نحن نعيش فى العقد الحالى من القرن الحادى والعشرين عددا من التحديات الهائلة فى مختلف المجالات ، ربما تكون فوق طاقة كثيرين منا ، وفوق احتمالهم ، إلى الحد الذى جعل البعض يمتلئ بالإحباط الشديد ، ومن فقد الأمل ، وأصابه اليأس ، ومن صار ناقما على الدنيا ومن فيها ، ومن صب جام غضبه على مصر نفسها ، ونعتها بكل سئ وقبيح ، وتناسى لها كل فضل ، وجعل منها شماعة يعلق عليها كل أخطائه ، ومن هرول باحثا عن المال بأى طريق ، وفى أى درب فألقى نفسه فريسة سهلة لكل نصاب ومهرب ، وجعل نفسه ضحية سهلة لكل شئ ، من خلال رحلات الهجرة غير الشرعية ، التى لا تخالف القوانين فقط ، بل والشرع الحنيف ، لأنها تخالف تحذير الله تعالى لنا بألا نلقى بأيدينا إلى التهلكة ، وهى رحلات كلها ليس فيها أى التزام بأى اشتراطات ، ولا توجد بها ضمانات ، بل تقوم بها عصابات الجريمة المنظمة ، ومن باع نفسه للشيطان نفسه ، مثل من يلجأون إلى خيانة الوطن ، والعمل فى مجال الجاسوسية ، وبيع أدق المعلومات عن هذا الوطن العظيم وبأخس الأثمان ، وإن أغرت ضعاف النفوس ، ميتى الضمائر ، عديمى الولاء ، والخيانة ليست فقط من خلال العمل المخابراتى المباشر مع مخابرات دول معادية ، بل ومع المنظمات الدولية أو الإقليمية المشبوهة أو المريبة أو التى تطلب أمورا يرفضها العقل والمنطق ، ومنها المنظمات التى توفر تدريبا قتاليا معينا للشباب ، كما تسلحهم بأفكار شاذة أو خطيرة مثل ما يتعلق ببعض خطط وأفكار الجيلين الرابع والخامس من الحروب ، التى يتحول هؤلاء الشباب الصغار فيها إلى مجرد أدوات أشبه بعرائس الماريونيت يحركها هؤلاء الأعداء كما يحبون ، كما يصبحون مجرد أجهزة روبوت يتم التحكم فيها ” بالريموت كونترول” ، ويصيرون فيما بعد وقودا لهذا الحرب ، وهم أول من يدفع الثمن ، حتى و إن نجحوا فى مسعاهم فى قلب أنظمة الحكم فى بلادهم ، وترقوا فى المناصب ، لأنهم فى النهاية سيكونون مجرد عبيد لمن اشتراهم ، ودفع لهم ، وعلمهم ما يريد ويحلو له ، فقاموا بما يملى عليهم من إثارة النزعات العرقية والقبلية والطائفية والمذهبية ، وحركوا الفتن ، وادعوا الدفاع عن حقوق الإنسان ، والمطالبة بالحريات ، والبحث عن الديمقراطية ، لأنها مجرد شعارات زائفة ، الغرض منها تحريك الأطماع والعمل على إغراق المجتمع فى حالة من المطالبات المستمرة والرغبات المتنوعة ، ليدخل فى حالة من النزاعات التى تتحول مع الوقت إلى نوع من الغليان المستعر، فتنشأ بعدها الحروب الداخلية ، لينقسم المجتمع إلى دويلات أو أقاليم ، حسب تركيبته السكانية العرقية والطائفية والمذهبية إلخ !!
ـ نحن نعيش ظروفا تخطت فيها معدلات البطالة أرقاما قياسية ، خاصة بعد انتفاضة ال 25 من يناير ، بعدما هرب مستثمرون كبار ، وتوقفت مصانع كثيرة ، وتراجعت الاستثمارات ، وجمدت مشاريع كبرى ، كما أصيبت السياحة فى مقتل ، والبطالة دوما فى أى مجتمع قنبلة موقوتة ، وتمثل تهديدا خطيرا ، لأن المتعطل عن العمل ، كالغريق يتعلق بأى قشة أيا كانت ، ولو كان ضعيف نفس أو لم يتلق التربية والتعليم اللازمين ، فما أسهل أن يستسلم لمن يدفع !!
