الكنافة النابلسية.. صناعة تراثية تتقنها أنامل فلسطينية

متابعة : خالد متولــى

وسط أزقة الحى القديم بمدينة “نابلس” بالضفة الغربية، تفوح رائحة أشهى الحلويات وهى الكنافة النابلسية المصنوعة بأنامل فلسطينية تحترف وتتقن هذه المهنة التى تتوارثها الأجيال حتى وصلت للعالمية.

ومن داخل أقدم وأعرق محال الكنافة النابلسية فى المدينة، تحدث “أسعد أكرم الشنتيري” صاحب محل “حلويات الأقصى”، لموفدة وكالة أنباء الشرق الأوسط بمدينة “رام الله” بالضفة الغربية، وقال إنه ورث هذه المهنة أبا عن جد.

وسرد “الشنتيري” مكونات الكنافة والتى تنقسم إلى صنفيين أساسيين وهما العجين والجبن وخاصة الجبن الذى يتم إنتاجه فى قرى نابلس لأنه من أجود أنواع الجبن البقرى، فالعجين يبدأ أولا بمرحلة الطحين الذى يضاف إليها الحليب والمياه والسكر والملح ونوع معين من الخميرة (صوديوم ميتا باى سلفيت) مخصوصة لهذا النوع من الخليط وليس التى تستعمل فى صناعة الخبز لتقوم بعمل انسيابية فى هذه العجينة.

ويمتزج لون الكنافة النابلسية بين الأحمر الياقوتى والأبيض لون الثلج والذى يضاف إليهما اللون الذهبى (القطر) ليصبحوا مزيجًا لينًا حيث يبدأ فى دمج العجين ويضعه فى ماكينة لتصبح شعرًا ويترك لمدة يوم كامل لتبدأ المرحلة الثانية وهى طحن هذا الشعر والذى يضاف إليه السمن لتأتى المرحلة الأخيرة لعمل الكنافة.

وفرق “الشنتيري”، بين الكنافة بحشو الجبن والمكسرات حيث تسمى الأخيرة بـ”البصمة” وأن الكنافة النابلسية أصلها بالجبن وتشتهر فى جميع البلدان العربية بل تمتد شهرتها إلى العالم بأثره.

ويتقن العاملون فى محل “حلويات الأقصى” صنع الكنافة على اختلاف أنواعها فهناك “الكنافة الناعمة” التى تم شرح طريقة عملها بالإضافة إلى “الكنافة الخشنة” وتكون بيضاء اللون ويوجد منها صنفان وهما الكنافة الخشنة “برمة” وهى ملفوفة على شكل أصابع ومحشوة أيضا بالجبن الأبيض والكنافة الخشنة “فرد” وهى عبارة عن ثلاث طبقات، طبقتان من عجين الكنافة تتوسطهما طبقة من الجبن.

غير أنه يوجد صنف ثالث أكثر جودة وأطيب طعمًا يعرف باسم “الكنافة المحيرة” فهى ليست ناعمة ولا خشنة وتحتاج إلى مجهود أكبر ووقت أطول فى صنعها.

ويبلغ متوسط سعر كيلو الكنافة فى محلات البلدة القديمة 28 شيكل (سبعة دولارات تقريبا) إلا أن غالبية المحلات الكبيرة هناك أغلقت أبوابها ولم يعد يوجد سوى عشرة محلات فقط من أشهرها “أبو صالحة” و”أبو سير” و”عاشور” و”عرفات”.

وتباينت الروايات حول تاريخ الكنافة النابلسية، حيث يروى البعض أن صناع الحلويات فى الشام قاموا بصنع تلك الكنافة من أجل تقديمها إلى “معاوية بن أبى سفيان” فى الوقت الذى كان واليًا على الشام وذلك حتى يأكلها فى السحور حتى لا يشعر بالجوع أثناء الصيام، الأمر الذى دفع البعض لتسميتها بـ”كنافة معاوية”.

فيما يرى البعض الآخر أن تاريخ الكنافة يعود إلى العصر الفاطمى وقد عرفها المصريون قبل أهل بلاد الشام وذلك عندما تصادف دخول الخليفة “المعز لدين الله الفاطمى” القاهرة وكان ذلك فى شهر رمضان فاستقبله الأهالى بعد الإفطار وهم يحملون الهدايا ومن بينها الكنافة بالمكسرات كمظهر من مظاهر الكرم ثم اكتسبت الكنافة مكانتها بين أنواع الحلوى التى ابتدعها الفاطميون ومن لا يأكلها فى الأيام العادية لابد أن يتناولها خلال رمضان فى البيوت أو المطاعم.

ولكن من المؤكد أن نابلس هى أشهر مدن العالم فى صنع هذا الصنف من الحلويات الذى أصبح ملازمًا لاسم المدينة ومن ثم أطلق عليها “الكنافة النابلسية”، كما حققت رقمًا قياسيًا وعالميًا عام 2009 فى صنع أطول سدر كنافة فى العالم لتدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية حيث شارك أكثر من 150 طاهيًا ومساعدًا فى إعداده وبلغ وزنه 1765 كلجم بطول 74 مترًا وبعرض 110 سنتمترات واستخدم فى عمله 700 كلجم من الجبن البلدى الأبيض و700 كلجم من عجين الكنافة و400 كلجم من السكر و360 كلجم من السمن.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان