«الإلحاد».. ظاهرة معقدة علاجها صعب

متابعة : خالد متولــى

أصدر مرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء، اليوم الأبعاء، تقريرًا جديدًا، يناقش فيه أسباب تزايد ظاهرة الإلحاد بين الشباب فى الدول الإسلامية، خصوصًا دول المنطقة، التى تمر بمتغيرات سياسية واجتماعية كبيرة، لافتًا إلى أن تشويه الجماعات الإرهابية التكفيرية لصورة الإسلام هو السبب، من خلال تطبيق مفهوم خاطئ للإسلام، وتقديم العنف والقتل وانتهاك حقوق الإنسان.

وأشار تقرير دار الإفتاء إلى أن ظاهرة الإلحاد من الظواهر المعقدة التى تتداخل فيها العوامل الفكرية والنفسية والاجتماعية، ولذلك فإن تحليلها والبحث فى أسبابها يحتاج إلى جهد كبير وبحث دقيق من مختصين فى الفكر والدين والفلسفة وعلم النفس والاجتماع.

وكشف التقرير: مواقع التواصل الاجتماعى المتعددة، وفرت لهؤلاء الشباب المغرر بهم مساحات كبيرة من الحرية، أكثر أمانًا لهم للتعبير عن آرائهم ووجهة نظرهم فى رفض الدين، بعيدًا عن التابوهات التى تخلقها الأعراف الدينية والاجتماعية .

ورصد التقرير تصريحات لعدد من الملحدين الشباب الذين جاهروا بإلحادهم، مؤكدين أنهم لا يعارضون الدين، ولكنهم يرفضون استخدامه كنظام سياسى، داعين إلى فصل الدين عن الدولة، فى حين رفض فريق آخر منهم الدين ككل، فيما ترك فريق ثالث الإسلام إلى ديانات أخرى.

كما رصد التقرير أبرز الأسباب التى تدفع هؤلاء الشباب إلى الإلحاد، وعلى رأسها الجماعات الإرهابية التكفيرية، التى تنتهج الوحشية والترهيب والذبح باسم الإسلام، حيث صدرت مفهومًا مشوهًا لتعاليم الإسلام، ورسخت صورة وحشية قاتمة للدين، مما نفَّر بعض الشباب من الإسلام ودفعهم للإلحاد.

وأرجع التقرير أسباب انتشار ظاهرة الإلحاد إلى الخطاب الدينى المتشدد، الذى تصدره التيارات الإسلامية المتزمتة، التى تؤصل لأهم مشكلات التدين فى العصر الحاضر، وهى إشكالية الصراع بين الجوهر الروحى والخلقى، الذى يمثل حقيقة الإسلام، وبين القشرة الشكلية الخارجية، التى تصلح أمارة وعلامة فقط على أن هذا الإنسان ينتمى إلى ذلك الدين ويمارس تلك الشعائر، مشيرًا إلى أن هذه التيارات لا تعرف سوى التشبث بالأمور الشكلية، التى قد تبعد الناس عن الدين.

وتابع: دعوة الجماعات التكفيرية من خلال فهم مختل للولاء والبراء إلى كراهية الآخر لمجرد المخالفة فى الديانة، فيكون من الطبيعى أن ينفر من هذا الكثير من أصحاب القلوب الطيبة والمحبة للآخرين، لأنهم يجدون هذا الأمر صعبًا على النفس، ومناقضًا لما فطره الله فى قلوبهم من حب للآخرين، الذين أحسنوا إليهم .

ومن جانبه، حذر الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية، من خطورة استضافة وسائل الإعلام لغير المؤهلين وغير المتخصصين فى البرامج الدينية، الذين غالبًا ما يتعمدون الإساءة فى توصيل المعلومة الدينية الصحيحة، مما يؤدى بدوره إلى حدوث بلبلة فى الأفكار واختلال فى المفاهيم.

وحول انتشار ظاهرة الإلحاد فى العالم العربى والإسلامى، أكد مستشار مفتى الجمهورية أن دراسة هذه الظاهرة ليست بالأمر الهين، ويكتنفها مجموعة من الصعوبات المنهجية التى من أهمها انخفاض معدلات الاستجابة لاستطلاعات الرأى الميدانية، إذ إن من يعترفون بإلحادهم هم أقل بكثير من العدد الحقيقى الموجود، لذلك فإنه عند تقديم الأرقام حول نسب الملحدين فى عدد من الدول، تكون النسب فى أغلب الأحيان نسبًا تقريبية.

وأوضح نجم أن عددًا من الدراسات والإحصاءات أظهرت أن الإلحاد، فى السنوات الأربع الماضية، قد شهد نشاطًا كبيرًا، فسرعان ما ظهرت عشرات المواقع الإلكترونية على الإنترنت تدعو للإلحاد وتدافع عن الملحدين، فى مقدمة هذه المواقع الإلكترونية الملحدين المصريين و ملحدون بلا حدود و جماعة الإخوان الملحدون و مجموعة اللادينيين و ملحدون ضد الأديان ، كما ظهرت مواقع شخصية للملحدين، جميعها بأسماء مستعارة، فظهر ملحد وأفتخر و ملحد مصرى و أنا ملحد .

ونوه مستشار المفتى إلى أن مركز ريد سى التابع لمعهد جلوبال ، قد وضع مؤشرًا للإلحاد فى كل دول العالم، وقال إن مصر بها 866 ملحدًا، ورغم أن الرقم ليس كبيرًا، إلا أنه الأعلى فى الدول العربية، فليبيا لا يوجد بها سوى 34 ملحدًا، أما السودان 70 ملحدًا فقط، واليمن 32 ملحدًا، وفى تونس 320 ملحدًا، وسوريا 56 ملحدًا، وفى العراق 242 ملحدًا، وفى السعودية 178 ملحدًا، وفى الأردن 170 ملحدًا، والمغرب 325 ملحدًا.

وأوضح التقرير أن مرصد دار الإفتاء للفتاوى التكفيرية، رصد حلقة نقاشية أجرتها هيئة الإذاعة البريطانية ، على موقع التواصل الاجتماعى تويتر ، تحمل عنوان لماذا نرفض تطبيق الشريعة الإسلامية ، وقد تجاوب معها خمسة آلاف تغريدة فى يوم واحد، حيث تركز النقاش حول ما إذا كانت الشريعة الإسلامية مناسبة لاحتياجات الدول العربية والنظم القانونية الحديثة.

واستطرد تقرير دار الإفتاء: أغلبية المشاركين جاءوا من مصر والمملكة السعودية، حيث عبر الشباب المشارك عن أسباب رفضهم للشريعة الإسلامية، وأشار أكثرهم إلى ما ترتكبه الجماعات المتشددة والمتطرفة من انتهاكات باسم الإسلام من قتل وسبى وانتهاك لحقوق الإنسان، وامتهان المرأة كبيرة وصغيرة، وأن هذه الجماعات تصدر نسخة إسلامية تقمع الحرية وتمتهن الكرامة .

ولمواجهة انتشار ظاهرة الإلحاد، قدم تقرير دار الإفتاء عددًا من الاقتراحات: جعل المنهج الوسطى الذى يدعو إليه الأزهر الشريف ثقافة عامة تشيع فى مناهج التعليم والإعلام .

وشدد التقرير على أهمية عمل برامج متخصصة تقوم على مناقشة الأفكار، التى تطرأ على عقول الشباب، مع احترام تلك الأفكار ومناقشتها بهدوء ورفق، وطرحها أيضًا للمناقشة والرد من قبل متخصصين من علماء الدين والاجتماع والنفس والفيزياء.

وأشار التقرير أيضًا إلى ضرورة التنسيق بين المؤسسات الدينية المعنية ببيان صحيح الدين، وهى الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف، لتطوير وسائلها للوصول إلى قطاعات الشباب والتواصل معهم واحتوائهم، وعدم تركهم فريسة لتلك الجماعات المتطرفة، التى تخالف الشريعة الإسلامية فى أهدافها ومعتقداتها.

وطالب التقرير بضرورة بذل مزيد من الجهود، لحماية الشباب وتحصينهم ضد تلك الأفكار المتطرفة والآراء المتشددة، التى تبتعد كل البعد عن وسطية الإسلام وسماحته، والعناية بالرسوخ العلمى والخطاب العقلى، الذى يناقش تفاصيل القضايا العقدية والفكرية القديمة والمعاصرة، وكذلك تجديد الخطاب الدينى، ليتفاعل مع الواقع المعاصر، بعيدًا عن نقل قصص وروايات مكذوبة لم تثبت، ونشرها بين الناس، مظنة أنها ستزيد فى إيمانهم، على حين قد تكون النتيجة هى العكس.

وأوصى التقرير عالم الدين أن يضع عينًا على الشريعة، وعينًا أخرى على الواقع، لأن البعد عن الواقع والتمسك بالقشور التى لا تعد من جوهر الدين كان سببًا فى نفور الشباب وابتعادهم عن صحيح الدين.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة الان