ـ ثم يأتى الفقر ثانى الثالوث الخطير الذى يهدد العالم الثالث والدول النامية ، ويزداد شراسة بمرور الزمن ، وتردى معدلات التنمية ، وكم من فقر يتحول من فقر مادى إلى فقر روحى وأخلاقى وإنسانى ، تضيع معه كثير من القيم وتنزوى الأخلاق وتتوارى المبادئ ، فيصبح غذاء البطون بأى شكل ليس فقط أهم من غذاء العقول ، بل أهم من الدنيا وما فيها ، وصدق الإمام على حين قال ” لو كان الفقر رجلا لقتلته” ، والفقير من أجل أبنائه قد يفعل أى شئ ، لو لم يجد سبيلا للرزق أو ضاقت به السبل واسودت الدنيا فى وجهه ، وما أسهل أن يدخل فى منظومة الجريمة ، ويصبح جزءا من التنظيمات العصابية المختلفة ، ويسهل على الجماعات الإرهابية المختلفة أن تشتريه بكل يسر ، ليس فقط بإغراء المال ، بل وباللعب على وتر الدين زيفا وزورا ، واستغلا جهله الدينى أو قلة معرفته ، يستوى فى ذلك تقريبا العاطلون عن العمل ، فما أسهل استغلال الدين لكسب تعاطف كثيرين من محدودى الفكر وضحلى الثقافة ، ليصيروا بعدها منفذين لأخطر العمليات التخريبية ، والمخططات الإرهابية ، من قتل وتدمير وتخريب ، حيث يتم حشو العقول حشوا بأفكار التكفير القاتلة !!
ـ ويأتى الضلع الثالث فى ثالوث كوارث التخلف فى عالمنا ألا وهو المرض ، والذى يفتك بكثيرين ، فى ظل انتشار عدد هائل من الأمراض القاتلة ، التى أصبحت تمثل النسبة الأضخم فى أسباب الوفيات فى مصر مثل : السرطان ـ الكلى ـ الكبد ، وكلها تأتى نتيجة طبيعية لتزيد معدلات التلوث بمختلف أشكاله ، سواء أكان تلوث الماء أو الهواء أو التربة ، والتى تخرج منها الخضروات والفواكه ، التى نطعمها أو يتغذى عليها الحيوان الذى نأكله أو فى الهواء الذى نستنشقه والماء الذى نرتوى منه ، ليس فقط من خلال صناعات ملوثة ، وغير متوافقة بيئيا ، ولم تلتزم بقانون البيئة رقم 4 لعام 1994 ، بل ولم تجد من يلزمها من القائمين على تنفيذ القانون ، حتى بعدما حصلوا على صفة الضبطية القضائية ، أو فى ظل العادات السيئة والسوكيات الشاذة ، التى تؤدى للإصابة بالعدوى بكل سهولة ، خاصة داخل الأسرة الواحدة ، وما يسببه ذلك من انتشار أمراض الدم ، والتى يعد أخطرها مرض الإيدز اللعين وأمراض الالتهاب الكبدى المختلفة ، وهى أمراض تحتاج علاجات مكلفة للغاية ، ـ رغم التحسن الكبير فى علاج الالتهاب الكبدى فى مصر ، وما قيل عن بدء توصل الصين لعلاج ناجح للغاية لمرض الإيدز ، وما تحققه تجارب الدكتور المصرى العالم مصطفى السيد فى علاج الإيدز باستخدام رقائق الذهب ـ ، والمريض يبقى عرضة للتأثير عليه بكل يسر إما بتدبير نفقات علاجه أو باللعب على وتر شعوره باليأس من الحياة ، وإقباله على المت بكل سهولة ، إذا كان الوازع الدينى ضعيفا لديه !!
ـ يأتى كل ذلك فى وقت أصبح الدين تجارة رابحة لدى البعض ، وأكثر رواجا من تجارة المخدرات ، ليس فقط عبر قنوات فضائية ، تستبيح الدين كيف شاءت ، من خلال خطباء ومتحدثين غير مؤهلين لا علميا ولا دينيا ، ومن دعاة الفتنة والتطرف ، أو من خلال طفح هائل لجماعات تستحل الدماء ، وتبيح القتل ، وتستخدم العنق وسيلة لتحقيق أغراضها ، وترفع الدين شعارا لها ، لخداع الناس ن وكأنما تطبق حرفيا ما قاله أصحاب المذهب الشيوعى ” الدين أفيون الشعوب” ، فهم بدلا من جعل الدين سببا للصحوة وإعمال العقل وحسن التفكر والتدبر والنظر ، والبحث العلمى المتقدم ، وتجديد وتطويرالخطاب والفكر الدينى ، فإنهم جعلوه وسيلة إيهام ونوع من تخدير المشاعر ، باجتزاء مقاطع من هنا وهناك ، وانتقاء فتاوى شاذة أو شابها زيف ـ لتحريض الناس على العنف والقتل ، وكأن الحرام طريقهم الواسع إلى جنة الفردوس ، رغم أنه أكبر الكبائر وأخطر المحرمات !!
