هل سأل أحدنا نفسه لمّ جعل المولى عز وجل رحلة خليل الله إبراهيم عليه السلام تبدأ بالعراق ” أرض الرافدين والهلال الخصيب ” مرورا بمصر لتنتهى فى الحجاز ” المملكة العربية السعودية” ، فقد ولد نبى الله إبراهيم أبو الأنبياء فى العراق ، وفيها بدأ رسالته والدعوة إلى الله عز وجل ، وكانت دعوته إلى الإسلام ، فقد دعا إلى الحنيفية السمحة ، وتعرض لمحنة كبرى ، بسبب طغيان النمروذ ، وكفره بالحق ، وقام بإحراقه على مرأى من أهل البلاد ، ولكن الله سبحانه وتعالى قال للنار كونى بردا وسلاما على إبراهيم ، ولما سافر مهاجرا إلى مصر المحروسة ، وتزوج منها بالسيدة هاجر ، التى أنجبت له أبا العرب سيدنا إسماعيل عليه السلام ، والذى سماه الناس بأبى السباع ، لأنه روض الوحوش ، وأول من نطق بالعربية ، وكان ما كان ، وسعى هاجر بين الصفا والمروة ، وظهور بئر زمزم ، وبناء البيت الحرام ، وإقامة الكعبة المشرفة ، بل وبعد عقود من هذه الأحداث الكبار جاء إلى مصر أحفاد سيدنا إبراهيم وعلى رأسهم نبى الله يوسف ثم أخوته ، وتولى يوسف وهو حفيد نبى الله إسحق شقيق النبى إسماعيل عليهما السلام ، وتولى فيها منصب رئيس الوزراء أو ماكان يطلق عليه عزيز مصر حينذاك ، فهل وعينا السر ؟؟
إنها رسالة عليا من رب العالمين لمن يعى من البشر ، ومن يعمل عقله جيدا ، ويغوص فى عمق الأمور ، ليستخلص منها الحكمة !!
إن الله عز وجل أنزل القرآن الكريم منذ أكثر من 1447 عاما ، حيث بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وهو من أحفاد أبى العرب النبى إسماعيل الله نبيا قبل الهجرة ، وجاء كتاب الله تعالى بلغة الضاد ، بلغتنا العربية الأصيلة ، فكانت اللغة التى كرمها الله على سائر اللغات ، وكرم هذا الجنس العربى ، الذى نزلت فيه الرسالة ، ونشرها فى شتى مناحى الأرض ، بعدما انتشلهم القرآن العظيم من الجهل والعصبية والنعرات القبلية ومن كل ما كانوا فيه من موبقات ” خر وميسر وشرك وعبادة أصنام ووأد للبنات أحياء وإغارة القبائل القوية على الضعيفة إلخ ”
وأخذت العربية تنتشر فى بلدان شتى ، بعدما خرجت من أرض الحجاز ، لتتوغل شرقا وغربا وشمالا وجنوبا حتى بلغت أعداد الدول العربية 23 دولة ” منها إريتريا التى رفضت الانضمام للجامعة العربية” ، وعدد أخر من الدول الإسلامية التى يجيد عدد كبر من أبنائها التحدث بالعربية ، وتعد لغة ثانية فيها ، خاصة من تعلموا بالأزهر الشريف فى مصر أو الدول التى انتشر بها الإسلام فى المراحل الأولى ، حتى وإن تحول البعض إلى المسيحية فيما بعد ، جراء عمليات التنصير المنتظمة التى أشرفت عليها الكنيسة الغربية المتعصبة ، مستغلة الثالوث الخطير” الفقر ـ الجهل ـ المرض” ، وتلاعبت بعقول الناس ، ونذكّر هنا مثلا أن من نشر الإسلام فى عدد ضخم من البلدان شرقا وغربا لم يكن المقاتلون ، ولم يكن مطلقا بحد السيف ، بل عن قناعة كاملة ، حيث اخترق نوره القلوب ، واستقر فى وجدان الناس ، فكان للتجار الفضل الأول فى انتشار الإسلام بحسن خلقهم وشديد تدينهم وقوة إيمانهم ، ولذلك سميت مانيلا عاصمة الفلبين الحالية ” فى أمان الله” ثم تعمد من حاربوا الإسلام تحريفها إلى مانيلا ، وهو الأمر نفسه فى موزمبيق الأفريقية ، والتى كان سمها ” موسى البيك” ، باسم أول تاجر مسلم دخلها ، ودعى الناس فيها لدخول الإسلام السمح ، وتم تحريف الاسم ، كما حدث حتى مع الأسماء الإسلامية المختلفة فى ابقارة السمراء ، فتغير اسم محمد إلى مامادو والأمين إلى لامين ، خاصة مع انتشار اللغة السواحيلية وباقى اللغات الأفريقية ، وأحمد صارت أمادو إلخ !!
المهم أن الله عز وجل أراد لنا أن ندرك أن العراق هى البعد العربى الأول ، وكما نسميها البوابة الشرقية ، وأنها الأمن الاستراتيجى العربى الشرقى ، وبالفعل كانت بها حضارات كبرى ، لا ينساها التاريخ أبدا ، وكم تكالب عليها المغول والتتار ، والفرس وغيرهم ، وأن مصر المحروسة التى ذكرها سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم ” 5 مرات صراحة” وأكثر من 400 مرة ضمنا ، كما جاء فى بحث علمى أكاديمى بقسم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق فى جامعة الإسكندرية ” ، كما ورد ذكرها على لسان النبى الأعظم محمدا ” صلعم” فى أكثر من 20 حديثا شريف ” متواترا ومشهورا وآحاد” ، وهو ما ورد فى كتاب فضائل مصر وأخبارها ، وكلنا نعلم أن مصر هى من خطت أول سطر فى حضارة الكون ، وسطرت تاريخ المجد فى صفحات من نور ، وهى التى حافظت على العروبة والإسلام بدحرها للمغول والتتار والروم والصليبين والصهاينة إلخ ، ولولاها لكانت النهاية ، قديما وحديثا ، ونرى الهجمة الشرسة عليها حاليا ، ومحاولات نشر الفتن والمؤامرات والدسائس ، والعمل على التفتيت والتمزيق والتجزئة بلا طائل ، فكما قال عنها الرسول الكريم ، إذا فتح الله عليكم مصر من بعدى ، فتخيّروا من جندها ، فإنهم خير أجناد الأرض ، وإنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة” صدق رسول الله ” صلعم” ، والتى جاهد أزهرها الشريف كل محاولات هدم الدين الإسلام ، ومحاربته بكل الطرق ، لكن المنهج الوسطى انتصر، وبقيت مصر والإسلام الحنيف !!
ما يعنى أنها حصن الأمان ، والحصن الحصين للعروبة والإسلام ، وكم خطا على أرضها الأنبياء الكرام ، وأصحاب الرسالات ، حتى خاتم رسل الله محمد ، مر عليها فى رحلة الإسراء والمعراج ، قبالة شرق سيناء ، وعلى أرضها تجلى الله عز وجل ، فى طور سيناء ، لنبى اله موسى عليه السلام ، وما أعظمه وأرقاه من تجل نادر لرب العالمين !!!
ثم كان ختام رحلة الخليل فى المملكة العربية السعودية ، والتى بنى فيها البيت الحرام ، لأداء الركن الأعظم والفريضة الخامسة ، وهى الحج ، والتى يحج إليها سنويا إلى مكة المكرمة أكثر من 3 ملايين حاج ، وأنها المزار الروحى الأول فى العالم ، سواء لمسلمى 54 دولة إسلامية فى العالم ، أو للمسلمين القادمين من بلاد غير إسلامية ، وهنا الرسالة الجلية فلابد من انقاذ العراق ، وإعادتها قوية وقوة عربية كبرى كما كانت القوة الرابعة عالميا ، على المستوى العسكرى ، وأن تتحد هذه القوى ” العراق ـ مصر ـ السعودية” ، ويشملون برعايتهم ، وتحت قيادتهم باقى الدول ، حتى لا تكون الأمة فريسة لأعدائها ، فتتداعى عليها الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأرجوا أن نمعن النظر فى الأمر ، ونراجع دروس التلاريخ ، ونقرأ الواقع بعناية شديدة ، لنعرف ماذا نفعل وما يجب علينا القيام به ، ولننتهزالفرصة التاريخية العظيمة باقتراب ظهور القوة العربية المشتركة ، والتى يجتمع رؤساء أركان الجيوش العربية المختلفة اليوم ، لوضع الأطر والأسس والقواعد المختلفة لها ، وما نراه من توحد عربى فى عاصفة الحزم ، تم بتنسيق غير مسبوق ، بعدما بدت مخاطر المد الشيعى المخيف ، الذى تحركه مطامع فارسية فى الوطن العربى ، تقف وراءه الدولة الساسانية الأصل ، دولة كسرى ” إيران حاليا” .
وللحديث بقية إن كان فى العمر بقية.
التعليقات مغلقة الان