بل كان عليه أن يعطيكِ بالنعال، ثم تأخذكِ كرامتك تلك وتعلنين عليه الحرب، يا لك من غبية حمقاء! ياذات الرقبة المثقوبة!

كان مراد يقف ويستمع لحديثها ذلك وشتماتها لنفسها ويضع يده على فمه ليكتم ضحكاته على طريقتها الطفولية تلك، لكنه لن يقوى على المقاومة فعاد لغرفته وفتح الباب بهدوء ثم أغلقه فجأة فانتبهت روح لذلك الصوت وتحركت مسرعة نحو الباب لتخرج وما أن رآها حتى ضمها مسرعًا دون أن تفكر أو تقاوم، لكن ماذا تقاوم! ماذا عن رائحة عطره تلك! أم ماذا عن ضمته لها بتلك الرقة!

ثم ابتعد قليلًا ونظر بداخل رماديتيها وقال بلهفة: كيف حالك الآن؟ بماذا تشعرين؟!

فأومأت مجيبة بابتسامة: أنا بخير والحمد لله، أعتذر عن إزعاجي لك وأنت مريض!

قالت الأخيرة وهي على استحياء، فضمها ثانيًا وتنهد قائلًا: كدت أموت من قلقي وخوفي عليكِ بالأمس.

ثم احتضن وجنتيها وأهدر: إياكي ودخول حمام غرفتي مرة أخرى دون وجودي.
ثم ضمها وتابع بعشقٍ واضح: لا أتصور نفسي بدونك ولا حياتي من غيرك… أرجوكِ احترسي واهتمي بحالك جيدًا.

فأومأت برأسها أن نعم فأكمل: أعتذر بشدة لكن لدي مواعيد هامة اليوم وسأضطر للخروج، لا ترهقي نفسك اليوم بأي عمل، ولا تنسي أخذ علاجك فكيس أدويتك بغرفتي على الكوميدون.

وأمسك بيدها، هبطا معًا، تناولا فطورهما وقبلها كعادته قبل خروجه وأكد عليها مجددًا ألا تجهد نفسها ثم انصرف.

لم تكن روح متعبة للدرجة إلا من بعض الوخذات المحتملة من أثر ذلك الجرح الصغير في رقبتها، لكن عن تنفسها فقد كان منتظمًا لحدٍ كبير لكنها تناولت ذلك الدواء كأداء واجب.. وقامت بفعل عمل ما كان ضروري وقد تأخر فعله كثيرًا.

وجاء المساء وأعدت روح عشاء خفيف فكان مجرد شرائح من البطاطس والجزر المشوي وفوقها القليل من الجبن المبشور الذي سيسخن عند التقديم مع طبق من السلطة الخضراء مع مكعبات جبن الفيتا الأبيض وسلطة زبادي حادقة وأخرى حلوة.

وذهبت لتعد السفرة فوضعت باقة صغيرة من الورد قد جاءت بها من الحديقة مع عدة شمعات صغيرة وضعتهم بشكل جمالي لكن أجّلت إشعالهم لحين مجئ مراد.

ثم ذهبت لتعد نفسها وهيئتها وبعض اللمسات النهائية، وبعد تمام إستعدادها ظلت منتظرة فقد تأخر مراد وكلما اتصلت به لا تجد ردًّا فقلقت كثيرًا ثم عاودت الإتصال به أكثر وأكثر حتى أخيرًا قد أجابها: مرحبًا!

– مرحبًا مراد! لماذا لا ترد عليّ؟ لقد قلقت للغاية!

قالت الأخيرة بقلقٍ مفرط، فأجابها بتبلدٍ واضح من نبرة صوته: أعتذر منك عزيزتي لقد انشغلت كثيرًا وكان يومًا طويلًا، هل أنتِ بخير أم متعبة؟!

– لا أنا بخير، أين أنت الآن؟! هل ستتأخر أكثر؟

فتابع بتبلد أكثر: إمممم! قليلًا.

فضغطت على أسنانها بغضب وأهدرت: حسنًا!

ثم أغلقت الخط مسرعة وقالت لنفسها وهي تصعد درجات السلم بغضب شديد: حسنًا مراد! أنا المخطئة وأستحق كل شيء، أنا المخطئة أني……

وفجأة!

الفصل الرابع والعشرون

واستوقفها فجأة صوت مفتاح الباب و غلقه ثم أقدام فتوقفت مكانها دون أن تستدير.

وبالطبع كان مراد الذي دخل وهو يعاتبها بمزحة فقد فهم أنه قد أغضبها: أقول قليلًا أجد الخط يُغلق في وجهي، كيف لك هذا؟!

فالتفتت وهي تقول بغضب: لقد أغضبتني لأني كنت قلقةٌ عليك ورددت عليّ بلا مبالاة.

وجم مراد لايدري من هيئتها أم من طريقة حديثها الذي يجمع بين الغضب والدلال بلهجة جديدة لم يعهدها أبدًا.

أما عن هيئتها فقد إرتدت فستان أزرق بدون أكمام ضيق، قصير لفوق الركبة محددًّا عند الخصر بحزام رفيع أسود وحذاء أسود ذا كعب عالٍ، وضعت القليل من مساحيق التجميل التي بالكاد تحدد ملامحها وتطلق لشعرها العنان مع بعض التمويجة القليلة.

ظل مراد واجمًا يتفحصها من رأسها لأخمص قدميها ربما لأول مرة تراه ينظر نحوها بتلك النظرات العاشقة الممزوجة برغبة.. حتى إنه قد نسى عن أي شيء كانا يتحدثان أو بماذا كان سيجيبها!

نزلت روح درجات السلم فابتسم وتسآل ولازال يتفحصها: هل كنتِ تنوين الذهاب لحفلٍ ما بهيئتك هذه؟!

–  لماذا؟!

– إن المرايا كثيرة بالأعلى ألم تنظري لأيها؟ كم تبدين أنيقة وأكثر روعة!

– كنت أنتظرك على العشاء لكن….
ذلت قدمها فجأة وكادت تسقط من فوق الدرج لولا أن لحقها مراد كعادته وحملها بين ذراعيه.

وقال مضيّقًا عينيه: ليتني أعرف سر عداوتك مع أي سلم، كأنك لاتجيدين الصعود ولا النزول ويلزمكِ حارسٌ خلفك دائمًا! لكن لن أسمح بحارس غيري.

فقالت وهي تعبث بياقة قميصه بدلال: بل أنا التي لن تسمح بحارس غيرك من الأساس.

وكان ينظر إليها بعينيه تكاد تلتهمها شوقًا فاقترب وهمس في أذنها بتلك الطريقة التي تذيبها وقال: اشتقت إليكِ.

فأنزلت بنفسها فجأة وهي تقول: مؤكد فمنذ زمن لم نتناول العشاء معًا، لحظات وكل شيء على مايرام، مجرد أن تغسل يديك.

وأسرعت متجهة نحو المطبخ فتأفف وهو يتابعها بنظره وهي تركض هكذا ثم مسح وجهه وكأنه يتصبب عرقًا فأخذ نفسًا عميقًا ثم أخرجه بهدوء ثم اتجه ليغسل يديه و وجهه.

وبمجرد خروجه كانت قد وضعت العشاء على السفرة وبدأت توقد الشموع الصغيرة وبدأت تنتشر رائحتها العطرة مع رائحة الورد فنظر إليها مبتسمًا ودون أي كلام حرّك الكرسي ليسمح لها بالجلوس أولًا….
ما أجمل هذه التفاصيل الصغيرة! ثم جلس عن قرب لها وبدءا يتناولان العشاء وهو يختلس النظرات نحوها وهي تلمحه بطرف عينيها.

جلس كعادته يحكي لها كيف قضى يومه وهي تشاركه الحديث وذلك يشعرها بأهميتها خاصةً عندما يناقشها ويستمع إلى رأيها حتى ولو لم يأخذ به لكن يكفي ذلك الشعور الرائع.

أخذ نفسًا عميقًا وأهدر بعشق: إن رائحة الورد هذه رائعة للغاية، لا أتصور حياتي كيف كانت بدون ورد.
كان ينظر لها وهو يتحدث ليوحي بأن حديثه يقصد معنى أبعد من الورد.

– إذن شعرت بالفارق و رأيته!

– أجل رأيت وشعرت.
قالها أيضًا بطريقة تشير لشيء غير الورد وكانت روح تفهمه بالطبع منذ اللحظة الأولى لكن ماذا لو مزيدًا من المراوغة؟!

فأهدرت بتوتر وبعض الإرتباك: مراد! كنت أود أن أخبرك بشيءٍ ما!