ـ ويتزامن كل هذا مع كل مخططات الغرب التى لم تتوقف لحظة ، وسعيه الدائم للقضاء على الإسلام ، وإفناء الجنس العربى نفسه بطرق شتى ، بداية بروتوكولات حكماء صهيون شديدة العنصرية والبشاعة ، وصولا لكتاب صراع الحضارات لهتنجتون ، والصراع بين الغرب المسيحى والشرق المسلم ، وتأجيج الصراع الدينى بقوة ، فى طرح جديد للحروب الصليبية الدموية ضد الشرق ، والتى جرت فى القرون الوسطى ، وتلاه ما هو أخطر وطرحته وزيرة الخاريجة الأمريكية الأسبق كوندوليزا رايس وأستكمله بشكل متكامل الكاتب الأمريكى أيضا برنارد لويس ، وهو ماتجلى فى نظرية الفوضى الخلاقة ، وتفتيت وتقسيم المجتمعات العربية ، باستخدام عناصر عميلة أو ناشطة سياسية وحقوقية ، وتدريبها وتأهيلها ، لتحاول قيادة الشباب ، والتأثير على الرأى العام ، لخلق صراعات داخلية ، تودى إلى حروب أهلية ، وهكذا تتحول الفوضى إلى خلق مجتمعات جديدة صغيرة وهشة ” دويلات وأقاليم ” بدلا من دول كبرى ، ما يمثل تحديات كبرى للدول العربية والإسلامية وعلى رأسها مصر ، ورأينا جميعا ماحدث للعراق ومازال ، وما يحدث فى اليمن ، لولا التدخل العربى ، وعاصفة الصحراء ، وما يجرى فى ليبيا ، وتدخل مصر من قبل مضطرة ، وما تم فى الصومال ، وكل ما نشهده فى سوريا ، وما حولوه فى مصر ، ونجاة تونس ، إذا هى تحديات للأفراد وللدول فى الوقت نفسه ، ولا يمكن لنا عبورها إلى بمواقف مجتمعية موحدة تعلى قيم الوحدة والتضامن والتوحد خلف راية وهدف وقائد واحد ، وتسعى من أجل إحداث نقلة حقيقية ، ونهضة تنموية شاملة ، وبدء مرحلة جديدة من الثورة الصناعية والتكنولوجية فى مختلف المجالات : زراعية ـ صناعية ـ تجارية ـ بحرية ، نهرية ـ تعدينية إلخ ، من أجل توزيع عادل للثروات ، وتوفير أكبر قدر ممكن من فرص العمل ، أملا فى القضاء على البطالة ، وتعميم مشروع التأمين الصحى ، ليشمل جميع المواطنين والفئات والشرائح ، على المدى البعيد ، والعمل بكل قوة على دعم مشروع محو الأمية وتعليم الكبار ، للقضاء بشكل كامل على الأمية والجهل فى البلاد ، مع ضرورة دخول كافة المواطنين فى منظومة التأمينات والمعاشات أو على الأقل زيادة معاشات الضمان الاجتماعى ، لتصبح مستقبلا ضامنا عليش أدمى للمواطن العاجز أو غير القادر على العمل والمرأة المعيلة ، ولاشك أن قرب افتتاح قناة السويس الجديدة ، وما سيقام حولها من 42 مشروعا لوجيستيا ضخما ، وما تم فى مؤتمر مصر المستقبل فى شرم الشيخ ، وبدأنا نرى تنفيذا لبعض مشروعاته أو الترتيب لبدء العمل فى هذه الاتفاقات ، لهو أمر يعط الأمل فى أن تكون حربنا على الفقر والجهل والمرض حربا شاملة ، لا هوادة فيها ، ونأمل أننا بالفعل أمسكنا بأدوات وأسلحة الحرب ، وأننا لها ، المهم أن نواصل بكل قوة وبأشد مالدينا من جهد وطاقة ن بلا كل ولا ملل ، ولكننا هنا نقول : لابد أن يعود للأزهر دوره التنويرى ليكون سلاحنا الأول ضد كل فكر تكفيرى أو متطرف ، وضد كل دعاة القتل والإرهاب ، وكل مرتدى عباءة الدين بالباطل ، وكل من يشوهون الدين و، ويسيئون للإسلام السمح المعتدل المتحضر العظيم ، ولا غنى عن عودة الأسرة لدورها مربية معلمة وخلية أولى لتاديب وتهذيب وتخليق أبنائها وزرع الفضائل والوطنية فيهم منذ نعومة أظافرهم ، ولا تترك الشارع ليربى !!
ولا بديل عن قيام المدرسة بدورها التربوى وليس التعليمى فقط ، وفى عودة مناهج التربية الوطنية والعسكرية إلى جانب جعل التربية الدينية الإسلامية والمسيحية موادا تدخل ضمن المجموع الكلى ، هذا إن أردنا أن تكون لها قيمة وأهمية بحق !!
اللهم هل بلغت اللهم فاشهد ؟؟!!
التعليقات مغلقة الان