– قولي!

– لقد قمت بترتيب غرفتك اليوم.

فتنهد بفرغ صبر فجائي قد انتابه وتسآل: لماذا؟! ألم أقل لكِ مرارًا لا تجهدي نفسك! لا تفعلي شيء! كأنك لا تسمعي الكلام وتفعلي ما تريديه! عندما تريدي شيء إطلبيه من الخادمات.

– إلا غرفتك وأشياءك فقد صارت مسئوليتي أنا فقط، أما عن كلامك فأنا لا أملك إلا أن أسمع كلامك وأنفذه بحذافيره.

فتنهد مجددًا وكأنه قد تاه منها وصار فجأة لا يفهم شيء وقال: لا أريد التعب والمشقة لكِ.

فتنهدت تظهر عشقها الذي أخيرًا آمنت به وصدقته وأهدرت بدلال: لا أملك من هو أغلى منك لأتعب من أجله.
فترك الطعام وانتبه إليها خاصةً بعد هذه اللهجة، فأكملت بارتباك مجددًا: لكني أقصد أني رتبت غرفتك… أعدت ترتيبها… حتى أجلب أشيائي وأضعها عندك في غرفتك.

فوجم قليلًا ثم قال بفجأة: غرفتي!

فأومأت برأسها أن نعم وهي تهدر: اممممم!

فاتسعت ابتسامته وتسآل وهو غير مصدق: هل أنت جادة فيما تقوليه؟!

فتنهدت قائلة: امممم!

– هل تقصدين أنك ستشاركيني وتشرّفين غرفتي و… و… فراشي؟!

– اممممم!

فهب واقفًا ثم مد يده نحوها فمدت يدها إليه وسارا قليلًا ثم توقفا فأخرج هاتفه وأدار موسيقى هادئة، ثم أمسك بيدها وقربها إليه، فيد تحتضن خصرها والأخرى تحتضن يدها وتقربها نحو قلبه، نظر بداخل رماديتيها وهما يتراقصان ويتمايلان كأن أجسادهما هي التي تعزف الموسيقى.

فترسل العيون ذهابًا وإيابًا برسائل خاصة بشفرة العيون وكأنهما قد فقدا النطق فجأة ولم تعد سوى رسائل العيون، رسائل شوق وغرام بأنفاس تلهث.

وفاجئته بحركة جريئة فقد سحبت يدها من يده وتعلقت بذراعيها في رقبته ووضعت رأسها على كتفه فضمها إليه وضمته هي الأخرى فيشعر بذراعيها تشتد وتشتد ضاغطة عليه ويشعر بأطراف أناملها تعبث في أطراف شعره من الخلف فتذيبه شوقًا أكثر بين يديها.

ابتعدا قليلًا ونظر لبعضهما البعض ثم اقترب مجددًا وأسند بخده على خدها واستنشق بنفسٍ عميق يملأ رئتيه برائحتها العطرة، شعر كلاً منهما بأنفاس الآخر الحارة في رقبته.

ثم ابتعدا قليلًا بمسافة تتيح لهما أن ينظر كلًا منهما لوجه الآخر لكن لا يفصل بينهما سوى بضع سنتيمترات قليلة فتوقف مراد عن المراقصة فجأة فتوقفت هي الأخرى، مسح بيده على شعرها برقة شديدة وهو يجمعه على جانب واحد ثم اقترب بهدوء وانحنى يقبل رقبتها وكتفها برقة شديدة فأغمضت عينها بانسجام ومشاعر أخرى تغزو جسدها، لكنه فاجأها على غفلة بقبلة طويلة على شفتيها.

وبعد مرور بعض الوقت لا يعلمان كم مر من الوقت ابتعدا بأنفاس لاهثة وقبل أن تفتح عينيها المغمضتين كان قد حملها وصعد بها لأعلى وتعلقت هي برقبته وفتح باب الغرفة وأوقد نور الغرفة فاستنشق نفسًا عميقًا فكانت رائحة الغرفة معطرة و الفراش مفروشًا بالورود الحمراء فدخل الغرفة وأغلق الباب خلفه بقدمه…..

وسكت العاشقان عن الكلام المباح وذهبا معًا لعالم خاص لا يعرفه سوى العشاق… فهنيئًا لهما……………

انتظرونا قريبا مع باقى الأحداث …..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان